طلعت الصفدى
الحوار المتمدن-العدد: 2031 - 2007 / 9 / 7 - 05:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عذرا سيدي الشهيد الدكتور/ فرج فوده .... كنت قد استلهمت رؤيتك الصائبة والجريئة ، وأفكارك المنطقية التي نشرتها في مجلة أكتوبر المصرية تحت عنوان" حتى لا يكون كلاما في الهواء "، وكأنك تعيش حاضرنا ، ومستقبلنا ، فينا ومعنا، وبيننا ، فما يدور في أزقة ، وحواري ،ومخيمات ، وبلدات غزة مأساوية وكارثية ، تهدد النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني ، وتسرع التفكك الأسرى الذي حافظ عليه آباؤنا وأجدادنا ، وتودي بنا إلى المجهول المظلم ، والمؤلم ، فقد تحولت منابر المساجد ، ودور العبادة أماكن لصراعات سياسية ، وتراجعت وظيفتها الدينية ، والأخلاقية ، لتزيد الفتنة ، نتاج الانقسام الحادث في الشارع الفلسطيني ، والبيت الواحد جراء الانقلاب الدموي في غزة .
لقد طالتك سيدي/ فرج ... يد الغدر والجبن ، رصاصات عديمة الفهم والضمير .، كنت ضحية من ضحايا الإرهاب الذي طال العديد من المفكرين، والمتنورين ، ثبت فيها أن الإرهاب لا دين له ، ولا وطن له . فرج ... أنت تحلق وترتقي إلى السماء ، ورؤاك لا زالت تحرث الأرض ، ولكن حتى هذه اللحظة فحصاد الفكر والعقلانية لم يحن بعد ، ويحتاج لكفاح طويل ومرير ولا زلنا في مرحلة المخاض ، ويبدو أنه عسير جدا ، فالزرع بلا شمس ، ولا هواء ، ولا ماء .
" الحقيقة غائبة " ، وهناك من يبحث عنها بين جدران الظلام الدامس ، وزنازين القهر ، ويحفر بعقله وبأظافره الصخر للوصول إليها ، " وحوارك حول العلمانية " لا زال يتعثر ، وحاملها لم ينضج بعد ، والزواج العرفي رائج بين شباب الجامعات المأزومين ، وزواج المسيار تحول لتجارة رائجة في دول النفط والخليج ، "وزواج المتعة " تتصاعد دورته برغم الخلاف حوله ، و"الإرهاب" ينمو كالسرطان ، ويتصاعد موجته على المستويين المحلى والأقليمى ، ويجد من يحميه من العرب والعجم ، وأمريكا الديمقراطية المزيفة ، هي راعية الإرهاب الدولي ، ولم تفلح كل مليارات الدولارات التي دفعت للمنظمات غير الحكومية لتعزيز الديمقراطية ، ولحماية حقوق الإنسان والدفاع عن المرأة ، وحقوقها ،والتي ارتبطت بسياسة المانحين ، فتسييس المال ، هو البضاعة الرائجة ، للترويج للعولمة والليبرالية والثقافة الاستهلاكية ، بديلا عن الثقافة الوطنية والقومية ، وبدلا من التسامح بين الأديان والجماعات تزداد وتيرة العنف والإرهاب الفكري والجسدي ، ويزداد التطرف ، وتكميم الأفواه ، والتكفير والتخوين .
سيدي الشهيد / فرج " أنت شاهد على العصر " ، و"السقوط " هو النتيجة الحتمية لغياب العقل والتعقل ، وغياب المعرفة والبحث عن الحقيقة ، سقوط للقيم والتقاليد المجيدة لشعبنا الفلسطيني ، وللتراث الانسانى ، وانتهاك لحقوق المواطن الفلسطيني ، وضرب للمشروع الوطني الذي يحاول تدميره الاحتلال الصهيوني ، وينهشه أولئك الانقلابيون ، والمتكرشون ، والانتهازيون ، الرصاصات موجهة إلى العقل والفكر والرأي ، إلى كل متعلم ومثقف ، أنها رصاصات الإجرام، والجهل ، تطلق من الداخل الفلسطيني على الداخل الفلسطيني ، وهى الأشد مأساوية من قذائف ، وصواريخ ، وجرافات العدوان الاسرائيلى اليومية.
السؤال الذي يطرحه كل مواطن فلسطيني عاقل ، لماذا يتعمد البعض من أئمة المساجد طرح المواضيع الخلافية ،من على منابر المساجد أثناء صلاة الجمعة ؟ المساجد هي بيوت الله ، يؤمها الذين يطمعون لسماع آية قرآنية ، وحديث شريف ، وموعظة حسنة تنفع في الدنيا والآخرة ، يستمع إليها برهبة وخشوع أمام الله وفى مسجد الله ، وليس لديهم شوق لسماع رأى الإمام الشخصي في قضية سياسية خلافية ، فقد سأم ومل سماعها خارج المسجد ، في الشارع والبيت ، والحارة ، والديوان ، والسوق ، وفى أماكن العمل ، وعبر وسائل الإعلام الجماهيرية من صحافة وإذاعة ، وتليفزيون . لا يرغب في إقحام الدين في السياسة ، فهو يدرك بتجربته الطويلة ، وبحسه ، أن السياسة هي فن الممكن ، تستخدم الألاعيب والحيل والتكتيكات والمناورات ، وفنون التضليل ، وربما تستخدم أساليب منافية في بعض الأحيان للقيم والأخلاق ... لماذا يجبر المواطن الخاشع في رحاب المسجد على سماع رأى سياسي مخالف لقناعاته وأرائه واتجاهاته ، ويفرضه عليه أمام المسجد ، وهو على خلاف مع رؤيته السياسية . هناك يوجد طريقة للإمام للتعبير عن رأيه وقناعاته في أماكن أخرى خارج المسجد ، من خلال ندوة ، أو محاضرة ، أو ورشة عمل ... الخ يتم فيها مناقشته بحرية دون تعطيل لدور المسجد.
ألا يدرك هذا الإمام الموقر أن مجتمعنا الفلسطيني لأسباب موضوعية وذاتية قد تسيس ، لهذا الفصيل أو ذاك ، ولأسباب متنوعة ، وكل مواطن يحمل موقفا ورأيا مؤيدا أم معارضا لما جرى في غزة ، فشعبنا الفلسطيني مقسم إلى اتجاهات وآراء سياسية واجتماعية وديمقراطية ولكل منهم رأيه الذي يدافع عنه بمعرفة أو عصبية .
إن كل عاقل وحريص على دينه وشعبه لن يوافق على ما يجرى في العراق الشقيق من اقتتال دامي ومستمر فيه ، ينتقل فيه الصراع من الشوارع والساحات إلى دور العبادة ، ويجرى تقسيم المساجد ، للطائفة السنية ، وللطائفة الشيعية ، وحرب الشوارع وتدمير بيوت الله ، ووضع المتفجرات والعبوات الناسفة بداخلها ، وإطلاق القذائف على بيوت الله .
لا بد للمسجد أن يأخذ دوره الحقيقي ، في تعزيز القيم الدينية والوطنية للمجتمع ، ويساهم في لم شمله ، وتوحيده ، والتوقف كليا عن التحريض على الآخرين ،، والابتعاد عن طرح القضايا السياسية الخلافية بين قوى المجتمع ، فالوحدة الوطنية ، والصدق ، والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد ضروري لمواجهة العدوان المستمر على شعبنا.
إلى أين نحن متجهون ؟؟ هل إلى الجحيم ؟؟ أين العلماء الأفاضل ، وقادة الأمة الشرعيين وعلماء المسلمين ؟؟ يرون ولا ينتقدون .. يسمعون ولا يتحركون .,. ماذا دهاهم ، هل هم طرف في الصراع الدامي ، وفي لعبة تقسيم دور العبادة ، إن أخطر ما يواجهه شعبنا الفلسطيني في غزة ، أن يفرض البعض أنفسهم على الشعب ليس بقوة الحجة والمنطق ، بل بالمدافع والرشاشات ، ويرتدون ملابس المليشيات المسلحة ، ويستخدموا الديمقراطية للانقضاض عليها ، ويمنعوا الشعب من فتح فمه بغير الهتاف للأمير والمسئول ، وبممارسة العنف ، والقهر .
إن المسلمين يجتمعون بالدين ، ويتفرقون بالسياسة ، والتحريض الذي يتم ضد منظمة التحرير الفلسطينية ، وعامة الناس في دور العبادة ، وعلى منابر المساجد ، يدفع المصلين لمقاطعة تلك المساجد التي تمارس التحريض ، والصلاة في العراء . إننا حين اختلفنا في السياسة ، وتنازعنا على الحكم ، والمناصب ، أسال بعضنا دماء البعض بغير وجه حق ، وانتهكت حرمة المواطنين ، وحرمة المساجد ، وتمزقت وحدة شعبنا الفلسطيني ، وضاعت بوصلة القدس والدولة والعودة. إن التعبير عن الرأي السياسي والاجتماعي ،والديمقراطي والثقافي ، وكافة قضايا المجتمع ، يجب أن تتم خارج منابر المساجد ، فالدين لله ، والوطن للجميع .
#طلعت_الصفدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟