الموازنة ..حكاية طويلة

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 2184 - 2008 / 2 / 7 - 03:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

شد وجذب وتأجيلات تعترض إقرار الموازنة الاتحادية بما يمنح صورة مكررة عن الطريقة التي يتم بها إنجاز الامور الحيوية في العراق، فإذا كان الاعتراض والجدل مشروعا في التعامل مع جميع الشؤون السياسية والعامة فإنه امر ملح بل وواجب في موضوع الموازنة لأنه يتعلق بالحياة اليومية لملايين المواطنين كما ترتبط به جميع مؤسسات الدولة، لذلك فالجدل والنقاش ليسا هما المشكلة التي تعترض إقرار الموازنة بل ما يعترض ذلك هو غياب التقاليد السياسية التي يمكن ان تسهل الكثير من الامور وتمنح الممارسات الديمقراطية معاني آخرى غير التعطيل او المماطلة فقد كان بالامكان طرح موضوع الموازنة أو القضايا المثيرة للجدل منها قبل هذا الوقت حتى لاتبقى الامور متعلقة وبالتالي تتأخر التخصيصات في الوصول الى المحافظات والوزارات مما يعطل شروعهما في تنفيذ الخطط لتدخل بعد ذلك في حلقة ارباك معقدة وانتقادات ولوم.
لقد أوضحت وزارة التخطيط ان تدني نسب انجاز المشاريع في المحافظات سببه نقص التجربة، وهذا صحيح الى حد ما لكنه يقتصر على الجانب الاداري او الفني ويتجاهل المعرقلات السياسية ونقص التجربة السياسية سواء على مستوى معالجة الامور الحيوية والالتزام بسياق مهني او على مستوى القدرة على الفصل بين ماهو حزبي او سياسي وبين ما هو مصيري في الشؤون العامة، حيث نجد ان القضايا موضع الجدل في الموازنة الحالية تكاد تكون هي نفسها التي كانت قائمة في العام الماضي ومع ذلك أحتفظ المعترضون بصمتهم طوال العام وعندما جاء موعد التصويت على الموازنة الجديدة تذكروا تلك الاعتراضات في حين كان بإمكانهم طرح مواقفهم في توقيتات سابقة بما لايعرقل اقرار الموازنة في الموعد المناسب.
خلال الاعوام القليلة الماضية ظهر تعامل غريب مع الوقت حيث حشرت معظم القضايا بزاوية حرجة مما اساء اليها فنفذت بعض الاستحقاقات بطريقة مستعجلة مما ترك كثيرا من التشويهات عليها، بينما تمت المماطلة في تنفيذ استحقاقات أخرى لتشهد تناسيا وتجاهلا وكل ذلك بسبب انتظار اليوم الاخير لتنفيذ الاستحقاق لتبدو المؤسسات الرسمية مثل التلميذ الكسول الذي يحاول تأجيل القيام بواجباته المدرسية لعل امرا يحدث فلا يسأله أحد عنها.
العراق يحتاج الى كثير من العمل في مختلف المجالات وفي مقدمتها الاقتصاد والخدمات وعندما يراقب المواطن الطريقة التي يتم التعامل بها مع قضية مهمة مثل الموازنة فلا يملك الا الشعور بالدهشة بسبب البطء والمماطلة والتحزبات والتخندقات وسياسة الاحراج التي تستعملها القوى ضد بعضها البعض مما يطيح بآمال الاعمار والبناء والتقدم.
بالمصادفة تناقلت وسائل الاعلام خبر تقديم الرئيس بوش موازنة الولايات المتحدة الى الكونغرس لمناقشتها والتصويت عليها فيما بعد، لكن هذه الموازنة هي للعام المالي الامريكي القادم الذي يبدأ في تشرين الاول 2008 وينتهي في أيلول 2009 أي مازال امام الادارة الامريكية عشرة أشهر تقريبا وهي قبل ان تقدم هذه الموازنة للكونغرس سربت أخبارها الى وسائل الاعلام ليكون الرأي العام على بينة مسبقا بالامور التي ستتم مناقشتها والتجادل حولها، وعملية التسريب هذه جزء من مبدأ الشفافية الذي يجب أن تلتزم به كل حكومة ديمقراطية.
لقد أصبحت عملية إرساء التقاليد السياسية أمرا ملحا فبدون هذه التقاليد سيكون حسم كثير من القضايا صعبا وقد جربنا خلال السنوات الماضية طريقة العمل العشوائي المحكوم باللحظة بذريعة سرعة الانجاز وتبين ان ذلك الاسلوب لا يسرع الانجاز بل يزيده بطء وتكلفة ويثير الكثير من الاحتقانات، لكن المستعجل فعلا هو إقرار الموازنة بعد مرور أكثر من شهر على بدء العام المالي وإنهاء هذه الحكاية الطويلة (التي يبدو انها ستتكرر كل عام) دون إلحاق مزيد من الاذى بالنسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل