أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - حنين إلى حفلة















المزيد.....

حنين إلى حفلة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 647 - 2003 / 11 / 9 - 06:27
المحور: الادب والفن
    


جلادي القديم
أخيرا تساوينا أنا وأنت في كل شيء
 فلم تعد انت تملك وطنا كما لم اعد أملكه.
طردتني منه وطردوك منه.
وكان يجب أن تعرف ان هذا سيقع يوما لأن مبدأ الشراكة في الوطن يقوم ليس على أساس توزيع جزمتك على ظهورنا كتوقيع رسمي، بل على أساس المشاركة في كل شيء.
أشعر اليوم بنوبة حنين إلى حفلة تعذيب.

ورغم كل شيء فأنا حزين من أجل اطفالك في الأقل.
لم تكن تعرف أنك في ذلك الارهاب الوحشي كنت تقربهم كل لحظة من هذا القدر المخيف اليوم.

لم تكن تعرف ان نوبات جلدك كانت نوبات نفي لأيام قادمات.

وهذا الوطن الكبير الذي رفضت أن نكون شركاء فيه، صرت أنت الآن غريبا ومنفيا ومطاردا فيه  فضاق عليك كما ضيقت علينا.

أنت الآن في مخبأ أو جحر ونحن في منفى.
تساوينا في القبور أيضا.

قد لا تستطيع اليوم ان تشارك في حفل دفن موتاك.
كما كنت تفعل معنا.

قد لا تستطيع أن تفتح فمك في مكان عام
كما كنت تفعل معنا.

لم تتعلم الدرس لا أنت
ولا الذين كانوا قبلك
ولا الذين جاؤوا بعدك.

دورة انتاج جديدة للموت والخوف
كأننا مصنع تفريخ للرعب.

ربما لا تدري أنك موجود اليوم على أجساد ضحاياك
القدامى
وعلى أرواحهم.
ويبدو أن عصاك لم تكن تجلد الجسد
بل تشوه الروح.

حتى الذين لم تجلدهم بعصاك
جلدتهم بنظرتك
وغاراتك اليومية على أسرتهم
أو على حيطان جيرانهم
أو في (حفلات) الإعدامات في الشوارع.

شوهتهم  على نحو مكشوف وسري
وشوهوك أيضا.

هم حملوك في داخلهم كما يحمل مسافر هارب حقيبة يختبئ فيها عقرب قاتل في مكان ما.

تسللت إلى أرواحهم كما يتسلل لص عبر نافذة أو كوة في جدار.
وكانت أرواحهم هشة وقابلة للسطو.
لا مناعة منك لأنك لم تعد جلادا عاديا
بل تشكيلة قيم ومعايير وطريقة تفكير من التكرار وطول الزمن.

وهنا خطورتك.

هم يعتقدون أنهم نجوا منك
كما اعتقدت أنت انك تخلصت منهم.
كلاكما وقع في الخطأ الرهيب نفسه.

أنت حاضر في طراز العيش وفي عقلية الحذف والالغاء والمحاكم الفورية
هم يمارسون نفس أساليبك بمهارة من يحمل مرضا قاتلا دون أن يدري
لأن طبيعتك الوبائية هي الكمون والسرية والانتقال مع الضحايا أينما ارتحلوا مثل عقرب اصفر في حقيبة سفر أو خرج بدوي.

وأنت أيضا وقعت في الخطأ المكلف حين تصورت أنك تخلصت منهم
لأنهم جزء من  ذاكرة عامة ومبدأ الشراكة في وطن وتاريخ ومصير وأمل.

الشيء الذي دمرك أكثر ودمرهم أكثر
هو أنكما تجهلان
ان الآخر هو وجه مشترك.

انت لم تفرق بينهم وبين وجودهم على أرض هذا الوطن.
ولم تكن تفهم أن حذفهم الجسدي لا يلغي حقهم التاريخي في الأرض ولا حق  نسلهم.

وهذا ما سيقع فيه ضحاياك كذلك من بعد
لأن وحشيتك كانت مدرسة سياسية ونفسية وعقلية وأنت دربتهم
أكثر مما عذبتهم
أو كان تعذيبك تدريبا لهم على سلطة يوم قادم
يكونون هم فيه كما كنت أنت حارسا للنوايا
وشرطيا على الأصابع
وتوقيعا بالحذاء على ظهر أو قلب.

هناك تواقيع سرية فظيعة تركتها على نفوس ضحاياك وارتحلت معهم مثل ظلال الظهيرة  بكل خفوت وكتمان.
غير تواقيعك اليومية بالحذاء على الأجساد والنفوس
 تركت فيهم شهوة الافتراس والكلبية ونزعة الاستئصال والوصم  والجهل
والجهل كما يقول الحكماء لا يعني عدم المعرفة بل يعني المعرفة الحقيرة .
(إنه نوع من العلم)

والعجيب أنهم يفعلون ذلك
تحت ذات الشعارات التي كنت تضعها على باب غرفة التعذيب: من أجل الجماهير والحقيقة والوطن.

أنت كنت تجلد بلا دليل وعلى النية
وهم يفعلون ذلك.
وأنت كنت تعتقد أن هذا الوطن مفصل لك وحدك
وهم أيضا يعتقدون.
وانت كنت مؤمنا ان جزمتك هي القانون
وهم كذلك.
واذا كنت تريد الدليل
طالع ( سفر البعورة) الجديد على شكل مقالات
هنا وهناك
وستعرف أن( العبرانيين) الجدد
هم ليسوا البدو الرحل (التوراتيين)
بل هم على مستوى جيد من الذكاء ويعرفون فرويد وشكسبير وبودلير والمتنبي
ويسمعون تشايكوفسكي وموزارت وباخ وبتهوفن وعبد الوهاب وغيرهم.
ويسبحون بالمايو  في بحيرة ماء
أو بحيرة دم.

هم يتحدثون عن الحرية والثورة والقانون والعدل والتعددية والدستور ولا ينقصهم غير شيء واحد هو أنهم لا يصدقون ما يقولون ولا يؤمنون به لأنه ليس جزءا عضويا من بنية العقل بل هو ملصوق بصمغ مغشوش لصقا.

وان هذا للتمشدق والكتابة ليس إلا.
لأن لغة الكتابة هي لغة كتب
وهي مجلوبة من منطقة تفكير مختلفة
وهم لا يفكرون بل يستعيرون.
هؤلاء يكتبون قراءاتهم  لا أفكارهم.
لذلك سرعان ما ينسون كل شيء خارج الورقة وخارج الكتابة.

علامتهم الوحيدة هي أنهم يحملون توقيعك السري.
وهذا التوقيع الرهيب لا يزول بكل أنواع المساحيق والمراهم والعقاقير بل حتى لا ينفع معه الحرق أو الجراحة ولا تقلعه بلدوزرات شارون التي التهمت نصف غابات الزيتون.

وعقابه الوحيد هو القبر
والأجيال
والتاريخ.
وثورة في العقول والأرواح.

وضحاياك ليسو غير قادرين على قيادة مشروع ثورة فحسب
بل غير قادرين على قيادة قطيع فئران أو اباعر.
لكنهم قادرون على قيادة فرقة موسيقية للدربكة والربابة في الأفراح الشعبية وعلى النقر الفوري على (طبل الصفيح)
مع الاعتذار للروائي الألماني غونتر غراس.

أنت طبال حتى في غرفة تعذيبك
وخلقت في نفوس ضحاياك صداك وشكلك.
زرعت فيهم الوهم
كما  زرعوا فيك الوهم: كلاكما خدع الآخر
كلاكما حكم الآخر
كلاكما نفى الآخر
انت نفيتهم من وطن
وهم نفوك من ذاكرة
لذلك عشت فيهم.
كما عاشوا فيك في منتهى السر، في منتهى الكتمان، في منتهى الصمت.

نوع من تبادل الخبرة والأسلحة والأرواح.
والطبل الذي كنت تضرب فيه أنت في وطن
صاروا هم الآن أكثر خبرة منك في ضربه في منفى
وليس مهما أنهم اليوم بلا وطن أو في منافي
فكل شيء في العصاب والكلبية  يتحول إلى زنزانة تعذيب لأن الذهن المشوه يحوّل  غرفة نوم الأطفال
إلى زنزانة تعذيب
ويحول المنفى الديمقراطي
إلى  قبو أمني أو مخابراتي
ويحول حديقة عامة على بحيرة
إلى ساحة حرب
كما يحول الصحيفة أو المحطة أو الموقع
إلى ميدان إعدام.

فالنفوس المشوهة تحوّر من شكل أجمل الأمكنة
وأرقى المؤسسات
وأعذب الأنهار
وأصفى الينابيع
وأيضا تحت نفس شعارات كنت تضعها أنت على باب غرفة التعذيب: الجماهير، والحقيقية، والوطن، والقانون..
 اسمع صديقي
ولا أخجل من مناداتك صديقي فأنت رغم كل شيء ابن وطني ولا فرار لي منك
رغم أنك طلبت منا نحن ضحاياك في قبو تعذيب يوما
ونحن عراة
وخرقة قماش قذرة على العيون أن نكون نسخة منك
وحين رفضنا
وعشنا المر بعدها
ملاحقة وتشهيرا وعزلا
 
عاقبتنا بحملاتك كما هو حاصل في كل تاريخ الارهاب في العالم.

أنت مازلت تشكل مشهدا من الحدث على صور كثيرة
كما لا فرار لك منا
وهذه المعادلة لم نفهمها معا في مبدأ الشراكة البسيط جدا والعظيم جدا الذي تفهمه النملة والعصفور والسمكة والحوت والجرذان.
ففقدنا الوطن
وفقدنا أنفسنا.
 
أنا لا أريد منك الآن سوى معرفة
سر هذا الختم
على نفوس ضحاياك
الذين صاروا يحملون دون وعي ولا رغبة وجهك على قمصانهم
وأقلامهم
ونفوسهم
وصرت أنت تخرج من كتاباتهم كدخان مدخنة
فوق بيوت الثلج.
أو دخان قطار قديم من بعد عدة أميال في صحراء.

وهؤلاء فقدوا قدرة الاستمتاع الطيب بجمال الفصول
فبدل فصل الشتاء صار عندهم فصل الربابة
وبدل الربيع صار عندهم فصل المصحات العقلية
وبدل الصيف حل محله فصل الردح من فرق الخشابة الجدد على غرار المحافظين الجدد
وفصل الخريف صار عندنا فصل النعل حيث كل واحد منا يلبس الآخر احتراما واعتزازا وتقديرا وتكريما.

وكل شيء صار ديكورا
بما في ذلك نجوم السماء والغيوم والريح
والطرق والمدن والأيام
لأنك أفرغتهم من المعنى
وعبأتهم بأجراس الخوف
حتى صاروا يقرعون حالا ويصابون من نوبة هلع من كلمة عابرة
تقال على بحر البلطيق أو حافة القطب أو في خيمة في صحراء
أو على أسرة النوم وعلى حافات الأرض.

أفرغتهم من صلابة الروح
وحولتهم إلى ريشة في مهب الريح:
يرتعبون من ضحكة أو عطسة أو فكرة أو  رواية أو علاقة حب أو برئ واحد
كأن عقدا بيننا ألا يوجد في عالمنا
 ظاهرة واحدة نقية أو غيمة ماطرة أو عصفور يغرد خارج السرب ولا ضحكة عفوية أو مصافحة نظيفة أو صباح الخير تقال لوجه الله أو أي وجه آخر.

في انتظار جوابك
ولا شك أنك تعرف عنواني
لكن عنوانك الذي كان بحجم الوطن
لم يعد موجودا عندي ولا عندك.
ربما في الانتربول أو سلطة الاحتلال.

أنا أعيش في مسلخ يسمى منفى
وأنت لا أعرف في أي مرعى تعيش
وحين تسمن جيدا
تعال معي
كلانا بالهوى سوى اليوم
كلانا يصلح وجبة عشاء لضبع ليبرالي
بفعل تعاليم حزبك الثوري
التي تشبه حافظات الأطفال!

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغني الفيدرالية
- لصوص الأزمنة الاربعة3
- العراق نحو الهاوية
- لصوص الأزمنة الأربعة1 &2
- غيمة في بنطلون مبقع
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف
- سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!
- من يؤجج هذه الروح الكريهة؟
- دعوا زهور الخراب تتفتح
- الإمام المسلح
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة مرة أخرى
- شهادة روائية مبكرة عن ظاهرة الاختفاء السياسي
- عطر غلوريا السياسي
- جثة تسلّم أخرى
- الروائي المغربي محمد زفزاف ـ ثعلب النوم والنبيذ والموت
- ضحكة النمر
- معارك الصغار
- مسيح البنتاغون عجل بظهور المهدي!
- الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة


المزيد.....




- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - حنين إلى حفلة