|
مصانع صقل (الشائعات)!
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2061 - 2007 / 10 / 7 - 12:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
معروفٌ بأن [ الشائعات] مرض منتشر عند كل أمم الأرض ، غير أن أنها في فلسطين قد تحولت إلى وباء خطير ، وما أكثرَ ما ناقشت هذا الأمر في مقالاتي وندواتي ، غير أن هناك جهاتٍ تستفيد دائما من تعزيزالشائعة وتكبيرها وزيادة عدد مُردديها ، ودعم ناقليها وموزعيها ، فقد استخدمها المحتلون خلال عقود طويلة لإدامة الاحتلال و[إراحته] وذلك بتسيير الشؤون الاجتماعية لمنفعته . فقد عمل علماء النفس والاجتماع مع قوات جيش الدفاع الإسرائيلية ، ونجح علماء المجتمع والنفس فيما فشلت فيه قوات جيش الدفاع ، فقد قاموا بأخطر المهمات ، بعد أن درسوا مكونات مجتمعنا الفلسطيني وفسيفسائه المتنوعة وأجادوا إدارة الخطة عبر عدة وسائل منها : إقصار التنوير عن المائدة الثقافية الفلسطينية ، وبخاصة في المناهج الدراسية ، فقد قاموا بإفراغها من البنية الأساسية الثقافية ، وأخضعوا المدرسين وسدنة التعليم لمؤامرتهم وكان يرأسهم ( ضابط ركن التعليم) ووضعوا الأسس الكفيلة لمنع تسرب العلوم فأحكموا إغلاق المعامل ووضعوا شروطا على الأنشطة ، ثم أدخلوا السياسة إلى مدارسنا حتى المدارس الابتدائية ، ثم حولوا المدارس إلى مراكز حزبية ليتمكنوا من إغلاقها طوال العام ، لذلك فقد منحت الشهادات برتوكوليا ! وبالإضافة إلى ما سبق فقد أحكموا إغلاق الحدود على مصادر الثقافة ، فقد كانوا يراقبون ما يرد بإحكام، وكانوا أيضا يفتشون البيوت ، ويصادرون الكتب ، ويعتبرونها دليل اتهام ، وهناك سجناء قضوا فترة في السجون بسبب مقتنياتهم من الكتب ، ومنعوا إصدار الصحف والمجلات والإذاعات وأخضعوا بعض من وافقوا عليها لقانون عثماني عتيق ! ويضاف إلى ما سبق فإن المحتلين قاموا بمطاردة المتنورين والفنانين وذوي العقول فطاردوهم في وطنهم باستعمال سلاح [ الشائعات] إلى أن أرغموا أكثرهم على الهجرة من الوطن ، فكان [سلاح] الشائعات في فلسطين تحت إمرة الحاكم الإداري العام ، وهو كتيبة حربية إسرائيلية لها من التأثير أضعاف التأثيرات القتالية ! وكان مفروضا أن نجعل قضية الشائعات في المجتمع الفلسطيني هي أولى القضايا التي تستحق العلاج ، غير أننا [ أسهمنا ] في دعمها في الفترة التي أسميناها : عودة السلطة !! فقد عزّزنا الشائعات فقامت أحزابنا الفلسطينية بالتنافس على [جثة] الشعب الفلسطيني واستخدمت الشائعات للإطاحة بخصومها ، وكذلك فعل القبليون والأسريون ، وارتد المتنورون عن واجباتهم وعادوا إلى قبائلهم بدلا من أن يعودوا إلى وطنهم وشاركوا في كرنفالات الشائعات . ومعروف أن الشائعة في العالم المتحضر تبقى مجرد [ شائعة] إذا لم يؤكدها القضاء ، لكنها في فلسطين لاتحتاج إلى تصديق قضائي !! فشروط نشر الشائعة في وطني لتصبح حقيقة مسلَّما بها أربعة الأول: أن تقال بصوتٍ مهموس بالقرب من أذن أحدهم والثاني: أن يُطلب من سامعها ألا يوزعها على الآخرين والثالث: أن يكون مضمون الشائعة ثلاثة موضوعات ، الجنس والسرقة ، والعمالة للأعداء والرابع: أن يقال بأن تلك الشائعة منقولة عن أحد البيانات المطبوعة والموزعة في الشوارع أو أنه سمعها من مصدر موثوق ! وقد استفادت الأمم المتحضرة من تجاربها السابقة ، بعد أن درست مسيرتها التاريخية ، واكتشفت بأن من معظم الشائعات قنابل موقوته يمكنها أن تفجر المجتمع كله ، فضلا عن كونها غير صحيحة ، فقد استفاد الفرنسيون من تجربتهم في قصة جان دارك في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ، فقد اتهموا (الطفلة) جان دارك ابنة الرابعة عشر ربيعا بأنها ساحرة مهرطقة وتولت الشائعات نشرهذه التهمة ، على الرغم من أن جان دارك قادت جيوش فرنسا إلى النصر ضد الجيش الإنجليزي الغازي ، وحكم عليها القساوسة بالإعدام شنقا ثم أُحرقت جثتها في السوق العامة يوم 30/5/1431م وكان عمرها ثمانية عشر عاما . وبعد سنوات قليلة أعيدتْ محاكمتها فظهرت براءتها من كل التهم المنسوبة إليها !! وبعد خمسة قرون من موتها أي في عام 1920 أصبحت القديسة جان دارك !! وكرر الفرنسيون خطأهم مرة أخرى بشائعة جديدة عام 1761م في مدينة تولوز ، عندما اتهموا (كالاس) بأنه تخلص من ابنه مرقس وقتله ، فحكم عليه القساوسة بالموت على الرغم من إنكاره ، فقطعوا جثته بالدولاب كأبشع جريمة ... وأعيد التحقيق بعد قتل الأب فاتضح بأن الابن انتحر انتحارا ، وفصل القضاة السابقون من وظائفهم فقط ، فرفع الفيلسوف فولتير بعد هذه الحادثة ، التي سميت "حادثة عائلة كالاس" شعارا يقول : " اسحقوا العار" !! كم حكما قضائيا بالموت والسجن أصدرناه نحن في فلسطين ثم راجعنا أنفسنا بعد سنة من إصداره وندمنا على تسرعنا بسبب الشائعات ؟!! ما تزال الشائعات في فلسطين هي أشهى الأطباق حتى في شهر رمضان ، وقد أدخلنا الشائعات في النظام الرقمي العالمي ، وسخَّرنا لها مواقع الإنترنت والجرائد والمجلات ومعظم وسائل الإعلام لدرجة أنها أصبحت في فلسطين [ صناعة] تحويلية تستنزف مدخراتنا وجهودنا وتفرعت عنها صناعات أخرى من المصنع الرئيس وهو المصنع الكبير لإنتاج الشائعات في فلسطين ، فتفرعت عن هذا المصنع عدة معامل تحويل منها: المعمل التحويلي وهو يقوم بتحويل (خامة)الأخبار إلى (نسيج) من الشائعات . ومنها : مشاغل لسبك (لدائن) القصص والحكايات. ومنها : شركات لصقل أكاذيب الشائعات ودرفلتها . ومنها : مطابع لتغليف الشائعات في علب السوليفان الألكترونية !! والغريب في ذلك أن هناك [ تعمية] مفروضة على معالجة هذه القضية ، وتواطؤأ على إغفال دراستها وتنظيم حلقات للبحث والنقاش حتى عند المفكرين والكتاب ، أما مراكز أبحاثنا ومراكزنا الثقافية ، وما أكثرها فهي أيضا مشغولة بكتابة البربوزولات والمشاريع الملائمة لجهات الدعم المالي ، والتي يبدو أنها تشترط عدم التعرض لمرض الشائعات من قريب أو بعيد كشرط رئيس للدعم ! أما أكثر جامعاتنا ومعاهدنا فقد خضعت لما يقتضيه الحال فأصبحت [ مدارس] رسمية يقضي فيها الطلاب مدة محكوميتهم لينالوا الشهادة التي يعتقدون بأنها ستفتح لهم باب الارتزاق على مصراعيه !! وكان مفروضا أن تكون أقسام علم النفس والاجتماع في جامعاتنا الفلسطينية مراكز إشعاع لمعالجة قضية الشائعات بأبحاث علمية وندوات ومؤتمرات واستبانات وإحصاءات ، فقد أعادت الجامعات في العالم الاعتبار لعلم النفس والاجتماع كعلومِ عصرية تستحق البحث والدراسة ، يقبل عليها الطلاب النابغون ، وليس مثل جامعاتنا لأنها لا تقبل في هذا المجال إلا من أقعدهم مجموعهم في الثانوية العامة عن الوصول إلى كليات أخرى،وأرادوا أن يحصلوا على شهاداتهم بجهد يسير ، حتى وهم نائمون في بيوتهم !! كما أن فلسطين تكاد تخلو من أطباء وعلماء وباحثين في علم نفس المجتمع . وأخيرا فإن كل [ الصناعات ] في العالم تدرُّ الربح الوفير وتعزز من مستوى الوطن ، إلا صناعة[الشائعات] فإنها الصناعة الوحيدة التي تفشل كل الخطط مما يسبب الخسارة الساحقة للأوطان ، وخسارة الشائعات أكبر خسارة لأن آثارها تتعدى الحاضر لتصل إلى المستقبل !
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عولمة ... شهر رمضان !!
-
العرب والألعاب الأولمبية !!
-
جماهيرية غزة العظمى!
-
جماهيرية غزة العظمى !
-
مجالس [ نتف الريش] !
-
البحث عن غريب في رواية ( أزمنة بيضاء) لغريب عسقلاني
-
مخاطر احتكار الإعلام
-
إقصاء الشاعر معين بسيسو عن غزة !
-
اللغز!!
-
اللغز !
-
من طرائف أمة العرب
-
التنوير عند أحمد أمين !
-
تفخيخ العقول بمتفجرات الجهالات !
-
هل يمكن تنفيذ برنامج الكاميرا الخفية في فلسطين ؟
-
الحرب (المائية) الثالثة !
-
الحرب (المائية) الثالثة !!
-
كتيبة المليارديرات في إسرائيل
-
اغترب تصبح ثريا أو عبقريا
-
اغترب تصبح ثريَّا أو عبقريا
-
عصر الانتداب التجاري
المزيد.....
-
للحانات البريطانية قواعدها الخاصة.. إليك ما تحتاج لمعرفته قب
...
-
انتقام إيران.. ما قاله ترامب محذرا إياها من الرد على الضربة
...
-
شاهد.. دمار -واسع النطاق- وسط إسرائيل بأول موجة صاروخية إيرا
...
-
السعودية تعلق على الضربة الأمريكية بإيران واستهداف المنشآت ا
...
-
الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافا عسكرية غرب إيران
-
الضربة الأميركية لإيران.. هل ربحت إسرائيل المعركة؟
-
بلومبيرغ: 5 أسئلة عما سيحدث لو أغلقت إيران مضيق هرمز
-
البيت الأبيض ينشر صور من غرفة عمليات استهداف المواقع النووية
...
-
-أمريكا بلا منازع حقًا-.. كلمة نتنياهو الكاملة بعد ضربة الول
...
-
نتنياهو بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية: لقد تحقق الوعد وت
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|