أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - مكتشفو السراب














المزيد.....

مكتشفو السراب


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 671 - 2003 / 12 / 3 - 05:18
المحور: الادب والفن
    


في شهادات كثير من العائدين من الوطن صدمة تنطوي على ذهول كبير حتى أن أحدهم كتب أمس يقول أنه في الطريق إلى المنفى الجميل وأنه يحلم في الوصول إلى ثلوج النرويج البيضاء النقية الآمنة هربا من الوطن المنفى.

لا شك أن أحلام هؤلاء صادقة ونظيفة وعادلة ونقية بل أكثر نقاوة من الثلج،وشهاداتهم هي شهادة مخلوقات فجعت بأحلامها وأيامها وانتظارها الطويل.

لكن أين كان هؤلاء الذين يبدو أنهم اكتشفوا القمر اليوم أو اكتشفوا السراب يوم كنا نقول على مدى سنوات طويلة، بل نصرخ بلا  تعب ولا ملل ولا كلل، ونحن نواجه بالزعيق والنهيق والعواء والرفس والدخان والدفوف، كنا نقول أن هذا الوطن خرابه الداخلي أكبر من خرابه الخارجي؟

وكنا نقول أن التحرر الداخلي أولا.
وكنا نقول أن كثيرا من هذه الأحزاب هي شركات لصوص.
وكنا نقول أن (الوسخ الثقافي والسياسي) وسط يضم أكثر نماذج العالم جهلا بأوضاع بلدهم.

وكنا نقول أن حقبة ما بعد سقوط الوحش ستشهد سرقة كل شيء في الوطن بما في ذلك أشجار وأضرحة وقبور وثروة وحقول وقناطر وشهداء وجبال وسهول وخيول الوطن للبيع الخ ..الخ( صفحة 238 من رواية" عزلة أورستا" الصادرة سنة 2001).

وكنا نقول في مقالات كثيرة وعلى نحو متواصل، وسط الضجيج، والنباح، والجهل، والغطرسة، والأمية، ان هؤلاء سيعيدون (فتح أبواب السجون بدل فتح أبواب الأمل مرة أخرى) وإذا كنتم أنتم( تمثلون المستقبل فستكون جلودنا أحذية لجنرال قادم) ـ رواية سنوات الحريق الصادرة عام 2000.

وكنا نقول:( هؤلاء سيعيدون كتابة التاريخ مرة أخرى بل سيصنعونه. لقد أخذ التاريخ شكل البورديل) ـ رواية عزلة اورستا في الصفحة 245.

اليوم أقرأ مندهشا كتابات المراجعة وإعادة النظر وفتح سجلات المسكوت عنه ونقد العقل العراقي ونقد المجتمع والأحزاب حتى من بين أولئك  الذين كانوا يصرخون خلفنا كي لا يسمعنا أحد، ويقذفون الرماد في وجوهنا كي لا نرى بوضوح، ويضربون الطبول في كل مكان كي لا أحد يصغي إلى أحد ومن بين هؤلاء زميل وكاتب كان يكتب معي في صحيفة( الوفاق) لمدة سنوات زاوية ثابتة شرع هذه الأيام، هو الذي كان  يتطير من كتاباتنا، بفتح النار ( بعد خراب البصرة!) على المجتمع والثقافة والتاريخ والذاكرة والهوية والأحزاب وصار، مثل غيره، يطالب بمراجعة أعمق.

لماذا يطالب هؤلاء اليوم بعد كل هذا الدم والموت والذل والخراب والأخطار القادمة الرهيبة بإعادة النظر في كل شيء بعد أن اكتشفوا ـ مسحورين منبهرين مندهشين ـ أن هذا المجتمع لا يشبه المجتمع الذي كتبوا عنه أبدا؟!
هل هذا الشعب الجريح مختبر تجارب لسياسيين أبالسة وكتاب جهلة؟

وبدل أن يبدأ هؤلاء بنقد الذات ونقد أدوات المعرفة ذاتها شرعوا بعقلية مقاول مرة أخرى في نقد وتفكيك سطحي لمجتمع وتراث وبنية سياسية أسسوها هم بأنفسهم على مدى سنوات.

مكتشفو السراب هؤلاء هم تحفة هذا الزمان العراقي ويحتاجون إلى متحف خاص بهم.
مفكرو زمن الخراب يحتاجون إلى أوسمة على هذا الذكاء الفاقع.
هؤلاء أسرع موجة انقلابية في العالم حتى على صاحب القارب في رحلة الحج إذا تطلب الأمر.

هؤلاء الذين أسسوا هذا الخراب بحاجة إلى جائزة جديدة تعطى للكتاب الذين "يكتشفون" أنهم كانوا يتحدثون عن مجتمعات ليست مجتمعاتهم.
ويكتبون عن عالم ( سياسي) مصنوع من الكلمات القادمة من الكتب أو من مرجعية سياسية مستعارة.

مكتشفو السراب هؤلاء لا يصدقون أنفسهم لأنهم يعرفون جيدا أنهم عاشوا غرباء في وطن غريب وهذه هي المرة الأولى التي يلتقون بوطنهم صدفة في منعطف طريق كما يعثر المرء فجأة على صورة طفولته داخل ركام من الأحذية والجثث والأنقاض.

هؤلاء لا وطن لهم غير الكلمات.
أبناء الأكواخ و"الصرايف" وبيوت الطين والسعال  وحدهم يعرفون أكثر من غيرهم أن وضع الشوك على كوة في الصريفة يجلب الهواء البارد.
ووضع"حب" الماء في الظل أفضل من وضعه الشمس.
وأن تراب ظهيرة الصيف يحرق القدم.

كم هي كبيرة وهائلة المسافة بين من خرجوا من رماد الفقر والفجيعة كي يكتبوا عن الأمل وظلال الموت
وبين من خرجوا من البارات كي لا يكتبوا شيئا غير الدخان؟

هؤلاء لهم دهشة اكتشاف الوطن
ولنا مسيرات تشييع الموتى
الذين قتلتهم الكلمات التجريبية الغبية قبل الرصاص
في مختبر الشعب الفأر! 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذهنية السنجاب المحاصر
- حين يختزل الوطن بمسميات
- رائحة الوحش
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير
- الزعيم الغائب
- زمن الأخطاء الجميلة
- السياسة والشعوذة
- الكلب الأرقط النابح على العالم
- محاربو الغسق والشفق
- السياسي العراقي من الخازوق إلى المسمار
- حنين إلى حفلة
- مغني الفيدرالية
- لصوص الأزمنة الاربعة3
- العراق نحو الهاوية
- لصوص الأزمنة الأربعة1 &2
- غيمة في بنطلون مبقع
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف
- سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!
- من يؤجج هذه الروح الكريهة؟


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - مكتشفو السراب