أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين شلبية - أدب















المزيد.....

أدب


معين شلبية

الحوار المتمدن-العدد: 2305 - 2008 / 6 / 7 - 09:25
المحور: الادب والفن
    


الشاعر معين شــلبية وديوانه:

هجرة الأشواق العارية


بقلم: فهيم أبو ركن


"هجرة الأشواق العارية"1 مجموعة قصائد جُمعت بهرمونية انسيابية، تضوع بعطر خاص وأجواء مميزة، منذ الصفحة الأولى وحتى الأخيرة.

ويبدو أن الشوق مفردًا أو جمعًا يحمل معاني رقيقة وعميقة، تشد الشعراء لتوظيفه في العبارات والصور الشعرية. فقد كنتُ قد حَمَّلتُ الشوق مفردًا معاني التوق للتوحُّد بين الأشياء، أو لانصهار الجزء في الكل، وذلك من خلال دلالات الاندفاع والجريان المتواصل في بحث لا ينقطع، عندما أطلقت على ديواني الأخير عنوان "شلال شوق"2. فهذا الاندفاع "الشوقيّ" هو حنين الروح لجوهرها، وهو محاولة إدراك الشيء لحقيقته، مما يضفي على الشوق إيحاءات صوفية عميقة، وتكتسب حركته دلالة خصبة واسعة لتطلعات النفس البشرية فوق الجسدية.
ويأتي شاعرنا معين شلبية ليضيف ويضفي دلالات جديدة مبتكرة، إذ أنه يجسد الشوق بعد أن يعريه، محاولا الوصول لكنهه دون أغطية تُخفيه، أو ملابس تستره، بل يفضله عاريا طبيعيا دون أصباغ أو أحجبة، ثم يرسله في سفر طويل مهاجرا! وكل ذلك ليس قبل أن يصبغه بصفة الجمع، فيعطيه معنى الكثافة والتعدد، وليتحفنا بعنوان إبداعي ملفت للنظر " هجرة الأشواق العارية".
هذا هو المفتاح الذي يبشرنا أننا أمام قصائد أصيلة راقية، فالشاعر يوظف الدلالات المتناقضة في صوره الشعرية، ليعمق الإدراك الوجداني والشعور العاطفي، ويكثف الوزن النوعي للحالة الشعورية، فنحن مثلا نعرف المصطلح اللغوي "على قيد الحياة" لكن الشاعر جاء به مناقضا للمتعارف عليه، ليفتتح القصيدة بهذا الإيحاء المبتكر "على قيد الموت" ص،5.
ثم يتبعها بصورة شعرية فيها معاني الكرم ودلالات الخير"كان ضيف المطر" ص،5. فالمطر يرمز إلى الخير، والضيف يذكرنا تلقائيا بالكرم، ويأتي هذا متحركا غير جامد أو ساكن، فضيف المطر يرسم فوق الريح، والرسم يحتاج إلى حركة رشيقة فنية، إنه يحدد اشتياقه بأن يرسم له التخوم، وحين يرسم فوضى الجهات وحلم المدى، إنما يجعلها في نظام خاص، يزيد من عمق الإيحاءات الشعرية.
هكذا نهاجر مع الأشواق العارية، لنلتقط ما تبقى من عبق الروح، ونسمع مع الشاعر "ضجة الجسد" ونشعر "بشتاء الروح" ونحظى "بقيام الندى".
ولكي نفهم الجو العام للديوان فهما أعمق، لا بد من التوقف السريع عند بدايته، في الفقرة المقتبسة من الشاعر "أدونيس".
فالشاعر شلبية يفتتح ديوانه بهذه الفقرة التي تبدأ بكلمة "ربما" ص،3. مستعيرا من أدونيس فكرة عدم اليقين، لأن هذه الدلالة تندمج، وربما تكون ضرورية لتعميق معنى هجرة الأشواق، لأن الهجرة هي الانتقال طوعا أو إراديا من واقع إلى واقع، أو من حال إلى حال، أو من مكان إلى آخر، انتقالا ماديا أو معنويا، جسديا أو روحيا، وهي قد تكون أي الهجرة هروبا أيضا من واقع معين أو مكان أو حالة، أو قد تكون بحثا عن شيء جديد أو قديم غائب، المهم أنها إرادية بعكس التهجير.
فأول كلمة في هذه الفقرة وفي الكتاب عامة هي "ربما" أتبعها في السياق بكلمة "نتخيل"، وبهذا خلق الشاعر شلبية من اقتباسه لأدونيس جوا من التساؤل أو الشك في الدفقة الأولى من القصيدة، خاصة عندما جعل محطة الوقف الأولى نكرة تامة، مجهولة غير محددة، إذ يقول: "ذات يوم". فاسمعه في هذا التسلسل يقول:
"ربما،
ليس في الأرض حب
غير هذا الذي نتخيل أنا
سنحظى به، ذات يوم".
إنها صورة إبداعية راقية لواقع مهزوز، أراد الشاعر الإشارة إليه، ولشكوك متصاعدة من كلمة "ربما" متعددة الإمكانات، إلى كلمة "نتخيل" المعتمدة على المثال الذهني، وحتى عبارة "ذات يوم" المستغلة عدم التحديد والإنكار المبهم، مما يمهد لمعاني الهجرة الاختيارية أو الإرادية الطوعية، ولا أقول القسرية لأن للأخيرة لفظا دقيقا هو التهجير وليس الهجرة. غير أن الشاعر شلبية لا يستسلم لهذه المعاني المحيرة، بل يبلور لنا هدفا ينادي للوصول إليه بلون تفاؤلي، حين يطلب بلسان أدونيس "مواصلة الرقص" حتى ولو كان في أصعب الأحوال، فالرقص عبارة عن فرح طفولي بريء، أو أحيانا يكون دلالة لممارسة طقوس خاصة. والشاعر يطلب عدم التوقف ومواصلة المشوار:
"لا تقف
تابع الرقص يا أيها الحب، يا أيها الشعر،
حتى ولو كان موتا".
إنه يقدم الحب على الشعر، ويجعله عمادا له، ولكنه يطلب من الاثنين متابعة الرقص، وبذلك يرمز إلى حيوية الشعر، واندماج أو انصهار الحب فيه، ليصبحا روحا واحدة، فلا يمكن للواحد أن يستمر دون وجود الآخر، وهكذا ينتصر للحياة رغم الانطباع الأول المغاير بسبب عبارة "على قيد الموت".
بهذه الأجواء غير المستقرة نسافر مع الشاعر في مجموعته، ونقبل قصائده، لأن طبيعة السفر مناقضة للاستقرار، ومع هذه الأشواق العارية نعبر مع الشاعر حالات وجدانية من خلال صور شعرية تدخل النفس بانسياب، لأنها تنبع من داخل النفس وتبحث في ثناياها، ومن خلال ترحالها الداخلي، وتأثرها بسلبيات الخارج الذي عبر عنه "بغبار التشرد"، موظفا لذلك مصطلحي التصحر والضياع لتعميق الإحساس وتثبيت المعنى، ص 8:
" صار يبحث عنها
في خريطة ترحاله الداخلي
بكل ما علق بقلبه
من غبار التشرد
والتصحر والضياع".
هذا البحث يزيد من علامات التساؤل حول الحقائق، فهو لم يعد هو!! ص، 10+11:
"ما عاد هو هو
وما عادت هي
وما عدت أنا أنا
ولا الآخر أنا".
إن الشاعر يؤكد وحدة الكون على طريقة "نظرية السلب" فكما نعلم في علم الرياضيات إذا ضربنا ناقصا بناقص نحصل على زائد، هكذا الشاعر ينفي جوهر الـ "هو" الذي يَعْرفه وجوهر ألـ "أنا" و "الآخر" ليخلق تماثلا بين الأشياء، فعندما لا أكون أنا أنا ، إذن فربما أكون أنا هو، وعندما لا يكون هو هو، فربما هو أنا أو أنا هو الآخر!! وهكذا يصل بنا التفكير إلى الاقتناع بما وصل إليه التعبير لاحقا، حين يقول ص، 11:
"حيث الكل في الواحد
والواحد في الكل".
إذن "صاهل بالرغبات" شاعرنا، تأخذه القصيدة من جذوة القلب، فهو مقيم في محراب العراء، يتساقط الوهج على مداخل قلبه، فيقف متحديا محنة وجوده، يتجول بين خرائبه في زمن الموت العبثي! كيف لا وهو قد تعب من هواء البحر والصحراء، وأصبح سياج بيته مشدودا على صفصافة المنفى؟!.
هذه لمحة عن أجواء المجموعة التي تبحث في لحظات الحياة ومآسيها، فها هو في قصيدة "محنة الألوان" يخبئ في صور الكآبة دمعها ليسبر ما وراء الموت، وها هو انتظاره قد طال في سماء الفاجعة، حتى طوافه طال وانتحاره، فأصبح "كمحاصر في ظلال الله على وردة يائسة" ص، 24.
في الحقيقة هذا هو التعبير الوحيد الذي لم أستسغه، لأن الظل هو ناتج طبيعي عن جسد يتلقى نورا من جهة معينة، والله لا يمكن وصفه أو تخيله كجسد ملموس حتى نستطيع أن نتخيل أو نفهم ظلاله!! إنما يمكن لله أن يكون مصدر النور فنتخيل أنواره، بينما الظل هو انعكاس لوجود مادي، وهذا نوع من تجسيد الله غير المستساغ.
إذن "هجرة الأشواق العارية" مجموعة قصائد جميلة بإخراجها الشكلي، ولمساتها الفنية ومضمونها الداخلي، وهي ثمرة جهد مبارك، ومعاناة ناضجة لشاعر أصيل، نتمنى أن يتحفنا بالمزيد من أمثالها.

1 . مجموعة شعرية جديدة للشاعر معين شلبية ابن قرية المغار الجليلية، والتي صدرت في أوائل هذا العام عن دار الأسوار في عكا.
2 . شلال شوق. فهيم أبو ركن. إصدار دار الكلمة ودار الحديث، ( الكرمل: شتاء 2007).



#معين_شلبية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة نقدية
- رؤيا
- تجليات الأزرق الكوني
- دهشة الخلاص
- كرجع الصّدى
- حينَ خلعتُ جسدي !؟
- قبل الماء
- كلمات مهزومة
- بحيرة الوجع
- خيمة في الريح
- طقس التّوحد
- دع الشمس وانصرف
- نجمة أيلول
- خلف نافذتي الضبابية
- هل يغريك الموت ؟
- مرايا الغمام
- محنة الألوان
- لكِ الغياب سيدتي
- حصان الروح
- ظلال الغياب


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين شلبية - أدب