عن سجن الأوهام والإجرام


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 22:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من أكثر الظواهر شذوذا لدي المتأسلمين، ظاهرتان تتعلقان ببعضهما البعض، ولا مثيل لهما بين شعوب الأرض بمختلف دياناتها:
الأولى: إصرار المتأسلم دون كلل أو ملل على أسلمة غير المتأسلمين، وكلما كان أولئك متفوقين في شيء، زاد إصراره وتضخمت رغبة في أسلمتهم، لاعتبارهم أشخاصًا رائعين، ولا ينقصهم الا اعتناق الدين الحق!، وإن لم ينزلوا على إرادته يصب عليهم جام غضبه وكراهيته ويحاول استفزازهم بوقاحة حتى وهو في عقر دارهم!
والثانية: الفرح العارم والتهليل الشديد والتكبير والتقريظ والمكافات المادية والمعنوية الكبيرة من قِبَل المُتأسلمين عندما يعلن أي شخص ”تأسلمه“ وانضمامه إلى قطعانهم!
وبذلك يقدم المتخلِّف نفسه للمتحضِّر على أنه نموذج يحتذى به، لمجرد أنه متأسلم .. ويفرح لانضمام المتحضر إليه ومجاراته في تخلفه!
فقد رأينا مثلا كيف أن دويلة مثل قطر المتأسلمة استغلت انعقاد المنديال الكروي فيها لدعوة غير المُتأسلمين للتأسلم وتجربة الحجاب والزي البدوي التقليدي، من خلال حملة قام بها “دعاة كأس العالم” المدفوعي الأجر، وقرأنا فيما بعد إعلانًا رسميّاً عن إحصائيّة لعدد المُتأسلمين الجُدد، وقد وصل وفق الإعلان إلى 3125 شخص من المشجعين. هلل وكبَّر المتأسلمون في كافة بقاع الأرض، ولم يتساءل أحد عن ظروف تأسلم أولئك الغرباء، وعمَّا إذا كانوا سيعودون إلى بلادهم وقد باتوا يُؤمنون بمحمد نبيّاً، وأن الدين حقيقة عند الله هو التأسلم وحده، أم أن ما حدث معهم هو مجرد تأثّر لحظي سوف ينتهي بنهاية المونديال.
كذلك كثيرا ما نجد وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المتأسلمة تضج بخبر تأسلم شخصية أوروبية بارزة أو قس أمريكي شهير، دون التفنيد أو التمحيص عما إذا كان الخبر حقيقي أو مفبرك، الأهم هو الاحتفال به وإحاطته بالتقريظ والمديح وكأنه وقع على كنز ليس له، بل لغيره!
مؤخرا حملت إلينا تلك الوسائل خبر الشاب الكاميروني الذي ألقت الشرطة الليبية القبض عليه في طرابلس لأنه كان يقوم بالذهاب إلى المساجد في مناطق مختلفة من المدينة ويدَّعي في كل مرة أنه مسيحي، يريد الدخول في الإسلاموية، فتقام له الحفلات وسط التكبير والتهليل والسعادة والفرح، ويتحصَّل على مساعدات وأموال طائلة من المصلين!
كما رأينا مسرحية مفبركة بعناية، ولكنها تتكرر من وقت لآخر، عن كاهن كنيسة في جنوب أفريقيا، وقد تأسلم مع 100 ألف من أتباعه وهو يمارس فريضة الحج، وقد احتفلت به وسائل الإعلام الإسلاموية، بينما نبي الأسلمة نفسه ظل 13 عامًا يدنو أهل مكة بنا فيهم أهله وعشيرة ولم يتبعه سوى 150 شخص على أفضل تقدير.
وفي مصر (بلد الزهر الغير شريف باقتدار) تجري حاليا موجة عارمة من اختطاف أو استدراج القبطيات ومحاولة إسلمتهن عنوة!
***
ما سر إصرار المتأسلمين على أسلمة الآخرين؟ ولماذا هذه الحفاوة التي تطغى عليهم عندما يتأسلم أحدهم وينضمُّ إلى قطعانهم؟
وهل لو تحققت أهم أمانيهم وتأسلم العالم كله، تتوافق قطعانهم وتنتهي المشاكل والحروب المزمنة بينهم ؟. أم أنهم يفعلون ذلك بهدف الحصول على قصر في الجنة، بعدما عز عليهم المبيت في خيمة تحمي أبدانهم الهزيلة من قيظ الحر وزمهرير الشتاء؟
***
الوقائع التاريخية تثبت أن المشاكل والتناحر والحروب الدموية بين المتأسلمين أنفسهم، وبينهم وبين غيرهم، لم تنتهي قط، وسوف تزداد وتعم بقاع الأرض جميعها، فما أن ظهرت الإسلاموية واتخذت من السيف وسيلة لفرضها على الناس، ومن سلب ونهب ممتلكاتهم وقتلهم واغتصاب نسائهم أهدافًا لنشرها بأمر من إلهم، حتى انقسم المتأسلمون على بعضهم البعض، واحتدت خلافاتهم ونبيهم على الفراش، يعاني سكرات الموت، ولما مات تركوا جثته ملقاة في مكانها، حتى فاحت منها النتانة. وراحوا يبحثون عن مصالحهم الشخصية بدونه، فتقاتلوا، وانقسموا شيعا وأحزابًا، وأهدروا دماء بعضهم بعضًا منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
تقول الحكمة إن المرء سجين مع مالا يفهمه، والمتأسلم سجين ديانته، بكل عناصرها من قرآن وسنة وتاريخ وتراث مزور ومفبرك، وفيها الكثير من الغموض والتناقضات، ومن ثم تستعصي على الفهم، ويجري حولها الكثير من اللغط والتضارب وعدم اليقين، تبدأ بعبارة: « اختلف العلماء» وتنتهي بـ« العلم عند الله». ومع ذلك لا يبقى أمام المؤمن سوى الفخر بها وحمد الله على نعمتها، هذا الفخر الكاذب يتحول الى غشاوة كثيفة، الى جدار ضخم يمنعه من رؤية حقيقة وضعه وكارثية تأخره، ويحرمه من الغضب والتمرد الذي يدفعه لتطوير ذاته والخلاص من أسره!. قد يفرح بشكل وقتي لأسلمة الآخرين، لكنه لن يفلت بأي حال من الأحوال مما هو فيه من معاناة الأسر، ولن يتخلص في وقت من القيود التي تقيده وتشكل عمل العقل لديه!، إنه مثل الغريق الذي يبحث عن خيط رفيع ليتشبث به رغم معرفته أنه لن ينجبه، هذا الخيط الرفيع هو أن يرى غيره يسقط في الشباك وينضم إلى القطيع داخل السجن.
المفكر الفلسطيني الناقد للإسلاموية الدكتور سامي الذيب يقول:
« الإسلام سجن ، من السهل الدخول فيه ومن الصعب الخروج منه ، ولو فتحت باب السجن لن يبقى فيه إلا المغفلين والسجانين».
بالفعل، أن يتأسلم المرء أمر سهل للغاية، يتحقق مباشرة بمجرد نطق الشخص بكلمات يقال عنها أنها ”الشهادة “، رغم أنه ”شاهد ما شافت حاجة“، لا يعرف أي شيء عمَّا هو مقبل عليه، ولا يعرف من الديانة شيئًا، ومن لغتها غير النطق بهذه الكلمات، وبلكنة غير واضحة!. ولكنه إذا حاول الخروج منها فسوف يكون قد ارتد ووجب قتله!. إنها إذن ديانة موازية تماما للسجن، يدخله المرء لسبب ما ويبقى فيه مدى الحياة!
الكاتب والخبير الاعلامي اليمني الأستاذ حسين الوادعي يقول: « ومن ضمن ما لاحظته؛ معاناة أغلب المسلمين من "وسواس فقدان الدين" أو "رهاب ضعف العقيدة".
ورغم ادعاء اغلب المسلمين متانة دينهم وتدينهم، لا يمكنهم إخفاء ذلك الشعور الطاغي بهشاشة هذا الدين وضعف ذلك التدين.
يملأ المتدين يومه بدعوات مثل "اللهم ثبتنا على دينك".. "اللهم لا تفتنا في ديننا"…"لا تجعل مصيبتنا في ديننا"…إلخ. انه يخاف من فقدان دينه حتى وهو ميت ".. وجنبنا فتنة المحيا والممات.."!
يتعامل مع دينه كأنه فقاعه قد تفلت من يديه او تنفجر في أي لحظة. لهذا تراه متحفزا ومتوترا للدفاع عن الدين والنبي والقرآن،
ويقول الوادعي: « وسواس يجعلك تحس ان الإله سيُهزم لو لم تقاتل معه!
حالة رهاب شامل تجعله يرى "المؤامرة على العقيدة" حتى في الرسوم الكرتونية.
وسواس فقدان الدين، ورهاب ضعف العقيدة (الفتنة) يجتمعان معا لحبس المسلم داخل قفص حديدي ضيق يجعله يشعر بالأمان على الدين والإله والكتاب».
كما تطرق الأستاذ قاسم حسن محاجنة إلى جانبٍ من المشكلة في مقال قصير بعنوان: « سيكولوجية الأسير : المجتمعات والدول العربية كمراكز إعتقال»، قال فيه؛ « ونظرة سريعة على المُجتمعات العربية فهي سجون كبيرة في الواقع، فالمُجتمع يتدخل في طعامك، شرابك، ملبسك، طقوسك الحياتية كلها. كما وأنه يفرض عليك نمطا مُحددا من السلوك والتفكير.
المدرسة تُلقّنك "الحقائق المُطلقة "، وإياك أن تستعمل عقلك ..!! فما عليك إلا الحفظ غيبا، لتُصبح "ناجحا"!!
الدولة، فوق الجميع، ومن "يحكمها " يملكها، فهو "يُقدمُ" صنيعا حسنا وخدمة طوعية، لأنه يقبل بهذا ألشعب.. فالشعب عبء وعار على الحُكام !!
إنه كريم ومُتسامح، يُقدم المكرمات لشعبه، وإلا فالسوط لمن حادَ عن السراط المُستقيم ..
الحاكم مُطّلع على كل كبيرة وصغيرة، وله عيون مبثوثة في كل زاوية، وأذان تسمع كل نأمة. فالويل والثبور وعظائم الأمور لمن تُسوّل له نفسه أمرا ..!!
يدُه حديدية وقبضته مضمومة، تُحطم الصخر والفولاذ، سريعة الإنقضاض على من يجرؤ برفع رأسه ..!!
سجونه تطحن الكرامة، وفيها يختفي من يجرؤ على نقده أو الإعتراض على مشيئته ..
بالمُختصر المُفيد، هو المانح والمانع، هو المُطعم والكاسي، هو الذي يستمد سلطانه من الإرادة الإلهية، وهو إنتقام الإله من العصاة ..!!
فكيف يكون "المواطن " في هذه البلدان .. مصدومًا، غير مُصدق بأن هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع، يخوض صراع بقاء من أجل يوم أخر، زملاؤه "المساجين" يتحايلون عليه لسلبه "رغيفه"، وسجانوه يُحصون عليه حركته وأنفاسه، لا يثق بمن حوله، فالكل يتحين الفرص للإيقاع به، لا يؤمن بأن في هذه الدنيا خير ..
المواطن العربي، كما في تجربة ستانفورد، يُعاني من إنهيار نفسي خطير ..
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=432614
ركز الأستاذ قاسم كما هو واضح على الحكام ولم يشر صراحة إلى رجال الدين، الذين يشكلون الطرف الثاني والأهم في معادلة السجن الإسلاموي، من خلال تبنيهم الإرادة الإلهية المزعومة. ويملأون السجن بالأوهام والخرافات والخزعبلات والأماني والجرائم. ويسكنونه بالأوبئة والأمراض البدنية والنفسية، بحيث يبقى المتأسلم مسجونًا فيه ولا يمكنه الفكاك منه، وعليه تنفيذ الأوامر كي ينجو من الأذى ويقضي فترة حياته بسلام!. ومع أنه يستطيع الخداع، فيظهر أمام غيره على عكس ما هو عليه؛ يتظاهر بالتقوى والورع والصلاة والصوم والفرائض الإسلاموية المختلفة، والتماهي مع القطيع في كل شيء. إلا أنه يمكنه أن يمارس الفستق والانحلال والفساد وكل الموبقات في الخفاء، لا مانع لديه أن يزني ويسرق ويكذب ويرتشي وينافق بشرط ألَّا يعرف أحد. وهو يفعل ذلك على أمل المغفرة من الله الذي قال عن نفسه إنه ”غفور رحيم“. ولكي تتحقق لدية حالة من الرضا والارتياح يتقمص دور السجان، ليزيح عن نفسه ما يشعر به من أسى وألم وتوترات، ويطرحه على غيره!، فالذين يعيشون في السجن، ليس في حياتهم سوى الأسى، وقياس الوقت بخفقات الأسى، وعلى الآخرين أن يشاركوهم هذه الحياة!.
يمكن أن يكون المتأسلم ذا قلب رحيم ولكنه عندما يتفاعل مع ظروف السجن ويتقمص دور زعيم السجانين بصفته أسوة حسنة له، يفقد تعاطفه تجاه الآخرين ولا يتردد في إلحاق الأذى بهم دون أن يرف له جفن.
في هذا السجن يقدم زعيم السجانين مسرحية هزلية سخيفة ورديئة جدا، ليلتزم بها كافة المؤمنين به، بحيث يلعب فيها الله دور الكوميدي الأول أمام جمهور تمنعه شدة رعبه من الضحك. هذه المسرحية لها تأثير مفجع على الذين يعيشون معها عنوة وتحت حد السيف، فيصبح من المحتم عليهم ألا يعرفوا ما هم مقدمون عليه، طالما المشهد لم يتحوَّل إلى لحظات مصيرية في حياتهم.
يقول الفيلسوف الفرنسي ارنست رينان ( 1823 - 1892): « الإسلام هو تعصب لم تكد تعرف مثيله إسبانيا في زمان فيليلبي الثاني أو إيطاليا في زمان بي الخامس. الإسلام هو الاستخفاف بالعلم، هو إزالة المجتمع المدني. هو بساطة العقل الساميّ الفظيعة التي تقلص دماغ الإنسان وتغلقه دون أية فكرة لطيفة … الإسلام هو أثقل سلسلة حملتها البشرية، المسلمون هم أول ضحايا الإسلام، تحرير مسلم من دينه هو أفضل خدمة للمرء أن يقدمها له». (موسوعة المورد، منير البعلبكي، 1991، وموسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بديوي، 1992).
المتأسلمون بوجه عام مجبرون في حياتهم على ممارسة أعمال خفية وراء جدران السجن وفي غرفه المظلمة، تبعًا لمنطق: أدعو الله للحصول على شيء ما، ثم إذا أدركت أنه لا يعمل بهذه الطريقة، اسرق الشيء، واطلب منه المغفرة. لذلك فإن طلب المغفرة لديهم يصل إلى حد الهوس، هوس الصلاة، هوس الحج، هوس الصوم، هوس الكلام في الدين، هوس ”الأمر بالمعروف“ الذي لا يعرفونه أبدًا، و”النهي عن المنكر“ الذي لا يفارقونه مدى الحياة، وهوس الأسلمة وجذب الآخرين إلى حظيرتهم، بل قل إلى زنزانتهم، إضافة إلى جنون العظمة، الذي يجعلهم يخترعون وقائع خياليّة تتَّسق مع مشاعر التفوق الكاذب والغرور، بهدف الهروب من واقعهم الفعليّ المشين والمتخم بالفشل والإحباط. لقد أصيبوا من جراء ذلك بازمة هوية مزمنة وبفقدان التوازن الاجتماعي، بسبب الازدواج اللغوي لتعلمهم أشياء لا تمت لحياتهم بصله ولا تنتمي اليهم وجدانيا أو روحانيا أو فكريا، وتفرض عليهم فرضا تارة بالشعارات الكاذبة وتارة أخرى بالعنف.
وجود المتأسلمين في هذا السجن مدى الحياة يتطلب منهم توفر مقدرة كبيرة على التأقلم مع الأسس والقواعد الإسلاموية، وأن الاختلافات الفردية لديهم في هذه المقدرة أطول وأقسى المصاعب التي يواجهونها. هناك أشياء مثل أسلوب التنشئة والتعليم والسمات والقناعات الشخصية للمتأسلم تجعل له استراتيجية تأقلم مختلفة عن غيره. ومدى نجاحه في هذا التأقلم يحدد طبيعة الحياة التي يعيشها. المتأسلم يعيش مدى الحياة في نفس السجن وتحت نفس الظروف، ويعرف أن أية محاولة للخروج منه محفوفة بالقتل، ولكن تظل تجربته مختلفة عن غيره من السجناء، لأن كلا منهم يتكيف بطريقته الخاصة ويفسر ما حوله بأسلوبه الفريد، كما يختلف أيضا سلوكه مع السجانين من المتدينين والسياسيين وأصحاب النفوذ، وبقية النزلاء، وهكذا يتفاعل العامل الفردي مع بيئة السجن ليصوغ إسلامويات مختلفة وسلوكيات متباينة انطلاقا من ظروف واحدة.
الإسلاموية كأي سجن هي محل لإلحاق الأذى النفسي أو الجسدي لمرتكبي الخطايا، وكمكان يحاول أن يجعل المجرم عاجزا عن إعادة تكرار الجريمة، ولكنه مستنقعًا يحتوي على وباء الجريمة بعيدا عن أعين المجتمع، حيث تكون كلمة الحرمان كلمة رئيسية في السجون،
إذ أنَّ لهذه الديانة طريقتها الفجة في أن توصل إلى المتأسلم مباشرة و بوضوح حرمانه من حريته بدءا من أبسط أشكالها ومن ثم تصاعديا، إنها منشأة تقتات أساسا على الوحدة، العزلة، الفصل، الحبس ومحدودية الحركة، يهرب فيها السجين إلى كراهية الآخرين في محاولة يائسة للتحرر من كراهيته لنفسه، فلا يملك أن يحمل عقله وجسده بالكامل خارج هذه الرقعة المسورة المسيجة بالأشواك.. لا يملك أن يغادر جدران الزنزانة، ولا يستطيع أن يسمح له بذلك....
الحراس يحرصون كل الحرص ألا يصل إليهم أحد من المساجين، وطريقتهم في ذلك هي إخبارهم كل الوقت بأنهم منبوذون مذنبون معزولون مكروهون مبعدون عن ”صحيح الدين“ يحرمونهم من التفكير والمبادرة، كل شيء في الحياة بعيد المنال إلَّا من خلال اجترار الماضي.
السجن لا يمكن أن يكون مكانًا وديّا، وسجن الإسلاموية غابة لا يقدر المرء أن يسيطر عليها، يستغل فيها القوي الضعيف الذي ينعدم لديه الوعي بضعفه على نحو مخيف للغاية، لذلك يصبح تدينه متاهة مرعبة لا يدري مالذي سيقابله فيها على نحو مفاجئ، وكيف يتصرف حياله. فهو فريسة حبيسة، إما أن ينقض مهاجما أو يغدو الضحية. يعيش في بيئة الكل فيها متحفّز، والكل بإمكانه اشتمام أدنى ضعفٍ يفوح من الآخرين، والكل لا يستطيع المخاطرة بإظهار الخوف، القلق، الحنق، أو الانكسار، وهو يتعلم تدريجيا منذ نعومة أظفاره أن يكبت مشاعره بداخله. عزلة من نوع آخر فرضها بنفسِه على نفسِه. يرتدي ما يسميه عالم النفس الاجتماعي الأمريكي والأستاذ في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز: كريج هاني Craig Haney  قناع السجن prison mask، يقول في كتابه ”إصلاح العقوبة: حدود نفسية لآلام السجن“: « السمات الرئيسية لبيئة السجن التي من المحتمل أن تؤدي إلى تغيير الشخصية تشمل الفقدان المزمن للاختيار الحر، وانعدام الخصوصية، والوصمة اليومية، والخوف المتكرر، والحاجة إلى ارتداء قناع دائم من المناعة والانطواء العاطفي (لتجنب الاستغلال من قبل الآخرين). وهو قناع آمنٌ جدا ألا تكون مرئيا!»
Haney, Craig: Reforming punishment : psychological-limit-s to the pains of imprisonment. Washington, DC : American Psychological Association,1st ed. 2006
***
السجان لا يجد نفسه ملزما بأن يبرر لأحد ما يقوله أو ما يفعله، هو يقول والسجناء يسمعون ويطيعون، هو يأمر وهم يفعلون. إنهم في نظره مجرد أطفال - بذور شر - لا تؤتمن على أبسط خيارات يومها. المتأسلم المسجون من ناحيته يجد نفسه يعاني من آلام السجن، ولكن بمقدوره أن يهرب إلى داخل القطيع. يقول الفيلسوف الألماني الشهير نيتشة: « إذا كنت تريد ألمًا أقل، إنكمش إذًا وكن جزءا من القطيع»، حينئذ يبدو له أنه تجاوز الأمر كله، لكن يظل بداخله إحساس عميق بالخوف والوحدة والتخبط وعدم اليقين، ليرجع في كل صغيرة وكبيرة من حياته إلى سجانيه. إنه أصبح نسخة كربونية مزيفة من غيره، منعدمة الهوية، موضوعة على هامش الحياة، لاشيء منتج يفعله، ولا شيء مفيد يتطلع إليه، ولا شيء يشجعه على الابتكار.