ما قُربَ الهجوم القادم لجيش الكيان الصهيوني على غزة؟ (2-2)
حسين علوان حسين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا هو القِسْم الثاني والأخير من نص ترجمتي الفورية للمقابلة المؤرخة في 13/10/2025 للقاضي الأمريكي "أندرو نابوليتانو" (Judge Andrew Napolitano) مقدم البرنامج الشهير "الحُكْم على الديمقراطية" (Judging Freedom) مع الصحفي والمدوِّن ومخرج الأفلام والكاتب اليساري الأمريكي المعروف : "ماكس بلومنثال" (Max Blumenthal).
رابط الموقع أعلاه على اليوتيوب الذي يعرض هذا اللقاء هو:
https://www.youtube.com/watch?v=USfI5TgEHdg
نص المقابلة [الملاحظات بين الأقواس الكبيرة لي]:
"ألقاضي أندرو نابوليتانو: في هذا المقطع، نرى ترامب وهو يَخرجُ عن النص الرسمي لخطابه الذي ألقاه في الكنيست. وفيه: مجرم الحرب يطلب من مجرم حرب ثانِ أن يصدر قراراً بالعفو عن مجرم حرب ثالث! مقطع رقم 11، لطفاً.
[يَظهر في المقطع المصوَّر الرئيس ترامب وهو يتحدث في الكنيست الإسرائيلي أولاً عن البليونيرة الصهيونية الأمريكية "ميريام أدلسن" المولودة من أصول بولونية في فلسطين عام 1945 ، والمرتَّب زواجها من طرف الموساد بعدئذ بالمليونير الأمريكي العجوز "شيلدن أديلسون" المولود عام 1933 ، وصاحب كازينو القمار "لاس فيغاس ساندز"، والتي نادت علناً بإبادة كل ثائرٍ معادٍ للاحتلال الصهيوني لفلسطين ومعه كل مطالب بحقوق السود في أمريكا وكل التقدميين والناشطين لكسب حقوقهم المهنية في العالم، وذلك بموجب نص إفتتاحيتها المؤرخة في 20 تشرين الثاني، 2023 لمجلة "فوربس إسرائيل" وصحيفة "إسرائيل اليوم" بالقول: "كل النشطاء المتطرفين من المسلمين، وحركة "حياة السود مهمة"، والتقدميين المتطرفين والمحرضين المهنيين... يجب أن يكونوا أمواتًا في نظرنا"؛ والتي يقول عنها ترامب في المقطع المعروض لخطابه:]
ترامب: إن لديها 60 ملياراً في المصرف! 60 ملياراً! وهي تُحب إسرائيل... لديَّ فكرة، يا سيد الرئيس: لماذا لا تمنحه [ يقصد نتنياهو] قراراً بالعفو؟ (هتاف وتصفيق في الكنيست) .. بالمناسبة، لم يكن هذا ضمن نص خطابي – مثلما قد تعرفون. ولكنني أحب هذا الرجل الماجد الجالس هناك. وهذا يبدو أمراً معقولاً جداً .. أنتم تعلمون: سواء كنتم تحبون ذلك أم لا، فإن هذا كان أعظم رئيس في زمن الحرب! لقد كان واحداً من أعظم الرؤساء في الحرب؛ اما السيكار والشمبانيا، فمن بحق الجحيم يهتم بمثل هذه الترَّهات؟! (هتاف)
ألقاضي أندرو نابوليتانو: إنه بالطبع يشير إلى نتنياهو بكونه الرئيس، في حين أننا نعلم أنه رئيس الوزراء وليس الرئيس. أما رشوة السيكار والشمبانيا التي تسلمها فقد كانت قيمتها 139 ألف دولار! لست أدري، ولكن هل يحق لهيرتزوغ إصدار القرار بالعفو من نتنياهو؟
ماكس بلومنثال: سيكون ذلك تصرفاً غبياً يتجاوز على كامل نظام المحاكم. ولكن، كم كان ذلك الخطاب كاشفاً على صعيد العديد من المستويات! أولاً، يشير ترامب لميريام أديلسن التي هي أكبر متبرع أمريكي لترامب [تبرعت لحملته الرئاسية الأخيرة بما مجموعة 106 مليون دولار، وزادت مجمع تبرعاتها لحملتي الرئاسة لترامب على 200 مليون دولار والتي تشتمل على ثمن قيام ترامب خلال رئاسته الأولى بالاعتراف بضم الكيان الصهيوني لمرتفعات الجولان السورية وذلك تجاوزاً على قواعد القانون الدولي]؛ ولكنها تتواجد في إسرائيل لتهندس مجريات ذلك الإحتفال بأكمله. ويَذكرُ ترامب في كلمته تلك أنه بسببها هي وزوجها فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، والذي شكل استفزازا كبيراً للشعب الفلسطيني، وهو الذي كما اعتقد مهد السبيل لقيام أحداث 7 أكتوبر لما سببه من ضغط متزايد على مجمّع المسجد الأقصى. تذكَّر أن عملية 7 اكتوبر لحماس كان اسمها: "طوفان الأقصى". ثم يلتفت ترامب لميريام مادلسن، ويقول: "لقد سألتها: هل تُحبّين الولايات المتحدة أكثر من إسرائيل، أم تُحبّين إسرائيل أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولكنها لم تجبني على ذلك السؤال". ولكنني أعتقد أن كلنا يعرف ما هو جوابها. لقد أسماها ترامب بالمؤمنة بحركة "إسرائيل أولاً". لا يبدو أن ترامب يعي مدى سخف تلك الواقعة. ثم أنه يتندر على فكرة الرشوة بـ 140 ألف دولار التي تلقاها نتنياهو. ولكن أنظر لما يحصل في إدارة ترامب الآن: إن عصرها الذهبي هو أساساً العصر الصهيوني الإخصائي لنخب إقطاعات التكنولوجيا التي تدفع له مقابل الخدمات التي يقدمها لها، حيث نرى عملاء الأف بي آي وهم يسيرون محمَّلين بحقائب المال التي يسلمونها كرشاوي لأزلامه من أمثال "توم هومن" [الذي عيّنه ترامب في ولايته الثانية بمنصب: "قيصر الحدود". وقد سبق وأن تم في أيلول 2024، التوثيق بالصورة والصوت إستلامه حقيبةً تحتوي على 50 ألف دولار نقدًا من عملاء سريين لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) مُدَّعين صفة رجال أعمال. كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في مزاعم تقاضي هومان رشاوى من شركات أمن الحدود مقابل وعدٍ بعقود حكومية في حال فوز ترامب في انتخابات 2024. في أيلول 2025، أغلقت وزارة العدل التحقيق بأمر من ترامب، مُتعللةً بعدم كفاية الأدلة]. بالنسبة لترامب، فإن استلام الرشاوى هو من قبيل ممارسة الأعمال التجارية العاديّة. ولكن المغزى الحقيقي المستخلص من كل هذا هو أن نتنياهو يحتاج بالتأكيد إلى اصدار قرار بالعفو عنه لأنه بما أن الحرب قد توقفت الآن، فقد بات مستقبله السياسي مُهدَّداً؛ ويمكن لإئتلافه أن ينهار. تذكّر انه قبل يومين فقط، خلال مشهد غرائبي - مشابه تقريباً لمشهد خطاب ترامب في الكنيست – لإثنين من وكلاء ترامب العقاريين – أحدهم هو صهره جاريد كوشنر - الذي كان والده أحد أكبر المساهمين في شركة ترامب العقارية – والثاني هو ستيف ويتكوف. في ذلك المشهد، عندما ذَكَرَ ويتكوف اسم نتنياهو أمام حشد من القاعدة الشعبية في تل أبيب، فإنه لم يسمع منهم إلا على صرخات الاستهجان ضده! هؤلاء يكرهون نتنياهو. إن نتنياهو هو شخصية غير محبوبة شعبياً. إنه يقود إئتلافاً برلمانياً صغيراً مكروهاً شعبياً. كما أن أهالي الأسرى الإسرائيليين يعتبرنه ليس فقط شخصاً مخادعاً، بل وخائناً لهم. لقد رفض المرة تلو الأخرى عقد الصفقة التي كان من شأنها إعادة كل أولئك الأسرى سالمين لأهاليهم. إذاً، هو محتاج لإصدار القرار بالعفو عنه، ليتمكن بعدئذٍ من التخلي عن السلطة في وقت ما؛ وبعكسه فسوف يبدأ بشن حرب مجنونة جديدة أخرى. إن نتنياهو هو بأمس الحاجة في هذا الوقت لإشعال حرب إقليمية أخرى لكي يُبقي إئتلافه متماسكاً. لقد رأينا الشخص الذي يجلس على يساره – ايتمار بنغفير. هذا الشخص لا يمتلك سوى نائباً واحداً أو نائبين فقط في الكنيست لحزبه: " أوتسما يهودي". هذا هو كل ما يملك، وهو الذي يقبض على دفة إبقاء ائتلاف نتنياهو الحاكم على قيد الحياة [رفض جيش الاحتلال الصهيوني تجنيد بنغفير في صفوفه عندما بلغ سن 18 عاماً بسبب سجله الجنائي الحافل بالجرائم]...
ألقاضي أندرو نابوليتانو: هل نتخيل أن بايدن كان أسوأ من ترامب، وأنه كان بإمكانه وقف كل هذا في حينه عبر نفس الصفقة التي كانت معروضة آنذاك على الطاولة للتوقيع والتي تم قبولها في الأسبوع الماضي؟
ماكس بلومنثال: هذا يعيدنا لما سبق وأن قلته أنا في بداية هذا الحديث، عندما استشهدت بمصدر صاحب قناة الاتصال الخلفية للتفاوض: "غيرشكن باسكن" في ملاحظتي تلك؛ وهو الأمر الذي كان بوسع أي مراقب إدراكه على نحو جلي. ولقد قمت بتشخيص السبب الرئيسي الذي يفسر ما الذي جعل إدارة بايدن تمتنع عن إيقاف الابادة الجماعية في غزة: إنها الآيديولوجيا المرتبطة أيضاً بمتطلبات تسنم المناصب الحكومية الرفيعة. أنظر إلى "ماثيو ميلر" الناطق بإسم وزارة الخارجية الأميركية في عهد بايدن الذي كان يفتري يوماً بعد آخر في مؤتمراته الصحفية عن جرائم حماس المزعومة في غزة – وقد اصطدمت معه حرفياً بتاريخ 8 أوكتوبر، 2003، لهذا السبب – ويثرثر قائلاً للعالم عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها [القانون الدولي يقضي بمنح الشعب الذي يتم احتلاله حق مقاومة ذلك المحتل، وليس أبداً منح ذلك المحتل حق الدفاع عن النفس]، والذي كان دائماً وأبداً يلقي باللائمة على حماس كلما قامت إسرائيل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، أو كلما تعذر التوصل إلى مثل هذا الإتفاق. ولكننا نجد أنه حالماً أصبح خارج الحكومة فإنه راح يعترف في منشوراته عبر دائرة البودكاست بأن نتنياهو كان في كل مرة هو الطرف المتسبب بخرق كل اتفاق معقود مع حماس عبر تغييره للأهداف المُتفق عليها بغية إلغائه. ولكن الذي لا يستطيع قوله هو أن إدارة بايدن قد امتنعت من جانبها عن إجبار تنتياهو على العودة إلى طاولة المفاوضات؛ كما أنها رفضت العمل على اسقاط حكومته المتطرفة. هذا النتنياهو ما فتيء يجسد العدو للحزب الديمقراطي طوال مسيرته السياسية، ولكنهم كانوا يخشون دوماً إسقاط إئتلافة. لقد كان بوسعهم إسقاط ائتلافه الحاكم لو أنهم أرادوا ذلك، ولكن همَّهم كان دوماً هو الحفاظ على استقرار السياسة والمجتمع الإسرائيلي. وعليه، فقد استبقوه في السلطة أولاُ، ثم دعموه، وسَلّحوه، وتأكدوا من قدرته على تصعيد حدة حروبه على طول الخط إلى الدرجة التي قام بها بإشعال حربه غير المبررة ضد إيران ومن ثم جرَّ الولايات المتحدة الأمريكية إليها. الآن لديك توني بلنكن وزير خارجية بايدن وهو يصوّر نفسه على منصة التويتر كما لو لم يكن عضواً في حكومة بايدن، فيُظهر سعادته بشأن عقد الصفقة الأخيرة [التي كان بإمكانه عقدها بنفسه قبل عام كامل]. ثم لدينا الصهاينة وحلفاءهم وهم يدعون أن الجمهور الإسرئيلي يريد السلام! ونرى جاريد كوشنر يمتدحهم لأنهم: "أظهروا عدم الإنحدار إلى مستوى أعدائهم"! نحن ما رأيناهم ينحدرون إلى مستوى أعدائهم قط ، بل رأيناهم ينحدرون إلى مستوى الشيطان نفسه طوال السنتين الماضيتين. لقد رأينا 83% من قطاع غزة مدمراً، ورأينا مئات آلاف القتلى، ربما. نحن لا نعرف حتى كم هو عدد القتلى في غزة. أنا شخصياً تعذر علي متابعة احصاء عدد المجازر التي اقترفتها إسرائيل ضد أهل غزة طوال سنتين. هل نتذكر عندما قصفت اسرائيل بالقنابل مستشفى ناصر قبل ثلاثة أسابيع لتنحر الصحفيين عبر ضربة مزدوجة؟ فعلياً، كل شخص أعرفه في غزة إما تم قتله أو تفجير داره. هل نتذكر شهر تشرين الثاني، 2023، عندما اقترف الصهاينة مجزرة مخيم المغازي؟ من يتذكر ذلك؟ لقد ألقت اسرائيل ثلاثة قنابل زنة الواحدة ألفي كيلوغرام وسط خِيم اللاجئين، فذبحت أكثر من 250 شخصاً. ثم اتضح بعدئذ عدم وجود أي هدف في ذلك المخيم، فخرج علينا نتنياهو ليبرر تلك المجزرة بكونها: "حادثاً مأساوياً مؤسفاً"! هل نتذكّر مقتل 300 شخصاً في مخيم النصيرات لانقاذ أربعة أسرى إسرائيليين، وجرحوا فوقهم 500 شخصاً؟ ولقد تواصلت تلك المجازر مراراً وتكراراً. فهل يفترض بنا أن ننسى كل تلك المجازر لنتفرج على مشاهد الإسرائيلين ممن يُفترض أنهم يحتفلون بوقف أطلاق النار لمجرد كونهم قد استعادوا عدداً محدوداً من أسراهم اليهود أحياءً من غزة، وأغلب هؤلاء كانوا يمارسون دور الحارس الفعلي لمعسكر الاعتقال الجماعي لأهل غزة يوم 7 أكتوبر 2023، باعتبارهم جنوداً إسرائيليين من أفراد الخدمة الفعالة في جيش الإحتلال؟ وكل هؤلاء الأسرى الإسرائيليين كانوا يعاملون على نحو أفضل بما لا يقاس من معاملة السجَّانين الإسرائيليين للأسرى الفلسطينيين المعذبين الذين نرى إسرائيل تطلق سراحهم. أحد هؤلاء الأسرى الإسرائيليين - نمرود كوهين، الرامي في دبابة الذي تم سحبه من داخل دبابته – هذا الأسير سمحت له حماس اليوم بالاتصال فيديويا بوالدته وهو في طريقه لإطلاق سراحه. خُذ في الجانب الآخر ما يحصل للأسرى الفاسطينيين الذين يتم إخراجهم بمواكب من سجونهم وذلك بإسلوب وحشي حقير: أيديهم موصدة خلف ظهورهم، يُدفعون أرضاً، وتتم إهانتهم والاعتداء عليهم، ثم يُحشرون بملابس السجن السابحة بالعرق في باصات، وفوق كل هذا يتم تصويرهم وهم يتلقون كل سوء المعاملة هذه وذلك في انتهاك فاضح لشروط إتفاقية إطلاق السراح المتبادل لأسرى الحرب."