أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة















المزيد.....



الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 543 - 2003 / 7 / 17 - 17:12
المحور: الادب والفن
    


 

 

رغم البحر والصيف والرمل والضحك والركض مع طفلتي على شواطئ ذهبية مشعة، على مقربة من صخور مضيئة بالسر والماء والظل، وغابات فاتنة، كانت إغواءً وشهوة لروائي مسكون بهاجس البحث عن قواقع وأحجار نادرة وقناني يرميها الموج كرسائل قادمة من بشر مجهولين، إلا أن التراجيديا العراقية لا فكاك منها.

 

 كروائي أرى في المشهد الإنساني ما قد لا يراه غيري. لذلك لا يحق لأحد أن يطالبنا برؤية مشتركة( ألم ندخل الزمن الديمقراطي اليوم؟!)، كل واحد يرى المشهد من زاويته وعلى قدر الخيال أو على قدر المنطق.

 

في المشهد الذي أسعدني حقا( مجلس الحكم الانتقالي) يجلس على منصة مسرح  عدة رجال وثلاث نساء ( الذكورة والأنوثة هنا حسب الوظيفة البيولوجية وليس حسب المواقف) تتراوح أعمارهم بين الخمسين والثمانين، وتتراوح ملابسهم بين الفولكلوري والحداثي، وبين الأفندي، والشيخ، وثياب السيدة، وتتقاطع مهنهم بين الطبيب و"الثوري" والوزير وعالم الدين والعاطل عن العمل، و المصرفي...الخ..

 

هؤلاء يجلسون على منصة تنقل حدثا تاريخيا ستراه الأجيال العراقية القادمة بهدوء أكثر مما نراه اليوم، كما يحدث لنا حين نرى صور تأسيس الدولة العراقية وملوكها الغاربين، الموتى، موتى الحوادث المشكوك فيها، أو قتلى العصيان العام، كما سنرى غدا مراحل نمو واستطالت وتسرطن وسقوط الدكتاتور، كما سنرى ملامح نمونا العقلي، والحيوي، واضمحلال أجسادنا( كما سيرى غيرنا تلاشي ضميره على مرآة الزمن الذي سيمر سريعا جدا، فنحن لسنا سوى أشباح أو ظلال عابرة).

 

الصديق المشاكس الذي كان يركض إلى جانبي على الساحل المشمس والذي كان شرط الخروج معه هو الصمت، سألني بمكر صريح:

 

ـ ما رأيك؟

ـ بماذا؟

ـ لا تتظاهر بشيء آخر.

 

قلت:

ـ اليوم كان انقلابا حقيقيا نقيضا لتاريخ الشخص السياسي العراقي. اليوم رأيت لحظة انتهى فيها تاريخ وولد آخر. اليوم رأيت كوميديا بشرية تشكل منعطفا في تاريخ الكائن العراقي وسأترك الحكم فيها للأيام لكن من حقي أن أصف المشهد كما بدا من هذه الزاوية الخاصة جدا.

 

 قال ضجرا وهو يرمي الرمل في البحر:

ـ لا أكاد أفهم شيئا. أنت بدأت تتحدث كما لو أنك تكتب أو تضع مخطط رواية جديدة. قل صراحة وبلغة سياسية، ما هو هذا الانقلاب الذي بدا لك؟

 

قلت وأنا أدعوه للجلوس على صخرة مبللة من آخر موجة بحرية:

 

ـ اسمع جيدا. هل تسمع جيدا؟ سيكتب التاريخ، من بين أشياء كثيرة عن هذا اليوم، أنها المرة الأولى التي يجلس فيها زعيم حزب شيوعي في العالم تحت مظلة سلطة احتلال ويختار طواعية أن يكون عضوا في سلطة منتقاة  من سلطة احتلال. هذا ليس حكما بل وصفا، قد يكون الحكم في صالح الرجل أو الحزب. دعه يجرب مرة أخرى. لقد جربوا كثيرا في تاريخنا المعاصر ونحن هنا أمام الموج والبحر بفضل تلك التجارب التي حكم عليها الزمن بانها مهلكة.

 

قال صاحبي وقد فُتحت عيناه على الحافة الاخيرة من البحر:

ـ إنه أمر محير حقا لكنه ليس غريبا على الشخصية العراقية القادرة على القيام بكل الأدوار وعكسها وتبريرها في آن. أن هذا الحزب كان قد أقام الدنيا ولم يقعدها لأننا عشنا في الوطن حفنة سنوات. كان يحب أن يرانا قتلى سجون أو دفن جماعي لكي نصبح، فقط، أبطالا، في خطابات الزعيم في المؤتمرات. ها هو اليوم يدخل في تحالف تاريخي مع سلطة احتلال.

 

قلت:

ـ دعه يجرب. من يجرؤ اليوم على أن يقول له أن هذه مغامرة؟ ليست مغامرة سياسية، بل مغامرة تاريخية قد تضع مستقبله في مهب الريح. الذين اعترضوا على التحالف مع الفاشية صاروا، في تقاليد  الحزب الشيوعي العراقي، أشخاصا( يحاولون تخريب الوحدة الوطنية، وخلق خنادق عداء بين الحزبين الحليفين!)، وهو نص منشور تحذيري أصدرته لجنة محلية بحق المعترضين، وحين صار المعترضون في صفوف الحركة الوطنية وانتقلوا إلى المنافي تحولوا، في تقاليد الحزب الشيوعي العراقي، إلى ( أشخاص يحاولون تخريب وحدة الصف الوطني!).

 

دائما هناك وحدة مهددة ومنتهكة من قبل ( عدو) يصنع على عجل( مع أن جوهر فكرة وحدة الرأي ووحدة الصف هو فكرة بوليسية إرهابية ضد التنوع والتعدد والطيفية والثراء)، لذلك أقول لك لا تعترض و إلا ستجد نفسك في يوم لن يطول صاحب مصرف سري، حسب وثيقة سيعثرون عليها في مبنى احترق كله ولم تحترق هي، أو زعيم عصابة سطو، أو بوذيا متنكرا في زي إسلامي. هذه أول  مفارقات الحالة الانقلابية الجديدة.

 

ـ والثانية؟

 

قلت بعد صمت دهري ربما يكون استغرق عاما أو قرنا أو الأبدية كلها بعد مرور عاصفة، جسد، إعصار،بدل مصيري في لحظة أكثر من كل الكتب والتجارب، وفضلت الاحتفاظ برائحة العطر المائي لذلك الجسد البركاني الخاطف كرؤيا مبهرة لنبي أو فرس تحت ضوء القمر، أطول فترة ممكنة كي أظل حيا:

 

ـ الانقلاب الثاني هو أن ترى حجة إسلام أو رجل دين متمرد يجلس إلى جانب زعيم شيوعي صورته في ذاكرة الأجيال هي صورة زعيم ثوري، ويجلس في الظل( دائما في الظل!) السيد بول بريمير المسؤول الحقيقي عن صناعة هذا المشهد...

 

قاطعني:

ـ هل رأيت في حياتك صانع دمى يقف في واجهة متجر مع بضاعته؟

 

قلت، محاولا الإمساك ببقايا العطر الهارب:

ـ لا، لا، ليس الأمر على هذه الدرجة من السوء. لكني أتفق معك بأن هذا الظل المخفي هو الأكثر حضورا من هذه الأجساد العلنية والمشخصة.

 

 هذا الغائب في القاعة، بين الجمهور، هو الحاضر الوحيد والصانع الحقيقي لهذا المشهد، لكن من المغامرة العقلية القول الآن أنه سيكون الصانع الحقيقي للتاريخ، ولو حدث ذلك سيكون كلامك عن صناعة الدمى صحيحا تماما.

 كما تخلى( ربما طور؟) القائد الشيوعي عن صرامته الحزبية، وتواضع أكثر، أو خضع لشروط المرحلة، وصار براغماتيا، يحسب حساب الربح والخسارة وجسارة الظروف( وهذا ما كان يشنع به على خصومه ويعتبره جريمة لا تغتفر)، كذلك رجل الدين المتمرد الذي كان ولا يزال لا يقبل بسلطة أرضية إلا بسلطة المهدي عجل الله فرجه علينا جميعا، تحت أي اسم جاء، وفي أية حقبة.

 

 انقلاب رجل الدين حذف وإلى الأبد صورة حجة الإسلام أو آية الله الذي لا يساوم أو يفكر بطريقة سياسية  تضع المنفعة فوق كل شيء. نعم. فوق كل شيء.

 

أما الانقلاب الثالث في الصورة، أو الاهتزاز الثالث، فهو الأكثر دراماتيكية وهو: حين يجلس مصرفي وزعيم حزب أيضا إلى جانب زعيم حزب ثوري قومي وفي النهاية البعيدة للصورة يجلس رجل هو الآن قائد حزب أو ائتلاف جديد( كان مسؤولا كبيرا في حزب السلطة يوما) وبين هذا وذاك تجلس صور على كراسي متحركة.

 

 ـ أليس هذا تنوعا؟

ـ التنوع حين تكون هذه الصور قادرة على المجيء إلى القاعة بإرادتها الحرة اليوم أو غدا. هذا تراكم يا صاحبي. أما الانقلاب الرابع في الصورة وهو الأخطر.

 

صمتُ لحظة بعد أن عاد، مرة أخرى، موكب الملائكة، والأجراس المخبولة الرنين، وموجة الماء المعطر، وشممت رائحة الخلود بكل حواسي.

 

قلت:

ـ الانقلاب الرابع في الصورة هو انقلاب ( غياب). هناك غائب في المشهد التاريخي وهو غياب يشبه النفي وليس النسيان كما يظن البعض.

 

 هذا الغائب دائما، الغائب أبدا، هو غياب المثقف. هذا الكائن المنقرض في تقاليد السياسية العراقية لن يحضر لا اليوم ولا غدا، فهو الوحيد خارج المؤسسة ليس بإرادته،بل هو منفي ومقصي ومقذوف ومطرود، بصريح العبارة.

 

 وكان الجسد الاسكدنافي المثير، الأشقر، أو هودج الملائكة، أو عاصفة الأجراس الضاجة بالحليب والموز والتفاح والنبيذ والموسيقي، قد تمدد أمامنا مباشرة على الرمل.

 

قلت آخر جملة ربما لم يسمعها صاحبي قبل أن أسجل ذريعة دخول النار:

ـ اليوم إما دخلنا عصر العقل السياسي أو خرجت السياسة في العراق من الضريح إلى التسوية، ومن الوكر الثوري إلى المصالحة مع الجنرال المحتل، ومن أدعاء الحدية إلى كرسي المساومة، من الجبة والثورة إلى النشوة.

 

ومن العقيدة إلى الجزمة.

من صلاة الفجر إلى صلاة الكاولي!              

 

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبطال أو ضحايا
- نايم يا شليف الصوف، نايم والبعورة تحوف
- الشاعر المنسي إبراهيم عوبديا ، أو اليهودي الجميل
- شاهد على قلعة الموتى من خلال فيلم وثائقي
- تاريخ الغوغاء
- العفالقة الجدد
- مرايا الدكتاتور
- من دفع أجرة العازف؟
- موتى ديمقراطية الزجاج المكسور
- البرلمان وديمقراطية الزجاج المكسور خطاب زعيم الكتلة البرلمان ...
- حقوق ديمقراطية الزجاج المكسور
- المرادي وديمقراطية الزجاج المكسور
- لكي لا يحدث هذا مرة أخرى
- الروائي محسن الرملي وبورخيس وأنا
- حديقة رزكار
- رسالة إلى سياسي عراقي قبل اغتياله
- الروائي اليوناني كازنتزاكي/ المنشق2
- نقد العقل الجنسي مرة أخرى
- أوقفوا عصابات الطارزاني/ نداء
- لا تنسوا المعلم هادي العلوي


المزيد.....




- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة