ماذا ينتظر غزة ؟!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 6188 - 2019 / 4 / 1 - 11:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

واهم من يتصور بأن إسرائيل ستقبل بوجود سلاح ثقيل في غزة بحوزة الفصائل، وهي سوف تسعى بكل جدية لنزع هذا السلاح سواء بطريقة سلمية عبر الوساطة المصرية أو باستخدام الآلة الحربية عبر حرب تدميرية متوقعة بعد الانتخابات الإسرائيلية.
إن حالة الضعف والهزال العربي المتمثلة بالجهل والأمية وندرة الإبداع وقلة الإنتاج وكل مظاهر التخلف، تلقي بظلالها الكئيبة على خرائط الأرض العربية الرخوة والمجتمعات العربية الضعيفة بصورة تفتح شهية الولايات المتحدة لإقرار خطة تقسيم جديدة للشرق الأوسط على غرار تقسيم سايكس بيكو.
المشهد السياسي في غزة غاية في التعقيد والغموض، لكن يمكن الجزم أن مصر هي القوة الأكثر تأثيراً، فهي على عداء واضح مع جماعة الإخوان المسلمين في الداخل المصري، لكنها وبشكل تكتيكي تدعم الوجود الإخواني في غزة، وبصورة تضر بالمصالح الوطنية الفلسطينية، وهو الخلاف الذي طفا على السطح مؤخراً بين الرئيسين المصري والفلسطيني.
من ناحية أخرى، وزيادة في تعقيد مشهد غزة، فإن السلطة بقيادة الرئيس أبو مازن لم تتخذ أي إجراءات قانونية أو رسمية لإرغام حماس على التخلي عن تفردها بحكم غزة، كأن تعلن السلطة غزة إقليماً متمرداً وترفع الملف إلى الجامعة العربية كبوابة للتدخل العربي من خلال تفويض مصر أو قوة عربية لدخول غزة، هذا إن وافقت إسرائيل القوة التي تفرض سيطرتها على غزة - رغم انسحابها المزعوم أحادي الجانب عام 2005، ذلك أن الجيش الإسرائيلي يفرض حصارا قاسياً، بحراً وجواً وبراً على جميع منافذ قطاع غزة !
خلال العام المنصرم 2018، وتحديدا في 30 مارس، انطلقت مسيرات العودة التي أضافت لها حماس ( كسر الحصار )، والتي صاحبها أنشطة وفعاليات شعبية مثل إطلاق البلالين الحارقة أو القنابل الصوتية فيما عرف بالإرباك الليلي الذي شكل ضغوطاً عصبية ملحوظة على السكان الإسرائيليين، وبخاصة فيما يسمى بغلاف غزة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو صرح قبل مدة أن تحويله الأموال لدعم حكم حماس يهدف بالأساس إلى إدامة الانقسام الفلسطيني لمنع قيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، وهو ما ينسجم مع ما يتم تسريبه حول صفقة القرن الأمريكية، من أن غزة الكبرى هي المكان الملائم لإقامة الدولة الفلسطينية !
لكن احتمالات الحرب الإسرائيلية على غزة تظل قائمة بقوة، مثلما ذكر سابقاً، وإن كانت القوة الناعمة الحالية للتعامل مع غزة سببها أجواء الانتخابات الإسرائيلية، حيث يستغل نتنياهو الدعم الأمريكي له بمنحه سيادة على مرتفعات الجولان السورية.
حركة حماس كانت هي حصان طروادة الذي تم إقحامه في المجتمع الفلسطيني لكي تعمل على تقويض شرعية منظمة التحرير، وبالتالي تقويض مشروع المنظمة المتمثل في إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة وعاصمتها القدس، مع بحث عن حلول مقبولة لمشكلة اللاجئين، وهو ما تعتبره قوى اليمين الصهيوني الحاكم تهديداً وجوديا للدولة العبرية، فيما حماس تقبل بدولة غزة المقترحة في صفقة القرن، بلا قدس أو لاجئين أو ضفة غربية، مقابل بقاء حكمها الإخواني !
لكن من المعيقات لمثل هذا المشروع هو التعبئة الوطنية الفلسطينية لسكان غزة، ولذلك فإن نتنياهو سيكون مضطرا لدخول غزة في حرب تدميرية من أجل تحقيق هدفين رئيسيين هما، نزع سلاح الفصائل، ثم تهجير عدد كبير من سكان غزة إلى سيناء لفرض واقع صفقة القرن !
الوطنية المصرية أعلنت أكثر من مرة أنها لن تفرط بذرة تراب من سيناء، وهو ما يتعارض مع طموحات المسيحية الصهيونية الحاكمة في الولايات المتحدة، والهادفة إلى إعادة تقسيم الشرق الأوسط بصورة تضمن بقاء إسرائيل كقوة عظمى رئيسية في المنطقة، وهو ما جعل الإعلام العبري يسجل ملاحظات لافتة على عمليات تسليح الجيش المصري بغواصات وحاملات طائرات ومقاتلات حديثة !
اختلاف وجهات النظر والمصالح بين مصر والولايات المتحدة ستكون في الغالب محور النقاش بين الرئيسين المصري والأمريكي في 9 إبريل / نيسان المقبل في واشنطن.
مصر تسابق الزمن من أجل التحول إلى قوة عظمى تدافع عن مصالحها بين غيلان الغرب الاستعماري المتحالف مع إسرائيل، والسلطة الفلسطينية على وشك اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بإنهاء سيطرة حماس الأحادية على قطاع غزة من أجل حماية المشروع الوطني والدولة الفلسطينية، وحماس تبدو قصيرة النظر في ضوء المعطيات الاستراتيجية التي تؤكد بأن حرباً إسرائيلية مدمرة تلوح في الأفق هذا الصيف، ولا تدرك حماس منذ انقلابها المسلح عام 2007 وحتى الآن، بأنها مجرد ورقة للاستخدام التكتيكي، وأن ما حدث مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان، أو داعش في سوريا والعراق، هو ذاته المرشح للحدوث مع حركة حماس الإخوانية.
في ضوء القراءة السابقة للمشهد السياسي في غزة، فإن على حماس أن تذهب مسرعة إلى الحضن الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام وفق اتفاقية المصالحة القاهرية 2017، من أجل حماية غزة من ضربة عسكرية ماحقة، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ولتكن حماس شريكة الكل الفلسطيني من أجل بناء المجتمع ومؤسسات الدولة، بدلا من الاستمرار كقوة معطلة للمصالحة، غير قادرة على النهوض بمسؤوليات من تحكمهم ولو بالحد الأدنى، هذا علاوة على حماية الشعب الفلسطيني من تهجير جديد ومجازر جديدة تضاف إلى سجلات دير ياسين وقبية وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وغزة 2014 !