الآلهة التي دمَّرت مصر (2/1)


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 7699 - 2023 / 8 / 10 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

متلازمة عبادة الأصنام Idolatry Syndrome (IS) عند العربان:
عندما تواجد البشر مع بعضهم البعض في تجمُّعات ومجتمعات بهدف تبادل المنافع وتحقيق الأمن، نشات بينهم مشاكل كثيرة، واكتشفوا أنهم لا يستطيعون العيش معًا بلا آلهة يعبدونها ويقدرونها وينزهونها عن الخطأ والنقصان، ويناجونها في الأزمات، ويدعونها لرفع الظلم والقحط والمرض عنهم، فأخذوا في البداية من الطبيعة والأشجار والأحجار آلهة لهم، ثم انبرى البعض منهم لصناعة آلة على شكل أصنام أو أوثان (تماثيل) من مواد مختلفة كالخشب والطين والمعدن وتقديمها لهم على أنها الآلهة التي تهفوا إليها نفوسهم، وراحوا ينسجون حولها الأساطير والخرافات، ويتقرَّبون إليها بما تجود به أنفسهم من القرابين.
في كتاب ”قصة الحضارة“ قال ”ويل ديورانت“ إن البشر القدماء في أوقات الحاجة وشح الكلأ كانوا يلجأون لأكل لحوم بعضهم البعض، وأنهم استساغوها، بل وظنوا أنها هي قمة أطايب الطعام، وظل ذلك التصور لدى القبائل الآكلة للحوم البشر. وبما أن القربان في شكله الأبسط هو طعام للآلهة، فقد رأوا أن أفضل ما يقدمونه للآلهة المعبودة من الطعام هو الإنسان نفسه، وهو أعلى مرتبة في الأضاحي أو الأطعمة. ولأن الطقوس الدينية تبقى لسنوات طوال حتى بعد تغير العادات والتقاليد، ظلت فكرة الأضحية البشرية ملازمة للأضحية الحيوانية وفي النهاية كف البشر عن أكل بعضهم البعض، وفضَّلوا تقديم القرابين الحيوانية للألهة، بحرقها كاملة، وهو ما سمي في اليونانية القديمة ”بالهولوكوستوس Holokaustos“ أي الحرق الكامل، أو الحرق الجزئي مع الاستفادة بجزء من الأضحية والتبرع بالجزء الباقي للإله. كانت الخراف من أهم الحيوانات التي تقرب بها العربان لإلهم المعبود، على أساس أنها من بهيمة الأنعام مثل الإبل والبقر كما نص الشرع الإسلاموي، ولكن بعدما ضرب الفقر والجهل بأطنابه في ربوع مصر العام 2023، أفتى دجاجلة الأزهر في مصر، بتقديم القرابين من الدجاج والطير!.
الآلهة بشتى صنوفها لديها نهم كبير للقرابين ولا تستطيع البقاء بدونها، ففي دراسة بعنوان "القربان فى الشعر الجاهلى"، يقول أحمد محمود جمعة أبو الهيجا: « كانت القرابين الحيوانية السبيل الوحيد إلى نجاة الإنسان من الموت الشنيع، لكن حدث توسع فى هذا المفهوم، جعل القدماء لا يرون عملا من أعمالهم، إلا ويحتاج قربان، فولادة المولود يحتاج إلى قربان، والشفاء من المرض يجتاج قربان، ووفاء الآلهة يريدون تحتاج قربان، حتى الموت كان له قربان».
 https://repository.najah.edu/server/api/core/bitstreams/df8e61a7-55c6-4b87-b6c3-56772f5b038e/content
***
كذلك دأب العربان قبل التأسلم على تقديم العطايا والهبات كالحلي والذهب والفضى والقلائد وغيرها للأصنام، فكان فى معابدهم مواضع خاصة يرمي الزوار فيها ما يجودون به على الآلهة. أنظر كتاب الأصنام للكلبي:
https://maktbah.net/tag/كتاب-كتاب-الأصنام-أبو-المنذر-هشام-بن-مح/
ومن ضمن القرابين الشائعة حتى الآن في بلاد المتأسلمين (خاصة في مصر وشمال أفريقيا)، ضرب الأسقُف والقِباب (جمع ”قبَّة“ بكسر القاف أو ضمها) على قبور موتاهم من المشاهير والأثرياء (وفيهم قتلة ومجرمين كالمشير طنطاوي مثلا)، لتكون قرابين إلى آلهتهم، ويا حبذا لو بنيت داخل بيت من بيوت الله (مسجد)!، ليهنأ بها هؤلاء الموتى فى العالم الآخر، وذلك لاعتقادهم بأن الروح تظل حية بعد الموت، تعي وتسمع، تسر وتحزن، وتتعرَّض للحساب أمام الملاكين قبل ورودهم على الجنة أو على النار.
***
الأصنام الاسلاموية
برزت أصنام أخرى متعددة في الديانات الإبراهيمية، وتضاعفت أعدادها في الإسلاموية بشكل كبير، فإلى جانب ”الله“ الصمد، الواحد ألأحد، أصبح النبي (الكريم) وخلفائه (الراشدين)، ومئات الآلاف من أولياء الله (الصالحين) وغيرهم من الموتى (الراحلين) أصناما لا تغفل عنها العين، ولا يغيب عنها الذهن، ولكن أبرزها على الإطلاق وأكثرها فاعلية وتأثيرًا تلك التي تعيش بينا، أصنام من لحم ودم، يعبدها الناس بشتى دياناتهم ويتسابقون في تقديم القرابين لها، وينسجون الأساطير والخرافات حولها، ويتم تنزيهها عن الشرور والأخطاء.
تذكر المرويات الإسلاموية أن تحطيم الأصنام حدث مرتين في هذه المنطقة الموبوءة بالأصنام، الأولى: على يدي النبي المزعوم إبراهيم في مدينة بابل، من خلال قصة طفولية، جاء ذكرها في القرآن، وفسرها المفسرون بأن ابراهيم نهى قومه عن عبادة الأصنام، وعبادة الله وحده، وسألهم هل تسمع دعاءكم أو تملك لكم نفعًا أو ضررًا؟. ولما لم يقتنعوا بكلامه أقسم أن يحطم هذه الأصنام، فلما خرجوا إلى العيد أسرع إلى آلهتهم وأخذ يكسرها بفأس. وترك كبير هذه الأصنام، فسألوه : {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} [الأنبياء: 59] يا إبْراهيْم فقال إبراهيم : {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63].
والثانية: هي قيام نبي الأسلمة عند فتح مكة، بتحطيم (360) صنمًا كانت مقامة حول الكعبة، وبذلك يكون هو وديانته وإلهه وخلفاؤه من بعده هم الأصنام الكبرى لأتباعه. جعل من نفسه أسوة حسنة لكافة الأصنام من بعده. ووصف نفسه بأنه على خلق عظيم، رغم كل الحروب التي شنها، وجرائم القتل والسلب والنهب والاغتصاب … التي ارتكبها. وزعم أنه يمتلك مفاتيح الجنة، التي لا تفتح أبوابها لأهلها، ولا يدخلها أحد منهم إلا بشفاعته.
اكتشف المتأسلمون أن الأصنام السابقة الذكر غير قادرة على تلبية مطالبهم الدنيوية، وأن الإله الحقيقي هو من تتوفر لديه هذه المقدرة وحدها، كما كانت تتوفر لدي أسوتهم (الحسنة) أثناء حياته. تعمدت الأصنام الجديد رفع مكانة هذا النبي إلى ما فوق الله، وأصبح كل منهم يظهر وكأنه نسخة مصغرة منه، يتكلمون عن فضائله وترهاته وهلوساته ومخازيه، وكأنهم مازالوا ينامون في أحضانه. وأتباعهم بحكم ما يعانونه من الشعور بالنقص والدونية، وما يعيشونه دائمًا من الفقر والمرض والتخلف، أصبحوا على قناعة بأن هذه الأصنام هي ملاذهم الأخير، فيَتَدَرَّعُون بمناجاتها ويَتَسَلَّحون بكلماتها وَيَسْتَعيِنون بقدراتها الزائفة، وهي بطبيعة الحال، لا تستجيب لطفل يموت من الجوع، ولا لفتاة تغتصب، ولا لمظلوم أو لمهدور الكرامة، ولا تهتم بدعاء السخفاء، لا تستطيع أن تقدم لهم أي شيء على الإطلاق، لذلك برزت في حياتهم أصنام بشرية جديد تستطيع أن تشبع رغباتهم، وتضبط نزواتهم، وتملك المقدرة على النفع والضرر.
***
الأصنام الجديدة في مصر
يمكننا أن نقول بيقين بأن مصر بلد الأصنام والأوثان، حيث تمت صناعتها وعبادتها منذ القدم. ولكن الأهم هو صناعة الأصنام الجديدة ممن فارق الحياة أو مازال على قيدها. آلهة مجردة من الضمير والأخلاق تتحكم في حياة المصريين، يسلِّمون أنفسهم لها ويخضعون لسيطرتها، فأصبحوا مثل دمى ”الماريونيت“ في أيديهم. لم تعد الأحجار والحيوانات والأشجار، وحتى الأصنام الإسلاموية، تحقق لهم تفاعلا يهدئ أرواحهم المتعبة ونفوسهم المرهقة ويحقق أمانيهم الضائعة، فلجاوا إلى عبادة البشر ليهدموا بها ما تبقى لديهم من فتات العقل وينسفوا بها أرواحهم نسفاً، مما يثنيهم عن التغيير والتدبير وحسن الحياة.
بدأ تصنيم البشر الأحياء في مصر مع اغتصاب السلطة في البلاد من قبل ثلة من عسكر الصف الثاني الفاشلين في الجيش، وصفهم الدكتور حسين مؤنس في كتابه الصادر عام 1985 بعنوان ”باشوات وسوبر باشوات“، بانهم: « باشوات بلا ألقاب وأشراف بلا شرف وناس بلا إنسانية ومواطنون بلا وطنية ..»، ولأنهم هكذا، فهم أيضًا أوباش، تحدث عنهم الصحفي والكاتب ياسر ثابت في كتاب ”باشوات وأوباش“.
https://books4arab.me/تحميل-كتاب-باشوات-وأوباش-التاريخ-السر/
***
الأوباش هم الصعاليك من سفلة القوم، وأدنى مرتبة من الحثالة. ولا غرابة أن يتم تصنيمهم وتقديسهم كما يتم تصنيم وتقديس نبي غزا وقتل ونهب وسبى واغتصب. من السهل على الأوباش في مجتمع مقهور ومطحون ومحتقَر أن يكونوا أصناما، آلهة تُعبَد وتُقدَّس ويتم التقرب لها ومناجاتها آناء الليل وأطراف النهار. وتتمتع بقناعة شائعة بين المصريين، هي: «إذا كان لك حاجة عند الكلب قول له يا سيد».
من السهل عليهم ذلك طالما أمكنهم التحكم في حياة البشر وفي احتياجاتهم، و هؤلاء الأوباش وضعوا أنفسهم رغم أنف المجتمع في أماكن غير مهيئين لها علميا أو نفسيا، فكان لا بد لهم من إتلاف كل ما تطاله أيديهم، وارتكاب جرائم في حق الوطن والمواطنين لا تتم محاسبة أحد منهم عليها، فالآلهة لا تحاسب ولا تعاقب. مشكلتهم أنهم أوباش يعانون من عقدة النقص او الدونيه Inferiority complex، أي الشعور بالعجز النفسى والمهني، في مواجهة السلطة وعدم القدرة على استخدامها في دولة يصعب حكمها، مما يدفع أنصارهم من أنصاف الآلهة إلى محاولة حل المشكلة من خلال منحهم سلطات أوسع وأوسع!
لقد حرصوا في بداية ظهورهم أمام الشعب بمظهر يغشي العين ويعمي البصر وهم يرتدون أزياء عسكرية يعلوها نجوم لامعة ونياشين براقة، وأجسام رشيقة، وشباب يتدفق حيوية ونشاطا، ليقدموا له خطابًا لم يعهده من قبل، وبدا كل منهم وكأنه ”سوبر مان“ جاء لينقذ الشعب بأسره من البؤس والجهل والفقر والمرض. ولم يدرك سوى عدد قليل جدا من المواطنين الشرفاء أن هؤلاء الأوباش، بحكم جهلهم وعجزهم، سوف يعملون على تعميق البؤس والجهل والفقر والمرض في المجتمع، بل أنهم سوف يدمرون الدولة بكاملها.
***
كبير الآلهة أو الصنم الأول، هو البكباشي البطل المهزوم الذي قاد الانقلاب على الملك والملكية المصري البرلمانية وتسبب في أسوأ هزيمة عسكرية منيت بها مصر في تاريخها منذ تاسيس الجيش المصري الموحد في عهد الملك مينا، وتاسيس الجيش المصري الحديث على يدي محمد علي في القرن السابع عشر. لاول مره يُهزم الجيش المصري وهو لم يطلق طلقة واحده ضد العدو، ودُمِّرت جميع طائراته وهي رابضة في مطارتها وطيَّاريها نائمون في عنابرهم، وتمت السيطره تماما علي اجواء مصر، بينما تم سحق الجيش البري أثناء انسحابه من سيناء يجر اذيال الهزيمة ولم يطلق طلقة واحده ضد العدو، وتم احتلال شبهه جزيرة سيناء في 6 ايام، وبلغت خسائر الجيش المصري من 15 - 20 الف قتيلا مقابل لا أحد للعدو!.
هذا الصنم هو المسؤول الاول عن تدهور الاقتصاد المصري حيث باع احتياطات مصر من الذهب الذي كان يبلغ 200 طن ذهب لتوفير العملة الصعبة لاعادة بناء الجيش من جديد وكلفت تلك العملية انهيار الجنية لاول مره مقابل الدولار ليصبح الدولار بثلاثه جنيهات بعد ان كان الجنية بثلاثه دولارت في عهد الملك وبلغت خسائر مصر من الوكسة الحربية والاقتصادية نحو 50 مليار دولار بينما استفاد العدو من احتياطي النفط في جزيرة سيناء وحقق ايردات تبلغ 20 مليار دولار منها، هذا الصنم هو المسؤول الاول عن تردي الخدمات الصحية والتعليمية في مصر حيث خصص كل ميزانية الدوله لدعم اعادة بناء الجيش من جديد مما ادي لتردي الخدمات الصحية والتعليمية وكانت مصر وقتها من اكثر دول العالم في مرتبة التعليم والصحة وكان الاجانب يأتون الى مصر للتعلم في جامعاتها والعلاج بمستشفياتها في عهد الملك.
هذا الصنم الفاشل هو من بدأ بعسكرة الدولة وفي مقدمتها المؤسسة التعليمية، إذ قام على قدم وساق بعمليات ”تطهير“ في عام 1954، للخلاص من أنصار الديموقراطية في أجهزتها ومؤسساتها، حتى إن عدد اساتذة الجامعات الذين شملهم التطهير في ذلك العام وحده 450 استاذا، أغلبهم كانوا من خريجي أشهر وأهم جامعات أوروبا، وتم تعيين صاغ (رائد) تعليمه أقل من المتوسط (شهادة الثانوية) وعضو جماعة ”الاخوان الإسلاموية الإجرامية“ وزيرا للمعارف التي غيروا إسمها إلى وزارة التربية والتعليم، لكي لا تقدم تربية ولا تعليم، وظل الصاغ لسنوات عديدة ومتواصلة في نفس المكان الذي شغله قبل ثلاث سنوات فقط عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
كما هذا الصنم الخالد هو صاحب فكره ”القومية العربية“ الخرافية، والتي كانت سببا رئيسيا في اندلاع حروب باردة وساخنة بين العربان، والتي قضت على الثقافة المصرية ومَحَت الهوية المصرية، وكانت سببا في تزوير اسم مصر الى ”الجمهورية العربية المتحدة“ وهي ليست ولم تكن يوما من الايام عربية. ودخل في صراع فاشل مع اسرائيل بسبب تلك القومية الفاشلة، كما قام بفبركة الكثير من التاريخ المصري لصالح شخصيات عربية فاشلة أو مجرمة لم تكن يوما ابطالا، وجعل منها نموذج للبطوله الوهمية.
هذا الصنم أتفه وأفشل حاكم حكم مصر على مر التاريخ وهو الذي ضع أسس متينة لخراب البلاد وإتلاف نفوس العباد، بنا عليها خلفؤه بعد موته المفاجئ في 28 سبتمبر 1970 عن 52 عامًا، ويقال إنه مات مسمومًا. المزيد عن هذا الصنم المهزوم نجده في الكتاب التالي:
https://www.kutubpdfbook.com/book/كتاب-جمال-عبد-الناصر-و-جيله/download
ومع كل ذلك وغيره الكثير، مازال بين الناس وفي الإعلام من يقدسه ويطبل له حتي الان، فهو مازال الإله في نظرهم والبدر المنير في ظلمات الليل. نجد شخصا يقال أنه مؤرخ (الدكتور محمد الشافعي) يهدي كتابه بعنوان ”عبد الناصر حقائق وأباطيل“ إلى جمال عبد الناصر قائلا: « ستظل دوما النموذج الأبهى الذي تهفو إليه عقول الأحرار وقلوب البسطاء يهتفون في وجوه الظالمين في الليلة الظلماء يُفتقر البدر …»
https://drive.google.com/file/d/1Ex6VhPJj1OqtqAjT2escbkxUkhpfgOGC/view?usp=sharing
***
جاء الإله الثاني أنور السادات في غفلة من المجتمع، وهو بالمثل صنم جاهل متكبر، وشن حربا أخرى ضد الأعداء بالاتفاق السري معهم ومع الأمريكان، وحقق في البداية اختراقا رائعا لخط برليف، ثم ما لبثت الحرب أن بدأت تنقلب عليه وبالًا، وتتحول تدريجيا إلى كارثة على مصر، فأوقفها، والبقية يعرفها القاصي والداني.
واصل هذا الصنم المتكبر منظومة التدمير التي أسس لها سلفه، وأنشأ دكتاتورية عسكرية ريفية، تقوم بتأجيج الصراعات الدينية والاقتصادية في المجتمع، والتي لم تهدأ حتى اليوم.
أتذكر قول الرئيس البريطاني الأسبق ونستون تشرشل: ”تأتي المشكلات من تراكم الهفوات”، وأجده أصدقُ توصيفٍ لفترة رئاسة أنور السادات لمصر؛ إذ لم يكن مشهد اغتياله في منصّة العرض العسكري المُقام يوم 6 أكتوبر 1981 سوى تتويجًا لسلسة من الهفوات التي ارتكبها أثناء فترة حكمه.
أما الصنم الثالث فهو حسني مبارك، وهو صنم متحجر متيبِّس لم تمكنه قدراته النفسية على عمل شيء سوى جمع المال لأسرته وجلاوزته. تسبب بجهلة وبلادته في تأجيج الصراعات التي لا حصر لها داخل المجتمع، والتي تفضَّل المؤرخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان بمحاولة جمعها في 12 مجلدًا بعنوان: ”الصراع الاجتماعي والسياسي في عصر مبارك“، يجدها القارئ كاملة على شبكة الإنترنت.
وفي عام 1996 نجا هذا الصنم من محاولة اغتيال على يد متأسلمين متطرفين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وعندما عاد إلى أرض الرعايا والعبيد، حرص على تهنئته عدد من رموز الفكر والدين. فخاطبه الشيخ متولي الشعراوي كبير المنافقين والدجاجلة في ذلك الوقت، قائلًا: « ياسيادة الرئيس، لعل هذا يكون آخر لقاء لي بك، فإذا كنت قدرنا فليوفِّقك الله، وإذا كنا قدرك فليعِنْك الله على أن تتحمل». والقَدَر كما عرَّفتْه الإسلاموية هو ”حكم الله وما قدَّره من الأشياء بقدرته في سابق علمه“. الحقيقة التي لا يفهما الشيخ المنافق هي أنه لا مبارك قدر المصريين ولا المصريون قدر مبارك، وأنه مجرد موظف بدرجة رئيس عند الشعب، جاء إلى السلطة في غفلة من الشعب، وظل رابضا على أنفاس المصريين 30 عامًا، وكان يجهز أحد أبناءه ليأخذ نفس المكان من بعده، قبل أن تزيحه عنه الانتفاضة الشعبية في 25 يناير 2011.
***
هذه الألهة غيرت واقع الحياة في مصر تغييرا جذريا، وشبَّعت الأجواء السياسية والاجتماعية التعليمية والثقافية والدينية والاقتصادية بفيض من الغباء. وفي جو كهذا من الطبيعي أن تنشأ آلهة أخرى كثيرة وصغيرة الحجم محدودة الأثر في كافة مجالات الحياة وفي كافة ربوع البلاد بشرط واحد فقط هو أن تدين بالولاء والطاعة للإله الكبير وحده.
إنها آلة من الأوباش (محدِثي نعمة)، وجاءت لتبقى حيَّة في أذهان السذج والبسطاء والمخدوعين حتى بعد موتها، لذلك أصبح تقديسها مرض نفسي شائع في مصر، ترافقه آلية ممنهجة لغرس الخوف والأوهام فى وجدان المواطنين، وهدر قدراتهم، وإفساد أذواقهم، بل وإفساد ذائقتهم لكل ما هو إنسانى، وإلقائهم في غياهب الحيرة والتعصب، وسد كافة الطرق أمام العقول التي يساورها الرقي والإبداع، فيقدمون حياتهم وكرامتهم وعزتهم قرابين لها.
وهكذا انجرف المصريون إلى منزلق عبادة الأوثان البشرية التي تلغي إنسانيتهم وحقوقهم وتجعل حياتهم وعزتهم وكرامتهم في الدرك الأسفل تحت أقدام الأوباش، رهنًا بشعاراتهم الوطنية والقومية والدينية المزيفة.