رسالة عاجلة إلى الرئيس السيسي


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5706 - 2017 / 11 / 22 - 21:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا أعلم إن كنت ستقرأ فخامتكم بنفسك هذه الرسالة، لكن على أي حال، سأكتبها إلى رئيس دولة كان لها بالغ الفضل في تعليم أبناء جيلي، فقد درسنا في الصف الأول الابتدائي " عادل وسعاد " وفي الرابع الابتدائي درس " أحمد اللبان " وفي الخامس " رحلة إلى القناطر الخيرية ". كانت مصر وجغرافيتها وتاريخها محفوظاً في أدمغتنا ربما أكثر من جغرافية وتاريخ فلسطين ! أود أيضاً أن أعترف – بعكس آخرين – أن مصر العظيمة كانت لها الفضل الأول في بناء غزة الحديثة التي تركها الأتراك والإنجليز صحراء قاحلة، بدائية، فقيرة، فمصر هي التي شيدت أكبر مجمع طبي في غزة وهو " دار الشفاء " في سنة 1947، ومصر هي التي شجّرت صحاري غزة في الخمسينات بالحمضيات حتى أصبحت غزة مصدر لأجود أنواع البرتقال في العالم.، ومصر هي التي خاضت الحروب من أجل فلسطين. لا تتصور كم عشقنا مصر وأهرامتها وحدائقها قبل أن نراها، وربما كانت هذه المقدمة تصلح لكي يصبح لي الحق في القلق على مستقبل مصر، باعتبار أن مستقبل مصر هو ذاته مستقبل الأمة العربية كلها، ذلك لما لمصر من أثر دولي وإقليمي على سياسات المنطقة والعالم.
ليس خافياً على فخامتكم أن وفود الفصائل الفلسطينية يجتمعون في قاهرة المعز لأجل إتمام عملية المصالحة، أو إن شئنا، عملية تسليم حماس للسلطة في غزة، لحكومة انتقالية تمهد السبيل أمام إجراء انتخابات عامة. هذا التسليم ليس سهلاً لظروف شديدة التعقيد خلفها انقسام طيلة 11 عاماً، أو إن شئنا الدقة، فإن تاريخ الانقسام يعود إلى حقبة الثمانينات عندما بدأ نشاط الإخوان المسلمين في الجامعات والنقابات لمنافسة أطر منظمة التحرير من خلال خلق تيار الإسلام السياسي الذي تذوقت غزة – كما مصر – وباقي بلدان الشرق الأوسط، طعمه المسموم، فانقسم المجتمع إلى " مسلم وإسلامي " وإلى " مؤمن وكافر " وشاعت الكراهية وعقوق الوالدين وزعزعة استقرار المجتمعات الآمنة، إلى أن تتوجت زراعة قرن برمته في إثارة أحداث ما سمي بالربيع العربي الذي دمر وخرب وقتل وأحرق تحت دعوى الإصلاح الباطلة، ولولا عناية الله شاءت أن يأتي قائد مثلكم لأصاب مصر ما أصاب سوريا وليبيا لا سمح الله، وهو المخطط الصهيو – أمريكي لإعادة تقسيم المنطقة واحتلالها من جديد !

سيدي الرئيس،

غزة أمانة في عنقك شخصياً، الناس في غزة يبيعون بيوتهم ويسحبون مدخراتهم من أجل توفير المبالغ الرهيبة التي يدفعونها كرشوة لضباط المعبر على سبيل الهروب من جحيم غزة إلى منطقة أكثر استقرارا، ونحن نعتقد جازمين أن فخامتكم لا تعلمون بتفاصيل ما يحدث على معبر رفح، من منع مرضى يموتون وطلاب علم يضيع مستقبلهم من الفقراء الذين لا يمتلكون 3000 دولار تدفع كرشوة من أجل تأمين السفر في باصات التنسيقات !

شيء آخر لا يقل أهمية، وهو عملية المصالحة التي تجري برعاية مصرية، حيث على الأرجح أن الطرفين متناقضين ومتباعدين بصورة كبيرة، فلا الرئيس عباس سيقبل غزة مع ازدواجية السلاح، ولا حماس جاهزة لتسليم سلاحها، والحل الوسط الذي نعتقده ملائماً هو حل جميع أجنحة المقاومة وإعادة تشكيلها تحت بند " جيش وطني فلسطيني " يكون قراره خاضعا للبرلمان والرئيس بعد الانتخابات.

وختاماً، أتمنى لمصر أن تواصل نهضتها وعمرانها برعايتكم في طريق التخلص من مظاهر الضعف، ذلك أن مصر تمتلك مقومات الدول العظمى من حيث المساحة والمقدرات والثروات والحشد البشري، لكننا وكعرب، يبدو أننا فشلنا في بناء الإنسان المنتج الذي نجح أسلافنا القدماء في بنائه وتسطير أروع الصفحات في حضارات البشرية، فهل هذا الحلم ما زال ممكناً ؟؟!