التفضيل بالنفاق في مصر! (1/2)


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 7854 - 2024 / 1 / 12 - 07:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

التفضيل لغويًّا هو جعل الشيء أو الشخص مُفَضَّلاً أو مُتَقَدِّماً عَلَى غَيْرِهِ، وهو صفة تؤخذ من الفعل لتدل على أن شيئين أو شخصين اشتركا في صفة، ولكن أحدهما زاد على الآخر فيها، كأن نقول مثلا: (سعيد أعلم من فريد)، فسعيد وفريد كلاهما يشتركان في صفة العلم، بيد أن الأول زاد على الثاني بهذه الصفة. وفقهِيًّا نجد إله القرآن يفرِّق بين الناس في العطاء ليحتاجوا إلى بعضهم، بزعم استقامة معيشتهم في الدنيا، قال: { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} (النحل 71)، كما ليسخرَّوا أو يستعبدوا بعضهم بعضا بقوله: { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (الزخرف 32)، ويذهب المفسرون إلى القول: ليُسَخِّر بعضهم بعضا، لاحتياج هذا إلى هذا، أو ليملك بعضهم بعضا.
بينما النفاق في لغة العربان هو أن يظهر المرء غير ما يبطن.
بعض اللغويين يذهبون خطأ إلى أن الكلمة مشتقة من فعل ”نفق“ بمعنى مات وانقضى. ولكنها من ”النَّفَق“ الذي تحفره بعض الحيوانات كالأرانب والفئران وتجعل له فتحتين أو أكثر، فإذا هاجمها عدو ليفترسها خرجت من الجهة الأخرى، وسمي المنافق بهِ لأنه يجعل لنفسهِ وجهين أو أكثر يظهر أحدهما حسب الموقف الذي يواجهه. فهو يتظاهر باتباع الفضائل الحسنة والأخلاق الحميدة ويضمر في نفسه السمات والنزعات الحقيقية لشخصيّته المنطوية على غير الظاهر منها.
النفاق Hypocrisy خاصية بشرية خالصة معروفة في كافة الثقافات القديمة والحديثة، ويمارسها البشر بدرجات وأنواع مختلفة في كل مجتمعاتهم وتجمُّعاتهم. عادة يتخذ النفاق شكلا فرديا بينهم، وكثيرًا ما ينتشر بين صفوفهم، ويتخذ صفة عامة في فترات تاريخية معينة، رأينا ذلك أثناء النازية في ألمانياً والـفاشية في إيطاليا والشيوعية في الاتحاد السوفييتي، وفي كافة نظم الحكم الشمولي الاستبدادي، حيث يتحول بسرعة مذهلة إلى مرض شديد العدوى والانتشار، ففي دولة الحكم الشمولي الاستبدادي يغيب القانون، ويسود النفاق. يلتحف به المنافقون لتحقيق أو لحماية مصالحهم، أو لطمس مثالبهم وعيوبهم. يهرولون هلعًا في الدخول إلى زمرة أهل السلطة والنفوذ، حتى أن الأحزاب السياسية - سواء كانت حقيقية أو ورقية - والمؤسسات القضائية والدينية والاقتصادية وجميع الهيئات الاجتماعية تجد نفسها مرغمة على اتخاذهم دروعاً واقية لها.
***
يدور الحديث عادة عن النفاق في إطار الأخلاق والدين على أنه أمر منبوذ، لانعدام ما فيه من اية فضيلة، ولكنه غالبا ما يتوارى خلف الفضيلة لتحقيق مآرب شخصية على حساب الآخرين، يقول مصطفى صادق الرافعي (1880 - 1937): « إن شرّ النفاق ما داخَلَته أسباب الفضيلة، وشرّ المنافقين قومٌ لم يستطيعوا أن يكونوا فُضلاء بالحق، فصاروا فُضَلاء بشئٍ جعلوه يشبه الحق».
النفاق في المقام الأول عمل سياسي، يحاول المنافق في ظروف معينة أن يجني من ورائه فضيلة، يعجز عن تحقيقها بنفسه، بمعنى الاستعانة بالنفاق ليجعل من نفسه مفضَّلا لدي الآخرين. إنه وسيلة ممقوته ولكنها شائعة بين البشر، للحصول على الميزات والفضائل وتحقيق الرغبات الشخصية في أوقات انعدامها أو تقييدها. وهي تنعدم أو يتم تقييدها وتحديد مكوناتها واتجاهاتها - دائمًا - من قبل الطغاة والمستبدين، وحكام الأقليات (Oligarchy) والعصابات، العسكرية أو الدينية أو العائلية أو غيرها. حيث لا يجد المرء ضعيف النفس أمامه سوى اللجوء إلى النفاق للحصول على بعض من المزايا والتفضيلات الشخصية على حساب الآخرين. وإلى جانب النفاق يزداد الرياء والكذب والتزلف والخداع والخيانة والإحتيال والغش والفساد المادي والمعنوي والازدواجية والتلاعب والهروب والانزلاق والمراوغة!
***
الثقافة الإسلامية قائمة برمتها على النفاق، فقد ورد لفظ المنافقين صراحة في القرآن 36 مرة هذا بخلاف الايات الاخري الخاصة بهم مثل ايات سورة البقرة التي تحدثت عنهم وعن صفاتهم 13 مرة مع عدم ذكرهم صراحة. نفهم من تلك الآيات القرآنية وأيضا من الأحاديث المنسوبة لنبي الأسلمة أن النفاق مبثوث بين ثنايا النفس البدوية الصحراوية منذ القدم، وما كرمهم المزعوم سوى أحد بنوده الكثيرة. لذلك احتل مكانة رفيعة في ثقافتهم وانتقل معهم إلى الشعوب المتحضرة وفي مقدمتها مصر، حيث أصبح له مقام كبير وقامة فارعة. ومع نجاح هذه الثقافة وانتشارها، أصبح للنفاق شرعية لدي جميع الرموز السياسية والدينية والاجتماعية.
***
ينسب إلى الأديب المصري توفيق الحكيم قوله: « أما أنا فقد سمعت أن النفاق له قيمة كبرى في الأسواق العالمية، وأن أجود أنواعه في مصر». وفي كتابه « تحت شمس الفكر» يقدم توفيق الحكيم اقتراحا بهدف تقليص هذا النفاق إلى أدنى حد، وذلك بتكوين « شركة مقاولات انتخابات» يدفع لها المرشح مقابل أن تقوم بالدعاية له من تجهيز الخطباء ونصب اللافتات وإعداد الولائم، ثم يعود إلى بيته لينام، وهنا يقول موجها كلامه إلى المرشح: «يجلس الناخب في سرادق الاحتفال الذي تقيمه الشركة، فيرى ويسمع اللذيذ الطريف، يرى خطباء الشركة قد قاموا، أو اعتلوا المنصة واحدا تلو الآخر، يوسعونه مدحا، ويسردون تاريخ حياته الحافل بكل جليل ومجيد، ويتكلمون في ذمته وطهره وكفايته ونزاهته، وهو لم يرهم ولم يروه مرة قط! ثم يعرجون على خصمه فيطعنون فيه الطعن المر، ويذكرون من خصاله الذميمة وأعماله الخبيثة وخياناته وسفالاته ما تشمئز منه النفوس، وما تكاد تختم هذه الحفلات على خير أو شر حتى تقدم الشركة فاتورة الحساب، فإذا استكثرت المبلغ أقسموا لك أن الشركة قامت بنفقات باهظة... إلى هنا لا بأس، لكن لو خطر لك أن تسير قليلا في البلدة لوجدت عجبا، فإن سرادقا آخر قد نصبته عين الشركة لخصمك هو هو أيضا، وقد قام فيه خطباء آخرون من الشركة يمدحون الخصم، ويغسلون عنه ما لحق به في السرادق الأول، وينزلون بك أنت كل تهمة وكل عيب». 
بينما عرض يوسف السباعي في رواية ”أرض النفاق“ (صدرت في عام 1949)، بعض المشاكل في المجتمع المصري ومن أهمها مشكلة النفاق الذي أنتشر في المجتمع. بطل الرواية يجد نفسه بطريقة ما أمام محل لبيع حبوب سحرية، لكل حبة صفة ما، وفور أن يأخذ المرء إحداها يتمتع بتلك الصفة، فمثلا حبوب الشجاعة وحبوب الأمل وحبوب السعادة وحبوب النفاق وغيرها. جرب بطل الرواية العديد من الحبوب، ولكن مما أثار دهشته أنه عندما أخذ حبوب النفاق تبدلت أحواله وانفتح له باب السعادة في العمل ليرتقي وتحيط به أسرته وأصدقاؤه بحب وتقدير وأصبحت حياته أفضل لأنه ينافق الجميع من حوله.
وقد أشاد العديد من النقاد بالرواية، ولكن البعض منهم ذهب إلى أنها مقتبسة (أو مسروقة) من رواية «المطارِد» The Chaser للكاتب الأمريكي جون كولير John Collier الذي نشرها عام 1940 حيث تناولت فكرة المتجر الذي يبيع أدوية المشاعر والأخلاق. لكنها لم تدور حول مشاكل اجتماعية تعصف بالمجتمع الأمريكي، بل حول عاشق ولهان يحاول الحصول على حب محبوبته. بيد أن رواية كولير هذه كانت متأثرة برواية أخرى أقدم منها، الا وهي رواية «الحالة الغريبة للدكتور جيكل والسيد هايد» The Strange Case of Dr. Jekyll and Mr. Hyde للكاتب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسن، الذي نشرها عام 1886، وهي رواية قصيرة (أقل من 100 صفحة)، تدور أحداثها حول محامي يقطن لندن يُدعى السيد أترسون يقوم بالتقصي عن أحداث غريبة تقع لصديقه القديم دكتور هنري جيكل مع إدوارد هايد الشرير، ويرتبط سردها بحالة نفسية نادرة، يُطلق عليها بالخطأ «انفصام الشخصية»؛ حيث يوجد بداخل الشخص الواحد أكثر من شخصية مختلفة، فبداخل الدكتور جيكل شخصيتان مختلفتان تمام الاختلاف من الناحية الأخلاقية، إحداهما طيبة وأخلاقية في الظاهر، والأخرى شريرة وإجرامية في الباطن. كان لهذه الرواية أثر كبير على الوعى الجمعي للإنسانية؛ حتى إن عبارة «جيكل وهايد» أصبحت دارجة لتعني الشخص الذي يختلف توجُّهه الأخلاقي اختلافًا جذريًّا من موقف لآخر. أي ممارسة الحياة المزدوجة التي ظاهرها الخير، وباطنها الشر.
وقد عبَّر الصحفي والكاتب الحر الدكتور ياسر ثابت في كتابه "صناعة الطاغية" عن هذا الوضع في مصر قائلا: « النفاق السياسي في بلادنا لصاحب السلطة والنفوذ، سواء أكان رئيسا أو وزيرا أو محافظا، قد يأخذ طابعا إعلانيا صاخبا. فهو لا يكتفي بالدعاء له أو بالتصفيق له عند مروره أمامه، بل أنه يدبج له قصائد المديح وربما يكتب المقالات في الجرائد تأييدا ومباركة للقرار الفريد أو اللفتة التاريخية لهذا المسؤول أو ذاك». 
كما أسلفنا تزداد المفارقة بين ما يظهره المرء وما يخفيه في ظل الاستبداد، وهو ما يعبر عنه عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد، بقوله: «الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان.. فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر وتارك حقه مطيع، والمشتكي المتظلم مفسد، والنبِيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين. وقد اتبع الناس في تسميته النصح فضولاً، والغيرة عداوة، والشهامة عتوًّا، والحميّة حماقة، والرحمة مرضًا، كما جاروه على اعتبار النفاق سياسة، والتحيل كياسة، والدناءة لطف، والنذارة دماثة».
***
نعرف جميعا المثل الشائع على ألسنة المصريين: « إذا كان لك حاجة عند الكلب قل له ياسيد»، وهو من أكثر الأمثال المدمرة لمجتمعهم، ويعكس مدى خضوعهم لمنظومة النفاق التي أطبقت على حياتهم منذ احتلال البدو العربان لبلادهم ووضعهم تحت أقدامهم!، ومنذ أصبحوا جميعهم عبيدًا لهم، هم الأسياد، بداية بسيدهم النبي إلى آخر الأسياد القدامى والجدد، الموتى والأحياء!
المنافق عبد لدي السيد الذي ينافق له، وكلاهما يكذب على الآخر، السيد يكذب في وعوده على الناس بالإصلاح والخطط الإنمائية والأخلاق والرقي والتقدم والمستقبل الأفضل، والعبيد من جهتهم يكذبون على سيدهم المتسلط عليهم، فيخلعون عليه كل أوصاف السيادة والمروءة والصَّلاح والتقوى والبطولة. ثم يقومون بتعميم ذلك الكذب على كل جوانب الحياة من حولهم، فينشأ مجتمع متخلف قائم على الكذب والخداع والتزلف والخيانة والإحتيال والغش والازدواجية والتلاعب والهروب والانزلاق والمراوغة في كافة مجالات الحياة. حينها يزدرى الإنسان الصادق وصاحب النوايا الطيبة ويوصف بالسذاجة والخبل لأنه لم ينخرط في جوقة تلك المنظومة السائدة.
***
كان ولا زال النفاق مهنة رائجة في العالم العربي، ويساهم مباشرة في زيادة فساد الحكام، سيما وأن لديهم قابلية له، ويفسد بالتبعية المجتمع بأسره. قرأنا عن الشاعر ابن هانئ الأندلسى قوله للمعز لدين الله الفاطمى (932 - 975م):
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ.. احكُم فأنت الواحدُ القهّارُ
فكأنما أنت النبىُ محمدٌ.. وكأنما أصحابك الأنصارُ
فإذا بالمعز يُنعمُ عليه بمكافأة بدلاً من أن يأمر بإعدامه أو استتابته..
ومع ذلك ظل النفاق حالة فردية، نظرا لغياب وسائل الإعلام المتطورة في ذلك الوقت، ولكننا رأينا - ورأى العالم معنا - أحد الكتاب المصريين وقد استخدم هذين البيتين وهو يطلب من السيسى أن يحزم أمره ويترشح للرئاسة فى أكتوبر 2023..
بدأ مزاد النفاق يشتد في مصر، ويتخذ شكلا مهنيا عامًا مدفوع الأجر، مع انفراد العسكر بالسلطة. وكنتيجة حتمية لغبائهم في كافة المجالات، أصبحت الدولة بيئة خصبة لنمو وازدهار أحوال المنافقين. الذين يلهثون وراء العطايا والهبات والتفضيلات. وهم بذلك يسترون عوراتهم، ويحمون أنفسهم بأصحاب السلطة والنفوذ الذين بدورهم يلتمسون الحماية ممن ينافقهم، وكلاهما يضمر ألد العداء للآخر.
النفاق من أرخص وأسهل وأسرع أساليب الخداع بين البشر، وأكثرها فعالية، إذ يصل بصاحبه إلى حيث يشاء. وقد انتشر حاليا فى المجتمع المصرى كما النار فى الهشيم في عهد الرئيس الحال. لا يتورع أحد من الشعب عن عزف سيمفونيات النفاق ليلا ونهار، خفية وجهارا، إنهم لا يدفعون ثمنا له. بل يدفعه الأبرياء والشرفاء وحدهم.
الدكتور علاء الأسوان تساءل في مقال له بعنوان: هل النفاق طبيعة في المصريين؟ نشر في موقع DW في 14.8.2018، قال فيه:
« كان المذيع يتحدث مع صحفية معروفة في برنامج تلفزيوني وتطرق الحوار إلى إنجازات السيسي فتبارى الاثنان في الإشادة بها ثم قالت الصحفية فجأة: أنا على فكرة عندي نقد للرئيس السيسي . ممكن أقوله..؟
بدا الذعر على وجه المذيع وتجاهل سؤالها واستمر في الإشادة بالسيسي، لكنها قاطعته قائلة:
ــ من فضلك ..اسمح لي أنتقد الرئيس السيسي
قال بصوت خافت:
ــ تفضلى
هنا قالت الصحفية:
ــ أريد أن أنتقد الرئيس السيسي لسببين: أولا لأنه لم يعد يهتم بصحته. إنه يبذل مجهودا فوق طاقة البشر لإنقاذ مصر، لكن يجب أن يعطى نفسه فرصة للراحة. إنني أحس بحزن شديد كلما رأيت وجه سيادته شاحبا ومرهقا من كثرة العمل.
تنفس المذيع الصعداء وانفرجت أساريره ثم قال:
ــ وما هو النقد الثاني؟                           
قالت الصحفية بحماس:                                     
ــ ثانيا أوجه نقدي لسيادة الرئيس السيسي لأنه خطف قلوبنا نحن المصريين فلم يعد في قلوبنا مكان لحب آخر. احنا بنحب السيسي وبس.»
واستطرد الأسواني قائلا: « هذا المستوى المتقدم من النفاق الاحترافي ربما لايوجد له مثيل في بلدان كثيرة ويبدو أنه مع كثرة المنافقين أصبح على من ينافق السيسي أن يكون مجددا ومبدعا. بالأمس قرأت مقالا لصحفي شاب يبشرنا فيه بأنه كلما ضحك السيسي في التلفزيون ارتفعت أسهم البورصة المصرية فورا لدرجة أنه مع كل ضحكة جديدة للسيسي يربح الاقتصاد المصري 4 مليار جنيه.
لا أظن أي مدرسة اقتصادية في العالم تربط أسهم البورصة بضحكة أي شخص، لكنه نموذج للنفاق الإبداعي المتطور. لا يقتصر النفاق على السيسي وإنما يمتد إلى كل صاحب منصب. تأمل كيف يعامل المرؤوس مديره في بلادنا، إنه غالبا ما يكيل له المديح ويشعره دائما أنه نابغة زمانه وقد يتجسس على زملائه وينقل أخبارهم لمديره ليحصل على رضاه.»
مع بداية عصر الجنرال الحالي أصبح النفاق خاضعًا للأمر والأجر، ففي عام 2014 أثناء مهزلة الانتخابات الرئاسية، إستضافت قناة تليفزيونية مصرية سيده مسنة من عامة الشعب لتمجد المرشَّح للرئاسة عبد الفتاح السيسي، فوصفته حرفيا بأنه «أحسن من النبي محمد» ولم تنسى أن تقول: « صلى الله عليه وسلم»، وهي بالطبع لا تعرف شيئا لا عن النبي محمد ولا عن السيسي.
هذه سيدة من عامة الشعب، لا لوم عليها، إذا نافقت، فهي مأمورة ومأجورة، ولكن كل اللوم يقع على النخب الدينية والإعلامية والسياسية وغيرها والتي لم تتورع عن نفاق السيسي وعصابته ورفعهم إلى ما فوق الآلهة من أجل مزيد من المنح والعطايا والتقرب إليهم. فهذا هو الشيخ مظهر شاهين وقد هرول للاشتراك في هذه المهزلة بقوله في إحدى حلقات برنامجه على قناة التحرير، بتاريخ 24 يونيو 2014: : « السيسي يذكرنا بما فعله من قبل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، السيسي هو عمر بن الخطاب»!.
كذلك الشيخ الدكتور سعد الهلالي، وهو أستاذ في جامعة الأزهر، لا يفوته الاشتراك في مزاد النفاق بوصف السيسي أنه « نبي من الأنبياء مثل موسى والمسيح، وأنه ولي من أولياء الله الصالحين، وصحابي من الصحابة»، ووصل به جبل النفاق إلى وصفه بأنه الخليفة السادس.
أما الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاموية، يدعو الله أن يطوِّل عمره ويتمنَّى أن يُحشر معه يوم القيامة. وقد سبق للجندي هذا أن هاجم ملايين المصريين ونعتهم بـ“التافهين”، وقال في برنامجه اليومي “لعلهم يفقهون”، بفضائية” دى إم سي” : إن 50 بالمائة منهم « تافهون وغير صالحين».
ويطلب الجندي من الدكتور محمد مختار، وزير الأوقاف، بإصدار تعليمات للأئمة والخطباء كافة بالدعاء للرئيس عبدالفتاح السيسي خلال خطبة الجمعة. ويضيف خلال برنامجه: « لا بد أن يكون ذلك قاعدة ثابتة؛ حتى يتعود الناس على فعل ذلك، وحتى يعلموا أن الدعاء للرئيس ليس عيبًا ولا منقصة ولا نفاقا ولا تطبيلا وليس فيه أي شيء كما يروج البعض».
واختتم خالد الجندي، قائلًا: « القول إننا شيوخ سلطان فهذا شيء يسعدنا ولا نقلق منه على الإطلاق وإذا كان يخيف أحدًا غيرنا فلا يخيفنا».