أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين شلبية - طوق القصيدة - في وداعك محمود درويش!














المزيد.....

طوق القصيدة - في وداعك محمود درويش!


معين شلبية

الحوار المتمدن-العدد: 2390 - 2008 / 8 / 31 - 07:44
المحور: الادب والفن
    



في وحشة الغياب وفي سديم الحضور، رمتني رياح النزوح الأخير فانهالت عليَّ الشجون وأنهكتني الدموع، دثَّرني الضياع، باغتتني الحيرة وعانقتني الشموع. فراغ فسيح أَلقى عليَّ ظلاله، طقس موغل في الجوى تمكَّن مني، والنَّوى طحَّن مهجتي كسَّرني وبعثرني ودسَّ بوحا في الرماد. همست في صمت دفين: بعدما ضلَّ الموت الطائش الطريق إليه وأجله، هو لم يمت هو لن يزول، لعله قام من بين الأحلام وغاب في الأبدية الزرقاء؛ ناصع الحزن نقصته.. وأنا حضرت لأكمله.
شعرت منذ أن تلقيت نبأ الفجيعة، بمحنة الكتابة عنك، ولكن، من حسن ارتباكي وحرجي منك، حسبت في البداية أن لكل شيء أوانه إلا موتك، وما بين البداية والنهاية خانني حلمي.
تكسّرت روحي وأضنتني بكائيات جزعي عليك، وأنت أيها الخاص مسجّــى على مفترق الرخام، ممتلئ بالبحر والإيقاع في حضرة الحضور؛ لم تكتمل رؤاك بعد، لكنها وصلت إلى أقصى حالات تجليها المتوتر. طقس كتابتي لم يبدأ بعد، كأني فقدت خبايا اللغة في هذا المشهد العبثي الخارج عن المألوف. هل يكفي أن أستعيد في هذه الشطحات خفايا الحنين إليك.. مع شاعر كبير، وسيم، قلق وأنيق، له وجوده المدهش في حياتي وعلى هذه الأرض التي عليها ما يستحق الحياة!.. لا، لأن حادثة موتك الخرافي بالنسبة لي تتمايز بأنها سابقة تراجيدية داهمتني دفعة واحدة دون استئذان، فموتك جاء كعاطفة عاصفة تمسِّد غموض حياتي. كيف يمكن النظر في واقعنا الآن؟ وأنا اقرأ مأساة فقدك، فإذا كان الموت قد اختارك لان يخرجك مكلَّلا من زحمة الزمان الدنيوي ليأخذك إلى العلوي، كأن هذا الموت يخبرنا بمدى التصاقه فينا حين دلَّتني عليك تلك الفراشة المحلِّقة التي هزَّت جناحها في مكان ما وسببت إعصارا في مكان آخر من هذا العالم.
من منفى إلى آخر ،كان سؤال الحياة، العشق، الأرض، المرأة والموت سؤالك ما دمت تكتب... لقد كنت ‬شاعرا في‮ ‬زحامك ومزدحمًا في‮ ‬شعرك، وأنت الذي عثرت على كنوز الشعر في طين الحياة ووحشة الغياب، جعلت من تجربتك مرجعية ثقافية، ثورية، وطنية،وجودية متمردة قابلة للحياة رغم استعارات الموت الناهضة، حتى صغت من ماء الحضور وقسوة الغربة ألواح الشعر وجمالياته، وكنايات الدفاع عن الحياة في وجه ما يجعلها عبئا على الأحياء؛ وها أنت الآن في غيابك، أقل موتا منا، وأكثر منا حياة !.
لن أجرؤ هنا على الحديث عن موت ملهم عشت معه مجازا زمنا من المكاشفات الصوفية والاتحاد الروحاني، الذي لن تكفيه همسة بارقة، تسنح بالمرثاة المتعثرة هذه أن ترسم حدسا، عن بطل مأساوي سكنته فلسطين ولم يحرم من إضفاء خصوصيته على المشهد الإنساني العام، عن شاعر شامخ طالما سكنه هاجس البحث عن الفناء والبقاء.
غاب سيد الشعراء في نشيده الطويل نحو الأزلية البيضاء، غاب كسير الروح بعد أن حقق معنى الأسطورة، غاب وليس ثمة من عزاء إلا فيما تركه لنا من فراديس إبداعية مدهشة، وكشف يقين لشاعرية راقية وأسى يتضخم كل برهة، لن أتحدث عن وسائله في خلق سيرة من الحداثة والتجريب والإدراك كابدت، كي‮ تبحث عن العدالة والحرية هنا أو هناك في‮ ‬تلك المنطقة السادرة، لن أتحدث عن إيمانه بجدوى الأمل والألم والمحبة المشتهاة، لن أتحدث عن حياته التي غدت ذاكرة جماعية جمعها في سنوات قضاها في حزن المكان والزمان، ذلك الحزن الذي هزم قلبه المرهف وأصبح سببا حقيقيا لمعانقة صفيح الوطن ومكمن الرحيل. رجل سنايا، ترك لنا الشعر والنثر مجتمعين في أفق ملحمي، ترك تلك الابتسامة الموجعة تربت على ذائقة جمعية تليق به، على سكينتنا اللاهثة المأزومة، فكم شاق عليَّ شخصيا أن أفكر في فراقك، نحن الأحياء مجازا وأنت الميت مجازا.
سبايا نحن في هذا الزمان الرخو، لا البقاء ولا الخلود هو المبتغى... لكنها حسرة الناسوت في النقصان.. لكننا نراك في كل مكان، تحيا فينا ولنا، وأنت لا تدري ولا تعلم، فهل حقا لا تدري ولا تعلم؟ لست أدري؟ هل حقا لست أدري؟
في كل واحد منا شيء منه، هو لا يُرى، هو لا يزول، هو جاذبية غامضٍ يستدرج المعنى ويرحل حين يتضح السبيل، هو خفة الأبدي في اليومي.. أشواق إلى أعلى وإشراق جميل.



#معين_شلبية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعي الشاعر الكبير محمود درويش
- أدب
- دراسة نقدية
- رؤيا
- تجليات الأزرق الكوني
- دهشة الخلاص
- كرجع الصّدى
- حينَ خلعتُ جسدي !؟
- قبل الماء
- كلمات مهزومة
- بحيرة الوجع
- خيمة في الريح
- طقس التّوحد
- دع الشمس وانصرف
- نجمة أيلول
- خلف نافذتي الضبابية
- هل يغريك الموت ؟
- مرايا الغمام
- محنة الألوان
- لكِ الغياب سيدتي


المزيد.....




- مصر: مبادرة حكومية لعلاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- غمكين مراد: الرُّوحُ كمزراب
- مصر: مبادرة حكومية علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- رحلة العمر
- حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم هند صبري بالشراكة مع غو ...
- فيلم -الملحد- يُعرض بدور السينما المصرية في ليلة رأس السنة
- كابو نيغرو لعبدالله الطايع: فيلم عن الحب والعيش في عالم يضيق ...
- -طفولتي تلاشت ببساطة-.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
- مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين شلبية - طوق القصيدة - في وداعك محمود درويش!