أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - غيمة في بنطلون مبقع














المزيد.....

غيمة في بنطلون مبقع


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 642 - 2003 / 11 / 4 - 02:00
المحور: الادب والفن
    


لفتت رسالة من الصديق حسن بلاسم نظري على نحو قوي هذه المرة  نحو الجيل الشعري الخارج  في السنوات الأخيرة، ليس كل هذا الجيل حتما، ولأنه أيضا ليس جيلا واحدا، بل عدة أجيال، مع الاختلاف حول مفهوم الجيلية الذي صار يطلق كل  ربع ساعة، مع انه مشروط بتحولات بنيوية في المجتمع، أقول لفتت نظري رسالة حسن إلى ان بعض هؤلاء عند موت صديق لهم أو قرب موته أو دخوله مصح أو تعرضه لحادث يشرعون حالا في تذكر فقط عدد الكؤوس التي شربها في المشارب، وعدد المرات التي راوغ فيها صاحب البار، وكم مرة  لم يدفع هو، لأن الشجاعة الشعرية هي أن لا تدفع، بل كم عدد المرات التي وجد فيها يتبول على حائط، أو كم الساعات التي قضاها نائما في مراحيض عامة  وكم عدد البناطيل المرقعة من كثرة الجلوس على المصاطب عكس مقولة رامبو( من العبث أن تبلى سراويلنا على مقاعد الدرس) مع أن هذا الشاعر الرائي كان يشم الضوء بجلده ويقيس المسافات بحدوساته وكشوفاته وكان يجوس الطرقات منبهرا بكل شيء: بدراجة هوائية مرمية في العشب أو ارجوحة قديمة أو مطرقة باب أو جدار عتيق نما عليه العشب حسب تجاربه في تشوش الحواس أي قلب الوظيفة الطبيعية للحاسة حيث تصير الأذن تشم والشم يسمع الخ.

ليس في الأمر قطعا خطأ فرديا، ولا يمكن إدانة هؤلاء الذين لا شك كانوا يتمنون لو أن أرواحهم وأجسادهم نمت بصورة طبيعية وكانت لديهم ذكريات غير هذه البائسة التي  يعتقدون  أنها أساطير نادرة وحكايات خارقة وبطولات لا يقوى عليها غيرهم.

ولو رجعنا إلى ذكريات أقرانهم من جيل سابق من الشعراء والكتاب والمثقفين الذين خرجوا مثلا في وقت مبكر وقبل الخليج الثانية لوجدنا صورة مختلفة نوعا ما.

والسبب هو أن هؤلاء حصلوا في الهامش السريع  والوقت الفائض والهدنة بين سلطة وبناء ثكنة ومؤسسة قوية، على فرصة طيبة للبناء العائلي والكتابة والسفر والحوارات الثقافية والتعرف على احوال الكتاب العرب من خلال زيارات ولقاءات ومهرجانات.

ورغم ضيق هذا الهامش، وكونه بين سقوط سلطة  ضعيفة وصعود فاشية وحشية، الا ان هذا الجيل تمكن من بناء ذاكرة عامرة بذكريات كثيرة غير حكاية البار والبنطلون المبقع والمرقع والمصاطب وعدد الكؤوس أو عدد زوغان هذا الشاعر أو ذاك من الدفع الخ وهلم جرى من أمجاد  مثيرة للشفقة.

لذلك فإن موت أحد من  الجيل  الشعري والأدبي الجديد حتى لو كان من السكر  سيؤدي إلى بناء أسطورة غريبة عن حياته حتى يظن القارئ البسيط أن عليه لكي يكون شاعرا أو كاتبا أو مثقفا جديا يحسب له الحساب فعليه أن يموت في بار أو على رصيف كي تخلق له تراجيديا مؤلمة وحكايات  عجيبة.

بالمقابل تتلاشى عند هؤلاء كل البطولات الحقيقية التي قام بها عراقيون بسطاء في عبور بحار وقارات وحدود على قدمين أو في سفن وشاحنات أو العيش في مدن من الصفيح أو في مستوطنات للجرذان كما شاهدتهم في أحياء راولبندي في  الباكستان وفي غيرها بل حتى لا يتوقفون عندها وبعضها تجاوز الاسطورة فعلا، كأن ذاكرة هذا الجيل معطوبة ومنكمشة على سلوك البار كما تنطوي ذاكرة عسكري متقاعد على أحداث الثكنة.

إن عراقيين مجهولين، جنودا وعمالا وباعة، ومثقفين، اضطروا للنوم تحت شاحنات عبرت بهم أوروبا كلها تحت جحيم  من النار، أو اختبأوا في بواخر وفي أقبية وغرف وعنابر رطبة حارة بلا ماء أو شمس ولا يعرفون أين هم وبعضهم خرج هيكلا عظيما والبعض الآخر حتى لم يخرج ووجدوه طعاما لجرذان الباخرة أو غرق المركب وصار هو وعائلته وليمة لأعشاب البحر.

بصمت وبلا مراسيم ولا ادعاء ولا مباهاة ولا قدرة على الكتابة ولا حتى يعرفونها عبروا البحار والجبال والحدود الشاحبة والملغومة وناموا على الأرصفة الاسيوية المهلكة والمغبرة بلا مال ولا أمل.

لا أحد يتذكر هؤلاء، لأن البطولة ، بطولة الجيل الشعري  الخارج بعد الخليج الثانية، وأكرر ليس كلهم، هي بطولة ناقصة ما لم يكن البطل مخمورا، وما لم يكن الشاعر الميت قد استهلك كثيرا من البناطيل على الأرصفة  كي يكون شاعرا، بلغتهم، تتبعه أجراس الملائكة وأحذية الشرطة.

وشرط البطولة حين يسقط، ان يسقط ليس مضرجا بدمه من أجل الحرية، فلم يحدث هذا أبدا في التاريخ الشعري العراقي في ربع قرن الأخير كما أعرف، بل أن يسقط مبقعا بقطرات من الماء الحار من داخل بنطلون عليه غيمة ما يكوفسكي!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف
- سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!
- من يؤجج هذه الروح الكريهة؟
- دعوا زهور الخراب تتفتح
- الإمام المسلح
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة مرة أخرى
- شهادة روائية مبكرة عن ظاهرة الاختفاء السياسي
- عطر غلوريا السياسي
- جثة تسلّم أخرى
- الروائي المغربي محمد زفزاف ـ ثعلب النوم والنبيذ والموت
- ضحكة النمر
- معارك الصغار
- مسيح البنتاغون عجل بظهور المهدي!
- الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة
- أبطال أو ضحايا
- نايم يا شليف الصوف، نايم والبعورة تحوف
- الشاعر المنسي إبراهيم عوبديا ، أو اليهودي الجميل
- شاهد على قلعة الموتى من خلال فيلم وثائقي
- تاريخ الغوغاء


المزيد.....




- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - غيمة في بنطلون مبقع