الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(1/2)


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 7573 - 2023 / 4 / 6 - 08:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الرهاب أو الفوبيا Phobis هو الخوف من شخص أو شيء ما بشكل لا عقلاني في شدته أو ماهيته، ورُهاب الإسلام (إسلاموفوبيا Islamophobi)، هو الكراهية والخوف المفرِط من الديانة الإسلاموية أو من أتباعها، مما يؤدي إلى الإساءة إليها وإلى رموزها، إلى جانب الإساءة بشكل ما لأتباعها خاصة الموجودين منهم في بلاد الغرب. ونظرا لازدياد هذا الخوف، وتعدد الإساءات عبر العالم، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 مارس 2022 قرارًا بالإجماع قدمته باكستان بالنيابة عن منظمة التعاون الإسلاموي، باعتبار نفس اليوم ( 15 مارس ) من كل عام يومًا عالميًا لمكافحة رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا)، ويجري الاحتفال به في 140 دولة حول العالم.
فهل هذا هو الحل الأمثل للقضاء على الإسلاموفوبيا في العالم؟

قبل الشروع في كتابة هذا المقال اطلعت على بعض الكتب التي تناولت ظاهرة الإسلاموفوبيا، منها على سبيل المثل، بحث بعنوان: « ظاهرة الإسلاموفوبيا للدكتورة حسناء عبد الله أحمد صالح، منشور في مجلة الزخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية مجلد 4 ، عدد 1، 2020.
كتاب: الإسلاموفوبيا، الحملة الأيديولوجية ضد المسلمين ستفين شيهي ترجمة د. فاطمة نصر ط 1، مكتب سطور للنشر، القاهرة 2012
وكتاب: الإسلاموفوبيا جماعات الضغط الإسلامية الإلزامية في الولايات المتحدة الأمريكية، د. ريا قحطان الحمداني، ط1، العربي للنشر والتوزيع القاهرة 2011،
وغيرها.

يلاحظ القارئ لتلك الكتب وغيرها أن المؤلفين جميعهم يقرِّون بأن حملات الإساءة إلى الإسلاموية قديمة قِدم الرسالة نفسها وأن مسلسل الاستهزاء والسخرية بها وبنبيِّها مستمر منذ بدايتها، والسبب في ذلك أنها كما يزعمون ”دين الحق“، ونبيها (الكريم) خير البشر أجمعين. ولكنهم لا يوضحون لنا أهم البديهيات وهي: إذا كانت هذه الديانة هي دين الحق فعلا، فلماذا تجري تلك الحملات المسيئة إليها باستمرار؟ هل يسيء الإنسان إلى الحق أم يسيء إلى الباطل؟ وإذا كان نبيها خير البشر أجمعين، لماذا تتم الإساءة إليه دائمًا، هل يسيء المرء إلى الخيِّرين أم إلى الشريرين؟
أنهم يحاولون إزاحة الأسباب الحقيقية عن تلك الحملات المسيئة للإسلاموية ونبيها ورموزها الدينية، بحجة أنها حملات غير مبررة، أو أنها ناشئة عن أوهام مجردة، أو عن سوء فهم، « من أهل الكفر والزيغ والضلال الذين جعلوا العداوة والبغضاء منهجا ملازما لهم»، على حد قول الدكتورة حسناء!، الأمر الذي لا ينسجم مع نشوء الإساءة من الأصل وتكرارها ومدى عمقها.
لا جدال في أن المرء يجد نفسه من قبيل الإنسانية مضطرا لاستنكار وشجب الإساءة إلى الأديان بوجه عام، وذلك لما لها من أهمية كبيرة لدي الكثيرين من البشر، خاصة أولئك الذين لا يمكنهم الاستغناء عنها والعيش بدونها في أنماط حياتية شاذة، فرضت عليهم شتى صنوف القهر والظلم والاستبداد.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بدأت موجة جديدة وصفها البعض بموجة منظمة للإساءة إلى شخصية الرسول محمد، ومنذ ذلك الوقت تحدث بين حين وآخر في بعض الدول الغربية إساءات متكررة إلى الإسلاموية ورموزها وعلى رأسهم نبي الأسلمة، والاعتداء الجسدي والنفسي على المتأسلمين المتواجدين فيها، مما يتسبب في حدوث حالات من الغضب والهيجان والفوضى واللغط والجَلَبَة والصَّخَب والضَّجِيج والضَّوْضاء والكثير من الهذيان والهلوسات بين المتأسلمين أينما وجدوا، الأمر الذي يشير إلى وجود إحساس بالارتباك والالتباس بين المتأسلمين وغيرهم، وخلط الأمور وتشويش العقول والحيرة والفوضى confusion!
وفي كل مرة يتم حرق المصحف أو نشر رسوم ساخرة لنبي الأسلمة في دولة ما، تنبري المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر في مصر لمهاجمة الغرب وتحذر من أن تلك الأفعال تُعَد من مداخل التحريض على الإسلاموية والإساءة الكبيرة للمتأسلمين بما فيها تجمّعاتهم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وتزعم بأن ظاهرة الإسلاموفوبيا ومن يعمل على نشرها تهدف إلى إخافة الغربيين من الإسلاموية كونها تنتشر بشكل كبير وتصل إلى الكثير من الشباب الغربي غير المتأسلم، حتى أن رئيس الشؤون الدينية في تركيا ” علي أرباش “ ذكر أن بلاده سترفع دعاوى أمام المحاكم في 120 دولة لاتخاذ موقف ضد استهداف الإسلام ورموزه. ومن جانبها تقول تلك الدول إن هذه الإساءات تدخل في باب حرية التعبير ولا يمكن إيقافها.
يوجد في العالم حاليا 4300 ديانة تقريباً، تتوزع على جمعيات وحركات وكنائس وجماعات وثقافات وطوائف وقبائل وكيانات دينية مختلفة، ولا يوجد هذا اللغط الدائم والممتد عبر قرون طويلة إلَّا بين معتنقي الديانة الإسلاموية دو غيرهم!، وذلك لأن ديانتهم - دون غيرها من الديانات - تحتضن الإجرام وتقدس المجرمين القتلة وقطاع الطرق في أي مجال من مجالات الحياة، وتحاول بشتى الطرق والأساليب اللا إنسانية أن تفرض نفسها على العالم رغم كراهيته لها، مما يحمل رجال الدين المتأسلمين ورعاياهم على اتباع النهج الدفاعيّ أو الهجوميّ، دون حسم واضح!
الإسلاموية ديانة بها الكثير جدا من الوقاحة والحقارة، فقد قامت بالسيف المسلط على رقاب العباد، وقتلهم وسلب ممتلكاتهم وسبي أبنائهم وبناتهم واغتصاب نسائهم، ولا هم لرجالها عامة سوى إخفاء وقاحتها، ومحاولة تجميلها. ومن هنا نشأت ثقافة وقحة في مجملها فيها الكثير من اللغط التاريخي - الديني المشوّش الذي يستمد مقوماته بشكل متناقض من الماضي السحيق، ومحاولة تطبيقها باستمرار على الحاضر، مما يشوه الحاضر ويزيح أفاق المستقبل بعيدًا. إنها سيئة في ذاتها، وتسيء إلى ذاتها وتسيء إلى ذوات الآخرين، بل وتسيء إلى العالم أجمع!، وهذه هي المشكلة التي يهرب منها الكثيرون ويخفيها رجال الدين!. مما يفرض حقيقة أن الغرب وغير المتأسلمين في كافة بقاع الأرض ليسوا في حاجة إلى الخوف منها لأن في نصوصها المقدسة وفي السلوك الإجرامي لأتباعها ما يكفي لتخويفهم، وعليه لا مفر من أن يخافوا منها بالفعل، فالإسلاموية كما هو واضح من نصوصها وتصرفات أتباعها في حالة حرب مع الإنسانية، وهي أيضا في حالة حرب مع نفسها، ومن ثم يجد المرء أينما كان في حالة من الكفاح حتى لا يقع ضحية لها. فهي تقدم لمعتنقيها ثقافة منحرفة ذات منهجية أحادية الجانب لا تقبل سوى وجهات نظر تدور في فلك خاص بها وتتمركز حولها، وهي ثقافة سلبية الاتجاه قصيرة النظرة، معاقة الحركة كونها ترفض إلا أن تكون هي الصحيحة وغيرها لابد وأن تكون خاطئة، أو جانبها الصواب. إنها تحمل أتباعها على الهوس بهداية الآخرين لها ودس أنوفهم في عقائدهم وشؤونهم الخاصة. إن لديهم ديناميت فكري، خليط من عقدة النقص وحلم غزو العالم. هذا الديناميت لا ينفجر فقط في صورة أعمال إرهابية، ولكن أيضاً في صورة ابتعاد الأمة المتأسلمة عن باقي الأمم فكرياً وثقافياً وشعورها المستمر بالمرارة والخصومة بل والكراهية تجاه العالم بأجمعه!
الإسلاموفوبيا نشأت مع ظهور الديانة قبل ما يزيد على 1400 عام، حيث شن أقارب النبي وأهل مكة هجوما حادا عليه، وجاء صريحًا في قرآنه وسيرته، فقد اتهموه بالكذب والشهوانية والسحر والكهانة والشعر والجنون، وبأنه عدواني ومتعصب وإرهابي. بينما نقرأ في كتب السيرة والتراث أنه رغم ذلك كان معروفًا لديهم بالصادق الأمين، الأمر الذي لا ينسجم إطلاقًا مع ما جاء في القرآن، فنقرأ في سورة الأحزاب :57 { إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً }. يوضح المفسرون أن إيذاء الرسول يشمل كل أذية قولية أو فعلية من سب وشتم أو تنقص له أو لدينه، أو ما يعود عليه بالأذى، ومما يؤذيه أيضًا سب أصحابه، فقد أخبر (صلعم) أن إيذاءهم إيذاء له، ومن آذاه فقد آذى الله. المسند (4/87) و تيسير الكريم الرحمن (6/121). فصحابته بدورهم لم يسلموا من الإساءة إليهم. هناك أحاديث كثيرة منسوبة لنبي الأسلمة ينهي فيها عن سبهم وشتمهم ولعنهم، وقد عد بعض ”أهل العلم“ سبهم من المعاصي والكبائر (شرح مسلم (16/93)، وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس أن صلعم قال : « من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (أورده السيوطي في الجامع الصغير، وحسن إسناده الألباني في صحيح الجامع).
كما تؤكد الأحداث التاريخية والمخطوطات السريانية واليونانية القديمة، والتي عاصرت تلك الأيام على أنه بعد هروبه إلى يثرب اتهمه اليهود بأنه اقتبس قرآنه بصورة محرفة من التوراة، وأن له أطماعًا شخصية في بسط هيمنته عليهم. وأنه لمعرفته بديانتهم (اليهودية) قام بمصادقتهم والتقرب إليهم وقام بتقليد طقوسهم، ثم ارتد عليهم بعد ذلك عندما عجز عن إقناعهم بأنه نبي.
مخطوطة "عقيدة يعقوب" ، وهي عبارة كتاب جدلي مسيحي يوناني من القرن السابع تم وضعه في قرطاج، ويسجل مناقشة استمرت أسابيع وانتهت في 13 يوليو 634. وكان يعقوب أحد الذين يؤمن بصدق بالمسيحية، وفي طريقه إلى إرشاد الناس إلى وجوب اعتناقها بإخلاص، قابل تاجرًا يهوديا يُدعى جوستوس وجاء في نص المخطوطة أن جوستوس قال عن أخيه: « عندما قتل السراسنة (الإسم اليوناني للعرب في ذلك الوقت) الضابط البيزنطي "سيرجيوس"، كنت في قيصرية وتوجهت بقارب إلى شكمونة. وكان الناس يقولون ‘لقد قُتل الضابط وكنا نحن اليهود نطير فرحاً. وكانوا يقولون إن النبي قد ظهر، آتياً مع السراسنة (العربان)، وكان يدّعي أنه المنتظر، المشيح الآتي. وصلت إلى شكمونة والتقيت عجوزاً ضليعاً في الأسفار المقدّسة وسألته: ماذا تقول في هذا النبي الذي ظهر بين السراسنة؟، فأجاب متنهداً: إنه مزيّف، فلا يأتي الأنبياء مدججين بالسيف. والحق إن ما يجري اليوم أعمال فوضى، وأخشى أن المشيح الذي جاء أولاً، والذي يعبده المسيحيون، كان هو الذي أرسله الرب... لكن اذهب يا سيد إبراهام واكتشف حقيقة النبي الذي ظهر. لذلك فقد بحثتُ وسمعت من أولئك الذين قابلوه، والحقيقة الوحيدة التي وجدتها في هذا [الشخص] الذي يدعونه نبياً كانت سفك دماء الرجال. في حين أنه يقول أيضاً إن لديه مفاتيح الفردوس، وهو ما لا يقبله عقل».
أما الانتقاد المسيحي لشخصية النبي محمد فقد بدأ في فترة قبل القرون الوسطى من قبل يوحنا الدمشقي (676 - 749) John of Damascus الذي يعتبره البعض تاريخياً من أوائل من كتبوا كتابا كاملا ضد شخصية الرسول وديانته، حيث ذكر في كتابه ”الهرطقات“ بأن الراهب النسطوري بحيرى قام بمساعدته في كتابة القرآن، واتهمه باقتباس بعض من كتابات ورقة بن نوفل الذي كان وحسب الدمشقي قساً نسطورياً كان يترجم بعض الأناجيل المحرفة إلى العربية. ويشرح الدمشقي الكيفية التي بدأ بها الإسلام على يد النبي محمد في شبه الجزيرة العربية، فيقول: "أنشأ - يقصد النبي - هرطقته الخاصة بعد أن تعرف بالصدفة على العهدين القديم والجديد، وبعد أن تحاور كما يبدو مع راهب أريوسي، وبعد أن أحرز لنفسه حظوة لدى الشعب عبر تظاهره بالتقوى، كان يلمح بأن كتابًا آتيًا من السماء قد أوحي به إليه من الله...".
وفي أثناء فترة النفوذ الإسلامي في اسبانيا بدأت الكنيسة هناك بكتابات تصور شخص النبي محمد بأنه مسكون بالشيطان، وأنه ضد المسيح وانتشرت هذه الأفكار في عموم أوروبا؛ وكان لها دور كبير في جمع صفوف القوات الأوروبية أثناء الحملات صليبية. ومن أبرز من كتب كتابات مسيئة إلى شخص الرسول في هذه الفترة هو هو المصلح الديني المسيحي الشهير، ومؤسس المذهب البروتستانتي مارتن لوثر (1483-1564) Martin Luther حيث كتب في أحد مقالاته: "إن محمد هو الشيطان وهو أول أبناء إبليس" وذكر أنه كان مصابا بمرض الصرع وكانت الأصوات التي يسمعها كأنها وحي، وهي جزء من مرضه.

مع تنامي الإرهاب الإسلاموي وانتشاره كالوباء في العديد من دول العالم ظهرت دراسات وأطروحات وأفكار كثيرة، تناولت الدوافع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تكمن وراء الظاهرة، وتسعى النفسية منها إلى محاولة فهم سيكولوجية الإرهابي وتحليل شخصيته وتركيبته العقلية ومعرفة البواعث التي حملته على التحول من كونه شخصًا عادياً في المجتمع إلى الانخراط في جماعات ترفض المجتمع وتخرج عليه، بل وترتكب جرائم ضده.
بالطبع لم يفتها أن تقدم اقتراحات بهدف اجتثاث هذه الظاهرة الوبائية، فسمعنا مثلًا عن ضرورة تجفيف منابع الإرهاب دون تحديد ماهية هذه المنابع، وكيفية تجفيفها، وبدا الأمر وكأن مصادر تمويل الإرهاب الإسلاموي وحدها هي منبعه الأساسي، وراحت الأصابع تشير إلى بعض الدول البترولية المتخلفة، بوصفها الممول الرئيسي له مثل مملكة آل سعود وقطر والإمارات وغيرها. وبدا كذلك وكأن التعاليم الدينية ذاتها لا تلعب دورًا كبيرًا في تأجيج الإرهاب ونشره في العالم!، مع أنها حقيقة هي المنبع الأساسي والوحيد له، وأن غيره مجرد شيء لزوم الشيء.