جدل الموازنة

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 11:06
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

تعد الموازنة العامة واحدة من أهم القضايا السياسية في مختلف دول العالم، ويتسع الجدل فيها كلما كانت الديمقراطية أكثر رسوخا في أدارة الدولة، ورغم ما تبدو عليه الموازنة من شأن تقني وأقتصادي غالب الا انها في الحقيقة شكل من أشكال الصراع على الثروة، وبالتالي فمناقشة الموازنة فرصة للدفع بمختلف نقاط الصراع والاختلاف والجدل الى واجهة الاحداث، حيث تتحول الى نقطة مركزية جاذبة ومقياسا لتحقيق العبارات الدستورية التي تبدو للوهلة الاولى عبارات جميلة لا أكثر، مثل حقوق الشعب ومكوناته في الثروة الوطنية أو المساواة بين المواطنين وكذلك واجب الدولة في رعاية المواطنين سواء العاطلين او العاجزين والأطفال والمرضى.
في العراق تشغل الموازنة حيزا مهما من الاهتمام السياسي، لكنه دائما يكون في فترة زمنية ضيقة ويتم ضغطها غالبا في نهاية العام المالي، ويبدو ان البعض من الساسة لاتنفتح قريحته الاقتصادية الا بعد تقديم الموازنة لمجلس النواب للتصويت عليها حيث تتوالى المشاريع والافكار والمقترحات، ومن بين كل ذلك هناك ما هو جدي ومفيد لكنه يأتي بعد فوات الاوان.
أن مشروع الموازنة العامة تتم صياغته على مدى عام كامل، ومبدأ الشفافية يفرض البوح بالخطط والمشاريع الى الرأي العام ورأي المختصين، قبل تحويلها الى مشروع موازنة متكامل ليتم التداول بشأنها وبحثها بتأن، وكان بالامكان اجراء اتصالات وعقد لقاءات مستمرة بين اللجان البرلمانية المتخصصة والوزارات التي تقع في مدار اختصاص تلك اللجان لإيصال المقترحات الى تلك الوزارات والتداول معها وإعلام الرأي العام بنقاط الخلاف والعراقيل التي تحول دون تنفيذ هذا المطلب أو ذاك من المطالب الشعبية، كما يتطلب الامر إتخاذ قرار ستراتيجي يتعلق بهوية النمط الاقتصادي الذي تريد الدولة تبنيه لإنهاء حالة التشرذم والتفكك بين مؤسسات الدولة التي تعمل بقناعات إجتماعية وإقتصادية مختلفة.
الجدل في موضوع الموازنة امر هام وحيوي لكنه ليكون نافعا لا بد من إجرائه في الوقت المناسب، حيث تكون الموازنة في طورها الاول، بدل أن تكون رواتب الموظفين ومستحقاتهم وبقية قنوات الصرف الحكومي مهددة بالانقطاع أو الاغلاق بسبب نهاية العام المالي المنصرم.
من حق كل سياسي أن يستغل أية فرصة لتحقيق أهدافه وأهداف ناخبيه ما دامت ضمن الاطار الدستوري، لكن ليس من حق أحد إستغلال حاجة الشعب بهدف المضايقة السياسية، خاصة عندما لا يمكن لهذه المضايقة أن تنفع اي طرف لأنها تأتي في الوقت الضائع، الوقت الذي يهدد الايفاء بالالتزامات المالية للأفراد والمؤسسات على السواء .
المؤسسة السياسية العراقية بحاجة الى نمط أسرع من التواصل بين حلقاتها، بما يسمح بتدفق الافكار بسلاسة بين مكونات وحلقات المؤسسة، وبغض النظر عن طبيعة العلاقة بين هذه الحلقات والمكونات، فإذا كانت كل المجالات مفتوحة أمام الاحتقانات السياسية والطائفية فأن الموازنة على الاقل يجب أن تبقى بمنأى عن هذه الاحتقانات.
الفصل التشريعي الحالي يقترب حثيثا من نهايته، وسيتم التصويت على موازنة هذا العام بنفس الطريقة التي تم فيها التصويت العام الماضي، لكن على كل الذين أقترحوا مجموعة من المشاريع والمقترحات في الوقت الضائع أن لا ينسوا أن العام الذي سيليه ستكون فيه موازنة أيضا وعليهم ان يواصلوا سعيهم لإقرار ما أقترحوه وأن لا تكون تلك المقترحات مجرد أسلوب للإحراج السياسي عبر الاستيلاء الاعلامي على احلام المواطنين ومطالبهم.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل