رسالة مفتوحة إلى الإخوة في الجامعة العربية


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 6371 - 2019 / 10 / 6 - 22:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تحية الوطن العربي الكبير، من طنجة إلى الدمّام، ومن الإسكندرية إلى أم درمان ...
تحية النيل، ودجلة والفرات، والليطاني ... تحية طب الرازي، وفلسفة ابن سينا، وجبر الخوارزمي، وإسطرلاب الخيام، وخرائط البيروني، وكيمياء جابر، وفيزياء ابن الهيثم.
الأخ الأمين العام والإخوة الأعضاء المحترمون، نحن - الموقعين أدناه - مجموعة من المفكرين والمثقفين والكتاب العرب، نكتب لكم هذه الرسالة في وقت باتت فيه الأرض العربية رخوة، لدرجة أن كل من هب ودب من الدول العظمى، وحتى الإقليمية، أصبح لا يتدخل في شؤوننا فحسب، بل أقحم قواته ومدرعاته وبلطجيته إلى أراضينا، من الشمال السوري المحتل، مروراً بالعراق، واليمن الذي كان سعيداً، إلى ليبيا وصحراء سيناء، لكن مرارة الواقع وتراكم الخيبات والانكسارات لم تهزم في داخلنا سلاح الأمل بمستقبل عربي واعد ومشرق، فالأمم قد تتخلف، أو تتراجع لكنها لا تهزم ! صحيح أن بعض العلماء الذين أبدعوا في عصر الدولة العباسية لم يكونوا من أصول عربية، لكنهم أبدعوا في ظل الحكم العربي الذي وفر لهم مناخات البحث العلمي، من حريات وأموال، كمثل الولايات المتحدة اليوم، فمخترع بحث " غوغل " من أصول هندية لكن الإبداع لم يحسب للهند بل لأمريكا، وهكذا كانت إبداعات علماء الدولة العباسي.
الأخ الأمين العام، السادة الأكارم، لقد نجحت قوى معادية في بناء سد النهضة في أثيوبيا لكي يهدد الأمن المائي لمصر والسودان وهي مسألة من أخطر ما يكون، إضافة إلى ابتزاز القوى الاستعمارية العظمى لأموال أهلنا في الخليج العربي علانية ودون استحياء، هذا خلاف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ سبعين عاماً. لقد دُمرت سوريا وتم احتلال شمالها، كما دمرت ليبيا، وتم تقسيم العراق أو يكاد، والحقيقة أن الأمة العربية جمعاء مهددة بأخطار وجودية ماحقة، تهدد بقاءها.
إن التاريخ علمنا أن الكثير من الأمم قد زالت واندثرت، بعد أن كان لها حضارات عملاقة، كالإغريق والرومان والفرس والآشوريين والسومريين وغيرهم. وليس في قولنا: إن الأمة مهددة بالفناء أي مبالغة، فشعوبنا تتكاثر كالأرانب، بما يفوق طاقة الدولة على إطعامهم، وتعليمهم، وتشغيلهم، وعلاجهم، وإسكانهم، بل إن الغالبية من الوطن العربي تعاني من الأمية الثقافية، حتى بين المتعلمين وحملة الشهادات، ونحن أقل الشعوب اختراعا وابتكارا، وجامعاتنا لا تنافس أول مائة جامعة، ولا حتى مائتين على العالم!!
إن الوطن العربي يقع في قلب العالم، به أطول الشواطئ، وأهم الممرات والمضائق المائية، وأعذب الأنهار، وأخصب الأراضي في السودان ومصر وسوريا والعراق والمغرب العربي، كما يحتوي هذا العالم على ثلثي احتياطي الطاقة من نفط وغاز، إضافة إلى المعادن والمواد الخام.
في عالمنا العربي، نسبة الجيل الشاب تزيد عن 50 % بعكس المجتمعات الأخرى المهددة بالشيخوخة، وقلة الإنجاب، الأمر الذي يؤكد امتلاك الوطن العربي جميع إمكانات ومقومات التحول إلى قوة عظمى متحضرة، تحمي ثرواتها، وتحفظ لشعوبها كرامتها في دولة السعادة والرفاه. لكن الإمكانات المادية وحدها لا تكفي دون بناء الإنسان القادر على استثمار واستغلال تلك الإمكانات، لكي تتحول إلى منتجات وسلع يمكن تصديرها وبيعها، ولا يمكن إنكار أن بناء الإنسان العربي يعاني من معوقات وعقبات كأداء، مثل شيوع الخرافات والشعوذة والتنجيم، ناهيكم عن التطرف الديني الذي زرع الكراهية والأحقاد في الأسرة الواحدة، فكيف بين العرب والأمم الأخرى؟ ورغم كل المعوقات، فإننا نضع بين أيديكم خطة عمل، لنقاشها في أقرب فرصة ممكنة، مؤكدين أن الموقعين على هذه الرسالة متألمون لأحوال أوطانهم من حروب وقتل وتهجير وفقر وجهل وتخلف.

أولا: التربية والتعليم:

نقترح تشكيل مجلس خبراء لتصميم وكتابة وتأليف مناهج تعليمية جديدة لبناء القيم والأخلاق والمفاهيم الحضارية الحديثة، والتأسيس للدولة العلمانية الديمقراطية التي تقصي حكم رجال الدين من السياسة وشؤون الحكم، مع إبعاد أي نصوص تعليمية، تحرض على عنف أو إرهاب أو كراهية أو عنصرية، كما يجب رفع رواتب العاملين في سلك التربية والتعليم لتصبح مهنة جاذبة لطليعة الطلبة من أصحاب العقول، على أن تستكمل عملية الإصلاح بإعادة تقويم برامج تأهيل المعلمين في الجامعات. وهنا نشير إلى ضرورة كسر حلقة تحريم الفلسفة والمنطق والفنون الجميلة، كالموسيقى والغناء والتمثيل والرسم والنحت، ذلك أن الفنون تنمي الوجدان، وتنتج إنسانا مستقرا من النواحي العاطفية والإنسانية، أما الفلسفة والمنطق فهما أساس تكوين العقل العلمي.
تقرر وتصمم مادة " الأخلاق والمعاملات / التربية المدنية "، والتي يعول عليها تعليم الطلبة، فن التعامل والذوق والكياسة وحب الخير والتعاون والإخوة الإنسانية.
يشار إلى أنه وفي مقررات لجنة التعليم بالجامعة العربية في قمة تونس 1977م، تم اتخاذ قرار بضرورة تعيين مدراء المدارس العرب من المثقفين، ونعتقد بأن هذا القرار ظل حبراً على ورق، وها نحن ندفع ثمن التخلف الثقافي، والجهل الحضاري، من المحيط إلى الخليج .


ثانيا: القضاء ومنظومة العدالة:


يقول أرسطو: " إن أكثر الدول استقراراً، هي تلك الدول التي يتساوى فيها الناس أمام القانون "، حيث لا يمكن للقضاء، وأجهزته من النيابة العامة إلى المحاكم، أن يكون عادلاً إذا لم تتوفر فيه ضمانات العيش الكريم، لتقليل هوامش تلقي الرشوة، وأن يكون القضاء مستقلا عن السلطة التنفيذية؛ لكي يتمكن من محاسبتها، وأن يقوم البرلمان المنتخب بترشيح النائب العام، وكلما كانت الدولة عادلة كلما كان الانتماء والعطاء والإخلاص والتفاني في خدمتها أكبر.

ثالثا: خدمات الدولة:

وأهمها التعليم النوعي، والرعاية الصحية المتقدمة، والإسكان والضمان الاجتماعي، وهذه الخدمات لن تتحسن في يوم وليلة، بل تحتاج لخطة خمسية وعشرية، فالتعليم النوعي ضروري لتأهيل شريحة العلماء والباحثين، والتعليم المهني والفني ضروري لتأهيل اليد العاملة المدربة واللازمة للصناعة والتكنولوجيا، أما الرعاية الصحية المتقدمة، وبناء المستشفيات الحديثة المجهزة، فهي حاجة إنسانية لا غنى عنها، وكذلك على الدولة المساعدة في توفير السكن اللائق، المزود بكافة الخدمات، إضافة إلى خدمات الضمان الاجتماعي، مثل رواتب للفقراء، والعاطلين عن العمل، والمرضى، والشيوخ.

رابعا: البحث العلمي:

وهنا يتم الحديث عن البحث العلمي الذي يؤدي إلى اختراعات وابتكارات في مجال الطب والهندسة والزراعة والتعدين والتكنولوجيا والفضاء، حيث تتحول مخرجات تلك الأبحاث إلى صناعات داعمة للصناعات الأخرى، فثمة صناعات كثيرة يمكن إنشاؤها للاستغناء عن استيرادها، مثل الأجهزة الكهربائية والبتروكيماويات والأسمدة، ومعالجة المياه العادمة، وصناعة تدوير النفايات، وغيرها كالسيارات، واستغلال مصادر الطاقة البديلة مثالا لا حصرا.

خامسا: دول الخليج:

ليس المقصود بتخصيص بند منفرد لأهلنا في الخليج أن يتحملوا وحدهم عبأ النفقات، ولكن من الناحية المنطقية، فإن هذه الدول تمتلك ثروات مادية هائلة تحتاج إلى حماية، وها نحن نرى التهديد الإيراني يدفع ببعض الدول إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ( الأدق: الاحتلال الصهيوني )، كما نشاهد التغول الأمريكي على أموال الخليج، ولا نرى حلاً منطقيا هنا سوى العودة إلى حضن الأمة العربية من أجل العمل معاً على بناء قوة ردع عربية بتمويل خليجي، وقيادة مصر وتعاون محتمل مع دول عظمى صديقة للعرب، وذلك إعمالاً لمبدأ أن السياسة هي توازن مصالح وليست تبادل عواطف.

سادسا: الأقليات:

تمثل الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي نقطة قوة، لما تحمله من ثراء التنوع والتعدد، مثل قضية الأمازيغ في المغرب، والمسيحيين في الشرق بشكل عام، والأزيديين والأكراد في العراق، والعلويين في سوريا، والدروز في لبنان. وهنا لا مناص ولا حل إلا بالدولة العلمانية الديمقراطية التي تساوي بين المواطنين أمام القانون، دون تمييز بسبب الجنس، أو الدين، أو العرق، أو اللون، وهي باختصار دولة العدالة والمساواة والمواطنة، التي نعتقد أنها تشكل مدخلاً سليماً وعقلانياً لتفادي خطر تجنيد بعض الأقليات – وليس كلها - ضد مصالح الأمة، وهذا غير ممكن دون دمج تلك الأقليات في مكونات الأمة، لكي يشاركوا مع إخوانهم في بناء حضارة جديدة واعدة على أسس الأصالة والتنوع الثقافي والديني.

سابعا: حقوق الإنسان:

أول خطوات علاج المرض، هي الاعتراف بالمرض – لا إنكاره - ثم التشخيص، ثم تدريجيا يأتي العلاج الذي يناسب ذلك المرض.
ولا ننسى أن ملف حقوق الإنسان كان أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي كدولة نووية عظمى، كانت تحكم نصف الكوكب. أما بخصوص الدول العربية فما زال هذا الملف عالقاً، خاصة في بند المعتقلين السياسيين على خلفية الرأي، وظروف الاعتقال والتحقيق في مختلف المراكز والمقرات الأمنية والشرطية، وما يزيد الطين بلة هو توقيع الدول العربية على الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948م، فقد كانت التواقيع مشروطة بألا تتعارض مع الثقافات المحلية، وكأن الثقافات العربية – بعد مائتي عام من الاحتلال والغزو والتخلف والتشرذم - قدر لا يمكن تغييره. لقد كان لحرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية التملك، وحرية التنقل والسفر، أدواراً مؤثرة وفاعلة في تقدم المجتمعات الأوروبية، إننا ندعو في هذا السياق إلى التوقيع على الوثيقة، دون شروط أو تحفظات أسوة بشعوب العالم الأخرى، خاصة المتقدمة منها.

ثامنا: الأمن والسلام والتعايش:

إن العالم العربي لا يفكر باحتكار موارد الطاقة عن الغرب أو الشرق، ولا بإزالة إسرائيل من الوجود، بل إننا كنخبة من المثقفين العرب، نؤكد أن الأمة العربية ستعمل على ترسيخ التعاون، والتبادل الاقتصادي، والعلمي والثقافي مع جميع شعوب الكوكب، دون تمييز، أما بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي، فما زالت المبادرة العربية للسلام ( بيروت / 2002 ) تمثل الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية بدولة مستقلة كاملة السيادة، على حدود الرابع من حزيران 1967، مع اتفاق عادل لعودة اللاجئين وتعويضهم، وعندها فقط يصبح لإسرائيل الحق في الوجود كدولة شرق أوسطية طبيعية، بالمنطق والعدل والمساواة وحرية تقرير المصير، لا بالبلطجة، والعربدة والعدوان.
ومعاً نحو أمة عربية حرة الإرادة، كريمة العيش، قوية وموحدة، للإسهام في الأمن والسلام والتقدم العالمي، ونعم لإطلاق ثورة فكرية وتربوية وأخلاقية تعيد للعرب أمجادهم المهدورة.

الموقعون
م الاسم
1 د. رياض عوّاد
2 د. عاطف القانوع محاضر جامعي
3 حنان علي عضو إداري باتحاد المرأة
4 شادي عثمان ماجستير السياسة الاقتصادية
5 يونس الزريعي محلل سياسي
6 ميسون كحيل كاتبة صحفية
7 سمر عواد باحثة اجتماعية
8 هشام عبد الحميد ماجستير تجارة وتسويق
9 عبدالله أبو شرخ بكالوريوس رياضيات

• لإضافة توقيع:
[email protected]