أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - صحيفة الصباح تحاور الشاعر المغترب طارق حربي..في اللحظات التاريخية يعلو صوت الإنسان شعراً على الرصاص والمفخخات















المزيد.....


صحيفة الصباح تحاور الشاعر المغترب طارق حربي..في اللحظات التاريخية يعلو صوت الإنسان شعراً على الرصاص والمفخخات


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 07:25
المحور: الادب والفن
    



حاوره :حسام السراي
يرجح الشاعر طارق حربي ان الكثير من المثقفين والكتاب العراقيين في المنفى، يتواصلون ساعة بساعة مع مايحدث لشعبنا من مآسي، وإنه لابد من استعادة الماضي بأخطائه القاتلة وتفكيكه ومحاكمته لكي نبرأ منه

فمرجعية الانحطاط الثقافي تشكلت في قلب النظام المباد وغاب الضمير وتشوهت الثقافة وعزل المبدع الذي يعاني اليوم من سلطة الايديولوجيات المهيمنة على ثقافته ،ويشير الى ان الشعر يمتلك اسلحته الخاصة والمؤثرة في ميدان الصراع الانساني والسياسي، ويظن حربي ان انين العراق متواصل عبر الأزمان والاجيال والتأريخ، إلا انه رصد جزءاً منه في كتاب يجسد تجربته مثل آلاف العراقيين غيره في مخيم رفحاء - صحراء السعودية - واسماه "جمهورية رفحاء "، وفي مقطع منه يقول:""تفقد الجمهورية ممثلو لجنة الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الانسان وزارها امراء وسفراء ومدراء استخبارات وعناصرهم، وتجسس عليها جواسيس لحساب المخابرات العراقية وسهلت لهم السلطات السعودية في المخيم الدخول إليه.
وهو يتقلب بين محطات حياته يتذكر... داره في شارع الحبوبي (الناصرية)... حسين نعمة وهو يغني 1964 في متنزه الناصرية اغنية داخل حسن الشهيرة "عيني يالأسمر مالك روحي وكلبي حلالك"... كما يتذكر السفرات المدرسية الى البدعة وكرمة بني سعيد، والانهار تحرسه ومن معه بينما النخيل تأتيه بالظلال والبلابل "اللحيمية "، واليوم يجد نفسه في اوسلو غريب الوجه واليد واللسان، يرى هذه العاصمة النرويجية تكاد تكون مختصرة في محطة القطار وعيادة الطبيب الخفر وبضع مقاه كئيبة في المساء، شعريا يقترب من كتابة النص العاري البسيط المفتوح على افاق السرد، الذي يقف على الحافة بين الشعر والنثر، لكن لايسقط بينهما، بالشكل الذي يتيح له فضاء هذه القصيدة آليات التأمل الذهني في المصير البشري والزمن ،فيطرح اسئلته في الحب والتاريخ والأبدية من دون اللجوء الى الوعظية والاخلاقية ،فالنص الجديد كما يفهمه ثورة على الواقع والجمود والصنمية وليس هروبا منه بمثالية متعالية.
حوار خلاق بين المنفى والوطن
* هل ترى ان الغياب الجسدي لأدباء المنفى عن ارض الوطن لا يقف عائقا أمام حضور تجاربهم وتأثيرها في الساحة الثقافية العراقية؟
- أرجح أن الكثير من المثقفين والكتاب العراقيين في المنفى، يتواصلون ربما ساعة بساعة، مع مايحدث لشعبنا من المآسي، وهو مالايمكن التغاضي عنه أو الإنشغال، فإرادة الشر سواء جاءت من طرف المحتل، أو من بعض الدول الاقليمية، أو تخادمت الإرادتان من أجل تدمير عراقنا، لايمكن لأي شاعر أوكاتب إلا أن يواجهها، باعتباره مدافعا عن الحياة ومنتجا للفن والثقافة والابداع والقيم الجمالية.من هنا لابد أن يكون الكاتب أو الشاعر متماهيا في هذه المأساة مع قضايا شعبه المصيرية، وبالإستناد إلى مفهوم المثقف العضوي، فإنه لايمكن فصل الإبداع عن الهاجس السياسي، حيث أن القيم الإنسانية التي يؤسس لها المبدع في نصوصه، تتسم بالضرورة بذلك الهاجس، وهو مايرفع النص إلى مصاف الوثيقة الإنسانية الدفاعية، في عالم ضاج بالمواقف مدفوعة الثمن!!، سواء كانت لحساب دول أو مخابرات أو أشخاص أوتجار أوفضائيات أو متطفلين على الكتابة وسوى ذلك.من جهة ثانية لاشك أن هناك حوارا خلاقا بين بنية المنفى العراقي والوطن في العهدين : الصدامي والإرهابي، أنا أسمي العهد الجديد بالإرهابي، نظرا لغياب شكل الدولة وصوت الشعب العراقي من جهة، وبروز ظاهرة الإرهاب الأعمى من جهة ثانية، وكأنها البديل عن العهد المباد، أو الحل العربي لمشكلة العراق العالمية ولاأقصد التدويل، لكن لجهة سيطرة العولمة بما تنضم إليها من أجندة السيطرة على الموارد النفطية والسياسة النفطية. وإذن يتركز الحوار بين المنفى والوطن عبر الإنتاج الفني والأدبي تعويضا ومناجاة، وإعادة تشكيل للزمن العراقي المفقود في تضاريس المنفى، ويبرز هنا صوت الكاتب العراقي كضمير منسجم مع العراق، ليس الحاضر بل الذي كان في الحلم، قبل ما تنخسف به أرض الأقدار ومؤامرات الجوار، من هنا يصبح لصوت الضمير صدى مسموع في الداخل، وتأثير واضح كلما اقترب ذلك الضمير والنص، من حس العذاب اليومي الإنساني لشعبنا العراقي.
سؤال الهوية الوطنية
* باعتقادك، بعدما كتب من نصوص لتعرية الحقبة الماضية، أينبغي أن ترفع جلسة محاكمتها ثقافيا؟
- لاشك تهمنا جميعا سمات الثقافة العراقية ورسوخ معانيها، بمعنى سؤال الهوية الوطنية المكونة لها، فالثقافة العراقية لم تأت من فراغ بل من تراكم تأريخي ومعرفي وحضاري، ثم أن أي أمة من الأمم تمر بما مررنا به، لابد لها من وقفة تأمل بعد الخراب الروحي والمادي، أي لابد من استعادة الماضي بأخطائه القاتلة، وتفكيكه ومحاكمته لكي نبرأ منه، حتى في علم النفس يقول الباحثون: هيهات يبرأ الإنسان من عقده وأمراضه، مالم يفصح عنها ويهتك أسرارها ويتأملها لكي يتجاوزها.
أظن بأنه لم ترفع الجلسة بعد فكل شيء لايزال على حاله!، عدا سقوط النظام الدموي وتشكل فضاء للحرية في التعبير والكتابة والفنون، ربما كُتب عدد من النصوص هنا أو هناك لتعرية الحقبة الماضية، لكن ذلك غير كاف للقول بنهوض ثقافة عراقية، وهي بائسة اليوم، على أنقاض الطغيان والحروب، كما حدث في المانيا واليابان مثلا، فإذا صح أن العقل العراقي المبدع لم يتمثل في الثقافة العراقية، زمن النظام المباد، فإنه يعاني اليوم من سلطة الإيديولوجيات المهيمنة على تلك الثقافة، وكما يحدث في إعمار العراق حيث بدلا منه تمَّ إعمار الجيوب!، فثمة ثقافة أفلتت ولم تصعد ثقافة جديدة بدلا منها، أعني الثقافة التي تصوغ رؤى المجتمع العراقي وتصنع قيما جديدة، وتشتغل على السياسي وتجره إلى مركزيتها وليس العكس، وهو ماحدث للأسف على طول تأريخ العراق الحديث، منذ تشكيل الدولة حتى سقوط نظام صدام الفاشي.
انحياز شعري
لقضايا الإنسان العادلة
* كيف يمكن للقصيدة العزلاء أن تساهم في التوعية والتأسيس لعراق متحضر وصوت الرصاص يعلو والفخاخ تأتي من كل حدب وصوب؟
- مازلت أردد بأن العراق حيّ لايموت، بمعنى أن الإلهات العراقية الحارسة، في استحضارها من روح الزمان والأبدية، مع كل مفخخة وسطو ومافيات، لايمكن أن تخذلنا، أقصد الروح السارية في بلادنا، المؤلفة من أرواح البشر والهواء والطير: كلها حامية ومحصنة من الشرور، المجتمعات التي لها أرث حضاري كالعراقية والمصرية والصينية وغيرها، أقرب ماتكون للروح الصوفي والوجدان الجماعي، لذلك يصعب اختراقها وتشتيتها، من هنا ومهما استبد الإرهاب وغذته دول الجوار، أقدر بأن المأساة الراهنة في وطننا ستنتج مجتمعا عراقيا قويا مستقبليا رغم الجراح.
لقد كان درس صدام الفاشستي بالغا ومدويا، ضرب العصب الملتهب من حياة العراقيين، لكنه لم يقض على روح الأمل فينا، وكما ترى منذ أربع سنوات، لم تسلم بغداد مفاتيحها للتكفيريين والوهابيين المسلحين بحلم سليمان، عابري الحدود من أكبر منابع البداوة حسب طروحات الراحل علي الوردي في اللمحات، إننا أمام محنة البرابرة الجدد الذين سهل لهم الاحتلال عبور الحدود لغرض تنفيذ أجنداته الإجرامية.
لقد تشكلت في قلب النظام المباد مرجعية انحطاط الثقافي، وهو مايميز كل نظام توليتاري دموي، وغاب الضمير وتشوهت الثقافة، كما عزل الكاتب والمثقف، عن تلمس آلام شعبه المحروم والمقموع.
أظن بأن الشعر يمتلك أسلحته الخاصة والمؤثرة في ميدان الصراع الإنساني والسياسي، طالما بقي يلهج باسم الإنسان، ينحاز لقضاياه العادلة، على سبيل المثال لا الحصر لايزال صوت مظفر النواب حيا مدويا وحمزاتوف ولوركا وسواهم، إنها - أي تلك الأصوات- طاقات تتشكل في البنية الإنسانية والمعرفية، مؤسسة للرفض في زماننا، لافتة في انحيازها لإرادة الحياة من دون الموت، والحب دون العبودية، والحرية من دون الإجرام والإرهاب.
من بين ماهزني في لحظتنا الإرهابية الملتبسة مثلا مشاهد سجن أبو غريب المروعة، وكذلك إعلان حكومة علاوي عن عثورها على حافلة لنقل الركاب، مملوءة بالعراقيين في المقابر الجماعية!!، ولم يكن لي إلا أن أدون ذلك وغيره كثير من المحن العراقية. وفي اللحظات التأريخية الحرجة للشعوب الحية، يعلو صوت الإنسان شعرا على صوت الرصاص، والمفخخات والحرب الكتلوية الإرهابية، وأشير بألم إلى استخدام الإرهابيين لغاز الكلور مؤخرا، بعد تطوير عملهم الميداني النوعي ضد شعب أعزل، وأقول لهم : إن العراق بوابة سلام وحضارات متعاقبة، كرست مفاهيم السلام والبناء والخير والحرية، والعالم يدرك ذلك تماما خارج نعمة النفط ونقمته.
كنت على هامش مهرجان ثقافي في برلين العام الماضي وزرت متحفها، الذي ضم نفائس من الآثار العراقية، من بينها بوابة عشتار (آلهة الحب والحرب عند البابليين) وكان الزائرون الأوروبيون وغيرهم يمرون من تحتها فأشعر بفرح غامر، لاسيما وهم يرفعون رؤوسهم ليروا شاهق البناء العراقي قبل آلاف السنين، مايزال محتفظا باللون الأخضر المزرقّ الذي أنتجته العبقرية البابلية، مقارنة بماتفعله طائرات الاحتلال اليوم من تدمير وخراب، في تحليق مستمر فوق العراق: بشرا وأرضا وآثارا وغيرها.
تنكيل بالعراقيين
تحت سماوات مفتوحة
* كتابك الأخير "جمهورية رفحاء"، أتتفق معي انه أنين من وجع قرن ماض، ولماذا بقي بعيدا عن متناول القراء العراقيين؟
- أظن بأن أنين العراق لايزال يتواصل عبر الزمان والأجيال والتأريخ، بالتالي فأنه غير منقطع عما يحدث لوطننا اليوم، القرن العشرون بكل نزعاته العسكرية وخيامه على الحدود، وأعمدة الدخان المتصاعدة في العراق وغيره (ماقبل الاحتلال وبعده)، بقى ماثلا للعيان تجربة وأسطرة سياسية.لقد كان أنيننا تحت الخيام في الصحراء موجعا لكل قلب بشري، إلا القلب السعودي وأقصد الحكومة، ويمكن بلاتردد إضافة الكثير من مواطني المملكة، بالإستناد إلى تماهيهم مع نظامهم القروسطي، وهو ماعشناه ولمسناه. وكنا بين لاعجبين: وطن يحترق تشير إليه أعمدة الخيام المائلة، مع كل هبة ريح، وبقاء عجيب في الصحراء بلا أي هوية إنسانية أو عربية أو إسلامية!، في جمهورية رفحاء 5 نجوم رأيت وطني من بعيد بقهر وألم بالغين، ليس لأن الأجلاف السعوديين لم يتدربوا كفاية على إدارة السجون الصحراوية، فكانوا غلظاء جاحدين، وهذه من بنية البدو كجماعة بشرية تآلفت مع الصحراء وتقاليدها، وطائفيين وهذه من النظام السياسي الرجعي المتخم بالبنوك والمؤامرات، وانظر إلى بلواه أصابت وطننا : سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وأحقاد.
لكن لأن التنكيل بالعراقيين كان تحت سماوات مفتوحة لايمر فيها حتى الطير، أما قوافل الجمال فكانت تحدو غير بعيد عن الأسلاك الشائكة، فنحسدها على حريتها الأكثر اتساعا من حرية العراقيين داخل الوطن وخارجه.
وأقتطف من مقدمة جمهورية رفحاء : ""
سميناها جمهورية رفحاء لأنها خرجت من حرب كونية مدمرة شاركت فيها 33 دولة ضد شعبنا ووطننا، يقول الخبراء إن الغرب ضرب العراق بأعقد منظومات الأسلحة الستراتيجية، التي كانت موجهة أصلا إلى صدر العالم الشيوعي قبل انهياره.
تفقد الجمهورية ممثلو لجنة الصليب الأحمر الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.
زارها أمراء ووزراء وسفراء ومدراء استخبارات وعناصرهم، وتجسس عليها جواسيس لحساب الإستخبارات العراقية، سهلت لهم السلطات السعودية في المخيم الدخول إليه والعيش مع أبنائه، وإثارة المشاكل مع السلطات السعودية في المخيم، حيث يمنح السعوديون ذريعة ويقومون بتسليم أكبر عدد من اللاجئين إلى العراق، ويتم إغلاق المخيم لأنه يشكل عبئا سياسيا وإعلاميا على نظام الطغيان ببغداد.
زارها آيات الله وحججه وأقاموا فيها بضع ساعات أوبضعة أيام،.. فيها سوق ارتبط بالتجار السعوديين وكذلك دكاكين تصريف عملة وصناعات يدوية محلية .
فيها مستشفى وولادات وأطفال يكبرون كل يوم ضد إرادة السلطات السعودية في المخيم،...، لايمكن إنكار أن السعودية كانت تتمنى الخلاص من اللاجئين بأية صورة كانت، وإقفال المخيم بأسرع مايمكن، لكن إرادة الحياة والبقاء كانت أقوى من إرادة شرطة مكافحة الشغب،...، فتكاثر أبناء الجمهورية حتى صعب حصرهم.
فيها مقبرة تضم رفات شباب قتلهم اما العسكر السعودي، أو مكتب الإستخبارات، أو الشرطة وعوضوا ذويهم، محذرين إياهم (على طريقة نظام القهر في بغداد) بعدم التفوه بكلمة للصحافة الأجنبية، إذا ما زارت المخيم عن حقيقة الأمر: قولوا ماتوا في شجارات بالآلات الجارحة فيما بينهم.
فيها منتحرون لم يتحملوا البقاء في الصحراء،... فيها غزل من وراء (رواك) الخيمة، ورسائل غرام ورسل متبولون، وحب وزواج وطلاق وعقود زواج مختومة بختم، طرقه البعض من علب (البيبسي كولا) الفارغة، واستمر الزواج وأنجب أطفالا لم يروا العراق،.... راسل الجمهورية مفكرون ومثقفون وفنانون عراقيون وعرب وأجانب، وأجابهم أبناؤها برسائل مليئة بالشجن العراقي، وصورها التلفزيون السعودي فزوّر الحقائق، لكن صورها اللاجئون أنفسهم فاغتاظ أهل الإنسانية، واستحت الأمم المتحدة على نفسها، بعد حوالي سنة على تجاهلها لقضية اللاجئين في الصحراء، فاعترفت بها، وأرسلت مندوبين عنها، وشكل هؤلاء مكتباً فيها، لتنظيم عملية هجرة أبنائها وإعادة توطينهم.
فيها مدرسة وحسينيات ومكتب للإغاثة الإسلامية العالمية ومذاهب في الحياة والفلسفة والرؤية والمزاج والتفكير والفن، ومتشددون للمذهب الشيعي وعصاة على الأديان كذلك، وفيها صلاة جماعية تشبه صلاة الإستسقاء في الصحراء.... فيها تخمير بقايا المواد الغذائية في (جليكانات) الماء ليصبح خمراً وماألذه؟!، فيلتم حوله عدد من اللاجئين بعدما ينضج، خلال ليالي سمر طردت شبح الموت ولم تطرده.""
إذا كان هناك أي عتب من بقاء هذا الكتاب بعيداعن متناول العراقيين، فالمسؤول عن ذلك هو أنا وصديقايَّ الكسل والإتكال، لكن سيطبع كتاب (جمهورية رفحاء) يوما ما على الورق وهو يوم قريب إن شاء الله!؟
محطات لها أصداء في كتاباته
* طفل يئن على أبواب أور، جندي ينتظره حتفه، لا جىء في الصحراء، منفي في النرويج، هل لهذا الارتحال الدائم مع المعاناة أثر في قصائدك؟
- اتذكر عيد الشجرة في العام 1964، وكان حسين نعمه يغني في متنزه الناصرية أغنية داخل حسن الشهيرة (عيني يالأسمر مالك.. روحي وكلبي حلالك!)، كان الكورس خليطا من البنين والبنات بملابس المدرسة وربطات العنق، وتحت شمس آذار الفتية غرسنا الأشجار وتضاحكنا.
وعندما كنا نذهب في سفرات مدرسية إلى البدعة وكرمة بني سعيد، خلال شهري آذار ونيسان خاصة، كانت الأنهار تحرس طفولتنا، وأشجار النخيل تأتينا إلى الناصرية بالتمر والظلال والبلابل الّلحيمية (التي لم ينبت عليها ريش بعدُ!)، فنطعمها ونربيها بين أيدينا!
ولم تكن الزقورة وأور التي قال عنها كريمر: من هنا بدأ التاريخ الحرف الأول وبدء الكلمة وولادة أبي الأنبياء، ثم نظرية الزمان على رأي (ماسون أورسيل) المبنية على النظام الكوني، وعبادة الشمس التي تنتشر لاحقا في سوريا والفكر اليوناني، وفي فترات متأخرة إلى الفكر الهندي عن طريق إيران، ناهيك بأول إعتقاد ساد بالقدر المسيطر على نظام الكون وعلى المصير الإنساني، وأول ضارب على القيثارة الملك شولجي، وعبادات بينها عبادة آلهة القمر، ومنها أنيرت الناصرية الوريثة بالعقول التي نقلتها الجينات السومرية عبر الأجيال حتى يومنا هذا.ثم دهمنا أبو الكفار أول مادشن البعث حياتنا العراقية، تجيء مع البعث عادة الفقر والدمار والحروب والمنافي، فتيبست شفاهنا كما أيبست الرطب في بستان الحاج عبود مؤامراتُ هذا الحزب الشوفيني الدموي، ومطاردته وقتله لخيرة أبناء الناصرية من شيوعيين ووطنيين وغيرهم.ولشدما عانيت من الفقر الشديد في مدينتي العائمة على النفط والغنية بالمياه والآثار!!، ولطالما صعدت إلى سطح بيتنا الواقع في شارع الحبوبي، أدعو الله ليخلصني وعائلتي من غائلة الفقر المريع!!، ولولا تخصيص محافظ الناصرية آنذاك سعدي عياش عريم، بيتنالي في حي الأرامل والأيتام!!، لتضاعف نصيبي من التشرد في وطني، بعد 12 سنة من الخدمة في الجيش، ثلثاها في حروب صدام على إيران، ثم تلتها ثلاث سنين في رفحاء وخمسة عشر عاما في النرويج.
وتوالت خيباتي في بلاد بيادرالحنطة والشعير والحضارات، توالي الرصاص على شبابي من سربيل زهاب حتى شرق البصرة، بطول الحرب وعرضها، وكنت أنتظر حتفي حقا برصاصة (تايهه) في حرب ولدت الدكتاتوريات والأعاجيب والأزمان المرة.
ثم أني في النرويج غريب الوجه واليد واللسان، خال من الشكوى كثير السخرية، متفهم لماتخرب من حياتي غير راض عن الماضي بالمرة، صرت حساسا والعمر يتقدم بي وأوسلو تضيق بما رحبت، قبل ايام قلت لشاعر نرويجي صديق أما من توسعة لهذه المدينة البائسةّ؟
فمن فرط ضيقها أشعر وكأنها تكاد تلصتق بجلدي، إحدى العواصم الأوروبية (أوسلو) تكاد تكون مختصرة في محطة قطار وعيادة الطبيب الخفر وبضعة مقاه كئيبة في المساء، ياه كم حلمت أن أعيش في مدن كبيرة أضيع فيها: تحتويني لاأحتويها.
أظن أن لكل هذه المآسي أصداء في كتاباتي وفي أعماقها المرة.
نص مكتف بذاته
* ما السياق الذي يندرج فيه فهمك للإيحاء الشعري... ثورة على الواقع أم هروب منه بمثالية مكتوبة؟
- أحاول الاقتراب من كتابة النص العاري، البسيط المفتوح على آفاق السرد، النص الذي يقف على الحافة بين الشعر والنثر، لكن لايسقط بينهما، الذي يمكن ان يكون نقطة مشعة في ليل العالم، ويجمع إليه عن طريق الايقاع والتوتر والمفاجأة، جماليات أحداث وقعت وبقي منها شيء ليتأمل فيها الشاعر، يكتبها متفكرا داخل النص، متبصرا مايجعل قارئها يشارك ويعيد التأويل، لاواقفا على الحياد وتلك إحدى فضائل قصيدة النثر، التي تتوقف قوة تأثيرها، على تجريبها في خلق لغة جديدة داخل الخطاب الأدبي السائد.
بالإستناد إلى جواب أبو حيان التوحيدي: لم لا يطرب النثر كما يطرب النظم؟ أجاب لأننا منتظمون فما لاءمنا أطربنا، فقد هيمن العمود مئات السنين على الذائقة العربية وترسخت في الأذن تراتبية الإيقاعات الأوزان والقوافي، وأصبح من الصعب التخلص منها لصالح الكتابة المغايرة، لهذا فإن تدمير القاعدة الذوقية التي سادت العصور العربية، امر يصعب على قصيدة النثر وانطلاقتها، من هنا يكون التحدي بطرح مقولات الحداثة نفسها، التي مع الأسف الشديد، ومن وجهة نظر سياسية بحتة، أنها متوفرة في قصيدة النثر العربية، وليس في أنظمة الحكم والمؤسسات والصحافة والأحزاب.
يتيح لي فضاء قصيدة النثر آليات التأمل الذهني في المصير البشري والزمن، فأطرح أسئلتي في الحب والتأريخ والأبدية، من دون اللجوء إلى الوعظية أو الأخلاقية، مبتعدا عن المرجعيات الأميركية والأوروبية، التي أسست لقصيدة النثر العربية، رافضا اللغة الصوفية والانجيلية التي قيدت انطلاقات الروح الشعري، نص يحيل إلى نص ثان في عملية تسلسلية تحيل إلى تصورات عن هذا العالم ومستقبله، نص منفتح على أجناس أدبية والواقع والمعاش، مستلهم لامنقطع، لاتثقل موازينه البلاغة والتزويق اللفظي، متحرر منطلق على سجيته بلاآباء، رافضا المرجعيات العربية وهيمنة المركز ويعمل معهما قطيعة معرفية.
إن النص الجديد هو ثورة على الواقع والجمود والصنمية وليس هروبا منها، متضمنا إياه - أي الواقع- ليس بمثالية متعالية، لكن الشعر أيضا يقدم معالجات للعالم ورؤى وتصورات، إن الشكل التجريبي الجديد يتيح لنا زمانا منفتحا جديدا أيضا، نص يبتعد كذلك عن النظم الشعري مليئا بالإيحاءات والإيقاعات وروح الإنسجام، مظهرا الكثافة والمجانية والتوهج بلغة سوزان برنار، بمعنى النص المكتفي بذاته حيثما تتلاقى المتناقضات في جوهره.كما تتلاقى في قصيدة النثر خلاصات أزمنة عديدة وأرواح الشعراء الأسلاف، تنصهر كذلك ايقاعات تنتظمها لغة جديدة متحررة ذات ذوقية كشفية عالية، ومعرفة جديدة للعالم ربما تعطي لقصيدة النثر نفسها، إمكانات لريادة مناطق غير مأهولة في الروح البشري والروح الشعري على حد سواء.
رابط الحوار
http://www.alsabaah.com/20070801/pdf/p25.pdf

http://www.alsabaah.com/20070801/pdf/p32.pdf



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذه الحياة المقدسة كيف نفديها وقصائد أخرى
- أخطاء رئيس الوزراء الإملائية!
- أسقطوا قانون النفط والغاز!
- عقدا واحدا أم عقدين ياسيادة الجنرال!؟
- تهديدات الحكومة : الحَكْ بالسيف والعاجز يريد شهود!!
- بين ميزانية الناصرية.. وميزانية البيش مركَه!؟
- يوم أسود في الناصرية!!
- أين نولّي بالفيحاء!!؟
- مطعم فلافل البرلمان!
- دمشق باعتبارها حلقة وصل إرهابية بين العراق وشمال أفريقيا!؟
- صورة خلف الشاشة
- القتل بالطحين!!
- الله أكبر ذبح التلعفريين بالجملة هدية القاعدة إلى مؤتمر القم ...
- عشرة في الحروب وعشرة في تيه البحر ......مجموعة شعرية جديدة
- طالت لحية بن لادن في هذا البلد الآمن.. وقصائد أخرى
- دولة رئيس الوزراء : حقائق مذهلة عن الحنطة المخلوطة ببرادة ال ...
- تتيه الأشواق المجنحة حتى تكاد تلامس النجوم
- مغناطيس لكل عائلة متضررة في الناصرية!!
- دمشق تستعد لتسليم المطلوبين (بينهم الضاري) إلى الحكومة العرا ...
- رثاء أخي


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - صحيفة الصباح تحاور الشاعر المغترب طارق حربي..في اللحظات التاريخية يعلو صوت الإنسان شعراً على الرصاص والمفخخات