لماذا يا غزة؟؟؟؟

طلعت الصفدى

الحوار المتمدن-العدد: 2112 - 2007 / 11 / 27 - 10:40
المحور: القضية الفلسطينية
    

ولدت يا غزة مع التاريخ أو قبله.. وتخلد اسمك في الزمان والمكان.. عايشت يا غزة حضارات سادت ثم بادت، وبقيت يا غزة أصيلة وشامخة كأصالة الوجود وشمس الحقيقة .بصماتك على صخور الزمن ، وفى عيون الحضارة، كنت ولا زلت ينابيع للثورة، لست حدوتة الغول ، أو رهينة المحبسين ، أو وكرا لذئاب العصر وأفكار الظلام والجاهلية، واجهت يا غزة لوحدك طوفان البحر وجرذان الصحراء ، وكل الأشرار من كل حدب وصوب، صمدت... قاومت... انتفضت... تجذرت في التاريخ ، حتى بحر موسى هابك فانسحب بعيدا عنك.. ولم تفلح عاديات الزمان وظلامية السلطان في قهرك ولا حتى قطاع الطرق ولصوص القرن الواحد والعشرين ، بقيت خالدة ، صامدة ، أبدية ولم تنجح دعواتهم بان يبتلعك البحر ، هل دمك المسال اليوم هوضريبة البقاء ، أو قربان السلطة والجاه ، فهل تتحولين يا غزة عن المسار وتصبحين خرافة أو خدعة أو بدعة أم مهزلة؟؟

يا غزة .. عاصرت مختلف الشعوب والقبائل والأجناس .. كنت موطنا للكنعانيين .. وملاذا للمعينين .. طيب وبخور هي تجارتك . بحثت عن الحقيقة التي بزغت شمسها ، وأبيت أن يرفع الحجر والصخر من مكانهما المقدس إلا في وجه غيلان الحياة ، وتجار الرقيق ، وجلاوذة العصر من الامبرياليين والصهيونيين والرجعيين ، واجهت النكبة ، والكارثة ، وكل لصوص العصر .. داهم أرضك يا غزة أقوام وشعوب شتى .. الفراعنة والهكسوس، الأشوريون والبابليون ، الفرس واليونانيون، الرومان والصليبيون ، المماليك والعثمانيون ، البريطانيون والاسرائليون ... وكنت دوما عصية عليهم ، تمترست أرضا وهوية ، تلوحين بالمنجل ،وللحرية بالمعول ، تبحثين عن الحقيقة الغائبة ، من الوثنية إلى المسيحية ، فالعروبة والإسلام ، احتفظت باسمك العربي تأييدا للعروبة والإنسانية ، وأنجبت عبقري غزة الأمام الشافعي صاحب القول:

واني لمشتاق إلى أرض غزة وان خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها كحلت به من شدة الشوق أجفاني

فها يصون أهل غزة وصية الإمام الشافعي؟ ألا زال شعبها وأهلها يبحثون عن الحقيقة بين دهاليز العتمة وبحور الظلام؟ هل ستبقى غزة أصيلة تستعصى على العابثين من أهلها والدخلاء ؟ وهل هانت غزة عليهم ليحولوها إلى كومة من الرماد؟ ماذا يعنى أن تنجرف وتنحرف فئة من أهلها عن القيم والسلوك الانسانى ، هل يتحول القلم والمداد إلى سكين ودماء تغرز في صدور الأبرياء ، وهل يوجه السلاح والهاون إلى أخوة ورفاق الدرب ، فهذا يتنافى مع القيم الإسلامية والحضارة المشرقة ، فدم الشهداء لا يزال ينزف والمعتقلين خلف القضبان والجرحى في المستشفيات ، لماذا لا تتحول السياط والسلاسل والجنازير إلى برتقال ونخيل ؟

من المستفيد عن حرف أهل غزة عن الطريق ، وتعزيز للجريمة ... لما لا تتبدل أدوات الهدم ومعاول الإرهاب إلى أدوات بناء وتعمير ، متى كانت القسوة بين الأهل ، والبلطجة بين الإخوة هو السبيل والطريق، لم شحذ السلاسل على الأفواه، وكتم الصوت والتعبير ، ولماذا شد الحبال على الأعناق وقطع الطريق أليس الاحتلال من يتربص بالجميع؟ أما آن الأوان لاستبدال أدوات الجاهلية والتعصب المقيت ، والانتقال إلى أسلوب الحوار الديمقراطي السليم ، فهل نسمح لأنفسنا أن ندوس على ألغام مخبوءة؟

الدسيسة يا غزة تتربص بنا جميعا ، وهم في انتظار الإجهاز على الجميع ، فهل يكون الانتحار للجميع . إن الدماء يا غزة تسيل في غير مواقعها ، ومهما كانت النتائج لهذا الطرف أو ذاك فليس فينا غالب ، فكلنا مكسور ومغلوب ، فهل أهلك يا غزة يسمحون بهزيمتك وانكسارك ، وغيلان العصر في الانتظار .، غزة تقتل يوم يقتل الثور الأبيض .. . الطوفان يا غزة قادم والجراد الأصفر ، فلم لا نتعاون جميعا لإخماد الفتنة والحريق وتعبيد الطريق.

يا غزة لا تصمتي ، لا تدفني أبنائك ، معك كل الكادحين والمسحوقين ، كل الوطنيين والديمقراطيين والتقدميين ، فهم حراسك ، وهم ناسك .
يا غزة بدون شجاعة لا توجد حقيقة .. وبدون حقيقة لا توجد فضيلة ، وحنظله بالمرصاد لكل حفاري القبور ونابشيها ، ومثيري الفتن والقلاقل ، فغزة لا بد أن تبقى عصية على غيلان العصر وأعداء الحياة ، عصية على عصابات الجهل والتخلف ، غزة ستبقى السنبلة والزهرة والحجر والشعلة ، والشرارة التي اندلعت من غزة حتما سيعقبها اللهيب.

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل