أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!















المزيد.....

سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 557 - 2003 / 8 / 8 - 03:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



 

منذ سنوات والزميل الروائي سليم مطر يتعرض إلى حملة تشويه غير منصفة لم تترك في حياته شيئا في سلوك ليس غريبا على حياتنا السياسية، ومع ذلك لم فإن صاحب كتاب" الذات الجريحة" صامت صمت اشجار الصيف في عواصف الغبار.

 وسليم مطر، لمن لا يعرف، ليس مقاولا، أو تاجرا، أو بائع جوال في سوق السياسة، بل الرجل، بكل فخر،  هو مفكر عراقي من جيل المفكرين الجدد الذين يسجلون مع سليم بداية ولادة المثقف العراقي المعرفي الخارج من سوق البيع والشراء، وسليم مطر من جيل الروائيين الجدد الذين تعطيني  المعرفة الدقيقة باحوالهم حق القول بثقة أنهم أمل عراقي متوهج في ليل حالك الظلام.

قد نختلف مع سليم مطر على سلوك أو على رواية، قد نتعرض له  بالنقد على هذه الفقرة في عمل روائي، أو في مقالة، لكن يبقى سليم مطر ظاهرة عراقية مشرفة، وأنا فخور أن  أنتسب إلى جيل عاش  محنة واصالة وإبداع وشجاعة سليم مطر.

والذين لا يعرفون طبيعة وذهنية ونفسية وأعماق الروائي وعوالمه الخاصة، لا يعرفون جيدا سليم مطر، كيف يفكر، كيف يغضب، كيف يصاب بنوبة فرح، وكيف يسخر، لأن هؤلاء يقيسوننا على مقاس السياسي وهو قياس لا يصلح إلى لعنزة!

الروائي، خاصة بحجم سليم مطر، لا تعنيه كثيرا أو قليلا، ولا تشغله بالمطلق، هموم رجل السياسة العادي، خاصة رجل السياسة العراقي، الذي يخاف ويرتعش من عطسة أو صيحة أو وجهة نظر، لأن السياسي يحسب حساب الجمهور، وصناديق الانتخاب، والمستقبل الحزبي، وغضب المسؤول، وصاحب العقار، أو الوزارة، أو حتى عطار الحي.

ليس هذا هو هم الروائي، وليس هو بالتأكيد هم وشاغل سليم مطر، بل همه الأول والأخير أن يقول كلمته في مناخ حر، مفتوح، صحي، معافى، ويمضي بعد ذلك إلى الحلم أو النوم أو الغبطة أو العمل، ويترك الخلق يختصمون على بيضة الديك!

سليم مطر كروائي  ومفكر من جيل جديد قرر فتح النار على تاريخ الثقافة، واعادة النظر في المسكوت عنه، حتى لو كلفه هذا الموقف الكثير، فمهما كان حجم  ما يخسره مطر وغيره فهو تافه ولا قيمة له أمام كبرياء الروائي والمفكر وشرف الحقيقة ومصير الوطن.

قد تصرع كلمات أو حملات تشهير من تلك التي تعرض لها سليم مطر  أي سياسي عراقي وتحوله إلى خروف أعمى، أو تحوله إلى ثور هائج في محل للزجاج، خاصة وأن التهم التي قيلت عنه، وكلها وضيعة، ورخيصة، لكن مطر يعرف أكثر من غيره أن تاريخ المفكر، وتاريخ الروائي، هو تاريخ مواجهة مع كل السلطات اليوم وغدا، بما في ذلك سلطات الدول المفرطة في الديمقراطية.

وتاريخ  كتاب الرواية حافل بالمواجهات أمس واليوم وغدا وهو لن ينقطع، فمن نجيب محفوظ الذي كاد مجرم أن يحز عنقه، إلى حفلات الشتم التي تعرض له الروائي المغربي محمد شكري ومواطنه الطاهر بن جلون، بسبب شجاعة الموقف، وخصوصية المهنة، إلى مطاردات غابريل غاريسا ماركيز، وماريا فارغاس يوسا الذي زار بغداد قبل شهر، في سلوك باسل فكتب عن جرائم الدكتاتور وجرائم المحتل هو الذي عرى الدكتاتورية في أمريكا اللاتينية في رواية شهيرة هي" حفلة التيس"، إلى الروائي باسترناك الذي رفض أن يكون ببغاءً في قفص في الحقبة السوفيتية فطورد ولوحق وتم التشهير به على أنه( عميل) للامبريالية، إلى مواطنه أيليا هندنبيرغ مؤلف رواية( ذوبان الثلوج) التي فضحت ستالين قبل المراجعة واعتمدها المؤتمر الخامس والعشرون للحزب كوثيقة شجاعة.... إلى قافلة طويلة من الروائيين والفنانين الشجعان في كل أنحاء العالم... وأحدهم الروائي والكاتب النرويجي أكنر ميكلر الذي  عاش مواجهة حادة مع أكثر مجتمعات العالم ليبرالية يوم منعت روايته من التداول، واعتزل في المنزل، في أطول احتجاج تاريخي ضد السلطة والمجتمع من سنة 57 وحتى خروجه جثة من المنزل في سنة94 رغم كل الاعتذارات.

ويجب أن نتوقف في هذه المناسبة عند الروائي الألماني غونتر غراس الحائز على جائزة نوبل والذي يعيش صراعا دائما مع سلطات بلده ومع قيم بلده وهي قيم متحضرة، ولكنه كروائي يرى غير ما يرى غيره رغم أن غراس كان عضوا بالإكراه في الحزب النازي.

وتشكل صراعات ومواجهات غراس في الحياة الألمانية علامة صحة وعافية وحيوية في مجتمع حيوي، لأن الركود، والأحادية، والغوغائية، صفة المجتمع الراكد والميت والمحنط، فلماذا يجب أن يترك المجال لحفنة سياسيين جهلة وحدهم في منعطف حاسم وخطير؟

 قد يؤدي الابتزاز والتخوين والتخويف والتهريج إلى تركيع السياسي، حتى لو كان سياسيا نزيها أو شريفا لأنه يحسب حساب الجمهور والحزب والناخب، لكنه قطعا لن يركّع الروائي، لأنه ضد التحزب الأعمى، وضد الكتلة ولصالحها، وضد التيار من أجله.

من قال أن الروائي يفكر كما يفكر غيره، ويحسب الأرباح والخسائر كما يحسب غيره، ويتراجع لذات الاسباب التي تدفع غيره للتراجع؟ ولماذا لا نحتفل بسليم مطر، وكل روائي مبدع، حين ينهي عملا جديدا بدل سطول الماء الآسن التي تعكس أعماقا موغلة في الكراهية ضد كل ظاهرة نقية، فريدة، جديدة، وضد كل تيار مغرد خارج القطيع، وضد كل حديقة، ووردة، وعلاقة نظيفة، وضد كل فكرة شجاعة، كما يحتفل الكولومبيون حين ينهي غابريل ماركيز رواية جديدة ويعتبرون ذلك عيدا قوميا؟

صحيح أن حياتنا تفتقد إلى تقاليد رصينة، وصحيح أن أي تأسيس لعلاقات جديدة في هذه المرحلة وهي مرحلة بناء دولة وقانون ومؤسسات واستقلال وطني تواجه بقوى كثيرة معروفة الاهداف والنوايا وهي قطعا ضد عراق سعيد وموحد وجميل وعادل ومسالم، لكننا سنبني، بالعرق، والدم، والفكر، والكدح، والمواصلة، عراقا جديدا مدهشا، أجمل بكثير من كل القرون السابقة.

يحق للسياسي أن يبيع ويشتري كل القيم ، وكل الأوطان، وكل التقاليد، وكل الأعراف، وينتهك كل الأحاسيس، ويجرب كل المشاريع على ارواحنا، لكن لا يحق لسليم مطر الروائي والمفكر أن يحلم ويفكر ويتكلم ويشارك ولو عبر الكلمات ببناء وطنه.

يحق لهذا السياسي العنصري، والمتخلف، والقاتل، والخائن، أن يجلس مع الموساد، والسي، أي، ايه، ومع شركات المال والسلاح والأراضي، ويتاجر بمستقبل الوطن، ولا يحق لسليم مطر أو غيره أن يفتح فمه ويشارك في بناء البيت كأن هذا العراق وفي كل مرحلة رهينة قوى كابوسية جديدة؟

واذا كان سليم مطر لا يستطيع أن يقول كلمته في الخارج، فكيف يستطيع أن يقولها في الداخل ويشارك في بناء وطنه؟

يقبل السياسي بهذا التغيير أو ذاك، يوافق على هذا المجلس أو ذاك، يحترم هذه الصيغة أو تلك، يطرب لهذا القائد أو ذاك، يحلم بهذه الطريقة أو تلك، ولكننا كروائيين حلمنا على طريق آخر، وهذه عادة كل كتاب الحداثة في العالم.

السياسيون يصلون إلى أهدافهم اليوم أو غدا، لكننا على درب آخر، لأن أحلامنا كبيرة وضخمة ورائعة.
تجولوا في طرقات أمستردام وكوبنهاكن و استوكهولم  واوسلو وغيرها من عواصم الليبراليات المفرطة في حرياتها، سوف لن تجدوا تمثالا واحدا في ميدان عام لسياسي .

كل التماثيل هي لمهندسي المدن، والشعراء،  والمفكرين، والموسيقيين، واللغويين، وجامعي الحكايات، وصانعي السلام، وأنا أعيش في قرية فيها تمثال لجامع الحكايات وآخر للغوي.

إن لحداثة الغربية بنيت على أساس المواجهة الفكرية مع القادة السياسيين ومع السلطة والمجتمع، وليس جان جاك روسو الهارب من سويسرا" حيث يعيش مطر" إلى فرنسا، ولا كارل ماركس، أو فرويد، أو كانت أو ديكارت أو سارتر أو فان كوخ وكلود مونيه وكامو وغيرهم الكثير الكثير سوى أمثلة على العصيان الفكري والثقافي الذي أسس لأوروبا حداثتها التي نعيش ونكتب اليوم  ونحلم  وننجب ونحب ونسافر على ثمارها كمشردين.

السياسي العراقي فشل عبر كل المراحل والعصور في تأسيس حداثة مقبولة، غير حداثة كاتم الصوت، والمحاكم، والتهريج، والاغتيال، والسحل، والردع، والتخويف، وكتم الأنفاس، ومن ثم أوقعنا  في هذا الخراب.

من حق سليم مطر أن يتكلم ومن حقنا أن نسمع منه ونحاوره لا أن نشتمه، لأن هذا الأسلوب لا يبني وطنا فحسب، بل لا يبني "قن" دجاج! 
إنه يبني مجزرة جديدة.

إن مبدأ الشراكة في الأرض يقتضي شراكة في الراي، وفي تحمل المسؤولية، وفي النقد، وفي الاختلاف، وفي "شرعية الاختلاف"، لأن سليم مطر لم يسقط بمظلة على أرض خاوية هي العراق، بل ولد في قلب هذه الأرض، وعاش على مقربة من أنين السجناء والمعذبين فقيرا يوم كان الأب صانع شاي على رصيف قرب مديرية الأمن العامة، وهناك عرف سليم مطر معنى العذاب ومعنى الألم ومعنى جرح الكرامة ومعنى الدفاع عن القضية.

لكن هناك صنفا يهرب من مناقشة النص إلى مهاجمة الشخص، لأن حوار النص يحتاج إلى مؤهلات معرفية وأخلاقية وثقافية وتقاليد حوارية وهي غير متوفرة، أما شتم الشخص فلا يحتاج إلا إلى مؤهل واحد ووحيد هو السفالة وهي متوفرة بإفراط!

إن أوروبا اليوم تشهد موجة جديدة من الكتاب والمؤرخين والمفكرين الجدد تعرف حسب الوصف الشائع بكتاب الرواية الجديدة، والمؤرخين الجد، والمفكرين الشبان، فلماذا لا يكون لنا أيضا حداثتنا الفكرية والأدبية والثقافية والسياسية رغم أننا نغطس في جيفة يومية تهب علينا من كل حدب وصوب؟

في كل دول العالم بما في ذلك العالم العربي، والعالم الثالث وعلى مر العصور توجد سلطة سياسية وإلى جانبها وبالضد منها سلطة ثقافية تكون ضمانة من التدهور والانزلاق والبوليسية والعفن والتدهور.

حتى في لبنان الحرب الأهلية كان المثقفون يشكلون حكومة ظل يخافها السياسيون والمصرفيون ويحسبون حسابها. فلماذا تحرموننا من هذا الحق؟

متى نشارك في بناء وطن؟
متى نبني مراكز شرطة؟
متى نؤسس برلمانا؟
متى نكتب دستورا؟
متى نذهب إلى البار لنشرب؟
متى نتعشى؟
متى نتشاجر؟
متى نعود إلى البيت ونكسر الفرفوري؟!

 

 




#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يؤجج هذه الروح الكريهة؟
- دعوا زهور الخراب تتفتح
- الإمام المسلح
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة مرة أخرى
- شهادة روائية مبكرة عن ظاهرة الاختفاء السياسي
- عطر غلوريا السياسي
- جثة تسلّم أخرى
- الروائي المغربي محمد زفزاف ـ ثعلب النوم والنبيذ والموت
- ضحكة النمر
- معارك الصغار
- مسيح البنتاغون عجل بظهور المهدي!
- الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة
- أبطال أو ضحايا
- نايم يا شليف الصوف، نايم والبعورة تحوف
- الشاعر المنسي إبراهيم عوبديا ، أو اليهودي الجميل
- شاهد على قلعة الموتى من خلال فيلم وثائقي
- تاريخ الغوغاء
- العفالقة الجدد
- مرايا الدكتاتور
- من دفع أجرة العازف؟


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!