أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهير فوزات - الحياة امتحان أم محنة!














المزيد.....

الحياة امتحان أم محنة!


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 4 - 22:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ندخل الحياة كما ندخل امتحانا بلا سابق إنذار، بعضنا مزود منذ الولادة بال(روشيتات)* والنصائح ودعم الأهل و(القلم)الذهب وكل الوسائل المُطَمئنة اللازمة، وأغلبنا بدل ذلك مزود بأثقال في معصميه... يتيم وابن الصدفة.
ما رأيته مشتركا بين البشر في كل المجتمعات رغم الفروق الواضحة بين ثقافة وأخرى هو التصنيف العمري للإنسان. في تجربة هجرتي عشت ثقافتين مختلفتين بين بلد مصنف كغني وآخر فقير، بين مجتمع مصنف كحرّ وآخر محافظ ووجدت أن التصنيف يخص المواصفات الجسدية والنفسية والطبقية بشريا وليس مجتمعيا. وكل البشر يعيشون هذه المراحل بوعي متفاوت وطبيعة قبول مختلفة:
المرحلة الأولى -الطفولة والمراهقة- هي "مرحلة التحضير" التي نمضي فيها الوقت في تدوين تفاصيل حياتنا على صفحات إحساسنا الكهرمانية غير مدركين أن وقت الامتحان يحسب علينا وغير مكترثين بالمستقبل، تركيزنا مع حاجاتنا الجسدية ولحظاتنا الراهنة. هي مرحلة الانطباعات البكر من ألم وفشل ونجاح وحب، مرحلة الأخطاء الأولى التي قد تكون قاتلة.
ثم مرحلة الشباب المبكر حتى سنّ خمس وعشرين سنة، ترانا نبدد الوقت ونستمتع بالتحديات ونعيش بتفاؤلٍ حالة الضياع التي يضعنا فيها كل سؤال، واثقين من الفوز النهائي وتحقيق النجاح الذي نضع حده الأدنى بناء على طموحنا وحاصل أمنيات من نحبهم ومن نحرص أن نرد لهم (جميل) إقحامنا في هذا الامتحان. قد نطرح الأسئلة الفلسفية ونحاول تحديد ملامحنا وتأكيد ذاتنا كما نريد لها أن تكون، عن قناعة أم وهم قناعة، إنها مرحلة "الأحلام الكبيرة"، وكلمة كبيرة هنا نسبية تماما فقد يكون حلم أحدنا/إحدانا أن يتزوج وينجب أو يحرز وظيفة مستقرة أو حياة آمنة، أو أن يسافر... لا أكثر، الهدف البعيد لتلك الأحلام هو التحرر من سلطة الأسرة والانفصال الجزئي أو الكلي عنها.
بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين نَعِي الزمن، نبدأ بمعالجة الأمور جديا والنظر إلى الأحلام ببعض الواقعية والتعقل. لا نكف عن تضييع الوقت لكننا نكف عن التمتّع بتضييعه. يصبح صرف الوقت اللازم أمام كل مسألة من مسائل حياتنا جزءا مدروسا من حلها لكننا مع هذا نظل كرماء فيه، إنها مرحلة "البطولة الفردية" وتحقيق الذات.
بين الخامسة والثلاثين والخامسة والخمسين هي مرحلة الخيبات، بدأ الوقت ينفد، وبدأنا ندرك أننا أجلنا الأسئلة الأعقد وأضعنا الوقت المهم في حل الأسئلة السهلة، تبدأ مرحلة اللهاث وراء الأحلام والشعور بضيق الوقت، بعد الخامسة والثلاثين ندرك أن ما تبقّى لنا مهما طال هو دوما أقصر من حلمنا بخطوة. يصبح وقت العبث بالكاد يكفي لتوازننا العاطفي مثل قطعة (كرواسان) صغيرة نلتهمها وقوفا لنسكت جوعنا وعيننا على المضمار، في هذه المرحلة قد نغيّر أحلامنا أو نقصّ لحاف الحلم على مقاس رجلي عمرنا. نكتشف بمرارة أن الوظيفة هي تحصيل حاصل، وأن الزواج والإنجاب أصغر من تسميته (حلم حياة)، وبأنه مجرد تمرير الشعلة لجيل جديد ورمي مسؤلية الامتحان عن عاتقنا، وأن السفر امتحان جديد يحتاج حياة أخرى كاملة لاجتيازه. ومع هذا ينجح أغلبيتنا في تجاهل الخيبة وفي تمثل القناعة كإجراء لا غنى عنه لتوازنهم الداخلي. لا يعني هذا أن جميعنا يعي خيبته طوال الوقت فقد يحدث أن يكتشف المرء في نهاية المرحلة أنه هدر كل الوقت المخصص في تفاهة اليومي والمستهلك دون حتى أن يعيش جمال التفاصيل.
بعد الخامسة والخمسين نعود لحالة الاسترخاء الأولى حتى نهاية العمر، هي مرحلة مراجعة الأجوبة وتبييض المسوّدة، قد تطول تلك المرحلة أو تقصر لا يهم فنحن نراجع ببعض الرضى وكثير الأسى منجزات حياتنا نمجّدها ونتوقف نهائيا عن ذكر ما أخفق من أحلامنا وقصّر عنه العمر، بعضنا يتوب عن أحلام الشباب الآثمة ويتجه للتعبد وبعضنا يتباهى بإنجازات أبنائه كما لو كانت إنجازه الشخصي. إنها مرحلة "عيش الموت" نمضيها وعيننا على المراقب الذي يحتكر التوقيت والذي سيسحب منا الورقة في أية لحظة.
هذا المدى العمري الذي افترضته قد يزيد مداه أو ينقص عدة سنوات لكل مرحلة، والاستثناءات التي ينجح أصحابها -بالعمل أم بالمصادفة- في تجاوز هذه الفئات هي مايبقى في ذاكرة التاريخ، لكن الاستثناء لا يكون وليد اللحظة كما في سحب ورقة يانصيب بل هو غالبا قطف ثمار متأخرة.
تقول إيزابيل الليندي التي دخلت عالم الكتابة بعد سن الأربعين:" في سن لا تطمح فيه نساء أخريات لأكثر من رفو جوارب أحفادهن اقتحمت الأدب " في إشارة منها لطبيعة هذا السن، لكن دخولها عالم الكتابة لم يكن بمعجزة بل كان حاصل عمر من تخزين التفاصيل وجمعها ومنح الوقت للقراءة والتأمل بدل النميمة على الأخريات، عمر من الموهبة المختفية خلف قناع البساطة.
غالبا تسعى الطبيعة عبر اللاعدالة الفجة لخلق نوع من التوازن المشبوه بين الناس فتجد الأشخاص المولودين بمواهب استثنائية بقيود في المعصمين وأغلال في الكاحلين وكأن فك تلك القيود هو جزء طبيعي من الامتحان بينما يولد آخرون بلا موهبة ولا (حِسّ حلم) بملعقة مذهّبة في أفواههم فيكسبون وقتا ليسوا بحاجته ربما.
يقول شكسبير: "عمري أطول بكثير من أن أقضيه دون فعل شيء وأقصر بكثير من أن أفعل شيئا مهما"
هذا التصنيف قد يبدو نكتة من وجهة نظر شخص عادي بأحلام صغيرة، وربما يكون لذوي الأحلام الكبيرة إنذارا مبكرا لمحاولة كسب وقت المرحلة الأولى.
المهم أن نحتفظ بحلم أن نكون الاستثناء ونتعلق بحبال الأمل التي تطول لحسن الحظ فتعطي لحياتنا بأكملها معناها الخفي الذي لا يمكن العيش دونه.
*روشيته كلمة فرنسية الأصل تعني الوصفة وهي في القاموس الطلابي السوري أوراق صغيرة الحجم تحوي معلومات مكتوبة بشكل منمنمات يدخلها الطالب معه الى قاعة الامتحان يلخص فيها أهم المعلومات التي قد تنفعه في الإجابة الصحيحة. وكان معظم أبناء المسؤولين يجدون فيها الإجابات الجاهزة للأسئلة المسربة إليهم بفضل نفوذ آبائهم.



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة المسلمة في مرآة غربية -قراءة في كتاب
- التوريث والأحلام المسروقة
- الحقيقة القاتلة :قراءة في فيلم صندوق العصفور Bird box 2018
- رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة
- الرجل والعادة الزرّيّة
- الأمومة ليست مجرد الإنجاب وليس الطفل ملكية
- تائي المربوطة: أما آن لها الانعتاق؟
- لم أتعلّمْ!
- الباب المتبقّي
- رمضان يزيد غربتي
- حبرٌ أبيضُ
- إن كنت مثلي
- المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء
- ما هو إلا بعض الخدر
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي
- الحب... وفخ العيش المشترك
- بحيرة الحقيقة
- قصة لن تنتهي
- قيس وليلى...والذئب


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهير فوزات - الحياة امتحان أم محنة!