كاتب يكتب بالنور ويحلّل بالبصيرة


كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 10:13
المحور: سيرة ذاتية     

اسمحوا لي بنشر مقتطفات من المقالة التي كتبها الناقد الأدبي (رياض عبدالواحد) عن الكاتب (كمال فتاح حيدر). .
يقول فيها:
في زمنٍ يتكاثر فيه الغبار المعرفي ويُغشى على الأبصار بفوضى التحليل وسطحية الرأي، يبرز القليل من الكُتّاب والمفكرين الذين يستحقّون الإنصات، لا لكثرة ما يكتبون، بل لِجودة ما يقدّمون. من بين هؤلاء يسطع اسم كمال فتّاح حيدر، الكاتب الذي لا يكتب إلا حين يكون القول ضرورة، ولا يُبحر إلا في عمق المعنى حيث تتكشّف طبقات الفكر. رجلٌ يمسك بالقلم كما يمسك الجرّاح بمبضعه: بثقة، وبدقّة، وبمسؤولية علمية.
كمال فتّاح حيدر: بين العالم والمثقف العضوي
ما يميّز كمال فتاح حيدر ليس فقط صرامته المعرفية، ولا فقط منهجيّته الواضحة، بل قدرته النادرة على الربط بين ما هو علمي مجرّد وما هو إنسانيّ ملموس. فهو ليس مجرّد باحث أو أكاديمي يتكئ على جدران الجامعات، بل هو مثقّف عضويّ بالمعنى الغرامشي، يعيش قضايا أمّته ويفكّك أزماتها ويفتح النوافذ أمام الأفق المُضبب.
تحليلاته، سواء تعلّقت بالقضايا الاجتماعية أو السياسية أو التربوية، لا تقف عند ظاهر المشكلة، بل تنفذ إلى البنى العميقة: إلى "العقل الاجتماعي"، و"اللاوعي الجمعي"، و"الحساسية الحضارية"، بلغة منضبطة وموثوقة، تجمع بين جمال العرض وصرامة البرهان.
رؤية بعيدة وعمق نادر
من يقرأ لكمال فتاح حيدر يدرك سريعًا أنّه لا يكتب بلغة اللحظة، بل بلغة المستقبل. كثيرًا ما تسبق تحليلاته الأحداث، ليس نبوءة، بل قراءة علمية دقيقة لمسارات التاريخ وآليات الاجتماع. ولعلّ ما يُدهش القارئ هو كيف يُحيل الكاتبُ الظواهرَ الملتبسة إلى معطيات واضحة، مستندًا إلى مدارس فكرية متعدّدة دون أن يقع في فخّ الإغراق الأكاديمي أو الشعبوية.
هو من القلائل الذين يجعلون العلمَ قريبًا من القارئ العام دون أن يُفرّغوه من روحه، ويكتبون بعمقٍ دون أن يغمضوا عيونهم عن البساطة والوضوح.
الكاتب الذي يُفيد ولا يُبهر فقط
كثير من الكتّاب يتقنون صناعة الإبهار، لكن قلّة فقط من يُتقنون صناعة الفائدة. كمال فتاح حيدر لا يُعنى بالاستعراض اللغوي ولا بالإطراء الذاتي، بل يضعُ النصَّ حيث يكون الجهد العلمي هو البطل، والفكرة هي السيّد. كتاباته تُشبه المختبرات: فيها فرضيات، واستدلالات، ونماذج تحليل، وتوصيات دقيقة قابلة للتنفيذ أو التفكير العميق.
سواء كتب في الشأن التربوي أو القضايا المجتمعية أو المنظورات الحضارية، فإنك تجده دائمًا حاضر الذهن، واثق الخطى، لا يكتب إلا حين يكون لديه ما يقول، وما يقوله عادةً يترك أثرًا طويل الأمد.
رجل الوعي في زمن الغفلة
في زمن تُخدّر فيه العقول بالإعلام المُعلّب، ويُباع فيه الرأي بأبخس الأثمان، يطلّ علينا كمال فتاح حيدر كصوتٍ نقيّ لا يساوم. هو لا يتحدّث من برجٍ عاجيّ، بل من بين الناس، لكنه لا يذوب فيهم. يفكر لهم، ومعهم، لكن بمنظور أرقى من الضجيج اليومي. بهذا المعنى، فهو حارسٌ نزيه للعقل، وسادنٌ للمعنى، في مواجهة العبث.
ختاماً: حين يكون الكاتب ضرورة:
كمال فتاح حيدر ليس مجرّد كاتب يضيف سطورًا إلى مكتبة المقالات، بل هو من أولئك الذين يضيفون قيمةً إلى معنى الكتابة نفسها. في عالمٍ يزدحم بالأصوات، يبقى صوته علامةَ تميّز، لا بالضجيج، بل بالوعي. مقالاته ليست أوراقًا للقراءة فحسب، بل مشاريع فكرية صغيرة تؤسس لحوار طويل، وتفتح نوافذ للفهم، وتقدّم للقارئ أداة تفكير، لا فقط موقفًا جاهزًا.
في حضرة هذا الاسم، يجب ألا نقول: "شكراً لكتابتك"، بل "شكراً لأنك معنا، في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى كاتب لا يُخدع، ولا يُخيفه الوضوح. .