أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - سنة وثلاثين سنة مرت على انتفاضة يناير 1984















المزيد.....


سنة وثلاثين سنة مرت على انتفاضة يناير 1984


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 6464 - 2020 / 1 / 14 - 23:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عرف المغرب منذ ستينات القرن الماضي العديد من الانتفاضات الشعبية ، كان اولها انتفاضة مارس 1965 ضد سياسة التعليم ، وضد التفقير والتجهيل ، وضد الميز والعنصرية ضد ابناء الشعب المغربي ، ثم كانت هناك انتفاضة يونيو 1981 بالدارالبيضاء التي دعت اليها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، يساندها في ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب زمان وليس حزب الآن ، ثم كانت هناك انتفاضة يناير 1984 بمراكش وبالشمال ، وأخيرا كانت انتفاضة 1990 بفاس ، وببعض المدن المغربية .
هذا ولا يمكن ان نعتبر 20 فبراير انتفاضة ، بل كانت هبّة شبابية سرعان ما تم اخمادها من قبل النظام ، وبالتعاون مع الاحزاب ، والنقابات ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب التقدم والاشتراكية ، حزب المؤتمر الوطني الاتحادي ، جبهة القوى الديمقراطية ، حزب الاستقلال ، قيادة ومليشيات نوبير الاموي بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، وقيادة ومليشيات الاتحاد المغربي للشغل اضافة الى حزب العدالة والتنمية ) . اما موقف ودور حزب النهج الديمقراطي فظل يتراوح بين مطلب الملكية البرلمانية مرة ، ومرة يصرح بعدم الالتزام باي سقف في المطالب التي يمكن ان تؤدي الى الجمهورية .
بطبيعة الحال هنا فان الحزب كان يراهن على المد العددي لجماعة العدل والإحسان التي لم يتردد قيد انملة في التنسيق معها ، حيث ان الجماعة بدورها حين انخرطت في الحراك الفبرايري ، فإنها لم تلتزم بسقف واحد في المطالب السياسية ، بل انها كانت ترى في عدم الالتزام بسقف ، يجعلها اكثر قربا من الجماهير التي كانت مغيبة في مسيرات ، ولا اقول تظاهرات 20 فبراير .
لكن ان خروج الجماعة المبكر بعد ان قضت وثرها من الحراك ، وبعد ان حققت اهدافها المغازلة للنظام الذي كانت تعتقد انه يجهل قوتها التي ابانت عنها خلال الحراك ، جعلها تنسحب مخلفة وراءها صدمة ، سواء لرفاق النهج الذين قرروا التحالف معها ، او بالنسبة للرأي العام الذي صدمته الجماعة بموقفها الغير معلن . والذي زاد من فقدان الثقة بالجماعة ، ان احد مسؤوليها القياديين ، ارجع سبب الانسحاب ، بكون 20 فبراير قد استنفدت زخمها ومهمتها ، وان الاستمرار في المسيرات ، يعني الوصول الى الاعتصام بالساحات العمومية ، وهذا سيتسبب في اراقة الدماء التي تتعارض مع سياسة ، وفلسفة الجماعية التي هي التركيز على السلمية في العمل السياسي ، والجماهيري . والسؤال هنا للجماعة التي اضحى موقفها مبهما ومضببا . هل هناك من ثورة حصلت في التاريخ بدون اراقة الدماء ؟ .
وبالرجوع الى الانتفاضة الجماهيرية في يناير 1984 ، سنجد انها وبدون تنسيق مسبق ، انخرطت فيها المكونات السياسية الاساسية الفاعلة في الساحة الجماهيرية . فمن جهة سنجد منظمة الى الامام تتبوأ الانتفاضة بمراكش ، وبالعديد من المدن المغربية مثل الرباط ، و من جهة سنجد الحركة الاسلامية الى جانب اليسار الماركسي اللينيني يتبوءان الانتفاضة بالريف وبالشمال ، حيث كانت المظاهرات تخرج بالآلاف من المساجد ، رافعة الشعارات الاسلامية في المواجهة مع قوات الامن والجيش ، وحاملين صور الخميني .
فهل كانت الانتفاضة الجماهيرية من اجل عرقلة عودة النظام الصهيوني لأنوار السادات الى حظيرة ( الجامعة العربية ) ، جامعة الحكام العرب ، ام ان هناك اسبابا اخرى اقتصادية ، واجتماعية هي من فجر الانتفاضة التي اغرقها النظام في بحر من الدم ، حيث كانوا يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين من الطوافات العسكرية . .
قبل الانتفاضة الينايرية ( يناير ) لسنة 1984 ، عرف المغرب خلال الثلاث عقود التي سبقت الانتفاضة ، عدة هزات وانتفاضات شعبية ، قاسمها المشترك ، سخط اوسع فئات الشعب ، واحتجاجها على الحرب التي تشنها عليه الطبقات الحاكمة ، ولم تكن تلك الانتفاضات في العمق إلاّ ممارسة فعلية لحق الشعب في الدفاع عن قوته اليومي ، وعن حقه في الشغل ، والصحة ، والتطبيب ، والسكن اللائق ، والتعليم ، والحرية ، والمساواة ، والتأصيل لدولة العدالة ، ورفض دولة الظلم .. لخ
كانت المرحلة في الحقيقة مرحلة ترتيب الاوراق بالنسبة للنظام ، والأحزاب السياسية ، استعدادا للدخول في حلقة جديدة لما يسمى ، ولا يزال الى يومنا هذا ب " المسلسل الديمقراطي "، بعد المهزلة الانتخابية في سنة 1983 التي تواطأ فيها المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، ضد جناح " اللجنة الادارية الوطنية " ، الذي تعرض لقمع لم يسبق له نظير . وكان الواقع الاقتصادي المكشوف امام الجميع ، يفند كل ادعاءات الاقلاع الذي لا نزال فيه حتى الآن ، والخروج من الازمة التي كان يروج لها خبراء الاقتصاد الرأسماليين ، إذ لم يزدد الوضع إلاّ تأزما ، مغرقا البلاد في مزيد من البؤس ، والفقر والشقاء ، مقابل اغتناء حفنة من البرجوازيين الكمبرادوريين ، والاوليغارشيين . لقد كانت الوضعية الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب قبل الانتفاضة كما يلي : :

1 ) اصبح اكثر من نصف سكان المغرب ، يعيشون تحت عتبة الفقر ، اكثر من اربعة عشر مليونا منهم ، لم يعد يتعدى مصروفهم اليومي ثلاثة دراهم ونصف ، في حين زاد ثراء الاقلية المخزنية ، وإخطبوطها من الاحزاب الدائرة في فلكها ، كما زاد تهريب العملة الصعبة بطرق غير قانونية ، وفتح حسابات وهمية بابناك ، ومصاريف اوربية خارج الوطن
2 ) تضخم حجم المديونية التي صارت تشكل اكثر من 85 في المائة من الناتج الداخلي الخام ، بينما لم تكن تفوق 17 في المائة عشر سنوات من قبل . ولتمكين الدولة من الحصول على قروض جديدة عمومية وخصوصية ، وجب عليها الخضوع لبرنامج " تثبيت الاوضاع " الذي تضمنته اتفاقية " ستاند باي " ، الذي وقعه النظام مع صندوق النقد الدولي ، ومن ضمنها :
. --- تخفيض العملة الوطنية ب 10 بالمائة
--- خفض ميزانية الاستثمار بحوالي الثلث .
. --- حذف ما يقارب من 20 الف منصب مالي
--- الغاء الدعم للمواد التي يستهلكها الشعب مثل السكر ، الزيت ، الطحين ، الارز ، البنزين ، الزبدة ، الغاز والمحروقات .. لخ ، وإقرار ما يسمى ب " حقيقة الاسعار " ، اي رفعها وجعلها ترتفع باستمرار ، وتحريرها من القيود التي تحول دون ارتفاعها .
. --- التخطيط للإجهاز على صندوق المقاصة
--- الزيادة في قيمة وعدد الضرائب والرسوم المخزنية .
. --- مراجعة مجانية التعليم ومنح الدراسة وإخضاعها للتقليص
وبتكامل مع ارتفاع لهيب الاسعار في سنة 1983 التي اكتوت منها الفئات الفقيرة ، شهدت البطالة توسعا كبيرا ، شملت الى جانب آلاف الفلاحين الفقراء ، ضحايا الجفاف ، والسياسة الفلاحية الطبقية ، التي اسقطت مداخلهم من الزراعة ، والمواشي الى الحضيض ، مما دفع بالكثيرين منهم الى بيع اراضيهم الزراعية بأبخس الاثمان ، والى النزوح بأعداد كبيرة نحو الاحياء القصديرية في المدن الكبرى ، مثل الدارالبيضاء ، والرباط .
والى جانب هؤلاء ، شملت البطالة اعدادا هائلة من العمال المسرحين ، نتيجة اغلاق مجموعة من المعامل ، او تقليص لعدد عمالها مثل معمل ( كوصيما ) ، شركة ( ماديسون ) ، الشركة الشريفة للمؤسسات الكهربائية ... لخ ، وأعدادا اخرى من خريجي الجامعات ، والمعاهد العليا ، ومدارس التكوين المهني ، والمطرودين من مختلف المستويات التعليمية .
هكذا في خطاب الملك في ديسمبر 1983 ، تم الاعلان عن اجراءات تقشفية جديدة ، جندت لها الطبقات السائدة ، كل ابواقها وإمكاناتها الدعائية ، وتم الاعلان عن القيام بإحصاء وطني عام للدخل ، سرعان ما تحول ليصبح محدودا ، ليقتصر فقط على ذوي الدخل الضعيف ، والمتوسط . وهنا لا ننسى وزير الدولة مولاهم احمد العلوي في احدى افتتاحيات التي كان يكتبها له المرحوم ستيتو البودالي في جريدة ( ماروك سوار ) ، حين جرّم كل من يدعو الى احصاء مداخل الاثرياء من اجل معاينة واقع توزيع المداخيل ، وإعادة التوازن الى هذا التوزيع ، وذلك اتباعا " للفضيلة والتقاليد الإسلامية . " .
لقد كشفت الاحصائيات الاولية في العاصمة الرباط مثلا ، عن تفشي الفقر المدقع في الاحياء الشعبية في احلك صوره :
--- لجوء عدد من المواطنين الى السكن في بعض الاضرحة مقابل اداء بعض الدراهم .
، --- لجوء عدد من المواطنين في السكن في اصطبلات باب الرحبة بالمدينة القديمة المطلة على وادي ورقراق
--- اعتماد عدد من الاسر على اعالة بناتها المدفوعات الى ممارسة البغاء .
--- وجود حالات كثيرة تقتسم فيها ثلاث اسر غرفة واحدة ، يحول بينها إزار من القماش .
--- تفشي ظاهرة الهروب عن الزوجة ، والأطفال بسبب العجز عن اعالتهم .
--- وجود عدد كبير من المواطنين العاجزين عن تسديد اسعار الكراء ، والمتابعين امام القضاء ، والمهددين من قبله بالإفراغ والتشرد .
كما تميز الوضع السياسي بالتضييق على الحريات السياسية ، والنقابية ، ضد المناضلين السياسيين ، والنقابيين الحقيقيين ، من عمال ، وفلاحين ، وأساتذة ، وطلبة ، وتلاميذ ، ثم المنع الجائر الذي طال مجلات تقدمية مثل الجسور ، الثقافة الجديدة ، البديل ، الزمان المغربي ، المحرر ، والإعلامية عن طريق اخضاع كل الجرائد الغير الرسمية ، للرقابة المسبقة القبلية مع الابداع في اجراءات الحجز والمنع .
شرارة الانتفاضة : مدينة تطوان نموذجا : ان تركيزنا على مدينة تطوان لا يعني ان المدن الاخرى كانت اقل خطورة ممّا حصل بتطوان ، بل ان ما حصل مثلا بالناطور ، وبمدن الشمال ، كان تصفية جسدية لمواطنين مهمشين ، ذنبهم انهم طالبوا باقتسام جزء من ثروة بلدهم التي يحتكرها وينهبها النظام الاقطاعي ، الاوليغارشي ، والكمبرادوري المنتمي الى الزمن الميّت .
كانت البداية يوم الثلاثاء 17 يناير 1984 بمظاهرات للتلاميذ احتجاجا على ارتفاع تكاليف التسجيل ، وانجاز الملفات المدرسية ، وضد الغاء المنح الدراسية ، وتزايد النخبوية ، والعنصرية ، والحگرة .
ويوم الاربعاء ، التحق الطلبة بالتلاميذ ، ونزلوا بدورهم الى الشارع ، مرددين نفس شعارات يوم الثلاثاء . ونظرا للفقر ، والتهميش ، والعزلة ، انضمت اليهم جماهير العاطلين ، والفلاحين المعدمين ، والتي ما فتئت تلجأ منذ بضعة سنوات ، وبإعداد متزايدة الى المدن طلبا لمصدر عيش غير مضمون وأكيد .
ومما زاد في التأجيج ، تعزز المظاهرات بالمشاركة الواسعة للعمال الذين وجدوا ، ويجدون انفسهم في وضع لا يحسدون عليه ، وبسرعة فائقة تحولت المظاهرات ، الى انتفاضة تسوناني حارق ، يهاجم فيها المتظاهرون كل شيء يرمز للغنى والسلطة والجاه .
وطيلة يومين كاملين ، الثلاثاء ، والأربعاء ، كانت المدينة في يد مجموعات المتظاهرين ، الذين ظلوا يرددون الشعارات المناوئة لشخص الملك ، وللملكية والنظام ، ويطالبون بإلغاء الزيادات الظالمة في مختلف الاسعار . وتمام هذا الحال ، لم تتمكن الشرطة ، والقوات المساعدة من الرد ، او التغلب على الموقف لاحتوائه ، نتيجة تجاوز الاحداث لها . ويجب القول هنا ، ان استراتيجية ادريس البصري وزير الداخلية ، ارسلت اغلبية البوليس ، لتتمركز بأكبر مدينة بالمغرب الدارالبيضاء ، لضمان سلامة وامن مؤتمر القمة الاسلامية ، و خاصة وان شبح انتفاضة يونيو 1981 التي وصفها الوزير المقبور بشهداء كوميرة ، لا تزال خطورتها تفعل فعلتها في ذاكرة النظام العقيمة .
ودون شك ، فان هذا العامل ، لعب دورا في الانتشار السريع للحريق الذي يعصف بالنظام المهدد بالسقوط . ولم تتوصل قوى البوليس بالمدينة بتعزيزات إلاّ مساء يوم الخميس ، وبدأت في اطلاق النار على المواطنين المنتفضين ، وفي صباح يوم الجمعة ، دخلت مدرعات الجيش الى المدينة قادمة من الصحراء ، واخذ العسكر المرسل من الجنوب بكل سرعة ، في اطلاق النار على اي شيء يتحرك ، او يخيل انه يتحرك .
هكذا تحولت الاحياء الشعبية ، بعد تطويقها ومحاصرتها ، الى ميدان لقمع خطير ، فكان الجيش ، والدرك ، لا يترددان في اطلاق النار على كل واحد يفتح بابا ، او نافذة .
هذا واستمرت الاعتقالات طيلة يوم السبت ، والأحد ، والأسبوع اللاحق ، حيث تم اعتقال اكثر من 700 مواطن . اما الضحايا فعددهم كبير جدا ولا يتصور على بال ، ومن ضمنهم العديد من الشباب والأطفال .
وهنا لا ننسى ان الانتفاضات في الناظور ، والحسيمة ، وطنجة ، والقصر الكبير ، واصيلا كان على الاقل بنفس الدرجة من العنف .
فهل من علاقة بين مؤتمر القمة الاسلامية بالدرالبيضاء ، وانتفاضة يناير 1984 ؟ :
ان هذا مثل هذا التفسير التبسيطي ، يوجد في فكر النظام الاختزالي الذي اعتبر ان القصد من الانتفاضة الجماهيرية ، هو الحيلولة دون " عودة مصر الى الحظيرة الاسلامية ، والى الصف العربي " ، بحيث ان النظام لم يتردد في اتهام الموساد الاسرائيلي بالوقوف وراء الانتفاضة .
ان مثل هذا التفسير الذي ينشد الهروب الى الامام ، والى اخفاء الرأس في الرمل ، لا يستقيم مع ما انتجته الاحداث السابقة ، والمتواصلة واللاحقة .
فقبل انعقاد المؤتمر ، انفجرت الحركة في نحو عشرين مدينة ، وحاضرة ، وبدأت اصلا منذ اليوم التاسع من شهر يناير في مدينة مراكش بصورة عفوية ، ومثل انفجار 9 يونيو 1981 ، كانت هي بدورها عفوية على الرغم من ان مناسبتها ، كانت دعوة للإضراب العام الذي وجهته الكنفدرالية الديمقراطية للشغل . ف ( ك د ش ) دعت الى الاضراب العام ، لكن الجماهير تجاوزت الاضراب الى الانتفاضة ، وتحولت هذه الى مجزرة دامية بفعل تدخل الدرك ، والجيش .
ان الوضع الذي كان سائدا في معظم المدن المغربية ، ولا سيما كبرياتها يقدم تفسيرا اوليا لذلك . ان الملاحظين من مغاربة مهتمين بالشأن العام ، وأجانب اوربيين ، يجمعون على ان الدارالبيضاء ، تحولت تدريجيا الى ريوديجانيرو برازيلية جديدة ، إذ يكفي ان تقترب ساعات الليل الاولى ، حتى تفرغ الشوارع نتيجة انعدام الامن .
اما السياسة الداخلية ، فقد ضعفت الاحزاب ، وتم افراغها من مضمونها التاريخي والفلسفي ، فأضاعت مصداقيتها ، حيث ان ادخال الملك لوزيرين عن الاتحاد الاشتراكي ( عبدالرحيم بوعبيد وعبدالواحد الراضي ) ، كانت مهمتها الاساسية رفع الاسعار ، كان كافيا لحرق الكثير من مصداقيتها التي اكدتها بعد المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 . هكذا سيتحول عبدالرحيم بوعبيد ، وجماعة المكتب السياسي الى سجناء لمناضليهم المسجونين . ان الصراع الذي عرفه الحزب بين المكتب السياسي ، وبين اللجن الادارية الوطنية ، حول المشاركة او مقاطعة الانتخابات في يونيو 1983 ، ادت الى ازمة اخلاقية عامة ، حين استقوى بوعبيد بوزارة الداخلية ، لحسم الخلاف مع المعارضين الذين يدْعون الى مقاطعة الانتخابات ، ووقف كل تنسيق ، او تعاون مع النظام ، وهي اطروحة لاقت تعاطفا كبيرا داخل الحزب ، بحيث ان بوسع المرء ان يتصور ، انه لولا وجود هؤلاء " الخوارج " داخل السجن ، لأصبحوا يكوّنون الاغلبية داخل الحزب ، كما لا ننسى هناا ، استقواء المكتب السياسي ، وبالضبط عبدالرحيم بوعبيد بالسلطة ، لحسم معركة فرع مدينة بني ملال .
هكذا فان الملك بات يملك ، عبر قدرته على اخراج هؤلاء من السجن ، ان يمزق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرة اخرى ، وهو الوضع الذي كان يجبر عبدالرحيم بوعبيد ، على مواصلة تعاونه مع النظام ، وان يقبل كما فعل بموافقته المشاركة في الانتخابات ، الموافقة على المشاركة في حكومة كريم العمراني .
ومما يعزز تحليلنا هذا ، ان الحزب دخل الحكومة مرغما ، ويكون الحسن الثاني بهذه المناورة السياسية الجديدة ، قد سجل نصرا باهرا على المهدي بن بركة في قبره ، لأنه وضع حزب المهدي بين خطر الانقسام ، وبين خطر فقدان المصداقية . اليوم الحزب انشطر الى شظايا صغيرة ، وفقد مصداقيته التي اضحت مجرد عنوان يتاجر به البورصيون ، والانتهازيون الذين تمخزنو اكثر من المخزن ، فأصبحنا نسمع وبدون خجل ، او حياء عن حكومة صاحب الجلالة ، ومعارضة صاحب الجلالة .
فهل نجح النظام بمناوراته السياسية ، في قتل الاحزاب ، ام انه اخطأ في ذلك :
ان الحكم ومن خلال هذه المناورات السياسية المهزوزة ، فهو لا يصفي بذلك الحسابات مع المعارضة اليسارية وحسب ، بل انه يصفي حساباته مع " الحزبية " عموما / والدفاع عن الحزبوية الفارغة من اي مضمون تأطيري ، او تنظيمي ، او أيديولوجي ، او تاريخي ، او شعبي .
ذلك ان من الواضح ، ان النظام المريض بفوبيا اليسار ، وبفوبيا الاسلام السياسي ، يريد ان يخلق احزابا ( لتأمين الواجهة الليبرالية الضرورية للمغرب ) ، على ان تكون صورية فقط . ان النظام يريد احزابا على شاكلة التجمع الوطني للأحرار ، الاتحاد الدستوري ، الحركة الشعبية ، مجموعة لشكر ، وليس حزب المؤتمر الثاني ، والثالث ، والاستثنائي ، مجموعة نبيل بنعبدالله ، وليس حزب عزيز بلال ، مجموعة شباط الذي يستعمله النظام في طريق شق حزب الاستقلال ، وإضعافه مثل الاتحاد الاشتراكي ، بل هو لا يقبل حتى احزاب النيو – مخزن التي ترفع بعض الشعارات التي لا علاقة لها بماضيها الراديكالي ، فرغم دخولها الحظيرة المخزنية بحسن نية فهو لا يطيقها . كما يريد احزابا على غرار " حزب الاصالة والمعاصرة " ، حزب الدولة الذي انشأه الهمة لمّا كان وزيرا منتدبا في الداخلية .. لخ .
لكن النظام الذي يعتقد انه انتصر ، لا يفعل بحصوله على هذه الانتصارات المسمومة ، سوى انه يزيل ، ويدمر آخر الحواجز الممكنة لاحتواء الشعب ، ومن تم تدجينه .
ان ضعف الهيئات ، والمنظمات الحزبية ، وظهورها بمظهر الواجهة الشكلية للسلطة ، جعل الغضب الشعبي سابقا واليوم ، يتوجه الى القصر مباشرة ، وينصب على شخص الملك بالذات ، رغم ان الدستور يجعل من نقد الامير الملك جريمة يحاسب عليها القانون .
ان هذا الوضع الكاريكاتوري الذي اضحت عليه الاحزاب ، هو نفسه الوضع الذي اضحت عليه النقابات . فأين ( ك د ش ) ، وأين ( ا م ش ) ؟ لقد تناسلوا مثل الفطر ، حتى اصبح كل منهما يتنافس في خدمة النظام .
النظام ، وليس الطبقات التي يدعون زورا التحدث باسمها إذن امام هذا الوضع الفاقع للأعين لم يبق بوسع للحسن الثاني ، إلاّ ان يقول ما قاله ، لأنه لا يستطيع ان يقول : ان الكارثة كانت محتومة ، وان وزير ماليته ، حين قدم ميزانيته الى البرلمان ، ان تكون سنة 1983 وخيمة وخطيرة العواقب ، ربما قول ذلك يعني الاعتراف الصريح بفشل سياسة الحكم .
سؤال : الكل يجمع اليوم الى ان الوضع الاقتصادي ، والاجتماعي ، والسياسي ، هو اخطر ممّ كان عليه الحال في 1983 وما قبلها ، كما انه اخطر ممّ كان عليه الوضع في يونيو 1981 ، ومارس 1965 ، وديسمبر 1990 ، ومع ذلك لا انتفاضة على الابواب . فهل تم تدجين المواطن المغربي مع قبول الفقر ، واعتبار هذا ارادة الهية لا مفر منها ؟ هل تحول المواطن المغربي الى مازوشي ، يتلذذ بمن يقهره ، ويهينه ويذله ، حيث ’تفرّق ، وبشكل مهين ( البطّانيات ) ، اي ( الكاشّة او الماطْلة ) ، مع قالب من السكر ، وعلبة شاي رديء ، مع شيء من الدقيق ، وخمس ليتر من الزيت الرومية التي تذوب في اسبوع ، وربما مع حلول الصيف الحار ، سيوزعون عليهم ( مايّوهات ) السباحة في البرك التي خلفتها الفيضانات بتلك المناطق النائية ؟
هل السبب في ان التاريخ لا يعيد نفسه ، وإن اعاده يكون ذلك في المرة الاولى بشكل ردئي ، ويكون في المرة الثانية بشكل تراجيديا ؟
هل السبب في خيانة النخبة ، من احزاب ، وجمعيات ، ومنظمات ؟
الجواب سيكون ممّا ينتظر القضية الوطنية ، من مصير مضبّب وخطير . فإذا ذهبت الصحراء ، الانتفاضة الجماهيرية ستندلع في كل المغرب ، وليس فقط في بعض المدن او الحواضر . .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطر / اسرائيل ضالعتان في اغتيال الجنرال قاسم سليمان
- كلمة أمازيغ
- نفس المسرح // Le même théâtre
- المغرب -- اسبانيا // Maroc -- Espagne
- الحكومة الاسبانية
- ايران - امريكا // Iran - SA
- تعطيل تنفيذ احكام ( القضاء ) في حق الاملاك العامة للدولة
- قصيدة شعرية / المغرب المنسي .
- الرئيس دونالد ترامب
- فخ المشكل الليبي : هل ستسقط فيه تركيا ، ام هو فخ منصوب لمصر ...
- هل ستندلع حرب نظامية بين امريكا وايران ؟
- كيف استطاعت الولايات المتحدة الامريكية من الوصول الى قاسم سل ...
- الجنرال قاسم سليمان
- الحوار المتمدن // Ahewar.org
- مقاومة / معارضة // Résistance / opposition
- إنتقاد الملك // Le critique du Roi
- القادم أخطر و أصعب .
- الإنتفاضة الشعبية
- نفس المحاربين // Les mêmes gladiateurs // Le polisario
- المغرب يتسول // Le Maroc se mendicité


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - سنة وثلاثين سنة مرت على انتفاضة يناير 1984