مشفى الحكيم سليم


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 20:47
المحور: الادب والفن     

في صباح اليوم ذاك، عندما أجتاز الحكيم "سليم" البوابة الخارجية لبناية مشفاه، بغية مباشرة عمله اليومي، استغرب لوجود غرفة زجاجية كبيرة لم تكن موجودة في ليلة الأمس عندما غادر بناية مشفاه. فتح الباب الزجاجي الخارجي للغرفة، فقابله باب ثان، إستطاع أن يرى خلفه فتاة ناهد الصدر بوجه وشعر طاووسيين وهي تجلس خلف مكتب زجاجي فخم ومتعدد الألوان، وسط قاعة ستوديو خرافي الزخارف وذلك تحت عشرات الأضواء، وتقرأ نشرة أخبار الصباح تحت عدسات آلات التصوير، وتتوهج فوقها يافطة: "قناة الحتير".
دَفَعَ الحكيم سليم الباب الزجاجي، فلم ينفتح. أدار وجهه، فأعترته الرجفة لمشاهدته نفس الفتاة المذيعة تقف مبتسمة بإغراء أمامه. تعجب من السرعة التي تركت فيها المذيعة مكانها ووقفت أمامه. إلتفت باتجاه الستوديو، فشاهد المذيعة تواصل قراءة نشرة أخبار الصباح. بقي يتلفت مذهولاً بين الوجهين، كمن شُل لسانه.
- صباح الخير، حبيبي الحكيم سليم!
- صباح الأنوار! كـ كيف عرفتي إسمي، ست؟
- ياعيب الشوم، حبيبي، وهل الحبيبة تنسى اسم حبيبها؟
- أ أنت حبيبتي؟ عجيب! وكيف تكونين حبيبتي وأنا لم أرك من قبل قط؟ ألا تعلمين أنني رجل سعيد بزواجه، وقد صرت كهلاً أبغض المغامرات العاطفية، ولدي خمسة أبناء متزوجين؟
- عجيب! هل أفرطت في الشم البارحة؟
- إخرسي! أنا طبيب جراح محترم، وأسمى أخلاقاً مما تتوهمين!
- وكيف يكون هذا، وأنت الذي ألحفت علي بشراء الترياق لك من شيخ الحتير مساء البارحة؟
- أنا الذي طلبت منك ذلك؟
- عجيب! كيف تجرؤ على نكران هذا؟ أم أنك تريد أيضاً نكران هجومك عليَّ مثل النمر مساء البارحة وافتضضاك لعذريتي غير مبالٍ بتوسلاتي ومستغلاً ضعفي!
- أستغفر الله! وكيف يحصل كل هذا وأنا لم أرك من قبل إلا منذ أقل دقيقة؟ ثم، أين هو المدخل لبناية مشفاي ؟
- غريب أمرك اليوم، حبيبي: هل تريد أن تنكر أيضاً أنك قد قمت بنفسك بوهب بناية مشفاك لقناة الحتير مقابل الترياق؟
- مستحيل! أنا وهبت بناية مشفاي؟ متى حصل ذلك؟
- أووه ... حبيبي الجميل.. ما كل هذا الإنكار وهذه الهلوسات؟ لا بد أنك ما تزال تحت تأثير الترياق! دعني أُدفؤك بصدري!
- إياك عني! هذا مستحيل! سـ
- صبّحكم الله بالخير، جناب الحكيم سليم!
إلتفت الحكيم مرتاعاً ليواجه المصبَّح عليه خلفه. طالعه وجه رجالي طبق الأصل من وجه محدثته، ولكنه بلحية أنيقة وشارب مقلّم ووجنتين محفوفتين وعمامة.
- عفواً، ولكن من هو جنابكم؟
- عجيب! لماذا جنابكم - وأنتم الحكيم الجراح الشهير الذي نحترم - تتظاهرون بأنكاركم معرفة جنابنا صاحب المعالي؟
- أي صاحب للمعالي؟
- أنا "شيخ الحتير" الذي أمضيتُ تنازلكم عن مشفاكم لي يوم البارحة مقابل تجهيزكم بالترياق الذهبي!
- عجيب! ولكنني لم أرك من قبل أبداً!
- إسأل شقيقتي هذه: حبيبتك التي سفحت دمها مساء البارحة! قولي له!
- سامحه، شيخنا الجليل! منذ الصباح وهو لا شغل له سوى إنكار كل وقائع الأمس المشهودة، وذلك بكل عناد، وبعيداً عن الامتثال بابسط قواعد المنطق! من الواضح أن ترياقكم كان من النوع الأصلي المستدام التأثير!
يخرج الشيخ مسدساً من الجيب الداخلي لسترته ويوجهه نحو الحكيم وهو يقول:
- قل لي، أيها الناكر، الآن، فوراً: متى تعقد قرانك على شقيقتنا المصون هذه أمامك بعد أن تسدد لي دِيَّة سفكك دمها: ملياري دولار فقط لاغير – جناب الحكيم سليم؟
يفغر فمه، وتجحظ عيناه، ثم تدور الدنيا بالحكيم، فيسقط كالصخرة أرضاً بلا حراك.
ينحني الشيخ، فيجس نبض الحكيم سليم، ثم يقول:
- رَحِمَ الله مَنْ زارَ وخَفَّفْ، بالتي هي أحسنُ وألطفْ!
يقف، ثم يعانق الفتاة ويتبادلان قبلة فرنسية طويلة. فجأة يتراجع الشيخ ويقول لها:
- لا تنسي موعدنا صباح بكرة مع كريم: صاحب معارض سيارات "بركات الأئمة"!
- تؤمر، تاج الرأس ! أووه.. لقد جعلت جسدي كله يرتجف!
- ذكّريني – حبيبتي – قبل النوم مساء اليوم كي أستدعي رهط المجاهدين لهذا الغرض!
- تؤمر، تؤمر تاج الرأس.
- واجلبي شقيقتك معك، كي تلتحق بنا، إتفقنا؟
- صار، سيِّدنا المطاع!