أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - الصديق الأخير















المزيد.....


الصديق الأخير


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 09:21
المحور: الادب والفن
    


[ذهبت وركعت وضممت يدي/كأنني سأشرب في الغدير/ولاح شبح باهتاً واقفاً/من فوقي/ينظر نظرة من الماضي..]..(توماس هاردي)
***
قلت له ذات يوم:
ـ ماذا لو سألك ربك..!!
ضحك ضحكته الأخيرة معي..وصاح:
ـ سأقول له خاللت بغدادياً..!!
***
رأيته يكافح لمسك مشاعره،تبدلت سحنته ورمشت جفناه وظلّ واقفا ً كنصب للحظات فاتحاً فاه، مسكوناً بصعقة المفاجأة،أمهلته برهة وقت كي يلملم نفسه،ويستعيد بريق ذاكرته،خلته في لحظة شك،وقف،مشلولاً واجماً،يريد أن يتقدم،أن يخرج من اشتباكات ظنونه،وسمحت له أن يقلِّب أوراق ماضيه،كي يتيقن،راغباً أن أعرف إن كان حقاً يتذكرني..!!
لحظة رأيته صاحت أغواري:يا للهول أهذا هو أم شبحه..أم أن ذاكرتي التي طحنتها القنابل والحرمان باتت خارج نطاق الخدمة،لا يمكن أن أخطأ،هو..هو..وحده من ينفرد بوجه لا يصافحه غير المرح، وحده من أمتلك هذه القامة القصيرة(أبو الشبرين)،هكذا كنّا نسميه وكان يضحك كلما نناديه..!!،لقد مات ودفناه في رماد ذاكراتنا،كيف بعث،لابد أن أتحرى..(قلت لنفسي لحظة رأيته)،وتابعته بتوجس،خشية أن أسقط في دائرة الوهم،رآني ووقف وخاض شوطاً عسيراً ـ هكذا بدا لي ـ مع ذاكرته،قبل أن يندفع كالبرق ويستدير حولي دورتين ويعانقني..صائحاً:
ـ ها..ها..انظر يا حظي الجميل..!!
حرث وجنتيّ وحرثت وجنتيه،واندلقت الكوامن،لهيب سنوات تناثرت في مهب الريح،أشواق ورغبات نامت وحكايات أثخنتها القنابل ونخرتها جرذان الملاجئ،كل شيء نفض عن نفسه غبار العمر وتجلى كما لو تقهقر للحظة ميلاده،استعاد لسانه طراوته وشعرت أنني أخرج من دهليز إجباري،سحبني خارج أمواج البشر المتلاطم،جلسنا على أريكة متأرجحة في مقهى شعبي تحتشد فيها أجساد بشرية مهملة..
ـ كيف حالك يا(....)..(قاطعني).
ـ أبو الشبرين قلها..قلها..أم أنك نسيتها..
لا أدري من أين هبطت ضحكة إلى لساني،ضحكة منسية أو منزوية ظلّت متحفزة للرحيل بعدما نسيت الضحك وتحجرت منابعه الكونية،أطلق هو الآخر ضحكته،ياااااااااااااه..ما زال يحتفظ بضحكاته التي لا تنتهي،الضحكات المتقطعة،(كركركركركركركر)،في تلك اللحظة استدارت الرؤوس الثلجية نحونا دفعة واحدة،وأنغرزت فينا عيون غامضة وربما حاسدة،تندلق من وجوه يابسة ،شعر هو بحراجة الموقف وشاركته إحساسه النبيل..
ـ لقد دفنّاك وصرت من الماضي يا(……).
ضحك هذه المرة بهدوء وربت على كتفي وتمتم:
ـ ألا تعلم وراء الموت بعث..
ـ ولكن موتهم رماد،إن لم تكن(فينيقاً)ليس بوسعك الانبعاث..
ـ لا..لا..أبو الشبرين لم يخلق كي يموت بأيديهم..!!
***
أعادتني تلك الجلسة لسنوات رغم حرائقها واندحار الآمال ولا جدوى الحياة،حفلت بفواصل لم تكن عابرة،ما تزال تهيمن كمزارات سريّة،كلما نشعر بهاجس الإخفاق نهرع إليها،شردتنا الحروب وتقلبات الأحوال من سيئ إلى أسوء،وتهنا في ممرات الحياة اللانهائية،رغم الفاصل الزمني الثقيل، وجدته كما التقينا في ذلك الزمن البعيد،كان وما يزال يحتفظ بهدوئه الجبلي ومرحه الفطري،ولم يخرج قيد أنملة من هيكله النادر،احتسينا(شاياتنا)وتحدثنا عن خراب أعمارنا..قلت له :
ـ أراك كما كنت،أين أخذوك وكيف فلت من قبضتهم،آه لو تدري في أي بحر حزن ألقيتنا..
هزّ رأسه وحرّك يديه وسحب دفقة هواء وزفر بقوة وقال:
ـ من حقك أن تقول بأنني مت،نعم مت موتاً طال أمده،حكم علي الإعدام رمياً بالرصاص،وتم تخفيف ذلك إلى المؤبد ولكن إلى الآن لا أعرف لم دفعوني إلى غياهب السجن..
ـ أحقاً تقول(لا أعرف)،ألم يستجوبوك..ألم يكاشفوك عن جريرتك..!!
***
كل شيء كان ممكناً،ليس من المستغرب أن يجد الإنسان نفسه في ورطة أو يزج به إلى غياهب السجون،كانت الحياة تستعر على نيران حرب غير مقدسة،حرب أعطيناها أحلامنا،وتركتنا مثل أوراق أشجار ساقطة بعدما انتفت الحاجة إلينا،أخذوه ذات ليلة،كنّا ننعم ـ رغم تواجدنا تحت مظلة الموت ـ بدقائق نتخلص فيها من تعاساتنا،لحظتها لم نشعر بشيء خطر،استبعدنا مثل ما باغتنا به آمر(فوجنا):صاحبكم أقرءوا عليه الفاتحة..!!. ليس بوسع جندي أن يخاطر أو يلهث خلف أسرار الجيش أو كما يقولون (يشمشم)الأخبار،لكن كل مستور هناك من ينثره للريح،وكل شيء بفلوس يغدو غداً(ببلاش)كما يذهب المثل،وكان ناثر أسرارنا هو مراسل آمرنا،يبيع كل شيء بعلبة سجائر،وعرفنا منه بعد أن دشنّا جيبه بملغ علبتين،كون الخبر لحظتها كان يستحق أكثر من ذلك، أنبأنا أن(أبو الشبرين)هكذا أتهم(جاسوس)يعمل لصالح(إيران)،وبعد أيام تم توزيع برقيّة مفادها،أن جهاز الاستخبارات رصدت من قبل قاطعنا خروقات وكانت الحكاية أن أحدنا يتنصت إلى أجهزة العدو عبر جهاز اللاسلكي،أخذوه وظلّ ماثلاً لا يريد أن يغادرنا،لقد مر الزمن سريعاً،وكنّا نقول أن الله رحمنا،خفف عن كواهلنا بتسريع الأيام والشهور والسنوات،كي لا نمل الأمل ولا تفتر رغباتنا من تحقيق ما نتمنى ولو في خريف ـ سوف ـ لا يأتي..!!
***
من أين هلّ وحقن في هذه الآمال المنسية،آه..مازلت أحتفظ بلقاءاته،كان الوقت أصيلاً،وكنت في طريق عودتي،قادماً من إجازتي الدورية،مثقلاً..أجرجر قدمي،كانت الطائرات تسرق من الناس أصائلهم الترفيهية،وكانت المدافع خبط عشواء تنثر الرصاص في الأديم الفارغ،جذبني صوت صبي يقف وراء صناديق متناثرة للمشروبات الغازية،رغبت أن أحتسي مشروبي المفضل(تراوبي)،وقف لصقي جندي صغير القامة،رأيته يحتسي(ست)زجاجات،تجشأ وربت على بطنه،رفع كفه اليمين باتجاه الفضاء الداخن وصاح :
ـ أشفيت غليلي،أنا مستعد للموت،أيتها الطائرات الجبانة..!!
لا اعرف كيف شدّني إليه وكيف سمحت لنفسي أن أجري وراء جندي لا أعرفه ولا أعرف إلى أين يريد،معاً شقّينا لأنفسنا المسالك المزدحمة،لا نهتم إذا ما ارتطمت الأجساد بنا،نلاطف من يلاطف،نهز رؤوسنا لمن يلقي تحيته،ولحظة وصلت وحدتي العسكرية،وجدته يتبعني،أتذكر جيداً أنه أخرج من جيبه مظروفاً واستفسر عن العنوان،قلت لحظتها:
ـ يا لسعادتي الكونية،صرت صديقي قبل الأوان..!!
***
في تلك الجلسة تزاحمت الأسئلة واحتدمت المشاعر وبات من الصعب أن نستوعب الأمور،أشياء لا يمكن وصفها تتواصل،فوضى الحياة اندلقت كبركان خرق مستوى المألوف،زالت دولة الكابوس وسقط باني مجد الحروب،وعاد البشر إلى الشوارع،كنت أسير لا وجهة لي سوى البحث بين الأنقاض عن حلم فلت من أنياب الظروف،عن ضحكة تتوسل أن أدغدغ جذورها،لحظة لفت انتباهي..قلت له والخوف من أن لا يكون إلاّ شبحه إزائي:
ـ أي أرض ابتلعتك وألقتك أمامي،ها كما تراني أهيم وكلّي سعادة،لكم وددت أن يحصل هذا الفرح من سنوات..
سحب ـ كعادته ـ شهيقاً خلته بلا انتهاء،هز رأسه وقال :
ـ أووووووووووف يا صاحبي،كنت أسافر من مدينة لمدينة،من عمل لعمل،وكلما يناكدني الحظ أبدِّل مهنتي،أرهقتني الحياة وأسقطتني بين مخالب هذه الرغبة اللانهائية،أسافر..أسافر..لا مأوى يوقف مرضي،لا أكتمك السر،لكم رغبت أن أجازف وأعبر الحواجز كي أتجول بحثاً عنكم..عن الحبيبات اللائى واعدناهن بالزواج،اشتقت إلى الأمكنة التي تناولنا فيها أطعمتنا السريعة،قل لي هل لا يزلن(المعيديات)يفترشن الأرصفة،لكم كان لذيذاً(قيمرهن)،ضاقت السبل مذ وضعوا الحواجز ما بين شمالكم الحبيب وجنوبنا الوديع لخنق آمالنا يا صاح..
زفرت بحرقة،ونحت عيناي في عينيه..قلت :
ـ ما تزال ذلك العاشق المقامر الذي التقيته وإن هرمت بعض الشيء..
قام وسحب يدي،سبقني ودفع الحساب،سرنا باتجاه النهر،تناهت لأسماعنا كركرات وهمسات لعشاق اختلوا بين الأحراش والسواقي،وصلنا حذاء النهر جلس وأجلسني لصقه ووضع رأسه على كتفي وسمعته ينتحب،خلته يكركر كركراته الملائكية،اندفع نشيجه ليلفني بسحره ويصرعني بين طيّاته،بكينا معاً لا أعرف لم بكيت،وجدت نفسي تندفع وتدلق أنهر من الدموع،للحق أقول في تلك الجلسة البكائية شعرت إنني استرددت ما فقدت من عمر،لقد نسينا العالم وفوضاه،وتركنا الناس في حالهم ورحنا نسترجع حكايات زمن لا بد في يوم قادم سنبكيه،بعدما تحولت أيّامنا إلى كوابيس،وسباحة في يمٍ مجهول القاع،آه..يا.. لا..لا..لن أسمح لنفسي أن أكرر ذلك الاسم الذي ألصقه آمرنا به،من الآن فصاعداً سأناغيه باسمه(نريمان)الذي أجهل معناه،يا لغبائي تكاشفنا عن كل شيء،عن أسرارنا،عن أحلامنا،الآن أتسائل لم لم أسئله ما معنى(نريمان)،آه..مذ التقيته صار هاجسي وصرت أشعر به وهو يكاتفني أينما أسير،حين مسح دموعه بكم قميصه وفعلت ما فعل،قلت له:
ـ هل تتذكر يوم(الكراج)..!!
ـ لم أجد حلاً آخر،كان يجب أن أجد مكاناً لي،الدنيا مغامرة يا صاح،إن لم تغامر هناك من يسبقك ويفترس استحقاقاتك..
ـ لكم اندفعنا وسلخنا جلودنا من أجل أن نكن ضمن الصفوة الحالمة،أتدري شيمة الحياة في هذه البلاد الغدر وإعطاء الكسالى ما لا يستحقون..
ـ دعنا من خسائرنا التي ولّت،خبرني عن أمورك..
ـ أيّة أمور،ألم تقل ذات مرّة،من أسمال المرء تعرف مستواه المعيشي..
ـ لا تنسى بشر هذا الوقت يمشي بالمقلوب،ترى الغني يخبئ أمواله وراء أسوء الثياب ،لا..لا..بل و(يتبجبج)خوفاً من العيون..دنيا لم تمشِ كما أردنا،(تفو)عليها..!!
***
لحظة رأيته أحببته،كان ثقل العالم يرتمي فوق كاهلي وكان الجنود يتقاتلون من أجل الحصول على مقعد في حافلة كي يلتحقوا بوحداتهم العسكرية،رأيت حافلة بالكاد تشق طريقها وسط زحام بشري متدافع،جنود تسلقوا النوافذ وآخرون صعدوا إلى سقف الحافلة وكان رجال الانضباط العسكري برؤوسهم الحمراء وأعوادهم يساومون الجنود كل مقعد مقابل(دنانير ثلاثة)،كان علي أن أدفع لحظة أشار لي أحدهم ودنوت منه،همس في أذني أن أعطيه ثمن مقعد محجوز،صعدت من غير عناء ومشقة ،ما أن جلست في مقعدي حدث صخب،أخرجت رأسي من النافذة،وجدت السائق يجرجر ساقي جندي قصير القامة،صار نصفه داخل الحافلة من النافذة الخلفية،هدرت الأفواه دفعة واحدة،رأيت السائق يلوّح ببنطال و(بسطال)..صارخاً:
ـ سأوصلك إلى آمرك هكذا يا كوردي أبن كوردي..!!
انطلقت بنا الحافلة صوب الجنوب،في الطريق عند مطعم بائس ترجل الجنود وأعاد له السائق ممتلكاته وأصطحبه معه إلى غرفة إطعام السواق المجاني،من جديد سارت الحافلة،وجدته يجلس على صندوق المحرك،بعدما قام بتبديل مقعده الخلفي مع جندي لم يحصل على مقعد،وفي مدينة (البصرة)تناثر الجنود ومضيت أجرجر قدمي،قبل أن تباغت المدينة سرب طائرات ووجدته يقف لصقي قرب صبي الـ(تراوبي )..!!
***
تمر الأيام..لا جديد يلوح..الموت لا يريد ترك هذا البلد..يا له من موت جشع..موت فيما سبق كان طعامه الهرمون والهرمات،بات الآن لا يأكل إلاّ أجساد طرية،يافعة،حالمة،أجساد الشباب والأطفال،يلتهم كل ما هو جميل..كل ما هو نبيل..كل ما هو أصيل..لم أعد أمتلك شيئاً،منفرداً أواصل تجوالاتي،دمار على دمار،حيطان المنازل تبكي،رؤوس الناس أثلجت قبل أوان خريفهم،هذا وقت الضيق يا عالم..(أصرخ)..(لا صديق..لا صديق)..يجاوبني الفضاء الداخن،وكلما أنتهي من غربلة شوارع المدينة المهجورة،أنقل ما تعلق بي من نتانة الأزقة إلى حذاء النهر،وحده صار الوفي الأمين،هناك حيث جلسنا أنا و(نريمان)في يوم لا يريد تركي لحالي،أسرد للنهر مواجيدي وأبثه آلامي،وحده النهر يستوعب أحزان المهزومين ويعيد للروح ومضات أمل خجولة،وكلما أجلس ،أراه لصقي،يشاركني النحيب،آه..يا(نريمان )،يا ترى أين دحرجتك عجلة الحياة هذه المرة..!!كلّي يقين أنك(فينيق)،ستنبعث وتباغتني كما فعلت،زالت الحواجز وبات التنقل بين شمالنا الحبيب وجنوبكم الوديع كما كنت تقول أسهل من شرب كأس ماء،أجلس وأنبش رماد ذاكرتي بحثاً عن حكاياتنا،عن صديق تدحرج من الشمال في زمن العذاب الجماعي وصار شغلي الشاغل،ليس لي أنيس ولا جليس سوى عربتي،أشق بها فوضى الأزقة عابراً عشرات الحواجز الكونكريتية وركام القمامات المتروكة،وحدهم الصبيان يمنحوني الفرح،يتقاطرون من حولي،أصواتهم تغريد بلابل،أستظل في أفياء المنازل المهجورة،عاداً الساعات الثقال قبل أن أعود إلى غرفتي في فندق تعيس ضاج بشباب فارين من مدنهم،تمر الأيام والأشهر والسنوات،دائماً تباغتني امرأة عجوز تأتيني كلما أصل زقاقها تصطحب معها طفلين،تشتري ما يرغبانه،طفلان لأب ضاع في الحرب الخليج،طفلان ما يزال الأمل يحدوهما،أن أبوهما سيأتي في القريب العاجل،هذا ما صرّحت به العجوز لي،ذات يوم أرادت أن تعرف كم طفل يتعلق برقبتي،يا للهول سؤال لم أتوقعه ولم تصدقني حين قلت لها:
ـ يا أمي أنا شجرة يابسة.
ضحكت،هازة رأسها..قالت :
ـ كلكم تقولون نفس الكلام.
ـ يا أمي حظي أسود.
ـ أصبغه..الدنيا مليئة بالبيضاوات.
في البدء خلت القضية رهن يدي،حاولت أن أجد ضلعي المبتور،وكلما أهتدي لحوّائي تردعني متطلباتها،فدحرجتني الأيام ووصلت إلى حافة العجز التام،قلت وداعاً لعمر لا خير فيه طالما زبده ارتشفته الحروب،وجدت عربتي سلواي والصبيان بلابلي وتلك العجوز كلامها أوراق تمنح أغصاني اليابسة لسعات راحة ما قبل الموت..!!
***
تآلف(نريمان السليماني)سريعاً معنا،وصرنا لا نفارقه،ليلنا الطويل هو قاصمه بكلامه العربي (المكسّر)وطرفه الغريبة،أقتنص فينا حالة التذمر وملاسناتنا بخصوص ما يخصنا من أعمال روتينية، حسم كل شيء ببرهة وجيزة،إذ باغتنا ذات مساء قائلاً:
ـ أخواني من الغد أنا أقوم بكل الأعمال.
حاولنا أن نثنيه عمّا عزم عليه وتوكل،للحق أقول،شعرنا لحظتها بإهانة أمام هذا الوافد الجديد،آه..أيّة روح مرحة ترفرف بين خافقيه،صار طبّاخنا الماهر وصار جالب أرزاقنا كل صباح من المذخر بواسطة دراجة هوائية،ورفض حين راودتنا فكرة تقسيم واجبه الليلي فيما بيننا،حين عرضنا عليه الأمر،تعكر مزاجه،قبل أن يصرخ بوجوهنا:
ـ وهل أنا امرأة يا أخوان..!!
***
مذ صار صاحبي الوحيد،لا ليل ينقضي بدونه،خلال جلساتنا الليلية على حافة جدول ماء يزحف من (شط العرب)في ساعة المد،حكى لي أشياء كثيرة،حكى عن فتاة أقام الدنيا ولم يقعدها من أجلها،عاشا ساعات لا تنسى،في الوديان وبين طيّات الجبال،عرف أبوها بقصتهما،قرر ترحيلها إلى قرية نائية عند شقيقه،دارت به الأفلاك،كاد أن يقتل الأب القاسي،لولا وصوله إليها،تلك الفتاة(خلات)سأمت بعد حبيبها فأحرقت نفسها ذات صبيحة ربيعية،يوم اكتشفوهما معاً من بعد تفريق ،آه..يا(نريمان)،يالك من داهية،كيف أجدت ومثلت الدور..!!،ليتني كنت أباها لوهبتها لك بلا مقابل،نعم أقولها بملء فمي،من غير مقابل أهبها لك،كونك أثبتّ حبك لها،لقد تنكر(نريمان)بزي فقير،وذات يوم من بعد شهور حافلة بالمفاجآت،وقف أمامها،خافت من شاب متنكر يغرز عينيه فيها،لكنه باغتها بصوته،قال لي:
ـ لقد زاد حبّها لي جرّاء ما فعلت..!!
أخطأ العاشق المسكين حين ظلّ يحوم في نفس القرية مما حامت حوله شكوك وظنون،اصطادوه ذات ليلة،كان معها في غرفة،فلت كما فلت من حبال المشانق،كما فلت من فوهات البنادق،لكنه ظلّ من مكان قريب يتسقط أخبارها،قبل أن تباغته الصاعقة..قال لي :
ـ ماتت حياتي لحظة عرفت أنها أحرقت نفسها..!!
***
كنّا جالسين،يلفنا دفيء الملجأ،نضحك للطرف النادرة والتي كثرت مع الحرب،لحظة جاء سائق الآمر وأخذ(نريمان)،مكثنا ننتظره،خلنا القضية لا تستحق التفكير،فهو دائماً كان يطلبه في ليالي السأم،كلما جفا الآمر السهاد يطلبه ليؤنسه بالحكايات والنكات،انقرضت الساعات،اكتشفت في تلك الليلة، بوسع الإنسان دحر النعاس مهما بلغ شراسته،ظللت بعدما نام الجميع في حالة يقظة،ضجيج يغتصب صدغي،جسدي يغزوه تنمل غير طبيعي،لا أعرف كم وكيف نمت،قبل أن يفاجئنا صباح صامت،لم نعد نعرف ماذا يتوجب علينا فعله،قبل أن يباغتنا الآمر لحظة جمعنا بقولته المشؤومة..(لا..لا..نريمان لم يمت.. أنه عاد..)..ليتني أرى رفاقي لأزف لهم بشرى عودته،سأقول لهم جلسنا معاً وبكينا أجمل بكاءاتنا،سأسرد لهم كل ما قاله لي،ليتني أجد الآمر،ربما سأتعلق برقبته لأخنقه بكلتي يدي،سأصرخ بوجهه لقد كذّبت علينا،لقد عاد..لقد عاد..لقد عاد..عااااااااااااااد(نريمان السليماني)..!!
***
ـ نريمان..قلبي يلعب ومشاعري لا تستقر،كيف نجوت،قل لي.
ـ قصتي قصة يا(محمود)،كتمتها وحدك من يستحق سماعها،كنت في المؤبد،هناك ليس من أمل في عين النزلاء،عليك أن تسلّم أمرك وتستسلم،تراقب لحظة بلحظة موتك البطيء،لقد باع والدي ـ قبل أن يموت ـ بستانه وسيّارة حمل وعقد صفقة تاريخية عبر وساطة شاب مع ضابط أمن السجون، كان ذلك الشاب شقيقاً لزوجة الضابط،التقاه والدي في يوم المواجهات،هو من نادى على والدي لحظة رآه،كردياً يبدو عليه مترفه الحال،آه..أيها(البستاني محمود)،أنت لا تدري ماذا يحصل هناك خلف القضبان،في(أبي غريب)هل تصدق أنهم أعدموا معتوهاً التقطوه من الشوارع بدلاً عن أبن(شيخ عشيرة)،دفع مبلغاً محترماً لضابط أمن السجن،حكاية معروفة شاعت بين النزلاء،كان عرّابها شقيق الضابط الذي كان دائماً في لحظة اصطياد من كان غنياً،عليك أن تصدق أكثر من هذا،كل شيء بات في قبضة سماسرة تحت حماية القانون ينهشون بجسد البلد من أماكن حسّاسة..!!
ـ حكايات كنّا نسمعها من هنا وهناك،لا نعرف مصادرها أو مدى صحتها.
ـ هل تصدق إن قلت لك أنني خرجت بأسم شخص آخر.
ـ لم لا أصدق،كنت فيها كما يقولون.
ـ اشتريت أسم مسكين جاء يوم انتهاء محكوميته رفض الخروج وبكى يطلب البقاء،تصور إنسان يرفض حريته،ليس لأنه يخشاها بل أراد أن يكمل حياته في السجن،ستة عشر عاماً بالتمام والكمال قضاها هناك،ماتت أمه..مات أبوه..وطلّقته زوجته وظلّ بلا بشر يسنده،باع لي حريته بكيس نقود،راضياً مرضياً،حمل أسمي وحملت أسمه،خرجت أنا وظلّ هو ينوب عني لقضاء السنوات العشر المتبقية بذمتي..
ـ عجيبة دنيانا يا(نريمان)،دعنا من ويلات السجون وقل لي أراك بلا خاتم.
نحت عينيه في أصابع يدي،غمز وحرر من ثغره صفيراً..قال:
ـ حالي مثل حالك،احكي لي لأحكي لك.
ـ تعرف حظي جيداً،كلما أضع واحدة نصب عيني،تدار نفس الاسطوانة،أمّا مخطوبة أو ترفض الزواج ببائع(ملاعيب)أطفال..
ـ حظك وحظي سيّان،ماتت محبوبتي(خلات)،تزوجت من فتاة قريبة لم نتآلف،طلّقتها وقررت البقاء عازباً،قلت الحياة تافهة لا تستحق العناء،طالما ارتمت في أحضان من لا يساوي(فلسين)..
ـ ذكرّتني بها،قل لي كيف تركوك من دون عقاب،خصوصاً أبوها.
ـ المال يا(صلاح)،يعمل العجب في بلادنا،المال يصنع من العبد سيداً،أبوها أخذ نصف كيس نقود،بيني وبينك أهلكت مال أبي،كما تعرف أنا وحيده وهو مستعد أن يذبح نفسه أن تطلب الأمر من أجلي..
ـ يا له من أب يستحق التقدير..!!
***
أخرج باكراً إلى الأزقة الغاصّة بالصبيان إلى زقاق العجوز التي واعدتني ذات يوم إقناع امرأة (شهيد)دخلت إلى قلبي يوم اصطحبت طفلها واشترت له منّي بعض اللعب،امرأة وجدتها الجمال والمال والمأوى،كانت ترفض وتحاول أن تحتفظ بكيانها إخلاصاً وعرفاناً لزوجها الراحل،دائماً الشؤم بالمرصاد،ماتت العجوز ومات حلمي لاصطياد تلك الفاتنة المحرومة،لا شيء يسعدني سوى المشي ،أمشي و(نريمان )يمشي بجواري،أحاوره ويحاورني،وحين أنتهي من تجوالاتي أهرب إلى حذاء النهر ،هناك أشعر بدفق الحياة،أتسلى بحكايات أيامنا القديمة،في انتظار زوال الفوضى والذبح العلني والجوع المتنامي في ربوع أرض الخيرات،وفي الليل في غرفتي أحصي خساراتي وأهيأ أكياس جديدة لهزائم متكررة وخيبات بلاد تتواصل..!!
***
ـ [أشعر أن أشباحاً تناديني..وفي الليل ترتمي حولي].
ما الذي يهذي به هذا الكائن الصغير،ظلّت العيون تبحلق والأفواه تحاول أن تقول شيئاً،لم نعهد فيه هكذا شطحات ولا سكينة مقلقة وكنّا لحظتها جالسين نحتسي الشاي الذي عمله لنا..
ـ ما الذي يجري من حولي،خبروني،إن تطلب الأمر عون فأنا لست بفرعون،يا جماعة.
قال أحد الجنود وحرر ألسنتنا من الدهشة ووجدنا أنفسنا في موجة ضحك..
قال آخر:
ـ أهي أشواق تهبط عليك من دوننا،من صاحبة هذا المطر الليلي يا(أبو الشبرين)..
هتف آخر:
ـ أجّل موتك يا(أبو الشبرين)،هذا ليس وقته،ليس بنا رغبة للبكاء عليك..
قلت لحظتها:
ـ أشم رائحة كريهة يا أخوان،لا تسخروا من التهويمات المفاجئة،ربما هي علامات تستوجب الحذر.
استدار نحوي ورأيت بريقاً يشع من أغواره،ظلّ يحدّق كمن أكتشف سراً من أسراره..
ـ [أرى أيضاً،مستنقعات تلتف علينا وكواسج تخرج وتقيم أسواراً حول ملاجئنا].
ـ أجزم أنّك تخبأ شيئاً،أنك ستدخل على صاحبة حظ سيئ،من يا ترى تقبل بهذا الطول (العنتيكة)،خبروني يا جنود..(علّق جندي)..
ـ و..أ..خيييييراً سقطت الأقنعة،وانكشفت المستورات،ستضرب العسل يا صاح.. (أجاب جندي آخر)..
ـ [المفاجئات فواكه قد تأتي غير ناضجة،وأرى أيضاً،خيوط تمتد من ملجأ لملجئ،خيوط تدلق نيران،تتقدم وتلتهم كل شيء].
تركنا في وجوم متنام قبل أن يدلف علينا سائق الآمر،ودون أن يسلّم علينا أو يقول شيئاً،أشار إليه،قام(نريمان)،مسك السائق معصمه وقاده إلى ظلام الليل،أتذكر أنني كتمت كلاماً ضجّ فوق لساني بخصوص العلامات التمهيدية للنوائب القادمة لافتراس الإنسان..!!
***
ـ جئت أبحث عن فرصة أخرى للحياة،الأمكنة غدت متشابهة،أينما تولّي وجهك ثمت سواد قادم ودائماً تجد حشد ضحايا،حياتنا ـ يا صاحبي ـ أصبحت،بكل معنى الكلمة،جزّار وخروف،عليك أن تختار برجك،لا مكان بين المقصلتين..
ـ أتدري يا(نريمان)،جيلنا جيل مدحور،كتب علينا أن نكون كما كنت تقول خرفان بلا معنى، وليس هناك إلاّ قصّاب واحد،نحر ما حلى له وما طاب قبل أن يرحل.
ـ ذلك لأننا تنصلنا من الحقائق ورضينا بكل وافد أعلن قدرته على إزاحة الظلام ودحر الفقر وتطهير الحياة من آفة الغباء..
ـ على عاتقنا يقع كل خطأ،نحن السبب في كل ما حصل،نحن السبب،نحن..نحن..
هزّ رأسه ونقل نظراته إلى النهر ورأيته ينحت عينيه في زورق صيد ممزق في الجرف يقف عليه نورس مذعور،كان المساء يهبط والكركرات الأنثوية تتواصل وراء الأجمات وداخل السواقي المستورة بالأشجار والحشائش،حاولت أن أستبقيه ضيفاً معي،أبدى اعتذاره وأنسحب من أمام عيني وأنا أنتحب بصمت،بصمت بليييييييييييييييييييغ ناطق..!!
****
كان آخر لقاء لنا،إذ لم يحصل ثانية أن نلتقي،طال انتظاري له،وربما سيطول طالما البلاد تتفكك والناس ترحل،أحاول دحر عذاباتي وسط خراب يزحف من كل مكان،لم أعد أتمكن أن أتجوّل كما كنت في السابق،الدروب ملغومة والبلاد تمشي بساق واحدة،ساق عرجاء وليس هناك عكّاز لتقويم الأمور،كلما أجلس شيء ما يباغتني،إحساس مبهم،لا سبيل للنجاة منه سوى المشي،أقوم وأندفع كي أتخلص منه،إحساس يدنيني من الموت،يغريني،أمشي وحيداً،ليس لدي ما أخشاه،أسمال مهترئة،جيوب خالية،ليس لي من يتألم بفقداني،أمشي وأمشي،أكتشف نفسي فوق المقعد الصامد على حذاء النهر الخابط،أجلس و(نريمان) يهبط من ذاكرتي،يجلس بهدوءه المعتاد،يتململ،يلاصقني،نبدأ بالكلام،نتحاور ونتجادل أحياناً،نستعيد بعض من ضحكاتنا القديمة،ولا أعرف لم وكيف ينقضي النهار بهذه العجلة، يباغتني المساء،مساء موحش،بشر يمشي،يلهث،تنحدر دموعي،أراه ينسحب،يقوم من جنبي،يمشي،أقوم وأمشي وراءه،أكتشف أنني أجري وراءه مهرولاً،أصرخ:لا..لا..لا تتركني يا(نريمان)،دعني أتبعك،دعني أمشي معك..!!،يتوارى بين جموع بشرية هاربة،ألهث خلفه،أبحث عنه،أسقط وأقوم وكلما أمسكه،يدفعني بعنف،أسقط وأقوم..أمسكه من جديد قبل أن تباغتني لكمة قاسية،ويردعني صوت جهوري:
ـ أعمى العيون..ألا ترى دربك..!!



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن النصر
- بيت كاميران
- أصطياد فأر....مونودراما
- غريب الدار
- حتى انت يا جمعة
- موت الواقع في رواية (موت الأب) لأحمد خلف
- السيرة الدرامية للمبدع(محي الدين زه نكنه)في كتاب ل(صباح الأن ...
- جمال الغيطاني في(حرّاس البوابة الشرقية)هل دوّن ما رأى أم سرد ...
- بين دمعتي(احمد خلف)و(حسين نعمة)دمعة كاذبة
- القارة الثامنة
- الرجل الذي أطلق النار
- في حوادث متفرقة
- مسرحيات مفخخة//حين يكون المبدع أداة مجابهة// محي الدين زنكن ...
- أينما نذهب ثمة ورطة
- إنهم يبيعون الإهداءات
- أغتيال حلم..أو شاعر آخر يتوارى
- تواضعوا..يرحمكم الله
- سيرة الدكتاتور..من الفردانية..إلى الأفرادية..
- بلاد تائهة..
- سر هذا الضحك


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - الصديق الأخير