من ابن المقفع إلى فرج فودة: القدس والجولان تحصيل حاصل !!!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 01:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما زال المقال السابق " بلا عنوان " منشورا هنا في الحوار المتمدن، وكم تمنيت لو يمنح الحوار المتمدن كتّابه وكاتباته ميزات تحديث البيانات والصورة الشخصية بل وتحميل صورة من أجل دعم وتوضيح مقال تماما كما يحدث مواقع التواصل .. عموما قد يساعدني الزميل رزكار في تحديث الصورة.
-----------------------------------------------------
كما لاحظتم لم أجد عنونا مناسباً للمقال السابق تعبيراً عن ضعف العناوين، وهزيمة الشعارات، ونكبة الخطابات الحنجورية ونكسة القصائد العاطفية !
في الخمسينات من القرن المنصرم، اعتقد الزعيم ناصر أن الغناء وحده يصنع أمة وأن القصائد العاطفية تصلح للمواجهات والحسم، ولكن اتضح أن الرجل كان متواضع الفكر، كما الخليفة المنصور الذي أمر بتقطيع أوصال العلامة عبدالله بن المقفع لأنه انتقد فساد أحد الولاة !!
الأمة العربية هزمت مبكراً منذ حروب الردة حيث لم يؤمن الخليفة أبو بكر بحرية الاعتقاد، ثم هزمت مجددا بتقديس العساكر والفاتحين الذين فتنوا قلوب المراهقين بشقراوات نهاوند وطشقند وبلاد المجر .. خالد ين الوليد لم يقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصلاح الدين لم يؤمن بالتعددية !!! ضياع فلسطين عام 1948 تحصيل حاصل، وهزيمة مصر في 1967 تحصيل حاصل، وطرد المنظمات من لبنان 1982 تحصيل حاصل ثم هزيمة العراق في حرب الخليج أيضا تحصيل حاصل، فما الجديد في إهداء ترامب القدس والجولان لنتنياهو ؟؟؟ هو مسلسل هزائم وانكسارات مستمرة كنتيجة مباشرة لضياع المنطق وعدم احترام العلم !
من نصائح الفيلسوف والقاضي والفقيه ابن رشد للأندلسيين، ( ألا يناقشوا الفلسفة أمام عامة الناس، فإنهم لو سمعوا الفلسفة فسوف يشكّوا، وإذا شكّوا ضلّوا، وإذا ضلوا صعب حكمهم .. احكموهم بالدين ! )
بغداد محكومة بالنجف الأشرف، ومصر محكومة بالأزهر، وإيران محكومة بولي الفقيه، وهؤلاء هم أنفسهم الذين قدسوا الفتوحات واحتلال أراضي الغير وسبي نسائهم ونهب أموالهم بحسبان السبايا " ملك يمين " والأموال ( أنفال = غنائم ) !!!
كل هذا في وقته كان منسجماً مع المجتمعات القديمة، حيث يذكر اليهود في توراتهم أن يوشع بن نون عندما فتح أريحا سبى أيضا نساءها ونهب أموالها وهدم بيوتها وأحرق مزارعها !!!
لكن ما لا يمكن فهمه أو قبوله أو التعاطي معه، أن التاريخ في بلادنا لم يتحرك منذ 14 قرناً، حيث تكرر ظهور ملك اليمين والسبايا في نساء اليزيديين في العراق في القرن الواحد والعشرين .. أما لماذا لم يتحرك التاريخ وبقينا نجتر الكلام القديم والمكرر صباحا ومساءا، فهو موضوع هذا المقال، وكل ما سبق كان مجرد تمهيد !
-------------------------------------------------
التاريخ لا يتحرك بمرور الأيام والشهور والسنوات، بل يتحرك التاريخ فعلا، بمدى ما يراكم الإنسان من معارف تطور فهمه للطبيعة والكون وحتى للإنسان نفسه، ومع هذا الفهم تقدمت علوم الفلك والطب والفيزياء والكيمياء والهندسة، ثم لاحقا قوة البخار، ثم لاحقا قوة الديزل، ثم بعدها قوة الكهرباء، والإنسان لا حدود لطموحاته أو خيالاته، فابتكر جوتنبرغ الآلة الطابعة في القرن السادس عشر، لكن الخليفة العثماني وبطانته من أصحاب الكروش والعمائم، اعتقدوا أن الآلة الطابعة ( محدثة، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار !!! )، وهكذا تم تحريم الآلة الطابعة أكثر من 200 عام فيما كانت أوروبا تكتشف كروية الأرض وتضع تفسيرا لظواهر الليل والنهار ولاحقا البرق والرعد، وكل تلك الأمور من المحدثات والبدع ! كانت بلادنا محرومة من طباعة الكتب بينما أوروبا منهمكة في طباعة آلاف الكتب فيما سمي بالثورة الصناعية، أو ثورة كوبرنيكوس !
------------------------------------------------
جوتنبرغ كان فارسا ليس كفروسية خالد بن والوليد، وكوبرنيكوس لم يكن فاتحا كموسى بن نصير، وآيشتاين لم يكن عسكريا .. أوروبا اعتمدت العقل كمرجعية، بينما نحن اعتمدنا النصوص الفقهية ! من وضعوا النصوص وأولوها وفسروها وتلاعبوا بها حسب مصالح سلاطينهم وملوكهم هم أنفسم الذين أفتوا بإعدام العلامة والفيلسوف ابن المقفع، وهم أنفسهم من حرضوا الخليفة العثماني على تحريم الآلة الطابعة، ...، وهم أنفسهم من أفتوا باغتيال الباحث والمفكر المصري فرج فودة، وفي لبنان قتل المفكر والباحث حسين مروة، وفي لبنان أيضا قتل المناضل مهدي عامل وفي تونس قتل شكري بلعيد !!!
لم نسمع يوما طوال ال 14 قرنا من مخازينا أن عالماً قد قتل شيخاً أو رجل دين، لكن ما رأيناه وشاهدناه هو أن رجال الدين في بلادنا يصدرون فتاوى التكفير، وبذلك يغتالون الرؤوس المفكرة والمبدعة والتي نهضت بأوروبا بعد ظلام الكنيسة !
قد يلتبس أو يختلط الأمر على قاريء ما ثم يعتقد أنني أنكر منجزات الحضارة العربية والإسلامية، ولتصحيح مثل هذا الخلط أقول بأن ما يسمى بالحضارة العربية والإسلامية لم تزدهر وتعطي ثمارها إلا في عصر المعتزلة ( الرشيد والمأمون ) الذين قالوا بكل جرأة ( لو تعارض حكم النص مع حكم العقل نلجأ لحكم العقل !!). تلك الحقبة أسفرت عن ثورة هائلة في ترجمة مؤلفات اليونان والهند وفارس، بل وأضافوا عليها علوما كثيرة مثل بصريات ابن الهيثم وتشريح ابن النفيس وجراحة الزهراوي وإسطرلاب البيروني .. لكن يجب التأكيد على أن ذلك التقدم العلمي الخارق إنما حدث بعيدا عن رجال الدين بل ورغم أنوفهم، ثم نتساءل بكل مرارة، كيف مكن الحنابلة والسلفيين من العودة للحكم في عهد الخليفة المتوكل وبعدها تم تكفير المعتزلة وإحراق مؤلفاتهم ؟؟!
إذن نحن نرزح تحت حكم القتلة والبلطجية وأعداء التقدم والإنسانية منذ إعدام بن المقفع وتكفير التوحيدي وصلب الحلاج وإحراق مؤلفات ابن رشد .. العربدة الأمريكية غير المسبوقة على بلاد العرب وخيراتهم ومقدساتهم ليست سوى تحصيل حاصل لحكم الأغبياء وتعطيل العقل وتجميد المنطق وتحريم النقد السياسي وتقديس العساكر والفاتحين أكثر من فرسان العقل وعمالقة الفكر !!
إنني أتأمل محاولات النهضة في الأربعينات والخمسينات على يد الكواكبي والأفغاني ومحمد عبده ولاحقا طه حسين وسلامة موسى – بكل ألم وحزن، فقد منيت محاولاتهم بالفشل – والأصح " الإفشال " – على يد شيوخ الوهابية والأزهر والنجف !
لقد كان لتواطؤ بريطانيا في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كل المكر والدهاء، لم تقتل بريطانيا وأمريكا علماء عرب من بلادنا .. لقد تكفل الأغبياء والحمقى بالمهمة، فانطلقت رصاصات الإجرام والعبث على المفكرين والفلاسفة، والنتيجة أن الشعوب العربية لم تغير قيمها ولا أخلاقها ولا عادات فرسان القبيلة منذ 14 قرنا .. فهل آن لكي يفيق العرب على حلم عقلاني يبدد حالة الانكسار والتدهور ليحكمنا العقل وأصحابه بدل القتلة والأوغاد والسفلة والرعاع ؟؟!
انتهى