شعب متدين بطبعه!


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 7452 - 2022 / 12 / 4 - 16:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من أغرب وأخبث الأوصاف التي يسمعها المرء، تلك التي يوصف بها الشعب المصري بأنه ”شعب متدين بطبعه“!، ربما أطلق هذا الوصف لأن المصريين على غير الشعوب المتأسلمة جميعها، مهووسون بالديانة الإسلاموية، ويتعاملون معها وكأنها ديانة ”ملَّاكي“ خاصة بهم أو أنها جاءت لهم وحدهم، ولم تعرف طريقها قط في صحراء البدو القاحلة، قبل أن تصل إليهم بصورتها البدوية الإجرامية وتُفرَض عنوة عليهم!، هذا الهوس الديني ينعكس بالضرورة في أساليب مختلفة من النفاق والرياء، ويرجع أساسا إلى تعقيدات وتناقضات وغموض الديانة نفسها، ومن ثم اعتمادهم التام في فهمهم لها على ما يخرج من أفواه المشايخ، بهدف الاستمرار في شل عقولهم ودغدغة مشاعرهم وترسيخ حالة الهوس الديني لديهم.
الإنسان لا يولد متدينًا بطبعه ولا يمكن أن يكون متدينًا بطبعه على الإطلاق، ولكن قد يصبح التدين، في وقت ما، وتحت ظروف معينة، جزءًا من طبيعته، أي يتم تطبيعه على التدين إلى جانب عناصر أخرى في طبيعته البشرية. عندئذ ينعته الخبثاء بهذه الصفة لتثبيتها في أعماقه، بهدف الاستفادة المادية والمعنوية من ورائه، وتحقيق مآربهم التي تصل إلى حد أن يقوم بارتكاب الجرائم، وتصفية خصومهم، والتخلص من معارضيهم بالنيابة عنهم.
إذا كان الشعب المصري فعلًا متدينًا بطبعه، فلا حاجة إذًا لوجود هذا الكم الهائل والمتنامي سنويا من المشايخ ورجال الدين المحترفين والهواة، بل لا حاجة للأزهر ومعاهده ومدارسة وكتاتيبه المنتشرة كالخلايا السرطانية في كافة ربوع البلاد، ولا حاجة لدار الإفتاء ووزارة الأوقاف والعشرات من المؤسسات والهيئات والجمعيات والمجمعات الدينية الأخرى التي تحاصره وتقتات جميعها من أكتافه. وإذا كان التدين من طبعه، فلا بد من أن تختفي البرامج الدينية اليومية التي تلاحقه حتى غرفة نومه، ولا بد أن تقل جرائمه، ويتقلص عدد المحاكم ويتوقف عمل القوانين برمتها!، وقبل هذا وذاك تهدأ وتسكن الهجمة الدينية الشرسة عليه والتي تحيطه بسياقها وسياجها في كل تحركاته اليومية، وتتهمه ليلا ونهارا بالبعد عن أصول الدين، التي لم يتوصَّل أحد حتى الآن إلى تعريفها أو تحديدها لدين يتسم بالهلامية والإبهام والتناقض في كل شيء.
بل لو أن هناك بشر متدينون بطبعهم فلا حاجة إذن لهذا الكم الهائل من الأديان والرسل والأنباء. لا يوجد بين البشر - في الماضي أو في الحاضر - شخص واحد متدين بطبعه، بما فيهم بابا الفاتيكان أو شيخ الأزهر نفسيهما، وجميع أتباعهما من الرهبان والمشايخ في شتى بقاع الأرض، لا أحد منهم متدين بطبعه، الجميع متدينون فقط بقدر ما يستفيدون من التدين كمهنة يقتاتون من ورائها.
الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى الشهير، يري برفق أن عبارة «”شعب متدين بطبعه“، مجرد شائعة لا أساس لها، وأن المصريين من أكثر دول العالم ممارسة للطقوس الدينية مثل الصلاة والحج والعمرة، ولكن رغم ذلك تدينهم الحقيقي غير موجود فيهم. وطالب عكاشة رجال الدين بتوعية الناس بأن الدين ليس للآخرة فقط، بل يجب توظيفه لخلق ثقافة حب الحياة وإعلاء ثقافة وأخلاق العمل المنعدمة فى مجتمعاتنا، فهذه الأخلاق التى تقوم على الانضباط وإنكار الذات والإتقان وروح الجماعة هى العماد الذى تُبنى عليه الأمم.
https://www.shorouknews.com//news/view.aspx?cdate=04112015&id=713452ba-2568-4016-a88d-80a94ab7e288
إن التدين لا يمكن أن يكون جزءا من الجانب الخيِّر في طبيعة الإنسان، بينما الفساد يشكِّل جزءًا من الجانب الشرير في طبيعته، ولذلك من الأحرى القول بأنه ”شعب فاسد بطبعه“، وأنه يغلف فساده بغلاف من التدين الشكلي أو المظهري شأنه في ذلك شأن الغالبية العظمى من المتأسلمين، وأن الديانة الإسلاموية وثقافتها الشاذة والإجرامية تساعده على ذلك، فإذا نظرنا إلى أرض الواقع، سوف نجد صور قاتمة من هذا التدين، تتمثل في الاتجار المتعدد الأشكال بالدين، والذي يظهر بوضوح في الاستغلال السياسى والاقتصادى والاجتماعي، وخلط الأوراق، وتلبيس الحق بالباطل، والنفاق والرياء والتعلق العبثي بالأشخاص وباولياء الله (الصالحين)، والتمسك بالعبادات الموسمية كما يحدث مثلًا في شهر رمضان من مظاهر الإيمان أثناء الصيام، ثم خلع رداء الإيمان مع الإفطار وبعد انقضاء الشهر ..، ناهيك عن الإصرار على ارتداء الجلباب الطويل وإطلاق اللحية وارتداء الحجاب والنقاب باعتبارهما من علامات تدين المرأة المتأسلمة، مع أن قرآنهم يقول صراحة إنه ليس هناك من زى خاص بهم سوى الالتزام بتقوى الله : {يابنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يوارى سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير} (الأعراف 26)، ولأن أحدًا لا يعرف ما هي ”تقوى الله“ المزعومة، يتجه الجميع نحو لباس من النادر أن يستر سوآتهم!.
ومن ناحية أخرى نجد التنافس الهستيري الرسمي والشعبي على بناء المساجد بمبالغ خيالية، لمجرد (المنجهة) والتباهي، أو بهدف اغتصاب أملاك الدولة وأموال الآخرين، مع أنه من الأحرى أن تُنفَق هذه المبالغ الطائلة على المدارس والمستشفيات، فى ظل وجود عدد كافٍ من المساجد، ونقص كبير في المدارس والمستشفيات، وتردي مشين في التعليم والتطبيب. وغير ذلك كثير من صور التدين المظهري، الذى سيظل أحد الأسباب الرئيسة لتخلف المصريين وانحطاطهم، إذ إن هذا النوع الشاذ من التدين أشد خطرًا على المجتمع من الكفر الصريح، حيث تشكل اللحى والألقاب والأزياء والمناصب الدينية متاريس يختبئ خلفها اللصوص والدجالين وقطاع الطرق حتى من رجال الدين أنفسهم. كما أن العباءة السوداء والحجاب أو النقاب ليس من الضرورة أن تكون وراءه امرأة فاضلة، فمن المعروف أن المرء يمكنه أن يخلع دينه على عتبة المسجد، ثم ينتعل حذاءه ويخرج مسعورًا ليأكل مال الآخرين وينتهك أعراضهم، وأن الصلاة أو الحج والعمرة من الممكن أن تصبح جميعها مظهرًا أنيقًا لمحتال أو دجال أو قاطع طريق، فالتدين الذى لا ينعكس أثره فى السلوك هو تدين أجوف وعامل هدم وتدمير. يقول فيلسوف التنوير الألماني إيمانويل كانط: « إذا تحول الدين إلى مجموعة من الطقوس الشكلية، وعلق الناس أهمية بالغة على هذه الطقوس ، وفضلوها على القيمة الأخلاقية، وجعلوا منها مقياسا للفضيلة، فإن هذا يعني انتهاء أمر الدين وزواله».
فأين الدين من تنمُّر سيدتين ورجل على طالبة في جامعة طنطا لارتدائها فستانًا مثل الكثير من زميلاتها، وتنتهي الواقعة باعتذار المجني عليها للجناة!، وأين الدين مما حدث مع الشابة الصغيرة « بسنت»، التى انتحرت بعد تنمر وقح من شابين، ثبت أنهما من طلاب الأزهر، وأين الدين عندما صُوِّرت مُعلِّمة وهي ترقص بصورة عفوية، مع زملائها فى رحلة أسرية نيلية ترفيهية خاصة، فكان مصيرها الفصل والطلاق، وفي كل الحالات لا يفكر أحد فى القبض على المجرم الحقيقى الذى اخترق الخصوصيات، فى تحدٍّ سافر للعرف والقانون.
الشعب المصري أصبح من أتعس شعوب الأرض قاطبة، لوقوعه، منذ عقود عديدة، بين فكي سلطتين غاشمتين فاشيتين الأولى سياسية، بقيادة العسكر، والأخرى دينية بقيادة الأزهر، وكلاهما يخدمان بعضهما البعض، ويتفقان معا على إذلاله وتحقيره وابتزازه، مما جعله يعيش على بحر من النفاق الديني بحسب قول الأستاذ إبراهيم عيسى. وهو يعيش على بحر من النفاق، مادم الذين يقدمون له الوجبات السياسية - الدينية اليومية المتوالية أساتذة في نفاق بعضهما البعض، والعمل الدائم معًا على قهرة وخضوعه لهما، من خلال أسلمة كل شيء في حياته، ليسهل عليهم خداعه واستغلاله.
تاريخيا نجد مواقف عديدة من النفاق المشترك بين السلطتين، فأثناء الحملة الفرنسية على مصر، تكوّن ديوان ممن يسمون أنفسهم بالعلماء والأعيان لمعاونة الحكومة، وأصدروا بيانا لتهدئة الشعب المصري، وتثبيط نضاله، وجهاده، ضد الفرنسيين، جاء في البيان: « نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة.. نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ من الساعين في الأرض بالفساد..»، واستطرد البيان قائلًا: « .. فعليكم الاّ تحركوا الفتنة، ولا تطيعوا المفسدين، ولا تسمعوا كلام من لا يقرأون العواقب، لأجل أن تحفظوا أوطانكم، وتطمئنوا على عيالكم، وأديانكم، فان الله سبحانه وتعالي، يؤتي ملكه لمن يشاء، ويحكم بما يريد، ونصيحتنا لكم، ألا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».. (المرجع - تاريخ الجبرتي)
وفي عام 1914، إبان الاحتلال الانجليزي لمصر، استعان الانجليز بمشايخ الأزهر، لتهدئة حركة المقاومة الشعبية.. فقد جاء في كتاب "حوليات مصر السياسية - الجزء الأول - تأليف أحمد شفيق باشا" ما يلي: « رسالة هيئة كبار العلماء في الحرب.. ولم يكتف القوم باعلان الأحكام العرفية، ولا باصدار القائد العام للجيوش البريطانية، المنشور الذي أعترف فيه بما للخليفة من الاعتبار عند مسلمي القطر، بل لجأوا، من باب زيادة الحيطة، إلى الاستعانة بهيئة كبار العلماء بالديار المصرية، فاستصدروا في 16/11/1914 رسالة الي الأمة، تدعوها فيه إلي السكون، والتفادي عن الفتن، وإطاعة الحكومة، وكان على رأس كبار العلماء صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر "الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر والشيخ بكري عاشور مفتي الديار المصرية" ولم يترك أصحاب الفضيلة، العلماء، آية من آيات الذكر الحكيم، أو حديثا من الأحاديث النبوية، تحض على عدم المخاطرة، وعدم القاء الانفس إلي التهلكة، أو اتقاء الفتنة، أو البعد عن تدخل المرء فيما لا يعنيه، إلا أتوا به في هذه الرسالة»..
كذلك نجد مجلة الأزهر تفيض بمدح وتمجيد شيوخه للحكام الواحد تلو الآخر، فلا تمر مناسبة إلا أشادوا بالحاكم، وبحرصه على الدين، وعلى سبيل المثال ما حدث في الاحتفال الذي أقيم لعيد ميلاد الملك فاروق، والذي توافد إليه رجال الأزهر وطلابه، وتورد مجلة الأزهر سنة 1939 عن ذلك ما يلي:« نهض الشيخ محمد مصطفي المراغي شيخ الأزهر، فألقي خطبة جمعت، فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق، وكان مما قاله في هذه الخطبة عن الملك فاروق: « إنه مثال من مثل الخير العليا، وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس».. هذا هو رأي مؤسسة الأزهر في الملك فاروق، تملق يعف عنه اللسان الصادق، ونفاق يكرهه القلب.. ويعمي على الناس حقيقة الملك، ويزيد من فساد نفسه. وكانوا زيادة في التعمية، يسمونه الملك الصالح، وتمشيا مع اتجاه الأزهر، في التملق، فقد ألحقت نقابة الأشراف نسب الملك فاروق بالنبي النعوت بالكريم!!
وفي نفس الاتجاه كتبت مجلة الأزهر 25/5/1952 بقلم رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، مادحة الملك فاروق، قبل الانقلاب عليه وطرده بشهرين، قائلة: « وبهدي صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه، لسان الوحي ومنهاج الشرع، ومعجزة البلاغة، وبعطف صاحب الجلالة الفاروق، ناصر الاسلام، ومؤيد العروبة وحامي الأزهر، أعز الله نصره، وجمل بالعلوم والاداب عصره». انتهي.. ولكن فاروق، ناصر الاسلام هذا، عاد عند مجلة الأزهر فاسقا ماجنا بعد سقوط عرشه!! فكتب رئيس تحرير مجلة الأزهر أحمد حسن الزيات، يوليو سنة 1960، عن فاروق، مناقضا ما سبق أن قرره: « وكان آية من آيات ابليس في الجراءة على دين الله، انه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين إليه، أنه إذا اضطرته رسوم الملك، أن يشهد صلاة الجمعة، خرج إليها من المضجع الحرام، وصلاها من غير غسل ولا وضوء، وأداها من غير فاتحة ولا تشهد، وكان يقول إن أخوف ما أخافه، أن يغلبني الضحك وأنا أتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من جراءته على الحرمات، أنه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة»!! هذا هو فاروق الذي كال له الزيات المدح أول الأمر، وقال عنه شيخ الأزهر المراغي: « إنه مثال من مثل الخير العليا وصورة كاملة من صور الفضيلة».. فأي درك من النفاق تردت فيه مؤسسة الأزهر، وأي عار تلطخ به شيوخها!!
وقد تلون المشايخ للعسكر الانقلابيين أيضا ليمارسوا حرفة الأزهر التاريخية في مدح الحكام، والتزلف إليهم..، ففي مجلة الأزهر، ديسمبر سنة 1960 تحدث الشيخ محمود شلتوت، عن واجب المسلم، في طاعة الحكومة، ما لم تخالف أوامر الله، قائلًا: «... فعلى المسلم السمع والطاعة، فقد عرف أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وواجب المسلم لا يختلف، ولا يقل نحو حكومته، ما دام كل عملها، في المصلحة العامة، وما دامت لا تخالف أوامرها أوامر الله ولا أوامر الرسول لا فرق في ذلك بين حكومة علمانية أو حكومة دينية». هذا هو رأي شيخ من أبرز مشايخ الأزهر في طاعة الحكومات.. وهو مفصل تماما على حكومة عبد الناصر، وهل يمكن ان يكون لهذا الحديث علاقة بالدين أو بالورع؟ وهل ثمة حكومة علمانية غير مخالفة لأوامر الله!!!
وعلى كثرة ما أحتشد تاريخهم بالنفاق والتملق، والتطبيل للحكام، لم يبلغوا من ذلك ما بلغوه في عهد البكباشي المستبد عبد الناصر، فقد كتبت مجلة الأزهر 1963 مقالا بقلم رئيس تحريرها، أحمد حسن الزيات، رجح فيه اشتراكية جمال عبد الناصر على اشتراكية محمد بن عبد الله! لأن اشتراكية محمد تقوم على العقيدة، واشتراكية عبد الناصر تقوم على العلم! ولما ثار بعض العلماء، تدخل محمود شلتوت، شيخ الأزهر، لتهدئة خواطرهم!
وجاء في مجلة الأزهر مقالا آخر لرئيس تحريرها الزيات، في الجزء الأول بتاريخ 2/6/1962، وصف فيه ميثاق عبد الناصر، بما يلي: «إن ميثاقك الذي عاهدت الله الوفاء به، وعاهدك الشعب على اللقاء عليه، حروف من كلمات الله، لم يؤلفها أحد قبلك في أي عهد، لا في القديم، والحديث، لا في الشرق والغرب!!» ميثاق عبد الناصر عنده حروفه من كلمات الله، وهذا مكتوب في مجلة الأزهر!!
وتداعي به التمسح بأعتاب البكباشي، أن أورد في مجلة الازهر، يناير 1963 - الجزء السادس ما يلي: «.. وسينتشر ضوء ميثاقك المحكم الهادي في كل نفس، وفي كل أرض، انتشار كلمة الله، لأنه الحق الذي وضعه الله في شرعه والنهج الذي سنه لجميع خلقه». انتهي.. ولو كانت هذه المجلة غير مجلة الأزهر، لكان مجرد صمت شيوخ الأزهر، على مثل هذا الحديث، عارا ما بعده عار، دع عنك أنها مجلة أكبر، وأعرق، مؤسسة دينية في العالم الاسلاموي!
ومن أمثلة تملقهم للسلطة: رد الشيخ محمد النواوي على هجوم طه حسين على جمود الأزهر، قال فيه: «إن الأزهر حق الله، لأنه يبلغ رسالة الله، ورسالة الانبياء من قبل، اصلاح عالمي، وسلام اسلامي، ولأنه يعاون الحكم الصالح الذي يتمثل اليوم في حكومة الثورة» - المرجع مجلة الأزهر- الجزء الرابع 16/11/1955، وهذا استعداء للسلطة على طه حسين، والأزهر هنا "حق الله" لأنه يبلغ رسالة الله و"لأنه يعاون حكومة الثورة" ويا للعجب!! ما هو هذا الحكم الصالح الذي يعاونه الأزهر؟ هل هو حقا حكم اسلاموي بريء من نذير الآية: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الكافرون)؟ اللهم إنه هوان رجال صغار النفوس يريدون به تضليل الحكام، وتضليل الشعب.
وفي مجلة الأزهر الجزء الرابع 16/11/1955 أيضا ورد رد الشيخ محمد على عامر على هجوم طه حسين على الأزهر يقول: « ما كنت أظن أن الدكتور طه حسين... يتمادي في التهكم بالأزهريين، ويدأب على التهوين من شأنهم، في الوقت الذي تمر به مصر الآن، فيكتب عنهم "بأنهم لا يتعلمون كما يتعلم الناس" ويصفهم بأنهم "لا يعرفون من العلوم الا أسماءها وظاهرا من أطرافها..".. ويرد على بعض كتاب الأزهر فيقول - عن الأزهر - "انما عاش وما زال يعيش في القرون الوسطي" وهو يعلم حق العلم بأن الرئيس عبد الناصر وصحبه من رجال الثورة، أغير الناس على الأزهر، وأشدهم حرصا على كرامته».. انتهي.
وعلى هذا المنوال يزخر تاريخ الأزهر بالنفاق والتملق والرياء للحكام الجهلة والعجزة، إلى جانب تكفيره للمفكرين والعلماء الحقيقيين، ونشر الجهل والتخلف والانحطاط بين فئات الشعب، مما يحفظ لمشايخه مكانتهم وهيمنتهم وطغيانهم في المجتمع.
***
الآن حدثت قطيعه غبيَّة بين السلطتين الغاشمتين الفاشيتين، ليس من الصعب على المرء التكهن بما ستأول إليه، إذ تجري بينهما منافسة شرسة على من يكون الأسوأ، وكلاهما مازال يعمل في مجاله بنشاط منقطع النظير لإحكام فكي الكماشة على الشعب التعيس، وتغييب وعيه وتضليله، لتسهل السيطرة عليه وقيادته إلى مصير مجهول.
الحقيقة الدامغة هي أن الشعوب تتقدم بالتفوق العلمي وليس بالنفاق الديني والتدين الشكلي، وأن العقل البشري لا ينمو إلا بقدر ما تسمح له الثقافة المحيطة به في المجتمع. الديانة الإسلاموية تؤسس لثقافة النفاق، وتطالب المتأسلم بالنفاق بشكل صريح أو بشكل ضمني، فمثلا، إعلان الشهادتين في حد ذاته هو النفاق بعينه، إذ يلزم كل متأسلم أو من يريد التأسلم بالشهادة في شيء لم ولن يشهده أبدًا!، كذلك الأمر في حكم المرتد والاستتابة، مع استحالة معرفة أحدٍ بما يدور في خلد المرتد والتأكد من استتابته.
ومن ناحية أخرى كون المتأســلم ينتمي لخير أمة أخرجت للناس وأن غيره انجاس، يجعل من التأسلم ستارا لكل الخبائث. ومن تلبس النقاب أو الحجاب، فهي طاهرة ومن لا تفعل فهي فاسدة، هنا لا يهم الفعل والتصرف بل المظهر، انت تتمترس بالتأسلم فأنت جيد، وغيرك كافر وسيء. ولهذا يعج المجتمع بمدعي التأسلام الشكلي وحده.