إعلان وفاة


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 18:47
المحور: الادب والفن     

حالما دَخَلَ "علي" مكتب الوزير وسَلَّم عليه، حتى قام له الأخير من مكانه، وتوجَّه اليه، وعانقه، وهو يقول:
- وعليكم ألف السلام، ورحمة الله وبركاته. حسناً فعلت بالمجيء حالما هاتفتك، وذلك قبل انتهاء الدوام! لا يجب أن يبقى المدير العام الفلاني في منصبه لحظة واحدة أطول!
- هل قرأتم التقرير الموثق بالمستندات الثبوتية القاطعة الذي أجرته اللجنة التحقيقية الوزارية التي شكلتموها برئاستي ؟
- نعم، ولهذا طلبت منك المجيء على الفور. ما كل هذه الحقارة والاستهتار بأمانة المنصب الوظيفي ! إختلاسات بمليارات الدنانير وفساد أخلاقي رهيب مرتبط بمافيات الدعارة والتجارة بالمخدرات. أستغفر الله! لقد أرسلت للطبع تواً أمر إقالته وتحويله للنزاهة وتنصيبك أنت مديراً عاماً مكانه.. أريدك أن تأخذ كتاب إقالته وتعيينك باليد وتستلم مهام الإدارة العامة فوراً. مبروك عليك المنصب الجديد، ولو أنه أقل بكثير من استحقاقك!
- لقد فاجأتني بهذا يا جناب الوزير، فأنت أدرى مني بأنني زاهد تماماً بالمناصب الخاصة.
- أعلم! ولكن الوضع خطير! وإذا ما فاحت رائحة الفضيحة - لا سمح الله - فسأتعرض أنا أيضاً للمساءلة !
- ولكنك لم تكن أنت الذي رشَّحه لمنصب المدير العام ! لقد جاءت به المحاصصة ممثلاً للمليشيا الفلانية رغم شموله باجتثات البعث، كونه عضو قيادة فرقة!
- ما علينا، فرئيس الوزراء مشمول بالاجتثاث هو الآخر!
- أرجوك - يا جناب الوزير- إعفائي من هذا المنصب !
- لماذا؟
- ستفتري مليشياه أن تحقيقي هذا هو كيدي لكون الغرض منه هو أن أزيحه من مكانه لنفسي!
- حاشاك ! جنابكم أعلى من المناصب ! أنا أهيب بوطنيتك وشرفك الوظيفي أن تقبل المنصب الجديد وذلك خدمة لهذا البلد والشعب المنكود بالمحاصصة. إذا انكفأ الأخيار عن خدمة هذا البلد، حل محلهم الأشرار، أليس كذلك؟ ماذا تقول؟
- لن أقبل الاضطلاع بهذه المهمة الصعبة إلا بشرط قاطع!
- غالي والشرط مجاب مقدماً !
- أن تطلق يدي تماما بتفكيك شبكة عصابة النهب والسلب للمليشيا الفلانية التي نسجها هذا الحقير في المراكز الحساسة لكل أقسام المديرية العامة منذ تسنمه لمنصبه إلى اليوم، بضمنها إصداري لأوامر الإحالة للتحقيق وسحب اليد والنقل، وأن تسندني بالحق على طول الخط.
- لك مطلق الصلاحية في كل هذا.
- أدع لي بالموفقية، جناب الوزير !
- اللهم، بجاه آل البيت عندك، وفِّق عبدك "علي" بمنصبه الجديد، وسدد خطاه، آمين يا رب العالمين!
- آمين! أحسنتم، وزيرنا الشريف!
- متى تراجع لاستلام منصبك الجديد؟
- لقد انتهى الدوام اليوم . بكرة صباحاً، بعون الله!
- الصباح رباح! وبارك الله فيكم!

في صباح اليوم التالي، عندما وصل "علي" لبناية المديرية العامة لتسليم كتاب الإقالة واستلام منصبه الجديد، فوجيء بتعليق يافطة سوداء كبيرة جداً مكتوب عليها بالبنط الأحمر العريض:

"تنعى المدرية العامة خبيرها والمستشار الوزاري "علي" الذي وافته المنية إثر حادث مفاجيء مؤسف. إنا لله وإنا إليه راجعون. الفاتحة!"

إستغرب "علي" من اعلان وفاته بهذه الطريقة وهو ما يزال حي يرزق.
عندما دخل "علي" مكتب المدير العام المُقال، قام لها الاخير وعانقه وهو يقول:
- عجيب ! ألم تمت بعد؟
- ها أنت تراني حياً بدمي ولحمي أمامك!
- لماذا لم تمت ؟
- الأعمار بيد الله، أستاذ، ولكل أجَلٍ كتاب. لقد جئت-
- اعلم سبب مجيئكم: تسليم أوامر إقالتي من منصب المدير العام، وإحالتي للنزاهة، و تنصيبكم مديراً عاماً مكاني كي تتولى تنظيف المديرية العامة من السراق والفاسدين من أزلام المليشيا الفلانية!
- صحيح! ولكن كيف عرفت بكل هذه الأسرار الوزارية؟
- أبلغني بها صباح اليوم الوزير الجديد بالوكالة: إبن سلمان .
- صحيح؟ وماذا عن الوزير الأصيل؟
- يرحمه الله! لقد توفي مساء البارحة بحادث مؤسف فجأة مثلكم.
- يا للخسارة ! ألف رحمة على روحه الطاهرة!
- وفي ضوء وفاتكم المفاجئة ووفاة الوزير الموقّع على أمرَيْ الاقالة والإحالة للنزاهة، فإن الأمرين الوزاريين اللذين جئتَ لابلاغي بهما قد أصبحا لاغيين! هذا ما أبلغني به الوزير الجديد إبن سلمان صباح اليوم! هل لديك أبناء غير بالغين؟
- لا! ولماذا تسأل؟
- يا للخسارة! أحببت فقط تطمينهم على حصصهم من راتبك التقاعدي الذي يستحقون بعد وفاتكم ...