لا مناص من حل الدولة الديمقراطية الواحدة !


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 6355 - 2019 / 9 / 19 - 09:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الادعاء بأن مملكة إسرائيل القديمة كانت شيئاً خارج الحضارة الكنعانية أمر تنفيه كل الدراسات، ثم أن إله اليهود قد منح أرض فلسطين لليهود حصراً لا يرقى لوثيقة قانونية أو سياسية. من جهة ثانية فإن التراث الفلسطيني بدءا من تحضير خبز الطابون وليس انتهاء بالميجانا والعتابا وظريف الطول، يقطع بأن الشعب الفلسطيني ليس عابراً أو طارئاً على أرض فلسطين.

عند مناقشة أحقية الشعب الفلسطيني أو الشعوب اليهودية بأرض فلسطين، تتهاوى على أرض الواقع كل مبررات القتل والطرد والإقصاء، فأرض فلسطين كغيرها من بلدان الأرض، تعرضت للحروب والهجرات، تعرضت لخروج قبائل ودخول أخرى، تماماً مثل أمريكا التي يعيش بها أصول ألمانية وإنجليزية وطليانية وهنود حمر وإلخ. عند مناقشة من هذا القبيل، تتهاوى الأحلام اليهودية بأن اليهود شعب من قومية واحدة، فليس ثمة ما يجمع اليهودي الروسي مع البريطاني أو الأثيوبي ! كما تتهاوى كذلك أحلام الفلسطينيين بأن الحل هو عودة جميع اليهود إلى أوطانهم الأصلية، ذلك بأن أكثرية من سكان البلاد اليوم، الفلسطينيون واليهود، قد ولدوا في فلسطين ولا يعرفون وطناً غيرها !

التمييز على أساس ديني منغلق ومتعصّب هو شكل قبيح من أشكال العنصرية، وهذا التمييز يؤسس لكراهية شديدة وعدم قبول للآخر المختلف وبالتالي يدمر الخيوط الإنسانية الناظمة للتعايش على الأرض الواحدة، والحق، أن التمييز العنصري ليس حكراً على اليهود ( شعب الله المختار ) بل وعلى الفلسطينيين ( خير أمة أخرجت للناس )، ويظل اليهودي مفتخراً مزهواً بنيوتن وآينشتاين، منكراً ما قدمه الرازي والخوارزمي وابن سينا والخيام وابن قرّة والبيروني ! أما الفلسطيني فهو سليل الكنعانيين والفينيقيين الذين ابتكروا أول أبجدية هجائية في التاريخ وكانوا أول من صنع الفلك لركوب البحر، وهم أول من اخترع الزجاج وعصر الزيتون !

الشعب الأمريكي الذي يحكم العالم اليوم، هو شعب متعدد الأعراق والأديان والقوميات، وبلجيكا يتعايش فيها ألمان وفرنسيون، أما سويسرا الراقية فشعبها إما ألماني أو إيطالي أو فرنسي، وتعد سويسرا من أرقى دول العالم !
من جهة أخرى، لا يوجد قومية يمكن تسميتها قومية صينية، ذلك أن الشعوب الصينية تتكون من 56 قومية مختلفة، كلها تتعايش في دولة عظمى واحدة !


والأمثلة على التعدد العرقي والقومي والديني في الدولة الواحدة كثيرة، وبدلاً من بحث اليهود عن وهم الهيكل وخرافة أسوار أريحا، وبدلاً من اعتبار الفلسطينيين للفلكلور الكنعاني هوية واحدة تميز شعب واحد ذو أصول حضارية واحدة، يجب اعتراف كل سكان فلسطين بأن الآخر هو مواطن مثله، له الحق في العيش بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تكون أرض فلسطين، ملكاً لأهلها من مسلمين ومسحيين ويهود وشركس ودروز بلا أي تمييز !


إن الواقع الجغرافي للمدن والقرى الفلسطينية واليهودية، بدءا من حيفا وعكا ويافا واللد والرملة وحتى جبال الخليل، هو واقع معقد جدا لا يمكن تصوره دون دولة واحدة، ولا يمكن تخيل أن كل مدينة وكل قرية لها قانون انتخابي يختلف عن جاراتها، كما كانت جنوب أفريقيا العنصرية فيما مضى !
تعرّف الدولة العنصرية، بأنها دولة متعددة الأنظمة، بحيث تعيش كل أقلية فيها، بقانون مختلف ومنفصل عن الأقليات الأخرى في الحقوق والامتيازات، وإذا كانت جنوب أفريقيا قد عاشت زمن العنصرية بقانونين مختلفين، واحد للبيض والآخر للسود، فإن الدولة العبرية على أرض فلسطين الآن، تعيش بالعديد من الأنظمة المختلفة، فاليهود لهم مواطنة كاملة وقانون، بينما عرب 48 لهم قانون مختلف، وللدروز قانون ثالث، ولأهل الضفة قانون رابع، ولسكان غزة قانون خامس، وبالتالي، فإن هذه الدولة عنصرية بطريقة لم يسبق لها مثيل في العالم !
الدولة العلمانية الديمقراطية هي الحل !


لا دولة يهودية ولا دولة إسلامية ولا دولة درزية، بل دولة علمانية تقف على نفس المسافة المحايدة من جميع المعتقدات التي تخص كل مواطن ولا يجوز له أن يفرضها على غيره، أما مناهج التاريخ في الدولة فمن الأنسب إرجاعها إلى أجدادنا من المستوطنين الأوائل، الذين عاشوا على الصيد ثم اكتشفوا صناعة الخبز من القمح البري في السهول قبل أن يكتشفوا الزراعة ويتمكنوا من تدجين الماشية !


لا حقائق بيولوجية أو فسيولوجية تميز اليهودي عن الفلسطيني، بحيث يحتاج الطب الشرعي إلى كتالوج لجثة المسلم يختلف عن كتالوج لجثة اليهودي، والمؤكد أن أي خلل في عمل غدة البنكرياس تؤدي إلى نقص إفراز الأنسولين والإصابة بداء السكري، بصرف النظر عن الدين والجنس والعرق.

أخيرا يقول درويش مخاطباً اليهود:

أيها الساهرون ألم تتعبوا
من مراقبة الضوء في ملحنا
من وهج الورد في جرحنا
الم تتعبوا أيها الساهرون ؟؟!

كما يقول للجميع: ( على هذه الأرض ما يستحق الحياة، تردد إبريل، رائحة الخبز في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشبٌ على حجر، أمهات تقفن على خيط ناي )
كما يوجه نداءه لليهود والعرب فيقول:

السلام هو الاعتراف علانية بالحقيقة
ماذا صنعتم بطيف القتيل ؟!
السلام هو الانصراف إلى عملٍ في الحديقة
ماذا سنزرع عمّا قليل ؟!

انتهى