|
د. جميل نصيف مربيا اكاديميا مجدا
طه رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 6472 - 2020 / 1 / 25 - 02:42
المحور:
الادب والفن
من حسن حظي باني تتلمذت على يد المعلم الكبير د.جميل نصيف خلال دراستي، مطلع السبعينيات، في قسم المسرح باكاديمية الفنون الجميلة، حيث كان نصيف يدرسنا مادة "تاريخ الادب المسرحي" وهي مادة في صميم تخصصه بالدكتوراه التي نالها من الاتحاد السوفيتي السابق. كان يحظى، كاستاذ، باحترام كبير من قبل الطلبة والاسرة التدريسية على حد سواء. كان يمتلك " كارزما" متميزة تثير في نفس المقابل الاحترام المشوب بخشية خفية من شخصه. وكان صاحب ذائقة نقدية متميزة في مجال المسرح، فبينما اتفق اغلب المسرحيين على ان مسرحية " النخلة والجيران" التي اخرجها الراحل قاسم محمد، اواخر الستينيات، لفرقة المسرح الفني الحديث، حدثا مسرحيا رائدا وفاصلا في تاريخ المسرح العراقي، اعتبرها د. جميل نصيف مجموعة مشاهد ركبت مع بعضها ولم ترتق لمفهوم " المسرحية " بعناصرها المعروفة! مرة وجدته يدخن، حينها كنت في السنة الاولى، فحاولت ان " اتحرش" به قائلا : استاذ اليس التدخين مضرا بالصحة؟ فاجابني بانه لا يدخن الا سيكارة واحدة في اوقات متباعدة جدا، مؤكدا على ان جسم الانسان يحتاج احيانا الى كمية قليلة من " النيكوتين"..فاجبته: ولكن حكم الجزء كحكم الكل ( واقصد لا فرق بين سيكارة واحدة او علبة كاملة!) فقال لي وبلهجة لا تخلو من صرامة : انت يا بني اما انك ذكي، او تدعي الذكاء! وهكذا اشعرني بحجمي الحقيقي امام رجل علمي اكاديمي، وكان يجابه سلطة البعث الغاشمة، انذاك، بنقد لاذع بالرغم من علاقة القرابة العائلية التي تربطه بهرم السلطة! كان د. جميل نصيف معروفا بصراحته وباطلاق اراء لا مجاملة فيها؛ في ربيع احد سنوات الدراسة كانت صفوف الكلية مزينة باوراق ملونة للاحتفال بتاسيس حزب البعث الحاكم! طَرَقَ احد منتسبي منظمة السلطة الطلابية " الاتحاد الوطني" باب الصف وكان الاستاذ نصيف مسترسلا بالقاء محاضرته علينا. اوقف المحاضرة. استاذن الطالب بقراءة اعلان يخص الطلبة، فما كان من الاستاذ الا ان يعنف الطالب ومنظمته الطلابية على انعدام الذوق بتزيين الصفوف بهذه الطريقة التي تخلو من الذوق الفني والجمالي. من جانبنا، نحن المعارضين للسلطة، كان فرحنا لا يوصف بما صرح به الاستاذ ضد ممثل السلطة الطلابية! الاساتذة الجادون بتدريس موادهم في كلية الفنون الجميلة كانوا قلة ومن بينهم د.جميل نصيف، وكانت مادته من اصعب المواد، لانها تعتمد التفكير والتحليل والاستنتاج وليس الحفظ الالي عن ظهر قلب! اما الاسئلة التي كان يطرحها ايام الامتحانات فلم تكن تقليدية، اذا انها تعتمد، في حقيقة الامر، على فهم جوهر مادة الادب المسرحي. وكان يسمح لنا، اثناء الامتحان، بفتح الكتب والمصادر الدراسية التي في متناول اليد، لسبب بسيط وهو عدم وجود الحلول في الكتب بل في "الراس" الذي قرأ هذه الكتب، وعلى سبيل المثال كان يطرح اسئلة مازالت تحمل حيويتها وتبحث عن اجوبتها: "تتبع الخط الدرامي في مسرحية اوديب ملكا لسوفكليس" . وسؤال اخر : لماذا الجوقة في المسرحية الفلانية من النساء؟! او ما ضرورة " الشبح " في مسرحية هاملت لشكسبير؟! هكذا كان يطرح الاسئلة التي تقودك لقراءة عشرات المصادر، او ربما المئات، كي تتسلح بثقافة مرموقة تسهل عليك الحصول على اجابات مناسبة للاسئلة المطروحة. كان يتحلى د. جميل نصيف بفهم ماركسي للحياة وللتاريخ وبحس جمالي وبثقافة تنويرية مرموقة سهلت عليه كيفية ايصال رسالته التعليمية لابنائه الطلبة الذين احبهم واحبوه باحترام كبير لشخصه ولمواقفه النبيلة.
#طه_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختتام فعاليات مهرجان المسرح العربي في العاصمة الاردنية - عم
...
-
المسرح والحضارة الانسانية
-
التظاهرة المسرحية العربية الكبرى! المسرح : معمل الاسئلة ومشغ
...
-
بيض البرلمان الفاسد!
-
النهوض بالمسرح العربي
-
القصدية في العمل الفني
-
سامي عبد الحميد..مشروع لم يكتمل
-
ابن -اللوَه-.. تَرَجَّل قَليلاً!
-
الفن والثقافة وجها الحضارة الناصع!
-
عوق أفكار الدكتاتورية!
-
أفاق المسرح العربي والدعم المرتجى..
-
لماذا الاحتفاء بثورة ١٤ تموز؟
-
القبعات الحمر- يجوبون بغداد في مسيرات آلية
-
الآثار والحفاظ عليها
-
موقف المثقف مسؤولية تاريخية
-
الطوق والاسورة
-
تعديلات مقترحة لقانون الجنسية العراقية
-
متى يتعظ الحكام؟!
-
سقوط الصنم ام سقوط افكاره؟!
-
نادية وبنات شلال!
المزيد.....
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
-
-ليالي الفيلم السعودي-في دورتها الثانية تنطلق من المغرب وتتو
...
-
أصداء حرب إسرائيل على غزة في الشعرين الفارسي والأفغاني
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|