أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نصارعبدالله - عن الحسبة والمحتسبين















المزيد.....

عن الحسبة والمحتسبين


نصارعبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 02:29
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


حين كنا طلابا ندرس القانون فى الجامعة ، كان من أوائل ما تعلمناه ، أن الدعوى لا تكون مقبولة إلا إذا كان لصاحبها مصلحة ما ، متمثلة فى حق معنوى أو مادى يخصه هو ويطالب به ، كما تعلمنا أيضا أن هناك استثناء يرد على هذه القاعدة العامة ، ألا وهو دعوى الحسبة! ...وهى تلك الدعوى التى يرفعها صاحبها مطالبا فيها ـ بدون تفويض ـ بحق غيره من البشر! ،أو مطالبا بحق الله سبحانه وتعالى ، محتسبا من وراء ذلك ثوابه ورضاءه عنه دون أن تكون له بالضرورة مصلحة شخصية دنيوية متوخاة من وراء دعواه... ورغم أن الهدف من دعوى الحسبة هو فى الأصل هدف نبيل فيما هو مفترض إلا أن الواقع العملى يؤكد أن الذين يعمدون إلى إقامتها يستهدفون فى معظم الحالات أهدافا أبعد ما تكون عن النبل ، فالذين يقيمون دعوى الحجر مثلا ( وهى واحدة من دعاوى الحسبة ) هم فى أغلب الحالات من الطامعين فى أموال ذلك الذين ينسبون إليه أنه سفيه أو معتوه، وهم غالبا ممن يخشون على تلك الأموال من أن ينفقها صاحبها فى وجه يضيع عليهم فرصة الإنتفاع الراهن أو المستقبل بها ، حتى لو كان هذا الوجه هو أن يتبرع بها لمشروع من مشروعات الخير!!!.. نادرا جدا ما ينطلق رافع دعوى الحجر من إحساسه بأن المال فى الأصل ملك لله وأن الإنسان ما هو إلا مجرد يد مؤتمنة عليه ، ومن ثم لا ينبغى السماح لمعتوه أو سفيه بأن يبدد المال هباء منثورا ،... كذلك فإن من النادر جدا من الناحية العملية أن يقيم شخص ما دعوى للتفريق بين زوجين راشدين متحابين ، ( دعوى التفريق بين الزوجين هى مثال آخر لدعاوى الحسبة ) نادرا ما يقيم شخص تلك الدعوى من موقع إحساسه بأن الزوج غير كفء للزوجة دون أن يكون له هو مأرب شخصى ما من دعواه سواء كان ذلك المأرب سياسيا أو إعلاميا أو مجرد تصفية حساب معين بين رافع الدعوى وبين الزوج المنسوب إليه عدم الكفاءة !!.. وفى التسعينات من القرن الماضى وصل سوء الإستغلال لهذا النوع من الدعاوى النبيلة الأصل والمقصد (فيما هو مفترض ) ،إلى حدود مرعبة ، فقد وصل إلى حد أن واحدا من هواة الشهرة أعلن فى عام 1996 أنه فى سبيله إلى إقامة عدد من دعاوى التفريق بين الأزواج ضد عدد كبير من رموز الفكر والثقافة والإبداع ، وقد تبعه فى ذلك عدد آخر من هواة الشهرة مثله وقد أعد كل منهم قائمة بأسماء الذين يعتزم أن يبهدلهم من خلال دعاوى التفريق بينهم وبين أزواجهم!!، ثم بدأت الدائرة تتسع إلى حد ٍ لم يكن من المستبعد معه أن يتجاوز الأمر دائرة التنكيل بالمثقفين لكى يصل إلى الخطوط المحظورة، أعنى أن يفاجأ أهل الحكم أنفسهم يوما ما بدعاوى للتفريق بينهم وبين أزواجهم، وهذا هو على الأرجح ما دفع بالمشرع المصرى إلى إصدار القانون رقم 81 لسنة 1996 الذى يجعل تحريك دعوى الحسبة من خلال النيابة العامة وحدها ،لا من خلال الإدعاء المباشر ، ويمنع بالتالى أية محكمة من قبول أي دعوى أو طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة شخصية مباشرة وقائمة يقرها القانون. وقد كان من الممكن لذلك التشريع أن يضع حدا لذلك السيل الجارف من دعاوى الحسبة التى لم يكن يستهدف بها أصحابها سوى تصفية الحساب بينهم وبين مخالفيهم فى الرأى فى بعض الحالات ، أو مجرد الذيوع الإعلامى والشهرة فى حالات أخرى، أو مجرد إيذاء الآخرين إشباعا لرغبة سادية كامنة فى نفوسهم فى حالات ثالثة ، أو مزيجا من هذا كله فى حالات رابعة ... كان من المأمول أن يضع التشريع المذكور حدا لذلك الإنفلات فى استخدام دعوى الحسبة الذى خرج بها عن غاياتها الأصلية النبيلة إلى غايات هى أبعد ما تكون عن النبل، والذى كان فى الوقت ذاته يهدد كما رأينا بما هو أكثر،... كان من المأمول من ذلك االتشريع ،أن يضع حدا لأوئك الذين يقحمون أنفسه فى العلاقة بين المرء وزوجه بحجة أن الزوج قد خرج بأفكاره عن الملة، وأصبح كافرا ولم يعد يحق له أن ينكح زوجة مؤمنة ! ( رغم رضاء الزوجات أنفسهن عن أزواجهن وتمسكهن بهم فى أغلب الحالات !! )، ، وقد هدأت بالفعل فى أعقاب ذلك القانون موجة ـ أو بالأحرى هوجة ـ دعاوى التفريق بين المثقفين وأزواجهم ، حيث ظل الوضع هادئا نسبيا إلى أن جاء عام 2006 الذى شهدت فيه دعاوى الحسبة منعطفا رهيبا ، عندما لجأ مواطن من وراق العرب اسمه سعيد محمد عبدالله إلى إقامة دعوى يشكك فيها فى الذمة المالية للرئيس حسنى مبارك ثم قامت صحفية اسمها سحر زكى بنشر خبر عن الدعوى صحيفة الدستور ، وقد كان من حق الرئيس مبارك أن يلجأ إلى القضاء مثلما لجأ إليه سيادته بالفعل قبل نحو عشر سنوات سابقة على تلك الدعوى عندما نشرت مجلة: "المجلة" السعودية تحقيقا يشكك فى الذمة المالية لنجليه، ... كان من حق السيد الرئيس أن يلجأ للقضاء مثلما فعل فى المرة السابقة ، غير أن سيادته فى هذه المرة لم يفعل ، ربما تعففا من جانبه ، وربما رغبة من سيادته فى تفويت الفرصة على من أقام تلك الدعوى ـ وهو طالب شهرة على الأرجح ـ فى أن ينال شهرة لا يستحقها من خلال دعوى تفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية المطلوبة والواجبة، ... وأيا ما كان السبب الذى حدا بالسيد الرئيس إلى عدم اللجوء إلى القضاء ، فإن ما حدث بعد ذلك كان أغرب من كل خيال ، إذ أن عددا من أبناء وراق العرب، لا صفة لهم ولا مصلحة سوى أنهم من وراق العرب ، قد أقاموا بعد ذلك دعوى ضد المواطن سعيد محمد عبدالله وضد الصحفية سحر زكى المحررة بجريدة الدستور، وضد رئيس تحرير الجريدة ذاته لأنهم ثلاثتهم قد سببوا لهم أذى نفسيا كبيرا عندما قامت جريدة الدستور بنشر خبر عن الدعوى التى أقامها سعيد عبدالله مشككا من خلالها فى الذمة المالية لرئيس الدولة ، ( وهى الدعوى التى ليس لهم ـ أى المدعين الجدد ـ صلة بها سوى أن رافعها واحد من بلدياتهم أى من وراق العرب!! ) .. أى أن دعواهم ببساطة شديدة هى دعوى حسبة حيث لا يتوافر فى رافعها شرط الصفة والمصلحة بمعناها الثابت والمتواتر والمستقر على المستويين: الفقهى والقضائى ، صحيح أن رافعى الدعوى فى هذه الحالة لا يحتسبون وجه الله ، ولكنهم بافتقادهم إلى الصفة والمصلحة الشخصية قد تحولوا إلى مجرد محتسببن بغض النظر عما كانوا يحتسبون ، وقد فوجىء سائر المراقبين القانونيين بأن محكمة وراق العرب قد استجابت لما طلبه المدعون ، وقضت بالحبس والغرامة على جميع المدعى عليهم بالحق المدنى تطبيقا لنص المادة 179عقوبات التى تعاقب بالحبس كل من يهين رئيس الجمهورية ، وبهذا الحكم التاريخى عادت دعوى الحسبة مرة أخرى إلى حياتنا القضائية وأصبح من حق أى مواطن أن يدعى بالحق المدنى مطالبا بحبس وتغريم أى مواطن آخر لم يسبق له معرفته ولم يتوجه إليه شخصيا بأية إساءة ، إذا كان قد سبب له ـ فيما يدعى ـ أذى نفسيا من خلال إهانته لرئيس الدولة أو أى رمز آخر من رموزها ، وهكذا عادت دعوى الحسبة مرة أخرى لكى يساء استغلالها فى هذه المرة من أنصار أهل الحكم أنفسهم ضد المثقفين بحجة الدفاع عن رموز الدولة ، ( لا حظ أن المثقفين والكتاب هم الضحية فى الحالتين ، ففى التسعينات كانوا يتعرضون لدعاوى الحسبة من جانب من يدعون أنهم محبون للإسلام ، وحاليا يتعرضون لها من جانب من يدعون أنهم محبون للرئيس !!) والواقع أننا إذا خطر لنا أن نقارن بين الوضع القائم فى مصر الآن وبين ما كان قائما فى العهد الملكى حيث كان الكثيرون ينتقدون وجود التشريع الذى يعاقب على : " العيب فى الذات الملكية" ـ إذا خطر لنا أن نعقد مثل تلك المقارنة لوجدنا ان ما كان قائما فى العهد الملكى له على المستوى السياسى والدستورى ما يبرره وما يجعل منه وضعا منطقيا ومقنعا ، كما أن على مستوى الممارسة العملية تقاليده وإجراءاته المنضبطة ، فعلى المستوى السياسى والدستورى لم يكن للملك تلك الصلاحيات الواسعة التى يتمتع بها رئيس الدولة الآن والتى تجعله المسئول الأول عمليا عن السلطة التنفيذية لا رئيس الوزراء، أى أن الملك فى ظل ذلك العهد كان أقرب ما يكون إلى مجرد رمز خالص للدولة ينبغى أن يحاط بما هو جدير به من المهابة والتبجيل ، ومع هذا فإن هذا الرمز المهاب والمبجل كان يتعين عليه عمليا أن يتقدم إلى النيابة العامة ضد كل من يتصور أنه قد ارتكب عيبا فى ذاته الملكية، ولم يكن يكفى فى ذلك المجال أن يبادر مواطن إلى رفع دعوى ضد هذا الكاتب أو ذلك الصحفى يقول فيها إن مشاعره قد تأذت مما كتبه الكاتب فى حق مليكه المفدى ، ولو أن مثل تلك الدعوى قد أقيمت فى ذلك العهد لكان نصيبها الحكم بعدم القبول بلا جدال. هذا لا يعنى أننا نفضل النظام الملكى على النظام الجمهورى ، ولككننا نقف مشدوهين أمام تلك المفارقة المنطقية ألتى تجعل من رأس الدولة سلطة حقيقية تقوم برسم السياسات وإدارة الأمور واتخاذ القرارت ثم تطالبنا بعد ذلك أن نتعامل معه باعتباره مجرد رمز خالص .




#نصارعبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبس رموز الضمير
- أيها الكائن المتوحش
- موقعة توشكى
- التيس والمرآة
- البهائيون المصريون
- الغاسل والمغسول
- لماذا؟
- أولاد حارتنا
- عايدة بيرّاجا
- كلنا فى الهمّ!!
- عن اغتيال الفارس
- كابوس الشاعر ن .ع
- صلاحية الرئيس صالح
- لا أدرى لماذا؟
- جريمة الأبراشى
- الويسكى، والمنزول، والطوارئ
- أولويات حكامنا
- أبانا الذى فى المباحث
- مزيج الفسيخ واللبن
- الأيام الصعبة القادمة!!


المزيد.....




- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...
- خبراء ومحللون: فيديو الأسرى الذي بثته القسام مهم في توقيته و ...
- الداخلية السعودية تعلن تنفيذ حكم إعدام بحق مواطن وتكشف عن - ...
- خلال تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين..اعتقال مئة شخص في جامعة في بو ...
- فض اعتصام وموجة اعتقالات للطلبة المتضامنين مع غزة بالجامعات ...
- استشهاد مقاوميْن وارتفاع عدد المعتقلين في الضفة
- سفينة مساعدات إماراتية في طريقها إلى غزة بحرا لأول مرة بعد م ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نصارعبدالله - عن الحسبة والمحتسبين