سادن الإمام أبو العرابيد


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7663 - 2023 / 7 / 5 - 09:31
المحور: الادب والفن     

في مجاهل عصور ما قبل التاريخ، حلم ملك أكدي في منامه بهذا الحلم.

في عمق الحلم، دخل حارسان يقودان الجسد شبه العاري لسادن الإمام أبو العرابيد على الخميلة الناعمة للسجادة الخضراء الفخمة التي تغطي قاعة عرش السلطان المتربع على كرسيه الذهبي.
- إنحني أجلالا لسيدنا السلطان أيها الخنزير- أمره رئيس الحرس.
- قد انحنيت، فأنا عبد للسلطان. دعوني ألثم مداسه.
- قف مكانك أيها النسناس، وأجب على اسئلتي بصدق والا أمرنا بضرب عنقك حالاً – هدد السلطان.
- انا عبدكم يا مولاي السلطان، ولن أقول الا بالصدق .
- ما اسمك؟
- إسمي مركب: السرسري لبيبه، يا مولاي.
- وما هو اسم أبيك؟
- لا أعرف، يا مولاي. أنا نغل، أجَلّكم الرب.
- ومن أي عشيرة أنت ؟
- أنا من عشيرة الكاولية، على سن ورمح، يا جناب السلطان المعظم.
- همم. قل لي أيها السرسري لبيبه: لماذا أعطيت جاريتنا الحامل من جنابنا دواءك الذي أدى لقتلها هي وابننا الوحيد في بطنها فحرمت امبراطوريتنا السَنيّة من ولي عهدنا المرجّى؟
- صدقني يا سيدي الأجل، لست أنا يا مولاي من وصف هذا الدواء.
- فمن، اذن ؟
- الإمام أبو العرابيد الذي أنا سادنه هو المسؤول، يا مولاي المنّان.
- كيف؟
- عندما زارت المرحومة مولاتي الخانم مرقده، وشكت لي من وجع الراس، و طلبت مني الدواء الشافي، وَعَدتها خيراً، وطلبت منها معاودة الزيارة ظهر اليوم التالي حتى أراجع رُقُم الطب عندي وأركِّب لها الدواء الشافي.
- ثمَّ ؟
- ليلتها، رأيت الإمام أبو العرابيد بالحلم، وهو الذي أرشدني للدواء الناجع: كرزة ست الحسن. صدقني يا مولاي.
- عجيب! كيف تشتغل بالصيدلة ولا تعلم ان هذه الكرزة هي واحدة من أشد الثمار سمية، خصوصاً على النساء الحوامل؟
- أقسم لك يا سيدي ان هذا الكرز دواء مجرب منذ أقدم الأزمان، وله تأثير سحري في التخفيف من مختلف أصناف الاوجاع وآلام الجروح، وهو مستخدم كذلك للمحبة.صدّقني، سيدي المبجل. أنا مصلحتي تكمن في خدمة المرضى وليس الحاق الأذى بهم ؛ أقسم لك سيدي الرحيم.
- وكم حبّة أعطيتها، أيها السرسري لبيبه!
- كل ما لدي: عشرون كرزة، بالتمام و الكمال. صدقني يا مولاي الحكيم.
- وما ذا تقاضيت منها ؟
- أقسم لك يا جلالة السلطان انني رفضت أن اتقاضى منها شيقلاً واحداً؛ ولأنها سيدة كريمة وذات أصل وفصل وعزة نفس وأريحية ، فقد أصرَّت كل الإصرار على اعطائي سوارها، نعم سيدي الكريم.
- صِف لنا إياه.
- كان ضفيرة ثلاثية من أسلاك الذهب الخالص المرصّع بياقوتة حمراء كبيرة في الوسط ، سيدي الرحيم.
- وأين هو الآن؟
- لفد بعته في مزاد لبرالي تطوري، و اشتراه ثري هندي ديمقراطي متنور، صدقاً يا سيدي !
- وكم استلمت لقاءه أيها السرسري لبيبة الحقير؟
- لم أستلم أكثر من ثلاثين لُكّاً من الورق الأخضر، فقط، لا غير، وبس، سيدي الفاضل.
- و أين هو هذا المبلغ الآن؟
- اشتريت به داراً في بلاد السام، سيدي السامي.
- بإسمك؟
- للأسف، لا، يا مولاي. لقد سجلته باسم محام لبرالي للقشر لقاء راتب شهري: عشرون ألف من الورق الأخضر، سيدي.
- وما أدراك أن هذا المحامي اللبرالي للقشر لن يبيع الدار من وراء ظهرك؟
- أحسنتم يا مولاي العارف الرائي. لقد باعه هذا المنادي بحقوق الانسان فعلاً لحسابه في غضون أقل من شهر رغم أني سلمته أجرته لسنة كاملة مقدماً. لقد أنكرني حقي برمته، مولاي الجليل. وانا قلت في نفسي: ما دام بلده يسرق كل كنوز العالم بالورق، فلا جَرَمَ أن يسرق شقتي. الأمر سيّان، سيدي الأمين.
- ولماذا لم تقاضيه، أيها السرسري لبيبه؟
- لقد هدّدني إن اشتكيته أن يجعل أصدقاءه اللبراليين المتنفذين من عمالقة المنادين بالتنوير وحقوق الانسان مثل منيرة الحقيرة يدرجون إسمي في قائمة المطلوبين بتهمة الارهاب، فيكون مصيري سجيناً أبدياً في الزنزانات الرهيبة، والله سيدي.
- قلت لنا أن أبا العرابيد قد زارك بالمنام ؟
- اقسم بالرب الواحد القهار أنه قد فعل، يا مولاي الغالي.
- وكيف كان شكله في الحلم ؟
- عملاق، بخرطوم، وثلاثة عرابيد نابتة من أم رأسه. وهذا هو نفس شكله الموصوف في الرُقُم الأولى يا مولاي، وعلى شاهد قبره ، أقسم لك يا مولاي.
- وهل كنت قد رأيت أبا العرابيد هذا قبل موته ؟
- للأسف لا، مولاي السلطان.
- وكيف تفسر أن رجالنا لم يعثروا إلا على عظام خنزير بري بعدما هدموا بناءه ونبشوا قبره نبشاً؟
- مَدَدْ، يا مولاي السلطان، مَدَدْ. قُلْ قد جاء الحق وزهق الباطل، لقد مسخ الرب هذا المجرم المسؤول عن مقتل مولاتي حرمكم المصون الى خنزير بري قذر.
- هل تريد أن تخدع جنابنا نحن سلطان البلاد بخزعبلاتك اللفظية، أيها السرسري لبيبه؟
- كلا، كلا. معاذ الرب الفعّال لِما يريد يا مولاي إن كنت أجرؤ على لمس تراب حذاء مولاتي الشهيدة. يا مولاي العظيم، إن لفي مسخ الرب جلَّ وعَلا لأبي العرابيد خنزيراً برياً آية مباركة تقيم الدليل على علو منزلة الشهيدة الفقيدة عند رب القدرة، وفوزها بالخلود مع الشهداء والصديقين في جنات النعيم. كما أن هذه المعجزة تثبت رفعة منزلتكم السامية فوق منزلة كل الناس الآخرين، لذا فقد انتقمت الأرباب لكم من هذا المجرم وهو بقبره في الدنيا قبل الآخرة فمسخته خنزيراً نجساً حقيراً. نعم، بالتأكيد، يا مولاي السلطان!
- همم. منذ متى أيها السرسري لبيبه وأنت تعمل سادناً لقبر هذا الخنزير البرّي؟
- منذ سنوات خمس، مولانا السلطان العظيم.
- وماذا كنت تشتغل قبلئذ؟
- كنتُ المدير التنفيذي لمصلحة الغرب التنويرية لنوادي القمار والكيف واللَّخ في الامبراطورية اللبرالية العالمية، يا مولاي الأجل.
- تقصد أنك كنتَ مديراً لجرائم النهب لرؤوس الأموال ومروّجاً للحشيشة وقوّاداً ، أيها السرسري لبيبه ؟
- نعم، يا مولاي، ولكن ذلك كان قبل توبتي الصدوقة لرب العالمين يوم أصدر جلالتكم فرمانكم السامي بغلق نوادي القمار والدعارة في حملتكم الايمانية الجبارة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها.
- وأين ذهبت مومساتك؟
- لقد تُبن توبة صدوقة، وأصبحن راهبات يروّجن لزيارة أبي العرابيد- أعني قبل أن يمسخه الباري شر مسخة لجريمته الشنعاء بحقكم يا صاحب النيافة السلطانية.
- وكم مومس لديك الآن؟
- حوالي مائة، فقط ، مولاي الأجل. ثلثاهن مراهقات أو طفلات لذيذات، سلطاننا السامي.
- وما حكاية عصابة اللبرالية وحقوق الانسان والتقدم التي تأتمر بأمرك فتفرض الأتاوات بإرهاب المستضعفين في كل بيت وحارة وشارع ؟
- سيدي المفدّى: هؤلاء ثلة من العبيد المخلصين لعظمتكم، والواقفين على أهبة الاستعداد لضرب أعدائكم بيد من حديد، مولاي الأمين.
- وكم هو عددهم؟
- عشرون ألفاً فقط، يا سيدنا الكريم.
- ومن الذي زوّدكم بأسلحتها الفتاكة؟
- من حليفتنا: حكومة بلاد السام العنيفة والخفيفة التي لم يعد الرب يسكن مؤخراً إلا في عملتها.
- ولكن ألا تعتقد أن تصاميم عملتها تنم عن قلة الذوق وتبلد الإحساس وتصحّر الخيال؟
- أحسنت يا مولانا الجليل، أنها أشبه شيء بذرق الدجاجة المريضة.
- فلماذا غادر الرب موئله القديم في الفيرماخت ورحل عند جيف أعمامك في حكومة بلاد السام الحليفة، أيها السرسري لبيبه؟
- يا سيدي المعظم، أنت أعرف منّي بأن لكل عطن عطر وشطن، ولكل ترياق بطنة ووطن. كل ما هناك أن الفيرماخت انتقل مؤقتاً بغية الاستجمام والاستحمام والاستشمام والاستزلام، فاتبعه ربه الاشقر إلى هناك.
- وما رأيك، أيها السرسري لبيبه، أن تسوق عصائبك لجيشنا، وتلحق مومساتك بحريمنا؟
- يوم المُنى يا مولاي، اعتبر هذا الأمر محسوماً من الآن، مولانا الغالي.
- هل نتوقع تنفيذك اللازم يعد خروجك من هنا في بحر ساعتين مثلا؟
- بل ساعة فقط، فخير البر عاجله يا مولانا الحكيم.
- وكيف ستعوضنا عن جاريتنا وحملها.
- زوجتي الشقراء الحامل متوفرة في خدمتكم، وقد وهبتها جارية لكم يا مولاي.
- وكيف ستعوض جنابنا عن السوار؟
- شقيقتي متوفرة لإمتاعكم دوما، وقد وهبتها للتشرف بمحضن مولاي الحليم .
- وكم عمرها ؟
- 14 عام فقط، يا مولاي الجليل.
- همم. من الوضح أنك قوّاد أصيل ومؤصل أيها السرسري لبيبه.
- بخدمتكم، مولانا السلطان .
- واصل اتصالاتك بالمخابرات إياها كعميل مزدوج لصالحنا، وبلّغ مخابراتنا بكل المستجدات أولاً بأول.
- سمعاً وطاعة، يا مولاي.
- يا حرّاس: أطلقوا سراح هذا الزنيم.
- سمعاً وطاعة.
- أسمع أيها السرسري لبيبة، لديك ساعة واحدة فقط لتنفيذ كل ما اتفقنا عليه بلا نقصان. أي تأخير أو نقصان سيضطرنا لمصادرة كل ما اتفقنا عليه زائدًا رأسك، مفهوم ؟
- مفهوم، مولانا السلطان، مفهوم.
- يا صدرنا الأعظم!
- لبيك يا مولانا السلطان.
- اسمع أيها الباشا: قدم لنا تقريرك لنيافتنا خلال ساعة حول تطبيق كل بنود هذا الاتفاق بضمنها ما يتعلق بالمخابرات.
- سمعاً وطاعة، يا سلطاننا المعظم .
- بعد التنفيذ التام، امنح يا باشا هذا الجايف السرسري لبيبه درجة :"تك ثور" في جمع السرجين، واعطه عربة ومجرفا لتنظيف سرجين المرافق العامة في ميدان تقسيم كل يوم من الصبح للظهر حسب الأصول.
- سمعاً وطاعة، يا سلطاننا المعظم .
- وأنت أيها السرسري لبيبه: أفهم معنى هذا الدرس جيداً، يا تك ثور، وأقلع عن الاستنياﭺ بدس أنفك في كل حين بما تجهل، والافتاء بما هو أعلى من مستوى ادراكك. وإلا، فالعصا لمن عصى! والآن: أغرب حالاً، وإياك أن تريننا وجهك الجايف مرة أخرى! تفو!

هنا، استيقظ الملك الأكدي من المنام، فسارع لتشطيف جسده طويلاً في مياه النهر.