أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ابراهيم البهرزي - كبير البلدة...درس فطري في الكاريزما الشعبية















المزيد.....

كبير البلدة...درس فطري في الكاريزما الشعبية


ابراهيم البهرزي

الحوار المتمدن-العدد: 2050 - 2007 / 9 / 26 - 09:47
المحور: المجتمع المدني
    


لا تفرض الشخصية القيادية بقرار يلزم المجموعات البشرية بتقديم فروض الطاعة والتبجيل للشخص المعني ,فمثل هذه الطريقة في توسيم القيادات لها مفعول اللعنة على تلك القيادات بمجرد انزياح التاثير الجبري لها ,كما يحدث لكل (القادة)الذين تمتد اعمارهم تحت وقع الهتافات والتصفيق ليختم رحيلهم باللعنات ,انما يتشكل مفهوم القيادة في الوعي الجمعي الشعبي من عقد اجتماعي فطري اساسه القبول والايجاب ما بين (القائد)والرعية .
لا اختلاف في الذاكرة الشعبية لمن عاشوا نصف القرن الماضي في مدينة صغيرة مثل مدينة (بهرز)على شخصية قيادية شعبية مثل شخصية الشيخ ابراهيم عبد الرحمن القيار -المعروف على نطاق العامة باسم (الملا روزي)-رغم ما تشتهر به المدينة الصغيرة من خلافات حادة بين ابناءها مما افرزته ظروف التحزب السياسي التي فعلت فعلها -فيما بعد- في تهديم النسيج الشعبي الفطري لعوائلها التي لا تتجاوز الخمسمئة عائلة والمرتبطة ببعض باواصر المصاهرة والقربى .
وااشيخ ابراهيم عبد الرحمن القيار -الملا روزي- هو امام وخطيب الجامع المسمى باسمه في المدينة ,وقد ظل الى منتصف السبعينات الجامع الوحيد في هذه المدينة قبل بناء المسجد الحكومي في ما بعد -ونقول المسجد الحكومي لان خطيبه ومؤذنه يتقاضيان راتبهما من الدوائر الوقفية الحكومية -في الحين الذي كان فيه الملاروزي طوال حياته كامام في المدينة لا يتقاضى فلسا من احد بل كان يدفع الهبات لبعض المؤذنين في حال وجود ما يمنع المتطوعين لذلك وربما كان يتطوع حينا لاداء دور المؤذن دون حرج او شعور بثلم الهيبة .
والملا روزي كما ادركته في اول الصبا لم يكن من رجال الدين المنقطعين عن الناس في مساجدهم فكثبرا ما كان يرى وهو يذهب لبستانه الصغير برفقة فلاح او اكثر ليقوم بنفسه برعاية هذا البستان ,وكان بستانه هذا مع املاك صغيرة اخرى هي مصدر رزقه ومصدر الصرف على متطلبات المسجد الصغير وكذلك - وما هو انني على يقين منه -.
,كان مصدر الهبات التي يهبها الشيخ للمحتاجين في بلدته الصغيرة
ولم يكن وجوده كامام مسجد يقصر توجيهاته وتدخلاته في حل الامور الشرعية لابناء البلدة فحسب ,بل كان الرجل يسعى لحل امور الدنيا وخصوماتها وكل شاردة وواردة مما يحدث في المجتمعات الصغيرة .
وتختلف مدينة( بهرز)في تكوينها الاجتماعي -وبشهادة زوارها-عن مثيلاتها من المدن والقرى بكونها لا تمتلك ذلك الطابع القروي الذي يسم معظم المدن والقرى التي تتكون من نسيج فلاحي صرف ,حيث لا تعرف مهن التربية الحيوانية مثلا على صعيد انتاجي ,فاكثر ما كان يمتلكه بعض فلاحيها راس او راسين من البقر -تحديدا- لاجل فطور العائلة ,واحيانا لبيع ما يفيض للجيران الذين لا تستهويهم فكرة تربية القليل من المواشي,كما لا يوجد فيها ذلك الاستغلال الذي تبيحه انماط المجتمعات الزراعية للمراة وتسخيرها في اعمال الفلاحة ,بل والزواج باكثر من امراة لهذا الغرض ,فمن النادر ان تجد فيها من يتزوج اكثر من امراة ,وقد فطنت للاستهجان الذي يتملك اهلها من هذه الفكرة ,كما ان المراة -زوجة او اما او اختا او بنتا -ان ذهبت للبستان فتذهب برفقة الزوج او الاب او الاخ بطريقة اقرب للتنزه منها للعمل الشاق
وكانت اغلب ملكيات اهلها هي من الملكيات الصغيرة التي لا تني تتصاغر بفعل الموت والارث ولذلك فقد فطن اهلها لاهمية التعليم والسعي للوظيفة الحكومية منذ وقت باكر فكانت نسبة الموظفين والخريجين من ابناءها عالية جدا وكان بعضهم يشغل الوظائف المرموقة في المدن الكبيرة ,ومنهم اولاد -الملا روزي -نفسه الذين تخرج جميعهم من كليات المستوى الاول وبعضهم من الجامعات الاوربية وكان اغلبهم قد اتجه للتخصص العلمي ولم يتجه لسبيل الدراسة الفقهية واحد من ابنائه ولا اعلم ذلك قد كان برغبة الملا في حياته ام هي رغبة الابناء انفسهم.
كان الملا اضافة لهيبته الدينية ,شخصية ظريفة جدا فقد كان من المالوف ان تراه في الضحوات او العصلري يجلس في المقهى المقابل لمسجده مع عامة ابناء بلدته لا فرق فقيرهم وغنيهم وهو يمزح مع الجميع ويتداول المواضيع العامة باسلوبه اللاذع وكان حاضر النكتة لا يكاد يفوته حدث دون تعليق ساخر,وكانت بعض تعليقاته تذهب مضرب الامثال لطرافتها ولا يسع المجال في هذا الموضوع لذكر نتف من تلك الطرائف فذاك موضوع اخر .
لماذا كان كل من في البلدة يجل هذا الرجل ويرضى بحكمه ويستشيرونه صغارا وكبارا في شؤون دنياهم اكثر مما في شؤون دينهم ؟وكيف حدث ان اجتمع اهل هذه البلدة التي الفوا ان يختلفوا دوما في الاحكام والرؤى بسبب اختلاف تكويناتهم الفكرية على الولاء والوفاء للملا رغم انه لم يكن اغناهم فهناك الكثير ممن هم اغنى منه ولم يكن اوفرهم تعليما فالرجل ذو تعليم عصامي ملائي محدود ؟
نعم لم يتفق اهل بلدة (بهرز)على شيء كما اتفقوا على محبتهم للملا (روزي)تختلف افكارهم السياسية ووجهات نظرهم الدينية واحوالهم المعيشية ويختلفون بل يتمتعون بالاختلاف والمخالفة على كل شيء ولكنهم حين يكون الامر متعلقا بالملا (روزي)فهم يصمتون دليلا على الاتفاق جميعا !
ما صنع هذه الكاريزما الشعبية لهذا الرجل هو اقترابه الشديد - رغم وظيفته الدينية التي يعرف ما لاهلها من انعزال وترفع عن الحياتي-اقترابه حد النكتة والمزاح من قاع البلدة ومشاركته الحياة اليومية لاهلها ,فمن الممكن لطفل صغير ان يستوقف الملا ويساله عن شيء من شؤون الدين او الدنيا فلا يجد الملا حرجا من الوقوف واالاصغاء مليا بابتسامته المحببة ومن ثم يجيب بتلقائيته الودودة عن سؤال السائل .
ربما يكون نفور اهل البلدة من اي مسؤول متجهم الخلقة مرجعه لاعتيادهم الالفة مع كبير البلدة وسماعهم منه -كاعلى مرجع دنيوي وديني-الحديث السلس والاجابة السديدة مقرونة بمزحة عابرة ,
من الحياة لامن النظرية والكتاب استمد هذا الرجل الاسطورة تلك الكاريزما التي بعد اكثر من ربع قرن على رحيله لا تزال موضع هيبة لكل من عاش ذلك الزمان وستبقى كما اظن اسطورة شغالة على مدى
ما تحيا هذه البلدة وذلك لغياب شبيه يحل محله في الحياة وفي الذاكرة ,لقد اسس الرجل مركزه القيادي من البساطة نفسها التي حكمت روح العلاقة في البلدة ,فلم يكن الرجل من المتسلطين الذين يوعدون الناس وعيدا بالعقاب ولا ممن يفرضون الهيبة فرضا بالتجهم والكبر الفارغ ,بل كان رجل المحبة والموعظة الحسنة ,وليست موعظة اللاهوت بل موعظة الشؤون اليومية ,واذ اذكر ويذكر سواي جار مسجده ,الجار الجنب ,وكان حلاقا لا يحل المساء حتى يجلس في المحل مع صحبه المازحين يحتسون الخمرة لا رمضان يكفهم ولا جمعة ولا ليلة قدر ,وما كان الملا يفعل اكثر من معاتبته مبتسما :الى متى وقد صارت جهنم على الابواب؟
في زمن الظنون والشبهات والتجهم والوعيد والنذير ,لا تملك العين نفسها من الدموع وهي تستذكر كبير البلدة الذي غابت بغيابه كل السماحة ورحابة الصدر ..انه زمن الاحقاد الذي لا يخلق قادة كاريزميين يلبثون في ذاكرة المحبة ما يلبث الزمان مثل الملا (روزي)..بل تخلق الطغاة الذين لا ترافقهم للقبور الا اللعنات والذكر السيء..
كم المحبة خلاقة وكم هي بعيدة الاثر؟!



#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوليرا في زمن الحب ....الكوليرا في زمن الكراهية
- العقائديون والغرام....وهكذا كما ترين يا حبيبتي, كل تراكم كمي ...
- ماركس لا يلعب النرد....الطبقة العاملة العراقية راس الرمح لمو ...
- قصائد
- ابشري يا بلاد الفرنجة ..لقد ارسلنا لك فاتحين لا مهاجرين
- العراقيون والرحيل المبكر....حكاية غرام
- اسمك الفرد...لا قبله ولا بعده
- عن الكتابة ايضا ...مشاعية الكتابة غاية الحضارة والتمدن
- القراء الاصحاء هم عماد الثقافة ..لا المرضى من كتبتها
- يوم القارعة....امريكا ماذا فعلت بنفسك؟
- دعوة لتجمع وطني عراقي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين ومقاومة الت ...
- دموعها في خريف النظر
- الاحتماء بالجنون....المجنون السياسي محكوما-3
- الاحتماء بالجنون...المجنون السياسي حاكما-2
- الاحتماء بالجنون..التداول السلمي للجنون بين الحاكم والمحكوم- ...
- TRY ME!
- اسرق واقتل واهرب الى امريكا!
- حين تقف الوثيقة ..بين الحرية والحقيقة
- لقد بقيت وحيدا ايها الذئب العجوز1
- اية اغنية ستحط على راسك لحظة الموت؟


المزيد.....




- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ابراهيم البهرزي - كبير البلدة...درس فطري في الكاريزما الشعبية