أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - مغني الفيدرالية















المزيد.....

مغني الفيدرالية


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 646 - 2003 / 11 / 8 - 02:09
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 لا أدري لماذا اشعر كلما رأيت السيد موفق الربيعي بأن هذا الرجل نسى شيئا معه وهو القفص، لأن هذا الرجل يظهر لي، ولسبب ما، قد يكون له علاقة بتشوش الحواس الذي أمارسه احيانا من خلال المشي في الغابات أو تسلق الجبال، أو التسلق على أشجار الكوابيس الليلية، بصورة ببغاء عثر عليه في مكان عن طريق مصادفة مدهشة.

اختيار هذا الرجل لا يدل على عبقريته أو تاريخه السياسي أو مواهبه في النضال أو الشخير أو النوم أو الكلام، بل يدل هذا الاختيار على عبقرية العقل السياسي الأمريكي في مجال صناعة الدمى.

الربيعي حلم عراقي مجهض. هذا الرجل نموذج صارخ عن الطريقة التي تهشم  فيها القوى الاستعمارية ضمائر الناس الشرفاء وتسحبهم من قفص النقاء العاري الذي حبسوا انفسهم فيه إلى قفص السلطة حيث يتم تحويلهم إلى دمى مخجلة وإلى حفنة عظام خاوية.

والذين تابعوا ظاهرة موفق الربيعي قبل وبعد السلطة، وظاهرة غيره أيضا في المصير نفسه، يلاحظ كيف أن هذا الرجل صار يتغير ليس من ناحية الموقع السياسي من معارض إلى مسؤول فحسب، بل من انسان الى مسخ، ومن رجل قضية إلى ببغاء، ومن مناضل من أجل الحرية  إلى مهرج مضحك.

كبير، كبير، هذا الدور على هذا الإنسان الكان نظيفا يوما، ومحزن هذا المصير، ومطلوب حملة وطنية عراقية خاصة لانقاذ هذا الرجل الطيب الذي يتحطم علنا أمامنا دون أن يتدخل احد لانقاذه من براثن هؤلاء الوحوش ، ومن براثن نفسه، فهذا الكائن صار يلتهم نفسه كل لحظة كوحش مفترس، لذلك اقترح انشاء جمعية خاصة تهتم بانقاذ السيد موفق الربيعي وايقاف تدهوره الخطير.

هذا المخلوق كلما ظهر في مقابلة أو لقاء اشعر بانه يريد أن يصرخ أو ينفجر أو يتشظى واعتقد أنه يموت موتا علنيا دون أن يراه أحد وكل ما أخشاه ان تتم التضحية به يوما ـ رغم الحاجة القوية لهذا النوع النادر! ـ من أجل عمل أكبر من حجم الربيعي.

أول الامر شعر الرجل أن حجمه الكبير، وتاريخه السياسي ومواهبه في القفز من حزب إلى آخر وموقفه من النظام السابق ودوره الفكري ومواهبه السياسية هي التي جاءت به إلى السلطة.

ولا يعرف المسكين أن وصوله إلى السلطة هو كوصول شاحنة نقل الأوساخ إلى قاعة مؤتمر أو مقر رئاسي، أو وصول ثور  إلى المسلخ، أو وصول المحكوم عليه بالموت إلى الخشبة، أو وصول ممسحة  إلى محل للأحذية.

هذا الرجل يتعذب علنا، ويتعرى علنا، ويتمزق علنا،  ووجدانه الحي يأكله يوميا، وأتوقع يوما أن يتعرى بعد أن يؤدي وصلته المعتادة واللحن الذي درب عليه أو لقن له وهو اغنية الفيدرالية  تسع دويلات أو أكثر، أمام العدسات ويتبول على الجمهور والمصورين والمشاهدين.

فكيف يمكن أن تكون هناك فيدرالية بلا اقتصاد حر، ولا تعددية سياسية  وحزبية مسجلة في قانون، ولا صحافة حرة مسؤولة ولا رئيس دولة منتخب ولا مجلس وزراء ولا برلمان ولا بنية صناعية متينة أو طبقة عاملة منظمة  في نقابات أو اتحادات قانونية وفي ظل غياب دولة القانون والجيش والاجهزة التنفيذية والتشريعية والحقوقية والأهم ايضا في غياب  ثقافة سياسية رصينة وتقاليد عمل سياسي ومؤسسات الضمان الاجتماعي وضمانات قوية في الحرية الفردية والملكية الخاصة في تشريع صريح ومكتوب وفي اطار مناخ سلمي تعددي؟ بلا ذلك يصبح الحديث عن الفيدرالية كالحديث عن عرس على مشارف القمر أو كالحديث الطويل المموسق عن ديمقراطية عربية بلا ملامح ولكنها مثل كل المفاهيم تبدو جميلة في الخطاب وفي اللغة.

نحن عباقرة في تأسيس كل شيء عن طريق اللغة، لأن اللغة هي التي تفكر. نحن أبناء القاموس. وفي هذه اللغة كل شيء يحمل نقيضه في الواقع: فالحرب الاهلية المستترة الآن تصبح في القاموس ( استقرارا!) فريدا ونعمة  عظيمة، والقتل اليومي يصبح لا قيمة له لأنه(  بقايا فلول العدو!) والنهب والسرقة والبيع والشراء بلا قانون عابرة عن( فلتان أمني عابر!) وتدمير كل مقومات المجتمع العراقي وخلق بنية تحتية لنظام مافيوي طويل المدى يختصر بعبارة( نحتاج إلى شرطة فقط!) الخ الخ مهازل القاموس السخيف المضحك. وبهذه الطريقة البهلوانية نتحدث ونعتقد أننا نحل المشاكل في حين أننا نخلقها ولمدى طويل عن طريق (زرع) عناصر تفجير خطيرة. وبهذه اللغة نتحدث عن الدستور والحرية والدولة والقانون والخ وهلم جرى. لم لا؟ ان هذا الشعب مختبر تجارب ومن الممكن لسياسيين أميين ممارسة كل انواع تجارب الفئران عليه كما حدث مرات عديدة وهو صامت راكع مصدوم بألف صاعقة، وحين تفشل هذه التجارب وتسيل دماء يصبح هؤلاء السياسيون الأوغاد أبطالا فقط لأنهم هربوا من السيطرة والبوليس!

بهذه الطريقة تسوّق الجريمة على أنها بطولة!
واين؟
في اللغة!
 
مطلوب من الربيعي الذي درب نفسه نفسيا وسياسيا وفكريا وأخلاقيا على ان يحب وطنه ويشارك في انقاذه، مطلوب منه أن يصير مغنيا اوبراليا من الدرجة الأولى والرجل يرى أن هذا الدور كبير عليه.

مطلوب منه، في كل لقاء مع قناة أو مع ملاك  أو مع راقصة أو نشال سياسي، أو مع جن، أن يغني الأغنية التقليدية التي لقن عليها ليس في مدرسة الموسيقى الأمريكية، بل في البيت الأبيض( وفي بيت الأسياد الصغار الذين وافقوا عليه شرط أن ينزع هويته الوطنية وينزع غيرها!) فهذا البيت لا يخرّج موسيقيين، بل مهرجين ونسانيس وفيلة صغار.

ومن يراقب الربيعي يكتشف أن الرجل لا يغني بل يحشرج، وانه لا يبتسم بل ينتحر، وأنه لا يتكلم بل ينوح، وانه في النهاية لا يجلس على كرسي بل على نار حامية. هذا الرجل لا يعقد مؤتمرات صحفية بل حفلات جلد وجنون وانتحار وبكاء علني وفي كل مرة يفكر في أن يخلع سرواله لأن الدور في كل مرة تجاوز الحدود المتفق عليها، تأتيه الاشارة من خلف الستارة بأن يواصل الدور حتى النهاية التي تشبه القدر البشري المرسوم ويرى نفسه يوما ، وان طال، محلقا في الهواء البغدادي الأزرق من انفجار سيارة  معدة وجاهزة له من أيام التدريب على اللحن الاوبرالي، ولكي يرى سطوح بغداد وكي يرى الغزالة ايضا كخاتمة منطقية لنهاية دور!

الرجل هذه الايام بين نارين وجحيمين: بين جحيم تربى عليه منذ سنوات طويلة في أن لا يكون إلا نفسه، وبين جحيم درب عليه قبل سنوات في وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد أن خرج من حزبه القديم، في أن يكون مهرجا صغيرا ومكشوفا على جمهور عراقي لم يعد يعرف، من كثرة ما عرف، من هو المهرج ومن هو المهرجان، من هو السيرك وأين هو الجمهور، حيث اختلطت المقاعد مع الشارع، والوجوه مع الأصباغ في كرنفال عمومي للسخف والتدهور والعفن، وأصابع المشاهدين مع دموع القردة في ساحة السيرك.

وهذا الجمهور مسحور حد الغواية بفكرة أن هذا الرجل أو ذاك  أصحاب ماضي عريق، وهذه الفكرة  التافهة لا تعشش هذا الزمن إلا في ذهن قبلي ساكن حزبي ميت شاحب لا مرونة فيه ولا محاكمة منطقية: فهذا الماضي، في العرف البدوي  الحزبي السياسي المتخلف، هو وصمة إلى الأبد لا زيادة ولا نقصان مهما كان سلبا أو ايجابا، وهذه الخاصية اللعينة تعرفها مراكز الابحاث ووكالات الاستخبارات وخبراء التخطيط الدولي ومعاهد الخدمة والمشورة التابعة للبيض الأبيض أو أي بيت آخر( الان أقرأ كتابا من جامعة أوكسفورد عن العالم العربي يقول: أن العربي يفضل مفاهيم الشرف على العلم!) يعني مخلوق متخلف خارج التاريخ.

لذلك يختارون من بين الدمى، وهو (شرط صناعة الدمى) وجها يناسب التفكير المشرقي الواجهي والمشهدي والمظهري  بعد أن يتم افراغه من كل محتوى وطني او بشري  ويعبأ بالتبن والبرسيم والمحو.

هكذا يتم تقديم النموذج إلى جمهور مسحور بالماضي  المجيد لهذا الكائن أو ذاك، لهذه العمامة أو تلك القبعة مع ان العمامة، على رأي الفقيد المفكر الصادق النيهوم تصبح:
(  نوعا من أنواع الاعلان، وان المسلم لا يملك قبعة بل يملك حقوقا في نصوص الدستور، فإذا ضاعت هذه الحقوق، فلاشيء يفرق بين رأس ورأس).

ومن متابعة عامة لملامح الرجل قبل وبعد السلطة يلاحظ ان وجهه فقد الكثير من ملامح النقاء القديم والجميل والطفولي والعفوي يوم كان الربيعي حرا وطليقا وشريفا. وليس المقصود هنا بالشرف  بالمعنى الجنسي العام، بل الشرف هنا هو تدهور الضمير وموت الوعي وفقدان حس الاتجاه.

وفي آخر مرة ظهر فيها في مقابلة على محطة( العربية) قبل فترة ظهر خلفه كرسي ذهبي يليق بامبراطور أو معتوه. وكم بدا لي تلك اللحظة أن هذا الكرسي كبير عليه، بل بدا أنه محبوس فيه أو ان الرجل عاش كل تلك المرارات من اجل هذه اللحظة.   و إلا كيف نفسر هذا الكرسي الامبراطوري الذي يتسع لعشرات الأشخاص أو النسانيس  والدم العراقي ينزف في الشوارع؟!

وكما قلت مرة أن هذا الرجل لا تشغله صدمة ولا سيارة مفخخة ولا حرائق غابات ولا يوم انفجارات ولا سقوط نيازك على الأرض  ولا رغبة أو سرير ولا حتى  تطاير القاعة في الفضاء ولا نوبة صرع أو سكتة قلبية ان كل ذلك لا يشغل الرجل عن دوره الاوبرالي في تحويل العراق الى عشر أو عشرين دولة.

والرجل ينزف ويتدهور وحتى ملامحه تترهل وتتعفن علنا ولكن الى حين لأن الاصابع  التي دربته في الخفاء تعرف جيدا كيف تجعله يقف على قدميه. هذه الاصابع تعرف ان هذا  الكائن،الخواء، بلا حزب ولا قبيلة تسنده ولا طائفة ولا ثكنة وهو يعرف ذلك جيدا.

هم يعرفون باي شيء يلوحون له من خلف الستارة وهو يعرف كيف يغني أغنتيه الشهيرة:
( أموت بالفيدرالية!
أحب الفيدرالية!
الفيدرالية هي الحل!).

ولا نعرف من سينتصر في النهاية: موفق الربيعي العراقي النقي النظيف، صاحب الصراصير الثلاثة، وعفا لله عما سلف، أم موفق الربيعي المغني الفيدرالي؟!

إن علامة العودة إلى الوعي عند الربيعي هي أن يشق يوما ثيابه علنا أمام العدسات ويفتح أزرار بنطلونه العراقي الصنع ويفعلها ويذهب بعد ذلك ليس إلى مجمع القصور الرئاسية بل إلى مصح  الشماعية متوجا بوردة تاريخ قادم.

قبل أن تأتي السيارة المفخخة الأمريكية الصنع وفوقها سماعة تلعلع بأغنية الربيعي الشهيرة:
أموت بالفيدرالية!
أحب الفيدرالية!
الفيدرالية هي الحل!

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لصوص الأزمنة الاربعة3
- العراق نحو الهاوية
- لصوص الأزمنة الأربعة1 &2
- غيمة في بنطلون مبقع
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف
- سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!
- من يؤجج هذه الروح الكريهة؟
- دعوا زهور الخراب تتفتح
- الإمام المسلح
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة مرة أخرى
- شهادة روائية مبكرة عن ظاهرة الاختفاء السياسي
- عطر غلوريا السياسي
- جثة تسلّم أخرى
- الروائي المغربي محمد زفزاف ـ ثعلب النوم والنبيذ والموت
- ضحكة النمر
- معارك الصغار
- مسيح البنتاغون عجل بظهور المهدي!
- الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة
- أبطال أو ضحايا


المزيد.....




- إعلان مفاجئ لجمهور محمد عبده .. -حرصًا على سلامته-
- -علينا الانتقال من الكلام إلى الأفعال-.. وزير خارجية السعودي ...
- عباس: واشنطن وحدها القادرة على منع أكبر كارثة في تاريخ الشعب ...
- شاهد.. الفرنسيون يمزقون علم -الناتو- والاتحاد الأوروبي ويدعو ...
- غزة.. مقابر جماعية وسرقة أعضاء بشرية
- زاخاروفا تعلق على منشورات السفيرة الأمريكية حول الكاتب بولغا ...
- مسؤول إسرائيلي: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة ولن نتنازل عن ...
- وزير سعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة ع ...
- استطلاع: ترامب يحظى بدعم الناخبين أكثر من بايدن
- نجل ملك البحرين يثير تفاعلا بحديثه عن دراسته في كلية -ساندهي ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - مغني الفيدرالية