أغاني القدر


حميد كوره جي
الحوار المتمدن - العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 03:50
المحور: الادب والفن     

الأفق والمسار
يمتد القدر أمامنا كأفقٍ لا تحده حدود، أفق شاسعٌ تغلفه رهبة الغموض، ويخبئ بين ثناياه الإجابات عن أعمق الأسئلة التي تؤرق القلوب. رحلتنا نحو "سيناءنا" الخاصة ليست مجرد مسير عابر، بل هي تحدٍّ للسكوت الإلهي ذاته؛ فمن يمتلك الجرأة على عبور ذلك الطريق الشاق، سيجد أن اليقين بانتظاره كوهجٍ لا ينطفئ.

القدر ليس مكاناً ممهداً للنزهة، بل هو أرضُ بداياتٍ خام، ملغّمة بالتحديات. تلك الصخور التي تعترض خطونا لا تهبط بالعزيمة، بل تختبر صمودها. كم هي عظيمة سعادة من يواجه أثقال هذه الأرض بعزمٍ لا يتزحزح؛ فقدرة الإنسان على تحويل أتعابه إلى "طعام" يغذي روحه ليست إلا سبيلًا إلى الرفعة. لا سبيل للجنان إلا عبر بوابة القدر؛ فسرها بإيمانٍ واثق لا يهاب المجهول، لتشاهد خلف تلك الحجب أسرارًا اختبأت هناك في انتظارك.

كيمياء الذات
أعلم أنك قد تشعر بثقل القيود التي تكبلك، تلك التي تملأ حياتك بضوضاء المعدن الجاف، لكن ما قد لا تعرفه هو أن هذه القيود تمثل المواد الخام التي يمكنك تطويعها. عندما تقوم بصهرها بالمثابرة والعمل الدؤوب، تتحول من سلاسل تقيدك إلى دروع تحميك، مانحةً إياك قوة وهيبة لا تُضاهى.

أما تلك السموم التي تقبع خفيةً في أعماقك، ويخيل إليك أنها تسري لتحطم عافيتك، فهي في الحقيقة طاقة لم يتم تهذيبها بعد. عندما تحتضنها روح واعية بعقل عميق التأمل، تتحول من مصدر ضعف إلى إكسير قوة، يغذي وجودك ويمنح الحياة لكل من حولك.

لا تنظر إلى آلامك كقدرٍ قاسٍ مفروض عليك، بل تعامل معها كأداة لتشكيل بنيانك الداخلي. حياتك ليست نصاً مغلقاً محكم السطور، إنها أشبه بالعجينة الطيعة التي تنتظر لمسة إبداعك لتتخذ شكلاً جديداً ومعنى متجددًا. كن مثل أولئك الذين صقلوا الصخر قبل أن يستريحوا في ظلال إنجازاتهم، واترك بصمتك على هذه الحياة بحكمة من أدرك خفايا التحول.

اللقاء والميعاد
لا تسمح لرغباتك أن تكون حبيسة قوالب اعتاد الآخرون تشكيلها، أو قصائد نسجها آخرون لتخلد ترددهم؛ فلكل فرد فينا دربٌ خاصٌ به وحده، وطريقٌ لن يسلكه سواه. لكل منا قدرٌ فردي بامتياز.

ففي ليلة وادعة تتلألأ فيها النجوم، وبينما أنت في عزلة مع ذاتك المتأملة، قد يأتيك همس القدر على باب قلبك بهدوء غير مسبوق. ستشعر بحضوره كما لو كان نسيماً هبط عليك من بُعدٍ لم تعرفه من قبل. ستقرأ في ملامحه لونًا لا يشبه ما ألفته عيون البشر، لونًا نسجته ألوان الأرواح الغامضة التي لا تُرسم إلا مرة واحدة ليراها قلبٌ واحد.

القدر ليس حملاً مادياً نخزنه بين جدران الأعمار المغلقة، إنه كالندى العابر الذي يُنير لحظات وجودنا مع إشراقة الفجر. رقته تخفي عمقه، وأثره يبقى حتى وإن ذاب في أفق أرواحنا. يولد من أسرار اللانهائية ليهب حياتك بُعدًا جديدًا، بهجةً تدوم ووهجًا يُكبر نفسك في حضرة المعجزات المخفية. هو حكاية تخصك وحدك وكأن العالم كان ينتظر أن تحمل مفتاح هذه اللحظة لتكتمل فيه معاني الانتظار

مالمو
2025-12-24