أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - يا سعدي.. الوطن وطن وليس فندقا بخمسة نجوم















المزيد.....

يا سعدي.. الوطن وطن وليس فندقا بخمسة نجوم


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 16:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أريد أن أحول الوطن إلى مجموعة من القضايا الطقوسية التي يتوارث الأبناء حبها واحترامها وتقديسها بشكل سياقي وبديهي كما هي قضية الأديان والمذاهب مثلا, وبالتالي فأنا لا أقف بين شاعرنا الكبير سعدي واختياراته في أن يكون له وطنا كما يشتهي, ففي البداية والنهاية الوطن الحقيقي هو في القلب والعقل قبل أن يكون على الأرض.
ثم إنني مصاب بالحساسية من كل المفاهيم التي تصنف وتصنم الوطن والوطنية بأفقها ومعناها المحلي على حساب بعدها الإنساني الحقيقي, وأطمع أن تجتمع في وطني الصفتان في آن واحد, خصوصيته الموروثة مع أفقها الإنساني, فلقد شبعنا من سلوكية وثقافة التوظيف السلطوي لمعنى الوطن والوطنية باتجاهات شوفينية أو باتجاهات الكسب السلطوي.
ثم إنني من جانب آخر أحسب, إن أدق الأمور هي التي تحمل أبسط المعاني, والتي تعبر عن نفسها بكلمات سهلة وصادقة, وأن مفهوم الوطنية يجب أن يحتل أول قائمة هذا الدقيق البسيط. ولهذا فإنني أرفض رفضا قاطعا تحويل قضية الوطنية إلى قضية فلسفية أو حتى إلى قضية مثقفين, لأنها لا تتحمل ذلك مطلقا.
إن العلاقة بالوطن لا تتحمل التفسيرات الفلسفية ولا تفسرها ثقافة النخبة, بل إن بساطتها هي التي تعبر عن دقة معناها, ولو أن العلاقة مع الوطن تتحدد بمستويات ثقافة الناس ووعيهم وبمناهج الوطن ومدارسه الفنية والفلسفية لرسمنا صورة للوطن وكأنه مجمع للفلاسفة والمفكرين أو معرضا للرسوم الزيتية أو دارا للكتب أو صالونا للندوات الفكرية والمؤتمرات الشعرية, ولما أرتضى أحد منا بأم أقل مرتبة من سيمون دي بفوار.
وإذا كانت الوطنية هنا, في المنافي, هي اللغة والثقافة والمشاعر والإحساس فإن سعدي هو آخر من يستطع التخلي عن وطنية بهذا المعنى, فعن ماذا سيكتب سعدي بعدها ومن سيستمع إليه, ومع من سيتحدث سعدي ومن سيصغي إليه, وبأية لغة سيكتب سعدي أشعاره ومن سيصفق له, ومن سيدعو سعدي إلى مؤتمراته لكي يلقي فيها تلك الأشعار, ومع من سيغني سعدي مقاماته العراقية ومن سيعزف له على العود.
لقد لامني أحد الأخوة, لا بل اتهمني بالوقوف ضد سعدي وحقه في الاختيار, وقد نسي أخي ذاك بأنني لا اتحدث عن سعدي الشخص وإنما عن سعدي الشاعر الكبير الذي يجب أن يحسب خياره ذاك بمقدار معناه وتأثيراته, والحديث عن "سعدي الشخص" ليس حديثا عن دور وثقافة وتاريخ مسؤول مثلما هو الحديث عن "سعدي الشاعر", ولهذا فإن التعامل مع موقفه لا يوزن بمكيال بسيط إلا إذا تخلى سعدي شخصيا عن كل ما قد جعله شخصا مهما.
إن الموقف من "الوطن" بدأ يُعَوم ويُغَيبْ بالموقف من "النظام" السيئ أو من "الدولة" المتعثرة لذا منحني شاعرنا الرائع فرصة أن أتجرأ على تحديد الفواصل بين هذه المفاهيم الثلاثة, والتي تتعرض للغياب في يومنا هذا لشدة ما تعرض له العراقيون من نكبات وأهوال, فصار الحكم عليها جميعا يصدر وكأنها شيئ واحد.
والآن لنقرا نص التصريح الذي تفضل به شاعرنا الكبير على الإذاعة التشيكية الرسمية عقب حفل تكريم له "Cescky rozehlas بجائزة
لم أعد أشعر أن العراق بلدي، لأنني كنت اذكر العراق كبلد حر ومستقل وليس كمستعمرة أو بلد محتل"، مضيفا "اشعر أن العراق حاليا بات مستعمرة أميركية"
هو يتحدث عن العراق الذي صار أمريكيا.. والسؤال هو.. هل أن ذلك الذي صار أمريكيا كان صار باختياره أم أنه كان قد جابه قدرا بغيضا.
ثم أن سعدي نفسه كان أختار أن يكون مواطنا بريطانياً لما تمثله بريطانيا من قيم أعجب بها, لكنه وهو في نشوة إعجابه هذه لم يقف ليسأل, ألم تكن هذه "البريطانيا" هي واحدة من دولتين رئيسيتين ساقتا العراق إلى مأزقه الحالي وهو ذات المأزق الذي دفع بسعدي لإعلان براءته منه على رؤوس الأشهاد.
فلماذا وقف سعدي إذن مع الجلاد وليس مع الضحية..؟؟!! في حين أن الموقف الإنساني يوجب حتى على صاحب الثقافة المتواضعة والفهم البسيط أن يتخذ تماما موقفا معاكسا لما أتخذه هذا المناضل الشيوعي السابق الذي عركته الأحداث وكونته ثقافيا بالاتجاه وبالمستوى الذي يفترض أنها جعلته مع آخرين ضمير رأي إنساني صاف مخلص ونقي, بل مدرسة آراء أخلاقية متوازنة وحصيفة.
سنتذكر سوية حالات براءة وتخلٍ عن أوطان من قبل ضمائر رأي أعلنت موقفها ذاك احتجاجا على مواقف معادية لقضايا إنسانية كان "وطنهم" اتخذها.. لكن أرجو ملاحظة التالي: أولئك كانوا تخلوا عن "وطن ظالم وليس عن وطن مظلوم", على الرغم من أن موقفهم ذاك كان خطأ أيضا لأنه أغفل الفرق بين نظام ظالم ووطن محكوم بذاك النظام.
وبهذا الاتجاه فإن موقف سعدي كان يجب أن يكون معكوسا, فأكون تمنيت عليه لو أنه كان بريطانيا وتخلى عن جنسية الوطن الظالم "بريطانيا" في مقابل أن يحصل على جنسية الوطن المظلوم "العراق", أليس هو ذلك ما توجبه الثقافة الإنسانية حتى في حدها الأدنى ولكي لا يقال أن موقفه ذاك كان موقفا ذاتيا خالصا أو أنه كان وليد نزوة عابرة وسعيا وراء شهرة مضافة لم يعد سعدي بحاجة إليها أصلا.
إن خيار سعدي أما أنه كان خيارا سياسيا أو أنه كان خيارا أخلاقيا أو ثقافيا, وفي كل الحالات فهو خيار إشكالي إن لم يكن خيارا خاطئا على مستوى الأساسيات التي اعتمد عليها, فالمعيار الثقافي والأخلاقي الإنساني كان يجب أن يدفع إلى موقف التشديد في هذه اللحظة على حبه لوطنه الأصلي العراق وإدانته لوطنه الحالي بريطانيا, هذا إذا اتفقنا على أن الأوطان هي التي تدان وليس أنظمتها السياسية, لكن تصريحه يشير أن قراره كان سياسيا أولا, فهو يتحدث عن "وطن محتل وعن عراق أمريكي محكوم من قبل إسلاميين" وبهذا كان سعدي قد قلب الحقائق الإنسانية رأسا على عقب وبدلا من أن يدين الجلاد أدان الضحية.
ختاما أعيد.. إنني لست في وارد تصنيم الوطنية, ولست ضد أن يختار المرء وطنا جديدا له. إن وطنك ما حملك.. كما يقول حكيم السيف وسيف الحكمة علي بن أبي طالب. ولكن هذه الأوطان التي بات ينتمي إليها عشرات الألوف منا, والتي أكرمت مأوانا بما يحتم علينا أن نكون أوفياء لها, هي ذاتها التي لا توجب علينا أن نتخلى عن, أو نفقد الصلة بوطننا السابق, وهي ذاتها التي تؤمن أن بإمكان الصلتين أن يجتمعا في لحظة واحدة إذا كانا محروسين بقوة الوعي والضمير والأخلاق.
فلماذا " لم يعد سعدي يشعر بأن العراق بلده"
ما زلت أسأل... وما زلت عاجزا عن الإجابة .. !!



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين معنى الوطن ومعنى النظام أضاع سعدي يوسف نفسه
- إشكالية التداخل بين الفقه الديني وفقه الدولة الوطنية.. العلم ...
- المسلمون. بين فقه الدين وفقه الدولة (3)
- المسلمون.. بين فقه الدين وفقه الدولة (2)*
- لو أن ميكافيلي بعث حيا يا موسى فرج
- مرة أخرى.. حول موقف المالكي من سوريا
- موقف المالكي من مظاهرات السوريين
- الإسلام .. بين فقه العقيدة وفقه الدولة**
- بين فقه العقيدة وفقه الدولة*
- عزت الدوري الرئيس السابق لمؤسسة شيطنة صدام
- حول الرسالة الكوميديةالأخيرة لعزت الدوري إلى القذافي
- كيف تتسبب السلطة البحرينية بالإضرار بعروبة البحرين
- هل سينجح العراقيون في امتحان البحرين
- كركوك هي كركوك وليست قدس الأقداس
- حظر الطيران والخوف من أمريكا
- وائل غنيم والماسونية وثورة مصر
- حاسة واحدة مع المالكي وأربعة حواس ضده
- وحدة فعل الاضطهاد تخلق وحدة رفضه
- نحو موقف أمريكي جديد من الشعب العراقي
- يا سياسي العهود الغابرة.. مكانكم الأرصفة


المزيد.....




- السيسي يعزي البرهان هاتفيا في وفاة نجله بعد تعرضه لحادث سير ...
- مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون يتحدثون عن أيام لإتمام صفقة الر ...
- مقتل 5 فلسطينيين في الضفة الغربية
- وسائل إعلام فلسطينية: -حماس- وافقت على المقترح المصري لوقف إ ...
- القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تصدر بيانا بشأن وفاة ...
- قوات كييف تهاجم قرية موروم بطائرتين مسيرتين
- دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية تضر بنمو الدماغ
- مصر.. القبض على المتهم بالتعدي على قطة في محافظة بورسعيد
- الأسد: في ظل الظروف العالمية تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهم ...
- مصر.. الحبس 3 سنوات للمتهمين بقتل نيرة صلاح طالبة العريش


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - يا سعدي.. الوطن وطن وليس فندقا بخمسة نجوم