مشروع إقليمي يخنق العراق


كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 09:50
المحور: الادارة و الاقتصاد     

لم يأت الخنق بفعل خارجي وانما جاء بفعل داخلي، فالعراق هو الذي خنق نفسه بنفسه، وهو الذي قطع اذرع التواصل مع العالم الخارجي، فخسر موارده المالية الهائلة التي كان ينبغي ان يجنيها من عائدات النقل العابر. .
اما كيف اصبحنا خارج نشاطات التفاعل التجاري العالمي فهذه هي المشكلة التي توارثناها منذ سنوات، لأننا ابتلينا بمجموعة من اصحاب العقول المتحجرة الذين رسموا لنا خرائط الفشل، ورفضوا الالتحاق بالركب العالمي، ولم يستغلوا موقعنا الجغرافي الذي كان محطة محورية للتواصل مع القارات الثلاث (آسيا - أفريقيا - اوروبا)، فاجهضوا مبادرة الحزام والطريق، ورفضوا الارتباط بقطار الخليج، وتسببوا بانكماش ميناء الفاو الذي تقلصت أرصفته من 100 رصيف إلى خمسة ارصفة تشبه دكات غسل الموتى. حتى جاء اليوم الذي اتفقت فيه حكومات تركيا وسوريا والأردن والسعودية وسلطنة عمان على تنفيذ مشروع الربط السككي العابر بقطار متعدد المهام والمسارات، لتسيير حزمة من الخطوط تنطلق من إسطنبول ثم تمر بدمشق وتفرعاتها المينائية، ثم العاصمة الأردنية عمان، ثم الرياض ومنها إلى موانئها الشرقية والغربية، وتنتهي الخطوط في سلطة عمان. في حين يواصل خط (ITI) عمله اليومي الدؤوب بكامل طاقته، في رحلات حثيثة لنقل الحاويات بين إسطنبول (تركيا)، وطهران (إيران)، وإسلام آباد (باكستان) على مسار يبلغ طوله 6540 كيلومتراً. بمعنى ان العراق اصبح معزولا خارج تشابكات النقل العابر، فخسر موقعه الاستراتيجي إلى أبد الآبدين. .
اما بخصوص الخط التركي العربي الجديد فقد وفرت تركيا 120 مليون دولار فقط (وليس 22 مليار دولار) لإعادة تأهيل السكك الحديدية بين مدينتي غازي عنتاب التركية وحلب السورية. وسارعت لتأهيل الخط الواصل بين محطة (تشوبان باي) ومدينة حلب. وانطلقت قبل شهرين أول رحلة قطار من مدينة حلب إلى حماة في السكة التي كانت من مقاطع خط الحجاز القديم الواصل بين سوريا والأردن، فعلى الرغم من قدمه ظل هذا الخط يعمل داخل سوريا في نقل البضائع وتنظيم رحلات سياحية حتى عام 2011، لكنه توقف مؤقتاً بسبب الدمار الذي بلغت نسبته 40%. و واصلت الأردن العمل على إدامة خطوطها، السككية لضمان تسيير القطارات من شمالها إلى جنوبها. .
لقد مرت 117 سنة على تشغيل خط الحجاز، وكان بطول 1464 كيلومترا، يمر بنحو 40 محطة، و 50 مدينة. .
لدى تركيا الآن رغبات جادة لتفعيل خط جديد يربط البحر الأسود بخليج عمان، فقد تصدرت 45 شركة من شركاتها قائمة مجلة (Engineering News-Record) لأفضل 250 شركة مقاولات على مستوى العالم، وجاءت في المرتبة الثانية بعد الصين التي دخلت 75 شركة منها في القائمة. في حين بلغت قيمة المشاريع التي نفذتها الشركات التركية عالميا نحو 21 مليار دولار في العام الماضي. .
اما طريق التنمية العراقي والذي يطلقون عليه باللغة التركية (kalkinma yolu) فسوف يصبح مجرد طريق بري طويل ينطلق من جنوب العراق إلى شماله، حاله حال الخطوط الداخلية الموازية. .
للمشروع التركي - العربي المستحدث تفرعات فاعلة تمر بالموانئ السورية، وميناء العقبة، وموانئ السعودية، وموانئ سلطة عمان. .
من المؤمل ان يصبح المشروع داعما لسلاسل التوريد. وضامنا لعمليات التبادل التجاري، وموصلا بين موانئ البحر الأسود والأبيض المتوسط وخليج العقبة وموانئ البحر الأحمر والخليج العربي وخليج عمان. ولك ان تتصور عظمة حركة النقل العابر من والى هذه البلدان بما يختزل المسافات، ويقلل النفقات، ويخفض الأسعار والتكاليف، ويضع تلك البلدان تحت سقوف نظام جمركي مشترك، ويفتح آلاف الفرص لتشغيل العاطلين عن العمل، ناهيك عن الرسوم والعوائد المالية المجزية التي سوف تستوفيها الجهات المستفيدة بموجب التعرفة الموحدة. .
لم تخرج التظاهرات في تلك البلدان للمطالبة برفض الربط السككي على غرار التظاهرات التي اجتاحت مدننا، ولم يعترض النواب في تركيا او في الأردن ويحملوا راية الانطواء والتقوقع على طريقة جماعتنا. وسوف تأخذ كل من تركيا وسوريا والأردن والسعودية وسلطنة عمان حصتها من المنافع والمكاسب والأرباح. وسوف يترك المشروع آثاره السلبية على الموانئ العراقية والاماراتية، وعلى قناة السويس. .
ختاماً: لقد اختار العراق الانزواء والعزلة والاعتكاف بتوجيه من المعطلين والمعرقلين، الذين رفضوا استغلال موقعنا الجغرافي الفريد بالشكل الذي يعود علينا بالنفع والفائدة. وسوف يبقى الحال على ما هو عليه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. .