أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين شلبية - خيمة في الريح















المزيد.....

خيمة في الريح


معين شلبية

الحوار المتمدن-العدد: 1736 - 2006 / 11 / 16 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


في ذكرى وداع السيد الرئيس، قائد الثورة الفلسطينية، المجاهد الشهيد الرمز ياسر عرفات "أبو عمار"


(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.) صدق الله العظيم

نوح لتشرين الغريب
لم يبق متسع لروحك للنواح
والقلب يثقله ويثخنه الحبيب
لم يبق إلا الورد محتاراً كما دمنا المباح
هو راية تبقى لشعب لا يغيب.


كغزال فلسطينيّ على شفير التأملِ، كان يودّع فوق الريح ما فقدت يداه، تخومَ اشتياقه ورؤيا جهاته وحلمَ المدى.

هو الرجل العصيّ على الوصف، ترب المهمات الصعبة، فدائيّ على أهبه الفجر، بكرة وعشيّة، نقطة اللقاء الفذ، بين جمالية الغموض وبين وضوح الياسمين.

هو البطل الملحمي الأخير لجدارية الموت، مخلِّص الحياة بناره المقدسة ، ياسر عرفات، أبو عمار، هو في الهزيع الأخير ولم يزل - هنا أو هناك- هو لم يمت !!! هو على حافة الموت / الحياة ، موقعه السّبي بين الأرض والسماء.

من هجرة إلى أخرى ومن منفى إلى آخر، كان يعود من رحلة الحلم المضرّج، ليطفو على سطح الأساطير العتيقة، يراوده ذلك الحدس التراجيدي، الذي يليه صرخة الجسد، ومضة الذهن وهاجس الروح.

كان محكوماً بالقطيعة والنضال، ضالعاً في التنقيب عن حقّ شعبه المنكوب والمسلوب، تأخذُه جدليةُ تدمير ِالذات، يحملُ لعيني فلسطين، جماليةَ تهكمه ِعلى الحياة وسعادةَ المتكئِ على مآسيه.

عاد يبحث عن وجهها الرمادي في طقس أسئلة الضحيّة؛ هي المسكونةُ بالأوجاع ونزاعِ الألوان المفعمِ بألق العتمة ولهيبِ الوضاءة... حتى أَضحى حضورُها الشَّهيُّ، طاعناً في الوجد الذي يطفحُ حزناً؛ بكل ما علق به من ترحال قصيٍّ على الإدراك ومن خسارات تليق بما يعتلج بغوره الدفين، بين وجع وحنين.

كان رجل الحزن المتعالي، مربِّياً للفرح في حلكة الخيام، مكفَّناً بعبث الأزمنة، وفيَّاً للأمكنة في عهد الخيانات، مدافعاً عن هشاشة الممكن، مذ تخلَّى التاريخُ عنه.

صار يبحث عنها في جغرافيا ترحاله الداخلي، بكل ما علق بقلبه من غبار التَّشرد والتمزُّق والنُّزوح، له الريحُ كلُّها ولها مقاماتُ النخيل.. هو الطائر الأبديُ، وهي، رغبةٌ متعذرةٌ، مقاومةٌ نزق المستحيل.

ما عاد في القلب متَّسعٌ لمزيد من الألم وهو في ذروة عزلته، يبحث عن معاقلِ الحزن وعن ذاكرة معلَّقة فوق اكثرِ من حلم، ولفرطِ ارتفاعِ منسوب أحلامه .. يتشظى بوحاً، يشعر بانتمائه لكل أنواع الغيوم، يأخذه التحدي بعيداً، لينفخ الجماد بروح الحياة الإنسانية، في عصر العهر وحضارة الزنى والقهر.

راسخ حلمه، كأنه لاجئ نبويّ. لم يكن مارقاً بين الكلمات العابرة، ولا قابعاً في هامش الرحمة والضَّياع، لتحمِله الموانئ على مهب الأسئلة، ولم يكن واقعاً يتجلَّى عبرَ جناحيِّ الكون والفناء، ولكن يا سيدي الحزنَ:
نحن رمز الواقعة، ونحن الشقاء المطلق في لحظات الكشف الخارقة.


" فاذهب
فليس لك المكان ولا العروش المزبلة
حرية التكوين أنت
وخالق الطرقات أنت
وأنت عكس المرحلة. "

تغرَّبَ من هواء البحر والصَّحراء؛ كأنه قربان مؤجل فوق عربة التاريخ . تجاعيدُ الوقت تَشْرَق روائحَ الليمونِ حين تهبُّ الذكرياتُ عليه، سياج البيت مشدود على سنديانة الريح، زعتر رخو ينثال من خبل السماء، شلال من السُّهد يلتحف الفلك، وجه يتوسد النجمات فوق جذوع الفضاء، فراشة في القلب تقايض الليل، رجل يبحث عن ظلِّه المعطوب ويسكن خارطة.

في حضرة الشوف والغياب، وحيداً على رصيف العذاب، يتملّى ترابها الأبي، ظلالها الهاربةَ بين يديه، وكل ّ شيء، كلّ شيء، مرَّ الزحام بطيئاً وما انفك ينتظر.

كنبع دافق، جوارَ مدفأة التناقض والتعاكس واليباب، يتقرَّى خطوط المعجزة، يتساقط الجمر على مداخلِ قلبه، مدينة الصلاة تعلن سعير الويل، يقف متحدِّياً محنةَ وجوده، يتجول داخلَ خرائبه في زمن الموت العبثي، يحمل صقيع المعاناة والحيرة والتَّأزم.. وجعَ الحواجز والجدران الفاصلة.

واصل حنان بلاده السَّخيَّ في غيبوبة وجوده؛ مستنداً إلى حائط الدهشة والإخفاق الفاجع بالظلم والطغيان، وفي لحظة تأبين أحلامه، كانت تزمِّلُهُ حالةٌ من التصحر الضاري، ليغطي نواح الإنكفاء وغضاضة القادم، دلق روحه في نقعة الضوء، ومضــــــــــــــــى !.

ما عاد هو هنا، فقطار العمر يومض حدَّ الحلكة، وفراشاتُ القلب أضحت ممشى الذكريات، هجرة الأشواق، جواحيمٌ تتقرَّى قسمات المترقرق الأبدي.. والمجاهيلُ أجنحتي.. تحطُّ على سقف الريح، لكلِّ اسم رجوعُهُ... ملءَ المدى.

ما عاد هو هناك، وما عادت هي، وما عدت أنا أنا ولا الآخرُ هنا، وما الحالةُ إلاَّ حيِّزٌ كوني للمشتهي، محطةُ انتظار في المجرات البعيدة، حيث الكلُّ في الواحد والواحدُ في الكلِّ، قرابينٌ مؤقتة على مذبح العشق والكرامة.

يعودني في الوحدة غيابه الجسديُّ، روحه المترفعة،ُ لهفة لقائه الأول، حضورُه المباغتُ السَّخيُّ، شهوةُ الإنخطاف إليه.

من هجيج دامٍ، من حائط ساقط ومن رحيل إلى حصار، كان يفرد سجادة حسراته، مزهوَّاً في حالات الهيمان، نابضاً في خلايانا المزدهرة، كاشفاً عن مشاعره اليتيمة في هذا الغبش الكوني، لعلَّ معجزة فلسطينية تطلُّ كعنقاء حرَّى، تلبي نداءَ الرَّغبة.. وتبقى !.

ويبقى السؤال مهدَّداً ومهدِّداً ! ماذا بعد ؟؟
- طائر مبلل بالرعد !!!

لكن، علينا أن نسجّل قبل الإجابة : أن مسوخ التاريخ ودمنه ، براثن الاحتلال وأعوانه ، أعداء الحرية والاستقلال ، أصحاب المجازر والمذابح وعولمة القرصنة والإرهاب، لن يحالفهم حظ؛ ولو في حضرة غيابه الشَّهيد الشَّهيد الشَّهيد الذي فينا.

لم تُجْهِزْ عليه ساعته، ها هو مستسلم للنوم من أرقٍ، باقٍ بكوفيته الأنيقة وبذلته العالية، رغم أنفهم، كلسعة نحلة في الحلق، ها هو محتشد بوصيَّته، قويٌّ بحجَّته، ثابت بإيمانه، كما الزيتون في ذاكرة شعب الجبارين وفي مرجعيته المجيدة، باقٍ كمعبد للمعاني في أقاصي الكلام؛ وكأنَّ لسان زهده يقول: " لم يبق بي موطئ للخسارة " !.

هو الآن يصرخ فينا... وقد أدرك مشارفه على مفرق الفصول، إنه الآن واقف على حدّ السيف.

ويبقى السؤال معلقاً، السؤال الذي لا يكف عن توليد الأسئلة:
هل حرم من فلسطين أم فلسطين حرمت منه !؟

ماذا تبقى منه: فارس خرافيّ، هويتنا دمه، فقط لا غير.

هو الآن يأخذ موقعه البهيّ في سدرة المنتهـــــــــــــــى.



#معين_شلبية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقس التّوحد
- دع الشمس وانصرف
- نجمة أيلول
- خلف نافذتي الضبابية
- هل يغريك الموت ؟
- مرايا الغمام
- محنة الألوان
- لكِ الغياب سيدتي
- حصان الروح
- ظلال الغياب
- رحيل الروح
- هجرة الأشواق العارية
- الموجة عودة


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين شلبية - خيمة في الريح