أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جواد بشارة - العراق: هل وصلنا نقطة اللاعودة؟















المزيد.....


العراق: هل وصلنا نقطة اللاعودة؟


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 11:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بالأمس القريب كنت متفائلاً جداً بمستقبل العراق بعد تخلصه من كابوس صدام حسين مع علمي المسبق أن الأمور ليست بهذه السهولة وأن التحديات القائمة كثيرة وكبيرة وتتطلب جهوداً جبارة، واليوم بات التشاؤم يغزو قلوب الجميع فلا أدري ألا يحق لنا أن نتفاءل؟
قبل ثلاثة أعوام وبضعة أشهر، وبعد انهيار نظام الطاغية صدام حسين كنت أعيش في خضم الواقع العراقي الفائر فكتبت بحثاً مطولاً تحت عنوان : العراق وأمريكا وسياسة حافة الهاوية أغضب الكثيرين مني وامتنعت وزارة الثقافة العراقية عن نشرة خوفاً من ردة فعل الأمريكيين السلبية وكان الأخ الصديق الأستاذ محمد عبد الجبار ضمن لجنة القراءة في الوزارة هو الذي لفت الأنظار إلى خطورة محتوى ذلك البحث .استعرضت في ذلك البحث تطورات المسألة العراقية في مرحلتي ما قبل الحرب وما بعدها وكنت طرفاً وشاهداً مباشراً على الأحداث خارج العراق في فترة المنفى القسري وداخل العراق بعد العودة العسيرة وتوقعت فيه أن العراق ، وبسبب سياسة واشنطن الرعناء قبل الحرب وبعدها وأخطائها القاتلة في العراق واحتلاله عسكريا على نحو مباشر وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة لتقرير مصيره ومستقبله ونمط حياته وطبيعة النظام البديل الذي تريده خلفاً لنظام القهر والطغيان الصدامي، يسير بخطى حثيثة نحو الهاوية ويتقدم بعيون مغمضة نحو نفق مظلم كظلام العراقي القاسي الذي يفتقد للطاقة الكهربائية منذ سنوات طويلة وتفاقمت أزمته أكثر فأكثر حتى باتت شبه مستعصية على الحل في ظل الفساد السائد والمتفشي في الجسد العراقي وبفضل حقد الإرهابيين والتكفيريين الذين يعتقدون أننا لسنا بحاجة للكهرباء لأن عهد الرسول كان خالي من هذه الطاقة. وتوقعت طبيعة الكارثة التي ستحل بالعراق وأي كارثة أبشع وأخطر وأكثر هولاً من كارثة اندلاع حرب طائفية وأهلية بين مكونات الشعب العراقي ؟ وفي بحث مكمل تحت عنوان/ الميليشيات المسلحة معضلة العراق الكبرى، عرضت فيه بالتفصيل التشكيلات المسلحة التي تجوب أراضي العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه تفرض على المدنيين العزل قانون الغاب والبقاء للأقوى سواء تلك المتعاطفة مع السلطة البديلة لسلطة صدام أو تلك المناوئة لها وهي تخوض فيما بينها مواجهات مسلحة طاحنة تستثير وتستفز المشاعر الطائفية والأحقاد وتسعى إلى إشعال فتيل الحرب الطائفية بأي ثمن كما أعلن عن ذلك مراراً وتكراراً زعيم التيار التكفيري غير المأسوف عليه المجرم أبو مصعب الزرقاوي الذي استوحى من لبنان فكرة الذبح على الهوية والإسم وكانت الطامة الكبرى. واختلط الحابل بالنابل وتسلل إلى العراق انتحاريون ومجرمون وعصابات وجهاديون مغرر بهم وتكفيريون عرب وأجانب وعناصر مخابرات ومرتزقة ومافيات الجريمة المنظّمة وغير ذلك وعلى رأسهم عناصر وأزلام النظام المجرم من فدائي صدام وحرسه الجمهوري وقواته الخاصة وعسكريون غاضبون من تسريحهم الأحمق على يد سيء الصيت بول بريمر ورجال المخابرات وعناصر التخريب المحترفين الذين وفر لهم صدام حسين قبل سقوطه المال والسلاح بوفرة ليغرقوا العراق في بحر من الدم والعنف والفوضى والدمار والخراب المادي والنفسي والانفلات الأمني الشامل لاسيما بعد أن تمكنت تلك المجاميع الإجرامية والعصابات وقطاع الطرق واللصوص والفاسدين من اختراق أجهزة الدولة الحساسة الوليدة كالحرس الوطني والشرطة وقوات مغاوير الداخلية وغيرها وعلى كافة المستويات القيادية وبدأت مسلسل القتل الرسمي وغير الرسمي باسم محاربة الإرهاب تارة ومقاومة المحتل تارة أخرى مما حدا بالكثير من المراقبين الدوليين إلى الإقرار بوجود حرب أهلية وطائفية غير معلنة أو معترف بها في العراق اليوم . تفاقمت المواجهات وأعمال العنف الانتقامية إثر تفجير قبتي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في 22 شباط 2006 التي كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت المواجهات الطائفية البغيضة والتصريحات النارية والتهديدات غير المسئولة من هذا الطرف أو ذاك دون أن يعي أحد خطورة ماهم مقدمون عليه لاسيما في المناطق الساخنة كالعاصمة بغداد والمناطق الواقعة غرب العراق وتقطنها الأغلبية السنية العربية وكذلك بعض المدن ذات الأغلبية الشيعية ولم يفلت أحد من أعمال الخطف والتهجير القسري مما دفع أكثر من 50000 من سكان العاصمة إلى مغادرتها وآلاف العائلات الأخرى التي تركت مناطق سكناها مرغمة أو طواعية هرباً من القتل والبطش والتهديد.وهذا يعني أن العراق يسير رغماً عنه نحو التقسيم الفعلي للبلاد . في هذا الجو الكابوسي تفاقم العنف وتجاوز الحدود التي يمكن للمواطن أن يتحملها وصار الخوف يتربص بالجميع في كل شارع وزاوية وازدهرت تجارة خطف الأجانب أي كان وضعهم وعملهم وصفتهم وأصلهم فلكل جنسية ثمن حيث يمكن أن يصل سعر الرهينة الأجنبي المخطوف إلى 5 ملايين دولار و 10 ملايين إذا كان أمريكياً وتقف وراء ذلك مختلف المجاميع الإرهابية وعصابات الخطف المسلحة والمحترفة ذات الأساليب المافيوية تجوب شوارع بغداد والمدن العراقية بحثاً عن طريدة تأخذه رهينة وتشتري المخبرين وذوي النفوس الضعيفة من بين صفوف رجال الشرطة والعاملين في الفنادق وسائقوا التاكسي لجمع المعلومات الدقيقة عن الفريسة القادمة بعد جمع المعلومات ووضع خطة الخطف والأفضلية تذهب للمواطنين الفرنسيين والألمان والإيطاليين واليابانيين لأن العصابات المحترفة تعرف بالخبرة أن هؤلاء المواطنين مهمون لحكوماتهم وشعوبهم ولايمكن التفريط بهم بسهولة مهما كان المبلغ المطلوب كفدية لاسترجاعهم على قيد الحياة فللمواطن الغربي قيمة كبرى لدى أوطانهم وحكوماتهم ودولهم مستعدة للدفع بسخاء لإطلاق سراحهم . بيد أن غالبية أعمال الخطف طالت العراقيين والصفوة المتعلمة والنخبة الغنية . ولسخرية القدر يمكن لأي شخص تصفية خصم أو عدو أو جار مزعج أو منافس في المهنة بخمسة أوراق خضراء أي 500 دولار وبالتالي لم يعد العراقي يثق بأحد حتى لو كان جاره أو صديقه أو أخوه كما أصاب الشلل النشاط التجاري والمهني حيث لم يعد يتجرأ أحد على تعيين أو استخدام أي شخص في أي عمل مهما كان متواضعاً فكل إنسان يخاف من غيره حتى لو كان جاره أو أخوه أو صديقه بل أن الأمر تعدى ذلك فقد حاول أحدهم تأجير بيته عبر مكتب للتأجير فما كان من صاحب هذا المكتب إلا أن يبلغ عصابة محترفة ويشترك معها في خطف الزبون ومطالبة عائلته بأربعين ألف دولار لإطلاق سراحه فما كان أمام أهله سوى بيع البيت المذكور ودفع الفدية ومواطن آخر شيعي من سكان منطقة أبو غريب ذهب لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء حيث تسكن شقيقته فألقي القبض عليه بتهمة الإرهاب لا لشيء إلا لكونه من منطقة أبو غريب وأحيل بعد شهور من اعتقاله وتعذيبه إلى محكمة الجرائم الكبرى في بغداد وآخر اختفى ودفع أهله 15 مليون دينار ولم يطلق سراحه وبعد فترة وصلت أخبار أنه معتقل في إحدى معتقلات وزارة الداخلية ولم يكن مخطوفاً هذه مجرد أمثلة لترسم لوحة مأساوية لما يدور في العراق اليوم. لقد نجحت الميليشيات والعناصر المسلحة المناوئة للسلطة الحالية المنتخبة خاصة تلك المتمركزة في المناطق الغربية ذات الأغلبية العربية السنية وكذلك في بغداد وتكريت والموصل وديالى في فرض حالة من الفوضى والرعب والاضطراب الشامل في كل مناطق العراق العربية والكردية الشيعية والسنية . اقترن هذا الحال باسم شخص بات مشهوراً كالنار على علم، زرع الرعب في قلوب العراقيين وارتكب ضدهم أبشع الجرائم وهو المجرم الأردني الجنسي أحمد فاضل غزالة الخلايلي المعروف بأبو مصعب الزرقاوي الذي قتلته القوات الأمريكية في الثامن من حزيران 2006 والذي تميز بقسوته ووحشيته وحقده الطائفي الشديد على الشيعة والسنة المعتدلين وتزعّم التيار التكفيري المتشدد في العراق والممثل الرسمي لزعيم القاعدة السعودي أسامة بن لادن فنهايته تشكل نصراً للشعب العراقي وللحكومة العراقية الشرعية وأيضاً للإدارة الأمريكية التي فقدت شعبيتها ومصداقيتها في نظر الرأي العام الأمريكية ولم تعد تعرف كيف تخرج من الورطة العراقية محافظة على ماء الوجه. لقد أدانت أغلب الجماعات المسلحة العراقية المنضمّة تحت لواء القيادة العامة للمجاهدين، تجاوزات الزرقاوي وقطعه للرؤوس وخطفه للناس وتبرأت منه ماعدا مجلس شورى المجاهدين الذي أسسه وتزعمه الزرقاوي لتفجير الحرب الطائفية في العراق وليس لمقاومة قوات الاحتلال الأمريكي فكان هو المبادر لزرع الفتنة الطائفية والتطهير الطائفي وعمليات التهجير القسري الداخلي لآلاف العائلات السنية والشيعية من مناطق سكناهم المختلطة كما نجح في ترهيب وإخراج المنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية الرسمية وأغلب البعثتات الدبلوماسية والشركات الكبرى والجهات الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية ، وساهم في تعطيل النشاط التجاري والمهني وتوفير الخدمات الضرورية للسكان بسبب التهديدات التي يرسلها هو وجماعته للموظفين والتقنيين والعاملين في مؤسسات الدولة الخدمية إلى جانب نسفها وتفجيرها وتخريب معداتها. وكانت حصيلة هذه الحرب العبثية منذ انطلاق العمليات العسكرية في آذار 2003 سقوط مابين 38000 و 42000 من الضحايا المدنيين عدا المصابين والجرحى والمعوقين والقتلى من العسكريين . وازدادت وتيرة سقوط الضحايا من المدنيين في الأشهر الستة الأولى من سنة 2006 لاسيما بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في 15 ديسمبر 2005 والمماطلة والتأجيل المستمر وغير المبرر في تشكيل الحكومة المنتخبة التي لم يكتمل نصابها إلا في أوائل حزيران 2006 وتضاعف عدد القتلى من 20 يومياً كمعدل وسطي إلى 50 شهيد يومياً وفي البصرة تفاقمت التوترات والمواجهات المسلحة وصار يسقط في كل ساعة ثلاث قتلى على الأقل وكان ما يحدث انعكاساً مباشراً للصراع على النفوذ في هذه المدينة المهمة لحياة العراق واقتصاده والنافذة التي يطل منها على العالم الخارجي وهو صراع يدور حتى بين الحلفاء داخل المعسكر الواحد والنتيجة المبتغاة هي إفشال تجربة حزب الفضيلة وإلقاء مسؤولية الفشل على عاتق الحزب ذو النفوذ المعنوي الكبير في هذه المحافظة خاصة وأن محافظ المدينة هو من حزب الفضيلة لكن القوى المسلحة والميليشيات التي تنتمي لأحزاب وقوى سياسية أخرى عراقية وإقليمية لاتريد لهذا الحزب أن ينجح في تجربة إدارته للمدينة كما ذكر ذلك مسؤول كبير في حزب الفضيلة . تهيأ المناخ الملائم للزرقاوي وأمثاله لتجنيد الشباب الغاضب والمحبط الذي لايرى أفقاً لمستقبله وحياته . فجماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين والمعروفة بالقاعدة في العراق تجند المئات وتغرر بهم وتدفع بسخاء لكل من يتعاون معها على ضرب الشعب العراقي ومؤسساته الرسمية والوطنية وقواه السياسية لاسيما الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 30 عاماُ وأغلبهم ينتمون لعشائر ألبو عيسى والبو فهد والكرابلة والزوبع وبالذات للانخراط في كتائب خالد إبن الوليد ويوجد لدى المجمعات الإرهابية مكتب إعلامي متطور يصور ويصدر وينشر ويوزع كاسيتات الفيديو والأقراص المدمجة والعديد من النشرات والأدبيات والبيانات والكتب والخطب الدعائية التي توزع مجاناً أمام أبواب الجوامع أو توزع سراً تحت العباءة بغية إقناع المنتمية والمتطوعين الجدد بصدقية وصحة الحرب التي يخوضونها ضد الاحتلال وأعوانه على حد تعبيرهم كما يستخدم خبراء الإعلام في جماعة القاعدة شبكة الانترنيت بكفاءة ولهم حضور مكثف في المنتديات على الشبكة العنكبوتية لاسيما منتديات شبكة الحسبة لبث بياناتهم وأخبارهم حيث يوجد لديهم امتدادات في الفلوجة وبعقوبة وبغداد والرمادي ويجري تجنيد المقاتلين بالسماع وتلقي الخطاب السياسي من خلال خطب الجمعة في جوامع بغداد والأنبار وتكريت خاصة من قبل العائلات الناقمة على جيش الاحتلال لكونها تكبدت خسائر بشرية مدنية وتريد الانتقام لأبنائها بأي ثمن حتى لو تحالفت مع الشيطان.
هناك مرحلة اختبار أولية أمام المجنّد في صفوفهم يثبت فيها حسن نيته وإخلاصه وجدارته وصلابته وصموده من خلال نصب العبوات الناسفة على الطرق التي تستخدمها قوات الاحتلال أو المشاركة في مهاجمة الأرتال العسكرية الأمريكية والبريطانية والعراقية يحصل العنصر المنتمي لتنظيم القاعدة في العراق على 600 دولار للمقاتل و 1000 إلى 2000دولار شهرياً حسب المهمة التي يقوم بها كنصب العبوة أو تصوير العملية العسكرية ، ويدفع مبلغ 200 دولار لكل سائق تاكسي يقدم معلومات مفيدة والوشاية والمساعدة على إيصال الإرهابيين لأهدافهم وغير ذلك من المهمات اللوجستيكية.
إن مصادر تمويل الجماعات الإرهابية في العراق متعددة ومتنوعة وكثيرة كفرض الأتاوات والضرائب الإلزامية مقابل عدم التعرض للتجار والأغنياء وهناك غنائم السرقات وأعمال السلب والنهب التي قاموا بها في الأيام الأولى للحرب وسقوط النظام الصدامي وشيوع الفوضى والانفلات الأمني حيث قاموا بالسطو على البنوك والممتلكات العامة والدوائر والمؤسسات الرسمية والحكومية وسرقة الآثار وبيعها في السوق السوداء وتجارة تزييف الوثائق وبيع الآثار الفنية واللوحات إلى جانب مصدر التمويل الأهم وهو الحصول على فدية عالية بالملايين لكل رهينة سواء من المدنيين العراقيين أو الأجانب أو الدبلوماسيين وكذلك هناك عوائد عمليات تهريب المخدرات بكافة أنواعها الخفيفة والثقيلة كالحشيشة والهيرويين والأفيون القادمة من إيران وأفغانستان وتهريبها نحو الأردن وسوريا وتركيا ومن ثم إلى أوروبا وكذلك تجارة وتهريب الأسلحة وهذه المصادر التمويلية توفر للعناصر الإرهابية والتكفيرية وأزلام النظام السابق أموالاً طائلة كافية لتمويل جيوش جرارة وشراء الذمم واستقطاب السكان الذين انقطعت عنهم سبل العيش بسبب غياب الدولة بهدف توفير الحاضنة الآمنة بين صفوفهم وضمان تعاونهم . وعندما يجتاز سائقوا الشاحنات الذين ينقلون البضائع والأشخاص بين العراق وتركيا والأردن وسورية وإيران والكويت الطرق التي تربط العراق بجواره الإقليمي وخاصة طريق الأنبار يتعين عليهم الدفع مسبقاً لقطاع الطرق والعصابات والإرهابيين أمولاً من أجل الحصول على رخصة مرور وضمان لعدم تعرضهم للهجمات والقتل .
نجحت الجماعات المسلحة في زرع الرعب وبكافة الوسائل والسبل فكل شيء مباح لهم ولا يوجد أي رادع أو وازع أخلاقي أو ديني يحول دون ذلك وهذا ما خلق حالة من التنافس العنيف بين مختلف الجماعات المسلحة والعصابات المافيوية والمزايدات بين العشائر على تقديم الولاء والحماية لمن يدفع أكثر وفساد رجال الدولة وتواطؤ الكثير منهم مع المسلحين حتى وصل الأمر إلى وزراء سابقين ونواب برلمان كحالة وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي ومشعان الجبوري الذي أخذ أمولاً تحت حجة حماية أنابيب النفط التي تمر بأراضي قبيلته الجبور بينما قام رجاله بعكس ماهو مطلوب منهم بعد أن قبضوا الملايين بطرق غير مشروعة وهذه بحد ذاتها عملية اختلاس لايسكت عنها القانون. تفاقمت حالة الاستقطاب الطائفي بين الطائفتين الرئيسيتين في العراق إلى درجة المفارقة المضحكة المبكية في آن واحد، فعند حصول الاشتباكات المسلحة في حي الأعظمية في بغداد مؤخراً بين ميليشيات شيعية وقوات تدعي أنها من الأمن العراقي من جهة وعناصر مسلحة سنية من جانب آخر لم يسمح بدخول القوات العراقية النظامية لفك الاشتباك بل سمح فقط للقوات الأمريكية بدخول الحي وفرض الهدوء والاستقرار النسبي لكون منطقة الأعظمية ذات أغلبية سنية ولأن سنة الأعظمية لايثقون بشيعة وزارة الداخلية على حد تعبيرهم . وهذا الوضع يهيئ الأرضية الخصبة والملائمة لتأجيج الاحتراب الطائفي الشامل وتسلل العناصر الإرهابية التكفيرية فصب النار على الزيت وإضرام الاقتتال الطائفي وتأجيج الحقد الطائفي . تستهدف العناصر الإرهابية أولاً وقبل كل شيء القوات العراقية في الجيش والشرطة والموظفين الكبار منهم والصغار كالمدراء العامين وغيرهم والكوادر العلمية وأساتذة الجامعات والأطباء والأخصائيين والمهندسين منذ انهيار النظام وإبّان فترة إدارة بول بريمر ومجلس الحكم وحكومتي أياد علاوي الانتقالية وحكومة الجعفري المؤقتة وحكومة المالكي الدائمة التي خرجت إلى النور في 20 أيار 2006 وكانت ناقصة لأهم ثلاث وزارت سيادية هي الدفاع والداخلية والأمن الوطني ولم يتم حسم اختيار الوزراء الثلاثة إلا في الثامن من حزيران 2006 وهو نفس يوم الإعلان عن مصرع الإرهابي الشهير أبو مصعب الزرقاوي وهذا لم يثني عناصر النظام البائد من بقيا فدائيي صدام ومخابراته وحرسه الجمهوري من استغلال الظروف لإشاعة الفوضى والخراب تحت ذريعة المقاومة ويبلغ عدد هؤلاء بالآلاف وتم اعتقال الكثير منهم بالجرم المشهود والدليل القاطع على ارتكابهم أبشع جرائم القتل والتدمير وكان بعضهم قد ألقي القبض عليه وهو يوزع الأموال ويحمل حقيبة مليئة بمبلغ 800000 دولار كما توزع الحلوى أو أرغفة الخبز في المناسبات والمآتم في المنطقة التي سماها الإعلام العالمي والعربي بالمثلث السني حيث تنتعش التنظيمات المسلحة التي تعلن عن نفسها تحت إسم المقاومة الوطنية والتي تتفاعل وتنسق وتتعاون مع التيار الإسلاموي التكفيري وباقي التنظيمات المسلحة الأخرى التي يقودها مسؤولون سابقون في مخابرات صدام وجهازه الأمني ومنتسبوا حزب البعث المنحل وأغلبها منظّمة وقوية وتتحصن في معاقل قوية كالفلوجة وحديثة وبعقوبة وتكريت والرمادي وبغداد كجيش محمد والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وغيرها وقد اعترف بذلك أحد المنتسبين لواحدة من تلك التشكيلات المسلحة مؤخراً وكانت مهمته تتلخص بالرصد والمراقبة وتشخيص الأهداف ولم يكن إسلاموياً أو متديناً بل مجرماً ومنحل أخلاقياً ومدمن على الكحول فأدلى باعترافات كاملة عن تركيبة وتحركات تنظيمه وقال أنهم يتحركون باستقلالية تامة ويخططون للمبادرات ويأخذون القرارت وينفذونها دون العودة إلى مرجعيات قيادية عليا التي تكتفي يتوفير الأموال لهم وتتكون الخلية بين 25 و 30 عنصراً يقف على رأسها قائد ميداني إلى جانب مجموعات مساعدة لتقديم الدعم اللوجستيكي كحمل الأسلحة والذخيرة ونقلها إلى مكان العملية والمئونة وتوفير المخابيء والأوكار والطباخين والمخبرين الصغار لكشف الطريق ورصد قوات الأمن والشرطة والحرس الوطني وقوات الاحتلال وأماكن تواجدها . ومع كل مجموعة هناك بعض المتطوعين العرب والأجانب لاسيما بين صفوف تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين إلا أنهم لايتجاوزون نسبة الخمسة بالمائة كما يدعي المعتقلون من بينهم والذين اعترفوا أن ألأجانب والعرب هم الأكثر شراسة وقسوة وتطرفاً ومن بين هؤلاء غالباً ما يأتي الانتحاريون المتطوعون لتنفيذ العمليات الانتحارية وهم يأتون متسللين من عدة محاور تحيط بالعراق كإيران والسعودية والكويت وتركيا والأردن وسوريا ومن جنسيات متعددة فهناك جزائريون وتونسيون ومغاربة وليبيون ويمنيون ومصريون وسوريون وفلسطينيون وأفغان وأوروبيون من أصل شيشاني أو روسي معتنقون للإسلام الخ..
الأسلحة متوفرة بكثرة وكلها جاءت من مخازن الجيش العراقي السابق وأجهزة النظام المخلوع والتي تتوزع اليوم في كل مكان وفي كل شارع فهناك أكثر من 8 مليون رشاشة كلاشنيكوف بين أيدي المدنيين إلى جانب الألغام والمتفجرات والعبوات الناسفة وتتنقل من مدينة إلى أخرى حسب الحاجة وتستخدم في تصنيع عبوات ومتفجرات بدائية وتلغيم السيارات المفخخة التي يخشاها الجنود الأمريكيون والعراقيون حيث يسهل زرعها على حافات الطرق والأرصفة والأسواق والشوارع المزدحمة بالسكان والأسواق الشعبية ومرآب السيارات والكراجات أو داخل أكوام القمامة المنتشرة في كل الأحياء في العراق وعادة ما يجري تفجير العبوات بجهاز تحكم عن بعد وجهاز التحكم التلفزيوني وهناك أسلحة أخرى كرشاش أي ك 47 ومدافع هاون وصواريخ أرض أرض وأرض جو وقاذفات صواريخ مورتر وأسلحة أخرى متطورة يقال أنها وصلت من إيران إلى ميليشيات مسلحة ترعاها طهران كما يدعي عمر وهو جنرال سابق في جيش صدام والذي يعمل اليوم مترجماً لكسب قوته وهو يعتقد أن من مصلحة طهران صب النفط على النار لزعزعة ونسف مخططات الشيطان الأكبر كما يقول الإيرانيون حيث تتدفق على العراق كافة أنواع الأسلحة والمعدات والأشخاص التابعين للمخابرات الإيرانية والذين يحملون ملايين الدولارات والدنانير المزيفة المطبوعة في إيران لفرض النفوذ والهيمنة على مناطق الجنوب العراقي من خلال الميليشيات المسلحة التي تحمل أسماء مختلفة كما يؤكد الضابط الصدامي وبقناعة راسخة لا يتطرق إليها الشك ولو للحظة واحدة وبالتالي فهو متيقن من أن العراق سائر لا محالة وبخطى حثيثة وأكيدة نحو حرب أهلية وطائفية مدمرة سوف تأكل الأخضر واليابس وهو ما يتمناه بأعماقه لأن مصير العراق وشعبه لا يهمه بل كل ما يريده هو تحقيق الانتقام وهو نفس التشخيص الذي توصل إليه روبير ماليه مدير مجموعة الأزمات الدولية المختصة بالشرق الأوسط في واشنطن والسؤال المطروح اليوم هو كيف يمكن تفادي نشوب الحرب الأهلية التي تلوح بنذرها في الأفق وتهدد العراق برمته لاسمح الله؟ هل ستنجح الخطة الأمنية التي وضعها رئيس الوزراء العراق الجديد الأستاذ نوري كامل المالكي وحكومة الوحدة الوطنية التي شكلها بشق الأنفس؟ وهل يمكنه أن يتحرر من الوصاية الأمريكية وقادة واشنطن يسرحون ويمرحون في العراق ويزوروه بصورة مفاجئة لايعلم بزياراتهم حتى أعلى رأس في الحكومة العراقية ولا يطلع على خبر وجودهم في الأراضي العراقي إلا قبل دقائق معدودة وعلى المسئولين العراقيين أن يلتقوا بهم في داخل السفارة الأمريكية في بغداد تحت ذريعة الظروف الأمنية وهذا يتنافى مع أبسط مباديء السيادة والاستقلال. على الحكومة العراقي أن تحقق الأمر الجوهري المتمثل باسترداد السيادة العراقية الكاملة والناجزة وإنهاء الاحتلال الأجنبي للعراق في الوقت المناسب الذي ترتأيه هي وتقرره بنفسها بعيداً عن أية ضغوط وتنهي التدخلات الإقليمية لاسيما من دول الجوار وبالأخص التدخل الإيراني والسوري والكويتي والسعودي والتركي وتوقف النزيف الاقتصادي والإهدار والسرقات والتبذير والتهريب وأن تضع حداً لأمراء الحرب والميليشيات التي تخلق جواً من الإرهاب ودولة داخل الدولة.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا وإيران : الشرارة التي قد لاتنطفيء
- العراق: هل سيكون كعب آشيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ...
- أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أ ...
- ما أشبه اليوم بالأمس هل دقت ساعة إيران بعد العراق؟
- العراق : بعد ثلاث سنوات من السقوط هل حان وقت تقديم الحسابات؟
- ماذا يخبيء لنا الغد في العراق؟
- العراق: تشاؤم أم تفاؤل؟
- العراق وأمريكا: إنعطافة تاريخية؟
- حكومة وحدة وطنية أم حكومة إستحقاقات انتخابية رسالة إلى رئيس ...
- من سيحكم العراق؟
- إلى أين يسير العراق... نحو الهاوية أم باتجاه نهاية النفق؟
- التهميش الاجتماعي أبعاد الظاهرة ودلالالتها
- العراق: تحديات الأيام المقبلة الدستور،المحاكمة،الانتخابات، و ...
- قراءة في كتاب: المذبحة تحت المجهر «الهولوكوست
- جورج دبليو بوش رئيس مسكون بلعنة العراق
- أمريكا ومعضلة دول محور الشر
- الاستقطابات المميتة في العراق
- المعلن والمخفي في السياسة العراقية
- كتاب العراق وأمريكا وحافة الهاوية
- آفاق الحرب العالمية لمكافحة الإرهاب


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جواد بشارة - العراق: هل وصلنا نقطة اللاعودة؟