أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طه رشيد - القصدية في العمل الفني














المزيد.....

القصدية في العمل الفني


طه رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 6419 - 2019 / 11 / 25 - 01:11
المحور: الادب والفن
    


فك أسرار عمل تشكيلي رسما كان او نحتا يشبه إلى حد ما قراءة الفنجان! فكل متلقي يقرأ ما يراه بتاويل شخصي حسب ثقافته وموقعه الاجتماعي وميوله، ومن النادر أن تجد عشرة مشاهدين لمعرض تشكيلي واحد يتفقون على تفسير واحد للوحة المعروضة. وهذا يشمل كل المنجزات الفنية التشكيلية سواءً كانت فطرية ام قصدية. وبخصوص الأعمال النحتية نشير هنا إلى فنان يكاد أن يلفه النسيان هو الفنان الراحل منعم فرات، الذي جاء بعد جواد سليم بحفنة من السنين، وهذا الفنان رغم فطرته، كانت له لمسات قصدية بمعظم منجزاته. اما فناننا موضوع البحث والاحتفاء الراحل جواد سليم فإنه يشترك مع فرات بامتلاك الموهبة ويبتعد عنه في موضوعة العفوية، إذ أن جواد نشأ في عائلة فنية لها علاقة وطيدة مع الثقافة بكل جوانبها بالإضافة لغور جواد سليم شخصيا أسرار العمل التشكيلي من خلال الدراسة الطويلة لهذا الفن وتمحيصه وتدقيقه بكل ما يحيط بجوانب هذا الفن عراقيا وعالميا. ليس هذا فحسب بل إنه انكب على دراسة الجوانب المضيئة في التاريخ العراقي بحضاراته القديمة خاصة، والعالمي بشكله العام، وتجلى ذلك في معظم اعماله، وخاصة في نصب الحرية، الذي سرد فيه أحداث رافقت تاريخ العراق مازجا خلالها بين القديم والحداثة حيث تخلل النصب الفنون والنقوش البابلية والآشورية والسومرية والاغريقية،
مستفيدا، جواد سليم، من الدفق اليساري الذي كان سائدا مع مطلع النصف الثاني للقرن الماضي، والنظريات الجديدة في علم الجمال ومن قراءاته للماركسية وتشعبات الدراسات التي انطلقت منها في علم الجمال والفلسفة المادية التاريخية والديالكتيك. ونعتقد أن اطلاعه على تلك النظريات، بالإضافة إلى تبنيه هموم الكادحين وشغيلة اليد والفكر هو ما جعله منسجما، روحا وفكرا، مع ثورة الرابع عشر من تموز 1958، التي زلزلت العراق والمنطقة على حد سواء. لم يكن جواد سليم متفرجا أو فنانا عاديا، لقد كان فنانا عضويا بحق كما تحدث غرامشي عن دور الفنان في المجتمع وتأثيراته الإيجابية فيه، من خلال إعادة إنتاج وعي المتلقي، بعيدا عن نظرية الفن للفن، هذه النظرية التي لم تستطع أن تصمد أمام حقيقة تقول بأن كل ما نخلقه من ابداع وجمال هو من أجل المتلقي- الانسان، مهما استتر المعنى خلف النظرية.
وفي قراءة مبسطة لاشهر أعمال جواد سليم وهو نصب الحرية في ساحة التحرير ساحة الاحتجاجات الكبرى، نجد انه ينم عن وعي وحرفية وموهبة ومقدرة فذة في تجسيد تطلعات الشعب.
لاحظ جواد سليم الحشود الجماهيرية الكبرى التي كانت تخرج للشارع طوعا في المناسبات الوطنية، ونذكر منها على سبيل المثال، التظاهرة المليونية في الأول من ايار 1959, في وقت كان عدد نفوس العراق لا يتجاوز ثمانية ملايين نسمة! وكانت التظاهرة ترفع لافتات تشيد بالثورة، وتنتصر للمرأة، وتدين مؤامرات الاستعمار والرجعية وتشيد بدور العامل والفلاح والكادحين في بناء الوطن. ومن هنا ارتأى جواد سليم أن يكون عمله على شكل لافتة يستضيء بها قلب بغداد - ساحة التحرير.
تشكل النصب من 14 قطعة من المصبوبات البرونزية المنفصلة في مواقعها على اللافتة ولكنها متصلة في معناها المترابط ليسجل تاريخ الشعب العراقي المليء بالتضحيات. يبدأ المشهد بالحصان دلالة الغليان والتمرد والاضطراب حيث ينتهي المقطع الاول بسقوط الشهيد، ليتوسط العمل مشهدا مؤثرا اخر هو الجندي الذي يكسر قضبان السجن في وسط النصب لما فيهِ من قوة واصرار ونقطة تحول تنقل قصة النصب من مرحلة الاضطراب والغضب والمعاناة إلى السلام والازدهار المرتقب ببقية أجزاء النصب. اللافت للنظر في هذا العمل هو اخر قطعة برونزية حيث العامل واقفا يمسك بمطرقته وبعده صفحة برونزية مطوية باتجاهه وكأنها تغلق المشهد وهذا يقودنا الى الدلالة الفكرية للفهم الماركسي السائد آنذاك بين المثقفين، وبالأخص اليساريين، بأن الطبقة العاملة ضمن الحتمية التاريخية هي التي ستنتصر وتنشئ دولة الحق والمساواة والعدالة.
هذا العمل الضخم، الذي أصبح مَعْلما ليس للعراق فحسب بل لكل المنطقة، آثار حقد القوى الرجعية والمتطرفة، وما أن استولت القطعان الفاشية لحزب البعث على السلطة في ٨ شباط٦٣، إثر نجاح انقلابهم الدموي، حتى قاموا برشق النصب بالرصاص، وما زالت آثار الاطلاقات موجودة على النصب ليومنا هذا.



#طه_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سامي عبد الحميد..مشروع لم يكتمل
- ابن -اللوَه-.. تَرَجَّل قَليلاً!
- الفن والثقافة وجها الحضارة الناصع!
- عوق أفكار الدكتاتورية!
- أفاق المسرح العربي والدعم المرتجى..
- لماذا الاحتفاء بثورة ١٤ تموز؟
- القبعات الحمر- يجوبون بغداد في مسيرات آلية
- الآثار والحفاظ عليها
- موقف المثقف مسؤولية تاريخية
- الطوق والاسورة
- تعديلات مقترحة لقانون الجنسية العراقية
- متى يتعظ الحكام؟!
- سقوط الصنم ام سقوط افكاره؟!
- نادية وبنات شلال!
- لن نسكت!
- مشتركات المسرح العربي
- عودة الكفاءات ومستلزمات التشجيع جواد الاسدي نموذجا
- المرأة شريان الحياة والقها الدائم
- الطابور الخامس العراقي!
- نخلة عراقية منسيّة!


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طه رشيد - القصدية في العمل الفني