أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد الطيب - حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير














المزيد.....

حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 01:25
المحور: سيرة ذاتية
    


عندما يصل الإنسان إلى الستين، ويتكئ على عصا الخبرة بدل عصا الأوهام، تنكشف له الحياة بلا مكياج، بلا أصوات مبهجة، بلا ألعاب تضليل… تصبح جدارًا من الحقائق الصلبة، لا يلين، ولا يساير أحدًا. عندها فقط يفهم أنّ كل ما كان يقف عنده طويلًا كان لا يستحق سوى نظرة عابرة… وربما ضحكة ساخرة.
الرجل الستيني لا يعود يخاف من خسارته؛ لأن كل ما كان يخشى فقدانه، فقده فعلًا: الشباب، الزهو، بعض الأصدقاء، بعض الأحلام، أجزاء من الذاكرة، وقطعة من براءته الأولى. بقي له شيء واحد لا يريد خسارته: وضوحه الداخلي.
ولهذا الوضوح ثمن… ثمنه أن يرى كل شيء بحجمه الحقيقي، بلا تضخيم، بلا أكاذيب اجتماعية تفرضها لغة المجاملات.
في الستين يكتشف الرجل أن الناس لا تكبر معه، بل تكبر عليه. يطلبون منه أن يكون حكيمًا، هادئًا، متعقلًا، بينما هو يريد أن يصرخ:
"لقد أمضيت ستون عامًا أرقّع أخطاءكم، وأحمل خيباتكم، وأكتفي بالفتات الذي تركه الطامعون!"
يلاحظ أن المجتمع لا يمنح كبار السن احترامًا بقدر ما يمنحهم تهميشًا مغلفًا بالابتسامات. يعاملونه كفصل قديم من كتاب أُعيدت طباعته كثيرًا حتى بهتت حروفه. يضعونه على رف النسيان وهو حيّ، ويستغربون لماذا يتألم!
الرجل الستيني يدرك فجأة أن العلاقات الاجتماعية ليست إلا معاملات مؤقتة؛ من يحتاجك يقترب، ومن يراك عبئًا ينسحب، ومن يخاف حكمتك يخترع لك لقب “معقّد”.
وفي قلبه جرح مكتوم: كم مرة صدّق الناس على حساب نفسه؟ كم مرة تنازل ليكبر غيره؟ كم مرة ألقى ظهره للجدار ليحمي آخرين؟
ثم تأتي الحقيقة الكبرى:
الحياة لا تستحق الوقوف طويلًا عند أي شيء… لأن كل شيء زائل، وكل الأشخاص مسافرون، وكل المشاعر قابلة للتبخر.
في الستين تتساقط أوراق الناس كما تتساقط أوراق الخريف. يبقى القليل فقط: ذاكرة نظيفة، وكرامة لم يبعها، وصوت داخلي يقول له:
"أخيرًا فهمت الحياة… متأخرًا، لكنه فهم نظيف، عميق، قاسٍ."
من يصل الستين لا يريد صراعًا، ولا يشتهي انتصارًا، ولا يهمه أن يكون محبوبًا أو مرفوضًا. يريد هدوءًا يشبه المقابر، لكن دون موت. يريد أن يعبر الأيام كمن يعبر شارعًا فارغًا… خطوة وراء خطوة… بلا خوف… بلا استعجال… بلا حاجة لإرضاء أحد.
وهنا تكمن الصدمة: الرجل في الستين يصبح حرًا لأول مرة، لأن الخسارات المتراكمة جعلته لا يخاف خسارة شيء.
وما أدراك ما حرية لا يرفّ لها جفن؟ إنها الحرية التي تصنعها الحكمة، ويغذيها الصبر، ويباركها العمر، ويوقع عليها الزمن ختمًا لا يُمحى.
في الستين… لا يعود الرجل ينتظر الحياة. بل ينظر إليها، يتنهد، ويقول: "مررتِ كثيرًا فوق رأسي… “ومررتُ قليلًا فوق خداعك. والآن أخيرًا، فهمتك."



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية في جناح عصفور
- اعترافات القلب… وانسحابات الروح
- إعلانات ساذجة في زمن الفوضى الرقمية
- الكوكايين السلوكي: كيف نحمي جيلنا من الهاوية الرقمية؟-
- كل الغياب يعود الا انت
- دعينا نلتقي
- انتم الخراب الذي يمشي على قدمين
- رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟
- ماض لن يعود .. كوجه جميل غادره الضوء
- أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي
- جمال الموت
- أجمل المحطات
- دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة
- جريح الثقة لا يُشفى
- لا تمنح الحقيقة كاملة .. انهم لن يفهموك !!
- بين الثائر والطاغي شعرة
- لقد كانت معركة عظيمة كلفتني قلبًا بأكمله
- ظل الآخر
- قلب مسافر عاشق
- رحيل في منتصف الطريق


المزيد.....




- الجيش الأردني يعلن شن غارات على -شبكات تهريب المخدرات- في جن ...
- واشنطن تلاحق مسؤولاً بارزًا في الحرس الثوري الإيراني.. ماذا ...
- ألمانيا و13دولة أخرى تندد بخطة إسرائيل إقامة مستوطنات بالضفة ...
- اتفاق غزة يراوح مكانه.. نزع السلاح شرط أم ذريعة؟
- لماذا لا تريد إسرائيل عبور اتفاق غزة إلى مرحلته الثانية؟
- كنائس فلسطين تحيي عيد الميلاد المجيد رغم تضييقات الاحتلال
- تطورات فضائح إبستين.. مليون وثيقة جديدة ومحامون يعملون على م ...
- -فلسطيني- يتولى رئاسة هندوراس
- خطة سلام من 20 نقطة -توفر فرصة للتهدئة- بين أوكرانيا وروسيا. ...
- سوريا تُعلن إحباط مخطط في اللاذقية لاستهداف احتفالات رأس الس ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية (مذكرات شيوعى ناجٍ من الفاشية.أسباب هزيمة البر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد الطيب - حين يبلغ الرجل ستينه… يسقط القناع الأخير