ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 07:02
المحور:
الصحافة والاعلام
يعجب الكثير من القراء بغزارة الكتابة وضخامة حجم المعلوات التي يتوفر عليها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل,فان اختلفت او اتفقت مع منظومته الفكرية فانك لا تتحرج في الاشادة بدقة المعلومة وقوة الوثيقة والمستند التي يدعم فيها معلومته..
لم يكن الرجل اكاديميا متخصصا في واحدة من المسائل الفكرية لينفق عليها الوقت والجهدالمطلوب للحصول على تفسير لظاهرة او تحليل لمفهوم او تجربة تاريخية ولا هو بامين مكتبة موهوب يستطيع من خلال الفهرسة والتصنيف ان يتسقط اثار المعلومات الخفية والنادرة من اجل انجاز فكري او ثقافي ملفت.
انما ما ليس بخاف على احد ان الرجل كان قريبا جدا من مواقع صنع القرار لعهد طويل من عمره ,ورغم ان الكثير من البشر يتاح لهم هذا النصيب من المواقع الا ان القليل منهم من ينتهز الفرصة لاستثمار المعلومة ...
والمعلومة بحد ذاتها تكون حقيقة فقط حين يتاح لها الشهود والوثائق ولا تغدو كذلك بافتقاد هذين المصدرين.
ولكن هل كل ما يفتقد الشاهد والوثيقة هو محض كذب وافتراء ؟
نعم تكون الاجابة بالنسبة للدراسات الاكاديمية المحكمة ,على اعتبار انها ستدخل في دائرة المصادر المعتمدة,وكلا ستكون الاجابة في حالة طرحها كراي شخصي,فقد يكتشف الكثير منا ظواهر مقلقة ومريبة وحين يحاول كشف الستر عنها يفاجا بافتقاره للوثيقة .فهل يعزف حينها عن قول ما يظنه الحقيقة المطلوب اظهارها للملا من اجل العبرة وازالة الالتباس في كثير من المثل والاحكام والشخصيات والسير؟
ان الكثير من الوثائق لا تتاح بسهولة لكل فرد ففي مسير البحث عن الوثيقة قد يمر الوقت وتمضي الظاهرة السلبية قدما في استقطاب المزيد من المزورين الذين يقتحمون الحياة باقنعة ماهرة ويمضون في استغفال الاخرين ,وهذه بحد ذاتها اهانة للشعور الجمعي يستوجب من متامل فسحة لتحليلها وافشاءها على اساس ان من شروط الحرية ان تهتدي الى الحقيقة ,فلا حرية بلا حقيقة..
ولكن حين يكون مصدر الظاهرة السلبية من المكر بحيث يشكل من خلال انماط حياته المفتعله وعلاقاته المتشابكة نسيجا سميكا من الغموض ,اعتقد ان الحقيقة هنا لا تحتاج الى الوثيقة ,بل تحل معها المحاججة الفردية والجدال كشاهدين بديلين وذلك لايقاف عملية الطمس المنظم لصورة الحقيقة المحجبة..
يتاح للانسان ان يشاهد الكثير من الجرائم في الواقع والافتراض (كافتراض السينما وافتراض الاعمال الادبية )تمر ضاحكة لقدرتها على تغييب الوثيقة ويولد مرورها السليم المبجل الكثير من الجرائم المشابهة بسبب تحول الظاهرة الى عادة من كثرة الاستعمال وغياب النواهي ,ومن النواهي الاظهار الاعلامي حيث يكفي الكشف عن خطيئة لايقاف عشرات الخطايا المتاهبة للظهور بسبب من طبيعة الفرد الشرقي الذي ورغم كل سوءه وقدرته على الجريمة يبقى مرتجفا من الفضيحة ..
في العقودالثلاث الاخيرة من تاريخ العراق الاجتماعي والسياسي والفكري ظهرت الكثير من الشخصيات ذات القدرة الفائقة على الاحتيال والانتحال ,وبسبب من ظن البعض بان هؤلاء المخادعون استطاعوا تمرير جريمة تزوير الذات والتاريخ على المجتمع فان من اليسر على الاخرين اتباع منهجهم المغري في الوصولالى مكاسب نفعية ومعنوية مهمة دون جهد اللهم الا جهد الحيلة فتتحول الظاهرة الشاذة الى عادة اجتماعية وتكتسب هذه العادة بالاستمرارية حالة الرضا او التواطؤ الاجتماعي ..
لقد ساد في فترة الفوضى التي تضرب عمق البلد الكثير من المزورين واصبح التزوير المعنوي اكثر شيوعا من التزوير المادي وجاء نظام الدولة المهلهل منذ الاحتلال ليضفي بجهالته شرعية على عمليات الاحتيال الاكاديمي واستشرى بشكل اكثر وقاحة في مجالات الثقافة والفكر ..
هل ان كشف مثل هذه الظواهر يحتاج الى الوثيقة؟لا اعلم بالضبط ولكنني اعلم ان مزور الوثيقة يستطيع تزوير من يصادق عليها وللتحقيق والتفريق بين الحقيقي والمزور تحتاج الى قوة مقاتلة حقيقية تدخل هذه الارض الحرام بقوة الحقيقة الصارخة ,قد تكون الوثائق حاضرة ولكن حين مباغتة المزور بفعل التزوير التاريخي والحياتي سينهار وتغدوالوثيقة غير ذات بال ..
هل يتوجب على راصد مثل هذه الظواهر ان يحمل خزانة من الوثائق لعرضها بغية التصديق؟ثم الا يكون الراي الشخصي والملاحظة الشخصية كافيتان وعلى من يزعم البراءة ان يثبتها ون ثم يلاحق (المفتري,لنقل كذلك)قانونيا؟لا اظن ان كشف تلاعب في انظمة المجتمع وتقاليدالعلم والرصانة المهنية يعد في هذه الحالة شيئا شخصيا او كيديا ,فرصد حالة تتضخم اجتما عيا وفضحها قد يساهم في ايقاف النمو السرطاني لهذه الظاهرة
يعاني المرء احيانا من الطريقة اللازمة لكشف مصادر الفساد فصعوبة الحصول على وثيقة او عدم وجود هذه الوثيقة مع التنامي المستمر للظاهرة ,يكبح كل جهد لازم لبناء مجتمع حقيقي يقوم على المكاشفة الرصينة ووضع الاناس المناسبين في اماكنهم الصحيحة وابعاد عناصر الاحتيال الحياتي والتاريخي,ويجعل من الظاهرة الشاذة عرضة للاستشراء ,ويصاب البلد في مقتل حقيقي اكثر مما هوفيه الان ,فيصبح من الطبيعي ان يزور شذاذ الافاق حياتهم ليغدو قادة ومسؤولين للشعب المحجوب عن الحقيقة ..
لا يمكنني ان احسب كل جردة حساب لتاريخ شخص ما تجريحا او اساءة طالما انني افتقد للوثائق المدعمة ,لان الكثير من الامور في مجتمعنا المنفلت لم تعد تحتاج الى تزوير تحريري فهناك تزوير شفهي مثلما هناك تعيين رسمي شفهي ,مثلما تحت يدي الان وثيقة بتعيين اكثر من خمسين شخصا دون تقديم اية وثيقة تثيت تاهيلهم الجامعي وبعناوين تختلف تماما عن امكانياتهم الدراسية او الشخصية وهي وثيقة ابعثها لمن يطلبها لغرض التقصي ...
هذا هو مدى التزوير الذي يسود الحياة العراقية في العقود الاخيرة والذي غدا غير خجول بالمرة بعد الاحتلال فالالوف من الشهادات المزورة والالوف من التوصيفات المهنية والحياتية والدينية المزورة ,حتى غدت الشهادات العليا مثلا فاقدة لقيمتها الاعتبارية لكثرة ما تدكتر القناة العراقية مثلا كل ضيوفها من الملاكمين حتى شيوخ المشايخ ..
يرجى ملاحظة ان هذا الموضوع لا يعني شخصا بقدر ما هو يراقب ظاهرة خطيرة في المجتمع العراقي قد تلقي بقيمة الجهد العلمي والمعرفي الى قارعة السخرية
وتطالب بحملة تثقيفية ان لم تكن تعريفية بالاسباب النفسية والاجتماعية لتعرية هذه الظاهرة الخطيرة من اجل مجتمع شفاف لا يعاني افراده من عقد النقص اتجاه تحصيل دراسي او موقع مهني بل يشيع روح التفاعل البناءة بين مختلف فئات الشعب العاملة ولا عيب في ان تحترم حدود قدرات الانسان مهما كانت متواضعة,بل العيب في ادعاء ما ليس له وسرقة الاسم العلمي للمجتهدين دون اجتهاد
و(عاين يادكتور ...عاين يا دكتور!)وكفى.
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟