أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داود السلمان - الهجري وفريد: النغمة الأخيرة قبل الذبح














المزيد.....

الهجري وفريد: النغمة الأخيرة قبل الذبح


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 19:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم أحب فريد الأطرش لأنه درزي. في طفولتي، لم أكن أعرف ما الدروز أصلًا، ولم تعنِ لي الطوائف شيئًا. أحببته لأن صوته كان يشبه حزنًا نائمًا في قلبي لا اسم له، ولأن نبرته كانت تضع على كتفيك عباءة لم يصنعها أحد، عباءة من الكرامة المضمَرة، من الانكسار النبيل، من الرجولة التي لا تستعرض نفسها ولا تطلب التصفيق. غنّى كأن في حلقه جرحًا لا ينزف، لكنه لا يندمل، ومضى في حياته كأميرٍ بلا عرش، يعرف أن المجد ليس في التاج، بل في كيف تمشي وأنت تحمله وحدك.
واليوم، حين رأيت ما جرى للشيخ حكمت الهجري، شعرت أن شيئًا ما من نبرة فريد انكسر. شعرت أن الجبل الذي كان يختبئ خلف صوته قد تلقى صفعة. أن الشارب الذي حُلِق ليس شارب رجل فقط، بل شارب كرامة، شارب طائفة بأكملها، شارب نبيّ لا يحمل كتابًا بل ذاكرة جبل. لم يكن المشهد مشهد تعذيب، بل مشهد إذلال رمزي، مدروس، أراد أن يقول: حتى الرمز، نكسره. حتى الوقار، ندوسه. حتى من لا يحمل سلاحًا، سنقتله لأن صوته أقوى من سلاحنا.
لكنهم نسوا أن بعض الأصوات لا تُقتل، وأن بعض الرموز كلما انكسر جسدها، ارتفع ظلّها. الشيخ الهجري، بمقامه الروحي، ليس فقط زعيمًا لطائفة تُعرف بالعزلة المهيبة، بل حامل تراث من الصمت المقاوم، من الكبرياء التي لا تستجدي، من الحكمة التي لا تصرخ. يشبه فريد الأطرش في هذا تمامًا: لا يطلب من الناس أن يحبوه، بل يضع أمامهم شيئًا صافيًا، نادرًا، غريبًا، ثم يمضي. وإذا لم يفهموه، لا يلتفت.
فريد الأطرش كان يغنّي بانكسار، لا ليحصل على شفقة، بل لأنه يعرف أن القلب الشريف لا يعلو صوته إلا حين يُكسَر. والشيخ الهجري حين وقف أمام أهل السويداء، متحدّثًا بوضوح وهدوء، لم يكن يردّ على سلطة أو يساوم، بل كان يضع أمامهم مرآة: نحن لا نُهان. وإن أُهِنّا، فإن الجبل ينهض من قلب الطعنة.
هناك رجال، حين يُمسّ جسدهم، ترتجف الذاكرة. لأنهم لا يمثلون أنفسهم فقط، بل يمثّلون صبر قرون طويلة، وجراحًا لم تندمل، وأصواتًا لم تصرخ، لكنها كانت تحفر في الصخر. فكما كان فريد صوت الذين لا يجدون لغة لأحزانهم، كان الهجري صوت الذين سئموا أن تُختزل كرامتهم في خريطة، أو تُمسّ شواربهم كأنها مجرد شعيرات، لا رايات.
لم أكن يومًا مدفوعًا بالطائفة. لم أحب فريد لأنه درزي، ولا أحزن الآن على الشيخ الهجري لأنه ابن طائفة. بل لأنهما معًا يشبهان رجالًا قلائل عبروا حياتنا ولم يسألونا من أين نحن، بل فقط: هل بقي في قلوبكم متسعٌ لصوت لا يُشترى، لوقفة لا تنحني، ولجرح لا يتاجر بألمه؟
هذا زمن يُهان فيه الشريف وتُرفَع فيه أصوات الزيف. لكن ما يزال صوت فريد يأتيني، لا من الراديو، بل من دم الشيخ الهجري: “أنا مهما كبرت صغير، ومهما عليت فقير، وبعيش بالأمل، وبموت بالأمل”. وأقول: من كان هذا صوته، لا يُكسر. من كان هذا دمه، لا يُنسى



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون في القالب: قيود الفكر الحُرّ(1)
- فيروز غنّت كلماته...والرصاص أسكته إلى الأبد
- حين يتحوّل الدعاء إلى إعلان مموّل
- التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي ق ...
- أين نحن من الوجود؟
- التطبيع هل سيحل أزمة الشرق الأوسط؟
- تزوير التاريخ وتزييف الحقائق
- مَن هم القرآنيون؟
- التديّن المذهبي ضد الإسلام المُحمديّ
- لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
- خطورة الجماعات الإسلامية: تهديد مستمر للسلم المجتمعي
- نظام الحكم في الاسلام: ثلاث نظريات
- من قداسة النص إلى عصمة الفقيه: سيرة الاستيلاء على الدين
- الفساد في العراق.. بنية مستدامة لا مجرد خلل طارئ
- الاسلام السياسي: صعود الايديولوجيا الدينية
- مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية س ...
- الأخلاق بين كانت وماركس: صراع المبادئ والمادة
- المشكلة ليست في الدين انما في رجال الدين
- الإرهاصات الدامية في قضية (حسبي من الشعر الشهيّ) للشاعر وليد ...
- البُعد العاطفي والنفسي في قصيدة (أوراق مُعادن) للشاعر علي ال ...


المزيد.....




- ظبي بأنف غريب.. ما حكاية السايغا الذي نجا بأعجوبة من الانقرا ...
- مصدر إسرائيلي يكشف لـCNN تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غ ...
- حسام أبو صفية لمحاميته: هل ما زال أحد يذكرني؟
- -إكس- و-واتساب- في قلب جدل جديد: تحقيق يرصد حسابات يمنية ترو ...
- الوحدة الشعبية: استهداف سورية العربية حلقة لاستكمال مشروع ال ...
- مبادرة -صنع في ألمانيا-: أكثر من 60 شركة ألمانية تتعهد باستث ...
- لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟
- بدء خروج العائلات المحتجزة من السويداء -حتى ضمان عودتها-
- عاجل| وسائل إعلام إسرائيلية: سلاح الجو يهاجم أهدافا للحوثيين ...
- شاهد.. مطاردة مثيرة وثقتها كاميرا من داخل دورية الشرطة تعبر ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داود السلمان - الهجري وفريد: النغمة الأخيرة قبل الذبح