عن الاختلافات الفكرية والثقافية بين الشرق والغرب !!!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 6685 - 2020 / 9 / 23 - 17:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

يهدف هذا المقال لنسف مفهوم التعددية الفكرية التي يخضع لها الملايين من المثقفين العرب أو حتى حول العالم. بعد هذا المقال لن يتبقى مبررات لوجود ما يسمى اعتباطا أفكارا شرقية وأخرى غربية .. كما يهدف المقال أيضاً إلى نبذ العنصرية والكراهية نحو كوكب يسوده الحب والتعاون الخلاق، لنسير معاً نحو عالم من الأمن والسلام والتقدم بدلاً من الخوف والحروب والتخلف !

ولكي لا يحدث لغط أو خلط من نوع ما، فإنه يجب الاعتراف بوجد اختلافات ثقافية غير جوهرية بين الأمم والشعوب، كمثل اختلاف موسيقى بليغ حمدي عن موسيقى بيتهوفن أو أدب نجيب محفوظ عن أدب دوستويفسكي أو اختلاف الطعام الفرنسي عن الطعام اللبناني أو العراقي عن الدانمركي !
المقصود بوهم التعدد الفكري، هو ذلك التعدد نحو فهم الطبيعة والكون والحياة، هنا يمكن القول بأن ثمة فكر تطور باتجاهات مستقيمة فيما يتعلق بالنظرة إلى الحياة والمستقبل، وفكر آخر قديم ظل على حاله من السكون والبدائية والاضطراب والارتهان للماضي بكل أفكاره وعاداته وتقاليده ومسلماته نحو الطبيعة والكون والإنسان !


الأصل في الفكر البشري لم يكن تمايزا بين شرق وغرب كما يتوهم الكثيرون، بل كان صراعاً بين قديم وحديث، بين التخلف والتقدم ..بين البدائية والتطور .. بين الهمجية والتحضر !.
فلو عدنا إلى ما قبل النهضة العلمية التي بدأت محاولاتها الجادة في أوروبا في القرون الوسطى، لوجدنا أن الوعي البشري كان بدائيا، طفولياً، فلم يعرف إنسان الكهوف ما هو شكل الأرض ولا حدودها، ولم يعرف لماذا يتعاقب الليل والنهار ولا لماذا يحدث البرق متبوعاً بالرعد، كما لم يمتلك معرفة علمية حول ظاهرة الأمراض، فكانت ثقافته كلها تستند إلى الأوهام والأساطير والخوارق والسحر.

لكن البداية المذهلة للوعي البشري حول الكون والطبيعة كانت في اكتشاف كوبرنيكوس في القرن الخامس عشر لكروية الأرض ومركزية الشمس ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، بصورة مثلت ثورة حقيقية نحو وعي الإنسان بظواهر الطبيعة والكون. نقول وعي الإنسان ولا نقول الإنسان الغربي أو الشرقي، فظاهرة تعاقب الليل والنهار لم تكن ظاهرة غربية بل كوكبية، ومثلها ظواهر تعاقب الفصول والكسوف والخسوف والبرق والرعد والمد والجزر إلخ.
قبل القرن السابع عشر، كانت شعوب الكوكب كلها تؤمن بعقيدة الرعد، من شرق آسيا إلى غرب أوروبا وشمال أفريقيا .. لم تخلو معتقدات قديمة من نصوص لوصف وتفسير الرعد والبرق، كلها كلها كانت تنحاز إلى الخرافة وأن الرعد وحش أسطوري يتسلح بكرابيج من نار ( البرق ) .. في البوذية والمسيحية واليهودية والهندوسية والمجوسية كانت قصص وتخيلات وأساطير تتحدث عن الرعد، لكنها كلها بدأت بالتلاشي تدريجياً مع اكتشاف الكهرباء الساكنة في القرن السادس عشر وأصبحت ظاهرة الرعد عبارة عن تصادم شحنتين موجبة وسالبة يؤدي إلى حدوث التفريغ الكهربي الذي يطلق هذا الصوت المرعب، ولم يعد الرعد وحشا أسطوريا ولا ملكاً موكل بالسحاب !

أما في القرن الثامن عشر فحدثت ثورة أخرى في مفهوم الأمراض، ومع مجيء الفرنسي لويس باستور لم يعد المرض أرواحاً شيطانية تحتل الجسم يتم طردها بالشعوذة والسحر والتمائم، بل ثمة كائنات دقيقة ( جراثيم ) تهاجم خلايا الجسم وتسبب لها المرض، وانتقلت البشرية مع باستور من السحر والشعوذة إلى المضادات الحيوية والأمصال الواقية !!!

في القرن التاسع عشر اكتشف كولمبوس العالم الجديد، وعاد من جديد ما قاله كوبرونيكوس وجاليليو حول كروية الأرض ثم عصف المغامر البرتغالي ماجلان بكل المعتقدات القديمة التي كانت تظن أن الأرض مسطحة !!
ليس ثمة فيزياء غربية أو شرقية ولا كسوف شرقي وآخر غربي، وليس ثمة شتاء شرقي وصيف غربي .. إنها الأرض ملكنا جميعا وظواهر الطبيعة نفسها في الشرق والغرب .. لكن ما نسميه فروقات بين غرب وشرق، هو تلك الفروقات في فتوحات علمية ثورية غيرت وجه البشرية ونسفت أوهاما وبحث في أصل الأساطير التي تحولت إلى فلكلور يتعلق بأدب الشعوب وحكاياتها القديمة !

لقد تمكنت شعوب القارة الأوروبية من فك ألغاز الطبيعة التي حيرت الإنسان القديم فما كان منه إلا اللجوء للخرافة والأسطورة والوهم، ومع الثورة العلمية الأوروبية انتقل الإنسان من البغال والحمير إلى القطارات والسفن البخارية ومع اكتشاف البترول انتقلت البشرية إلى محركات الديزل والسيارات والشاحنات، ولم يمضي القرن العشرون إلا وكان الإنسان قد اكتشف العناصر المشعة وصنع القنابل الذرية التي كانت وبالا على اليابان !

والآن مع دخول الألفية الثالثة، ما زال الإنسان العربي يتعاطى مورفين الثقافات القديمة، ويقف مترددا مندهشاً مع شدة الأضواء الساطعة للحركة السريعة والإيقاع المتطور، فلم يهمه شرائح السليكون ولا تصنيع الكمبيوتر ولا غزو الفضاء، وليس للعرب مراكز أبحاث علمية ولا جامعات تساهم ببراءات الاختراع ولا جوائز نوبل، ثم داهمتنا تكنولوجيا الإنترنت وما رافقها من مواقع التواصل وأدوات الاتصال من ماسينجر وواتس آب وفايبر وغيرها، ثم انفجرت الهندسة الوراثية عن علم مخيف حول التعديلات الجينية في النبات والحيوان.
إن العلوم بتفريعاتها، قد وحدت المجهود البشري لتفتح بذلك عصرا جديداً من المنافسة بين الأمم في امتلاك وتصنيع التكنولوجيا وبحوث البيئة والزراعة، بينما العرب قد اختاروا توقف أسلوب الحياة عند أجدادهم منذ عشرات القرون .. نلبس مثلهم ونأكل ما يأكلون ونشرب ما يشربون ونتحدث أقوالهم ونلوك مسلماتهم، وما زلنا نحترم من يدخل معنا إلى الحمام والفراش. نحرم أكل الخنزير وشرب الخمر ولا يضيرنا أكل مال اليتيم وحقوق النساء في الميراث والاعتداء على الجيران، فكيف إذا نشأ مجتمع بأسره على مسلمات ومقولات مثل " إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب " ؟؟!
إن الإنسان سواء كان يعيش في آسيا أو أفريقيا أو الغرب الأوروبي والأمريكي، في الشرق أو في الغرب، يهمه أن يحصل على عمل شريف وتعليم نوعي لأطفاله وعلاج ملائم وضمانا اجتماعيا من الشيخوخة والمرض، كما يهمه الحصول على ترفيه يخفف ضغوط وآلام الحياة التي لم نختار القدوم إليها لكن علينا اجتيازها بأقل الخسائر !
دمتم بخير