أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ساطع راجي - السياسة الإمامية ( نظرية السيد محمد الصدر )















المزيد.....


السياسة الإمامية ( نظرية السيد محمد الصدر )


ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 2261 - 2008 / 4 / 24 - 05:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سيطرت على الفكر السياسي الشيعي رؤية احادية اتجهت الى التركيز على عدد من المواقف الثورية والحازمة أي على لحظات المواجهة التي خاضها الائمة ووجدت هذه الرؤية مجالها الرحب في الفترة الاولى من حياة الامام علي بن ابي طالب والتي تمتد حتى وفاة الرسول محمد (ص) وفي الفترة الثالثة (الاخيرة) من حياته وهي فترة خلافته وكذلك في الفترة الاخيرة من حياة الامام الحسين بن علي التي انتهت بأستشهاده في كربلاء في حين كان النمط الاكبر والاكثر شيوعا في حياة الائمة بعيدا عن الاهتمام ويبدو ان الرؤية الاحادية التي ركزت على السلوك السياسي الثوري للائمة قد تضخمت بتأثير عاملين :
الاول حديث ومتغير تمثل في شيوع الفكر السياسي الثوري وسيطرته على النظرية السياسية في اغلب بقاع العالم منذ اواخر القرن التاسع عشر ولهذا اتجه الفكر السياسي الشيعي الى التركيز على عنصر المعاصرة فوجد ما يريد وتغاض عن ما لا يجد رواجا معاصرا .
العامل الثاني قديم واقل قابلية للتغير ويتمثل في الثقافة الشعبية والوعي العام الذي يتشوق الى لحظات المواجهة ، وتجذبه قصص المعارك والثورات والحروب ، وأي عقيدة في مرحلة الدعوة ومحاولة ألانتشار لا بد لها ان تأخذ في حسبانها متطلبات الوعي الشعبي وتنتج خطابا يلائم هذا الوعي وينسجم مع طموحاته وأحلامه في الخلاص من مضطهديه .
وتحت تأثير هذين العاملين تم التغاضي عن معظم السلوك السياسي للائمة الاحد عشر بل لقي بعض ثوار الشيعة اهتماما اكبر من ذلك الذي لقيه السلوك السياسي غير الثوري للائمة اما طبيعة السلوك السياسي الذي نقصده فهو ما اهتم السيد محمد صادق الصدر بتوضيحه في كتابه ( موسوعة الامام المهدي )1 وخاصة في الجزء الاول ( الغيبة الصغرى ) عندما يؤرخ لحياة الامام علي الهادي والامام الحسن العسكري ، والتي يسميها السيد الصدر في اكثر من مكان في كتابه بـ ( السياسة السلبية ) ونجد تعريفها الواسع في ( وهما عليهما السلام يتكفلان الاصلاح الاسلامي مهما وسعهما الامر ويمثلان جانب المعارضة الصامدة امام انحراف الحكام عن الخط الرسالي الذي جاء به النبي (ص) بالشكل الذي لا يتنافى مع سياسة الملاينة التي اتخذاها تجاه الدولة . وهما يقومان في عين الوقت بالرعاية العامة لمصالح اصحابهما ومواليهما في شؤونهم العامة دائما والخاصة في كثير من الاحيان )2 اذن تتكون هذه السياسة من ثلاث مضامين :
1.الاصلاح الاسلامي في حدود الممكن .
2.المعارضة الصامدة للحكام المنحرفين بما لا يتنافى مع سياسة الملاينة .
3. رعاية المصالح العامة والخاصة للموالين .
اما الترجمة السلوكية لهذه المضامين العامة فنجدها في توصيف حركة الامام الهادي (3) بالشكل الاتي :
1.التجاوب مع المتطلبات العادية للسلطة العباسية للتخفيف من سياسة الضغط والاكراه والابتعاد عن صيغة المواجهة
2. اتباع سياسة الحذر لازالة شكوك السلطة وحفظ حياته وحياة اصحابه وكذلك للتخفيف من شدة المراقبة مما يتيح للامام امكانية واسعة للحركة .
3. استثمار وجوده بجوار السلطة وبالقرب من القيادات السياسية والادارية والعسكرية والقضائية لكسب عقول هذه القيادات واستمالتها الى جانب الامام وعقيدته وربما لاحداث تحولات فكرية في هذه القيادات .
4. الاستفادة من آلية الحكم انذاك القائمة على العلاقات الشخصية والوساطات والمحسوبية بما لا يسيء الى الى مبدئية الامام وبما يحقق مصالح العقيدة والمجتمع الاسلامي .
ورغم هذه السلوكيات العلمية الا ان السلوك السياسي للامامين العسكريين لم يتجه الى الانتهازية حتى مع الضغط والتضييق الذي تمارسه السلطة ضدهما ولو احصينا بعض الفرص التي كانت سانحة للانتهاز من قبل أي سياسي نفعي عادي لأمكننا معرفة الحدود الاخلاقية والعقائدية التي تتحرك في اطارها السياسة العملية للائمة وخاصة في عصر الامامين العسكريين ومن هذه الفرص الاتي :
1. دخول الدولة العباسية في حروب مع دول غير اسلامية ، وكان يمكن استثمار انشغال الدولة بهذه الحروب للتخطيط لانقلابات او ايجاد صيغ للتوافق مع الدول غير الاسلامية ، لكن السياسة الامامية كانت ترفض التعامل مع غير المسلم ضد المسلم وان كان ظالما او منحرفا .
2. ظهور حركات يراها الإمامان منحرفة عن التعاليم الاسلامية ، ورغم ما حققته من نجاحات سريعة ورغم اعلانها ولائها لآل البيت النبوي فأن الامامين رفضا التعامل معها ، بسبب فسادها العقائدي .
3. انتشار المغامرات السياسية التي تمثلت في ثورات وحركات تمرد او حركات انفصالية اقليمية داخل الدولة وتعبر عن طموحات شخصية وعائلية لتاسيس كيانات مستقله عن مركز الدوله العباسية ومع ذلك لم يتجه الامامان للتعاون معها رغم انها كانت احيانا تحظى بشعبية وتكون معبرة عن مظالم حقيقية يشعر بها ابناء الاقاليم .
4. تكرار حركات التمرد والانقلابات العسكرية داخل عاصمة الدولة ورغم انها كانت تنجح غالبا في تغير رأس السلطة الا ان الامام الهادي والامام العسكري لم يحاولا الاستثمار هذه الحركات او التعاون معها والأهم ، انها لم يحاولا تقليدها رغم نجاحاتها المتكررة .
5. قيام العديد من الثورات الشعبية الموالية لامامة اهل البيت النبوي وداعية لتوليهم قيادة المجتمع ، ومع ذلك فان القراءة السياسية للامامين كانت تكتشف عدم امكانية نجاح مثل هذه المحاولات على المدى البعيد ، ولذلك لم يندفعا اليها لكي لا يكونا طرفا في معادلة عسكرية يعرفان سلفا ان اتباع المذهب سيكونون الطرف الخاسر فيها او ان قرائتهما العقائدية تكشف لهما عدم صلاحية الحركة الثورية للمنهج السياسي الذي يختطانه رغم التوافق العام معه .
اذن السياسة الإمامية تتحرك في حدود الحفاظ على الاسلام والمسلمين بعامة وعدم تعريض اهل المذهب الإمامي للمخاطر او الدخول في مواجهات خاسرة والحفاظ على نظافة الاساليب والوسائل المعتمدة في العمل السياسي أي ان العمل السياسي في التصور الامامي يتحرك ضمن ثلاثة حدود هي : العقيدة والاخلاق والمصلحة الاسلامية العامة . ويكون الوضع مفهوما اذا ما عرفنا اهداف السياسة الامامية التي يراها السيد الصدر في تأسيس المجتمع الاسلامي العادل الواعي الذي يطبق تعاليم الاسلام ويتعاون افراده في إنجاح التجربة الاسلامية (4) ولنلاحظ ان هذا الهدف مركب يتجاوز ذهنية الجمود العقائدي التي تتجه الى فرض التعاليم والشرائع وتطبيقاتها قسرا ، بل يشترط المشاركة العامة التي لا تتخذ صيغة إنفعالية آنية بل تعتمد ستراتيجية التعاون والإهم من ذلك ان السياسة الإمامية تأخذ بنظر الاعتبار ان تكون الظروف ملائمة لنجاح التجربة ، واستخدام السيد الصدر لكلمة ( التجربة ) تشير الى تطور مهم في النظر الى الممارسة السياسية في الفكر الاسلامي ، حيث لم تعد هذه الممارسة تتحرك في اطار الحتمية المفردة والواحدية بل هناك تجارب متعددة ولن تتجه السياسة الامامية الى مباشرة التجربة الا عندما تتوفر لها عناصر النجاح ، لان تكرار التجارب الفاشلة سيؤدي الى قنوط الجماهير ويأسها والأخطر يحدث عندما تنجح التجربة في اول الامر ثم تتجه بعد ذلك الى الانحدار والتفكك والفشل .
اما العناصر التي يرى الائمة ضرورة توفرها لنجاح التجربة الاسلامية فهي (5)
اولا : وجود الخلافة الاسلامية بالشكل الذي كان يؤمن الائمة عليهم السلام وهو توليهم بانفسهم منصب الامامة ورئاسة الدولة الاسلامية او من يعينونه ويختارونه لذلك .
ثانيا : وجود المجتمع الذي يملك اكثرية كبيرة او مئة بالمئة لو تحقق من الافراد الواعين المتشبعين بفهم الاسلام نصا وروحا ومستعدين للتضحية في سبيله وقول الحق ولو على أنفسهم ورفض مصالحهم الضيقة تجاهه والذين يبذلون – نتيجة لذلك – الطاعة المطلقة للحاكم الاسلامي الحق .
ومع ان الشرط الاول يبدو بديهيا وعاما ، حيث من الاجدى لأي تجربة سياسية ان يكون قائدها على معرفة تامة بدقائق وتفاصيل النظرية التي تؤسس لتلك التجربة وهو هنا الامام ومع ذلك فثمة توسع يؤدي الى اكثر من تأويل فقول السيد الصدر ( او من يعينونه ويختارونه لذلك ) اما اشارة الى امكانية التعيين الافقي أي ان يختار الامام بديلا له في حال حضور او غيابه او بمعنى التعيين العمودي أي ان يوكله على بعض المهام او الاقاليم الا انه في كل الاحوال يؤشر الى ضرورة توفر حزمة قيادية من الاشخاص الملائمين لإنجاح التجربة الاسلامية وان هذا النجاح لا يعتمد على قائد فرد ولو كان اماما معصوما .اما الشرط الثاني لنجاح التجربة الاسلامية كما تتصورها السياسة الامامية فأنه يشير بوضوح الى ضرورة القناعة العامة بالأسلام نصا وروحا وهذه القناعة ليست مجرد اعتقاد بل افعال حقيقية تصل الى حد التضحية بالنفس والقناعات الشخصية والمصالح الفردية . وهذه القناعة لا تشمل مجموعة صغيرة او كبيرة من الافراد بل لا بد ان تكون شاملة للمجتمع بأجمعه وانها ليست أنفعال آني لحظوي يريد الاستعجال بتطبيق بعض النصوص الشرعية بل ولو بتطبيقها كلها ، فالعقيدة المقصودة في السياسة الأمامية ليست نصوص جامدة بل روح تلك النصوص كما يرى السيد الصدر وآليات السياسة الامامية التي يوحي بها تعريف عناصر نجاح التجربة الاسلامية ترفض استخدام القسر والقوة في التعامل مع المجتمع واذا كان للائمة مبرراتهم العقائدية والفقهية لعدم اللجوء الى آلية القسر والإجبار فاننا نفهم اليوم بعد تكرار التجارب السياسية الى ان آليات القسر والإجبار كانت السبب المباشر في فشل التجارب السياسية المختلفة بل والاساءة الى النظريات التي تؤسس لتلك التجارب ولقادتها وشهدائها ورموزها .
والأهم ان هذه الشروط يمكن الحكم بها على مصداقية وجدية أي سياسي إسلامي ( خاصة اذا كان إماميا ) لكي تتم معرفة واحصاء المغامرين السياسين الذين يريدون استغلال المشروع الاسلامي الإمامي وتمرير رغباتهم السلطوية من خلاله ، بل وتمييز حتى تلك المحاولات الصادقة في توجهها لكنها لا تمتلك عناصر النجاح او على الاقل تستعجل هذا النجاح فتؤذي انصارها ومجتمعها والمشروع الاسلامي برمته .
وقد تبدو هذه الشروط والأحترازات ، لأول وهلة قاتلة لاي فعل سياسي ، وحتى إن كان ثمة فعل فهو فعل محدود وغير مؤثر بل قد يؤدي الى تصور يقول بعدم تأثير وجود الائمة في عصرهم ومجتمعهم ولكن هذا كله غير صحيح فما يسجله السيد الصدر عن حياة الإمامين العسكريين يكشف بوضوح عن دور فاعل ومهم في حياة الناس بل وفي مؤسسة السلطة احيانا ولكن السؤال المهم هو عن مصدر السلطة التي تتيح لهؤلاء الافراد المحاصرين والمراقبين والمعزولين بإرادتهم او بدونها للتأثير في حياة من حولهم من الأفراد والجماعات وما هي القنوات التي تسري فيها تلك السلطة لتحقق اهداف الائمة .
السلطة في المفهوم الإمامي :
ينطلق العقل السياسي البدائي في فهم السلطة من تصور مبسط يقوم على المقارنة المجازية بين الكيان الاجتماعي والجسد البشري ، حيث يتصور السياسي البدائي ان الافراد مجرد اعضاء في جسد واحد له رأس واحد يتحكم بكل مفاصل هذا الجسد وحركاته وسكناته ويتم احيانا تضخيم دور هذا الرأس ليسيطر على الاحلام والكوابيس والامنيات والحركات اللاإرادية التي يعجز حتى الرأس البشري عن التحكم بها وقد ساد هذا التصور للسلطة فترة طويلة من الزمن وتسرب الى كثير من النظريات الفلسفية والسياسية ولهذا التصور مصدران احدهما وهمي ومنحرف يظهر عندما يحاول السياسي المتسلط التماهي مع صورة السلطة الإلهية وكأنه يستنسخها بشريا كأن يدعي الالوهية او ما شبه من مراتب والمصدر الثاني واقعي يأتي من العلاقات البشرية في مرحلتها الدنيا التي يصح عليها اسم ( الجماعة ) وغالبا تنتج عن علاقات عشائرية ولكن عندما تتطور الجماعة وتنمو وتتسع الخلافات والتمايزات والاختلافات بين افرادها ويصيرون طبقات وشرائح ومذاهب وإتجاهات واحزاب يتضاءل دور مفهوم الجماعة ويتقدم عليه مفهوم ( المجتمع ) وقدرة النخبة السياسية على فهم هذا الفارق هو ما سيحدد اذا ما كانت المؤسسة الحاكمة متخلفة ام مواكبة للحقائق الاجتماعية المتجددة ويسجل التاريخ ان معظم الحكام الذين تعاقبوا في منطقة الشرق الاوسط قد فضلوا الابقاء على سيطرة وسيادة مفهوم ( الجماعة ) وما يترتب عليه من كون السلطة رأس واحد متحكم
لكن ما نشهده في السياسة الإمامية مما يؤرخ له السيد الصدر انها تمكنت من مواكبة التغير الذي حدث في الكيان الاجتماعي الاسلامي وخاصة في عصر الامامين الهادي والعسكري فاخذت تستفيد من المكونات المتعددة للمجتمع وتشتغل في كل منها بما ينسجم وطبيعة ذلك المكون ، تعطيه ما هو بحاجة اليه وتلزمه بدفع ما يقدر عليه من مال او جهد سيذهب الى جزء او مكون اجتماعي آخر ، تأخذ من طبقة لتعطي الاخرى وتستفيد من جهود فئة لصالح فئة اخرى دون ان تحتاج للوثوب الى مركز القرار السياسي، فقد فهمت السياسة الإمامية انه ليس من الضروري ان يكون القائد الحقيقي من يجلس على العرش ويتصدر البلاط ويحظى بالالقاب خاصة وهي ترى ان الزوجات والجواري والعبيد والجند والحاشية هم من يتحكم بالمؤسسة الرسمية الحاكمة وهذا الزهد بالمواقع المتقدمة في الوقت الذي يحفظ الحركة السياسية والعقيدة فأنه يبقيها بعيدة عن التورط في مفاسد السلطة وتبعاتها ومشاكلها ولكن هذا التحول من مفهوم السلطة السياسية الى مفهوم السلطة الاجتماعية والروحية استدعى تكوين علاقات جوهرية ومركزية بين الامام وبعض الاشخاص المخلصين الذين يمكن الاعتماد عليهم في حفظ الاسرار والاموال والدقة والحرص في التعامل مع السلطة الرسمية ومع المجتمع بعامة .
وكان لهذه المجموعة القيادية غير الرسمية الدور الاساسي في حفظ الفقه الشيعي والتعاليم الامامية وكذلك الحفاظ على تقاليد العمل السياسي الإمامي ، من جمع للاموال الى اعادة انفاقها في مواردها الشرعية والاجتماعية عبر مؤسسات ثقافية وتربوية تساهم في اشاعة الفكر الأمامي والدعوة لاهل البيت النبوي وكذلك تساعد بعض الافراد والجماعات على تجاوز المصاعب الحياتية وبالاضافة الى الانشطة الادارية والمالية والاجتماعية كان الائمة يحافظون على استمرارية النشاط العلمي والفقهي بإعتباره مركز الحركة ومن اللافت قلة او انعدام ظاهرة التأليف ( بالمعنى التدويني ) عند الائمة ويبدو ان الاسباب الامنية كانت في طليعة ما منعهم عن ذلك في وقت شهد المجتمع حركة تدوين وتأليف وترجمة واسعة فالكتاب سيكون دليل اتهام بأنشطة معادية للسلطة سواء للإمام او لمن يمتلك الكتاب او يتداوله ويبدو ان ثمة تحرز اخر يتمثل في التخوف من تحريف المؤلفات والدس فيها او الصاق بعض المؤلفات بأسم الائمة لذلك كانت حتى المخاطبات والرسائل بين الائمة ومقربيهم رمزية ومختزلة الى اقصى الحدود ولكن مع توفر المصدر المعرفي والفقهي وتوفر الامدادات المالية اللازمة لتغطية نشاطات الاتباع والموالين للائمة وتوفير الجهاز الاداري المخلص والمحترف يحصل ضمان العناصر الواقعية لاستمرار العقيدة بوجود الائمة او غيابهم فالسياسة الامامية وفرت الخارطة والمنهج الضروريان لإدارة الانشطة الروحية والاجتماعية والتربوية والتي من خلالها تؤسس سلطتها الحقيقية على الناس بعيدا عن القصور والدوائر الرسمية .
اساليب السياسة الامامية :
تنوعت الاساليب التي اتبعها الائمة في التعبير عن عقيدتهم وتنفيذ برامجهم السياسية والاجتماعية الا ان هذه الاساليب كانت محكومة بالحدود .
التي سبق توضيحها وهي العقيدة والاخلاق والمصلحة العامة واذا كان الحدان ( العقيدة والاخلاق ) من البديهيات المتوقعة للسياسة الدينية بعامة والامامية بخاصة ، فان تأثير حد ( المصلحة العامة ) كان لا يقل اهمية عنهما وكان الائمة ملتزمين به بنفس درجة الالتزام بالحدين السابقين حتى كان له اكبر الاثر في كثير من المواقف التي مربها الائمة وأثر كثيرا على الاساليب التي استخدموها في التعامل مع مكونات المجتمع والدولة انذاك :
1. كان الائمة في تعاملهم مع الدولة العباسية يعملون على اطاعة الأوامر العامة للدولة فكان الامام الهادي يطيع أوامر الجلب والتفتيش دون مقاومة ولا تهييج للرأي العام (6) وكان الامام العسكري يحضر أمام الخليفة كل يوم اثنين وخميس كما الزمه الخليفة بذلك (7) وكانت السلطة الرسمية قد ألزمتهما بالمكوث في سامراء واطاعا الامر رغم اعتقادهم بلا شرعية الحاكم .
2. الاستجابة لبعض المطالب الشخصية للخلفاء والوزراء والقادة بما لا يتعارض مع الشرع كالنصح والدعاء والمشاورة (8)
3. اتباع اسلوب العقلانية والهدوء في المواقف الاستفزازية والشخصية كما حدث بين المتوكل والامام الهادي (9)
4. محاولة التأثير على الأجهزة الأمنية والإدارية حتى التي تتولى حبس الائمة والتضييق عليهم حيث يقوم الإمام بواجب التبليغ الشرعي (10 )
5- إقامة الحجة والدعوة بطريق غير مباشر لا يستخدم فيها الإمام الوعظ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وانما يقيمها بافعاله .. بعبادته .. بزهده بالآيات التي يتعمد أقامتها امامهم بكل بساطة وهدوء (11) وهذا درس مهم في الدعوة والسياسية والعقائدية بل ان الامام الهادي لم يكن يستخدم خطاب الحلال والحرام مع المتوكل ويعتذر عن مجاراته باساليب بسيطة وغير مؤذية (12) .
بمعنى عام كان الائمة ينتهجون سياسة اللاعنف ويعملون على تطمين السلطة وتفكيك شكوكها مما يخفف الرقابة عنهم ويتيح لهم حرية الحركة والدعوة والتنظيم .اما في ضمان ولاء الاصحاب والمقربين والموالين فيورد السيد الصدر
الكثير من المواقف التربوية للائمة وكذلك يشير الى منهج الائمة في توضيح العقائد والوقوف بوجه الفتن والشبهات فضلا عن تأمين حاجات هؤلاء الموالين والاستجابة لطلباتهم ، واغلب الموالين المقربين للائمة من القياديين النابهين وممن له علاقات اجتماعية واسعة وسمعه طيبة ويتميزون بالحرص في سلوكياتهم ويحرصون ايضا على مخالطة الناس والعمل في المصالح العامة الاعتيادية. وعلاقة الائمة بالطبقات الدنيا في المجتمع تتسم باعتماد اسلوب الرفق الاعانة واللين .
يمكن الكشف عن الأهمية المعاصرة للسياسة الامامية بالعودة الى تعليق السيد الصدر على عنصري النجاح الضروريين ( القيادة المعصومة ) و ( المجتمع المؤمن المطيع ) بالقول ( ولعلنا نستطيع ان نستوضح اهمية انضمام هذين العنصرين في تكوين الدولة الإسلامية اذا تصورنا تخلي بعضها عن بعض في صورة اذا ما تولى الامام الحق منصب الرئاسة في مجتمع متضارب الاراء مختلف الاهواء يعيش افراده على اللذاذة الآنية والمصلحة الشخصية بعيدين عن الاسلام وعن الاستعداد للتضحية في سبيله بأقل القليل . هل يستطيع الإمام ان يقدم الخدمات الاسلامية المطلوبة لمثل هذا المجتمع . كلا . فان تطبيق العدل الكامل يحتاج الى العمل الدائب والتضحيات الكبيرة والطاعة المطلقة للرئيس العادل ، وكل ذلك مما لا يمكن توفره في المجتمع المنحرف غير الواعي) (13 )
النتائج :
اهم السمات العامة للسياسة الامامية يمكن ادراجها فيما يلي :
1. عدم الاعتماد على القيادة الفردية مهما تميزت بخصائص روحية واخلاقية وعقائدية وانما الاتجاه الى تكوين مؤسسة واسعة تمتلك الارادة والقدرة على القيادة
2. تاخذ السياسة الامامية بمنطق الاسباب والنتائج وتعتمد القراءة الدقيقة للواقع
3. الابتعاد عن الانتهازية السياسية وعقلية المغامرة والانقلاب .
4. لا تبالغ في توقعتها الاجتماعية مهما بدا الشعور السائد الآني مؤيدا لها ولذلك تبتعد السياسة الامامية عن الانفعالات العامة ولا تخضع لها .
5. الابتعاد عن أساليب القسر

المصادر :
1. الصدر ، السيد محمد محمد صادق ، موسوعة الامام المهدي ، الجزء الاول ، الغيبة الصغرى ، منشورات سعيد بن جبير ، قم ، 1425 هـ
2. نفسه ، ص 237
3. نفسه ، ص 145- 146
4. نفسه ، ص 103
5. نفسه ، 103
6. نفسه ، ص 177
7. نفسه ص 169
8. نفسه ، ص 177
9. نفسه ، ص 129
10 . نفسه ، ص 186
11.نفسه ، ص 186
12.نفسه ، ص 124
13. نفسه ، ص 103













#ساطع_راجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج من حلقة التناقض
- سياسة الكتمان
- سيادة الدولة...مبادئ ومصالح
- الحاجة الى معايير جديدة
- عوامل العنف الكامنة
- خصخصة الحرب في العراق
- تفعيل قانون الأقاليم
- كفاءة الديمقراطية في العراق
- مسارات السياسة في الإقتصاد العراقي
- شفير المواجهة
- الملامح العراقية للإتفاق القادم
- خرائط معقدة
- محنة قانون المحافظات
- المستقبل في الجدل السياسي
- القدرة على التغيير
- الموازنة ..حكاية طويلة
- العراق وانتخابات الرئاسة الأمريكية
- إمكانيات التقدم السياسي
- الارهاب والاستبداد
- تجربة الهيئات المستقلة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ساطع راجي - السياسة الإمامية ( نظرية السيد محمد الصدر )