أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - براميل على الذاكرة














المزيد.....

براميل على الذاكرة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6209 - 2019 / 4 / 23 - 23:32
المحور: الادب والفن
    


حدثنا بمتعة عن بيته في حلب في حي الميدان مقابل الجامع. حدثنا عن بيته الذي كان. قال إنه قضى في حلب سبع سنوات من أجمل أيام العمر. كان جديداً على المدينة الغنية بكل ما يخطر في البال، وبعد فترة وجيزة من سكنه ثمة، صار بيته مجمعاً للأصدقاء الحلبيين وغير الحلبيين المختلفين في مشاربهم وتوجهاتهم، فهو كاتب ويميل إلى معرفة بلاده والإحاطة بجوانبها ومعاينتها ومخالطة أهله ومواطنيه. قال إنه كان يحرص في كل زيارة إلى حلب بعد أن غادرها، على أن يزور الحارة ويلقي على بيته نظرة من على الرصيف المقابل. لكنه في واحدة من المرات، وبينما هو يتأمل بيته من الخارج كالعادة، وجد نفسه مدفوعاً للصعود إليه. ساير نفسه. صعد السلم الذي بدا عليه التلف بفعل السنين وقلة العناية. وقف أمام الباب وتردد في قرع الجرس. لم يكن في باله أن يدخل ربما، كل ما كان يريده هو أن يرى الباب وما حوله. ثم تشجع كما لو أن بيته ناداه للدخول، مد يده وقرع الجرس بتردد أولاً ثم بإصرار فيما بعد حين لم يلق استجابة.
بقي الباب موصداً في وجهه وهو الذي كان قد جهّز جواباً لمن يمكن أن يفتح له الباب ويسأله ماذا تريد. "كان هذا البيت مسكني لسبع سنوات، وأريد فقط أن ألقي عليه نظرة من الداخل". كان يستعد أن يقول هذا لمن سيفتح له الباب، وكان يظن أن هذا لن يتردد في السماح له بالدخول، حينها سوف يتجول قليلاً في البيت، وسوف يعري البيت من قشرته المستجدة ليجعله مطابقاً لذاته قبل كل هذا السنوات المتراكمة، ثم سوف يسمح لذاكرته القديمة بأن تنمو وتتسلق على جدران البيت الداخلية وعلى التفاصيل والتقاطعات والزوايا، وسيعود لزوجته بكنز من الصور والانطباعات. غير أن الباب لم يفتح وبقي الكلام الذي أعده بلا فائدة، وبقيت الذاكرة ثقيلة بلا سند أليف تتكئ عليه. وقف حائراً أمام الباب الأصم مثل راغب مصدود. الأبواب تتغير أيضاً. كان حين يعود إلى هذا الباب، يشعر أنه يفتح له بسلاسة تتفوق على سلاسة فتح الباب بالمفتاح. كان يقول إن بابه يفتح له ليس بفعل المفتاح بل لأنه يعرفه ويعرف وقع قدميه على السلم ويعرف رائحة ملابسه وطول قامته ونوع الأغاني التي يدندنها على السلم، ويعرف ربما لون أمانيه وطعوم مشاعره وحجم مشاغله، ويعرف خفة قلبه وسرعة تأثره، فتراه يفتح له ما أن يضع المفتاح وكأنما يفتح تلقائياً. غير أنه الآن أصم وأعمى وبلا قلب يتعرف عليه. ربما بدل الباب هواه وصار مرهوناً لحب هذا الذي كتب بجانب الجرس اسمه وصفته. محبطاً، أخرج صديقي هاتفه المحمول واتصل بزوجته: "صباح الخير.. هل يمكنك أن تخمني أين أقف الآن؟" فجاءه الجواب من على بعد أكثر من ثلاثمئة كيلومتراً: أمام باب بيتنا في حلب؟
بقيت جدران بيته الحلبي قابلة إلى أن تتحول في يوم ما إلى متكئ يتسلق عليه لبلاب الذاكرة السريع النمو. تكررت زيارات صديقي إلى حلب ولكنه في كل مرة كان يزور بيته من الخارج ويأمل أن تكون زيارته القادمة أرحب وأكثر ملاءمة من أجل أن يحاول رؤية بيته القديم من الداخل. بقي يدفع أمله إلى الأمام وبقي هذا الأمل المؤجل حياً إلى أن مات فجأة تحت ثقل جسم ثقيل يهبط من جهة السماء ويحيل الأمل والأماني والأحلام كما البيوت إلى خراب. في لحظة واحدة جاءت له شاشة التلفزيون ببيته على شكل سحابة كثيفة من الغبار. فقد كان أن اختار البيتَ برميلٌ متفجر قبل أن يختار القدر لصديقي وقتاً مناسباً كي يزوره من الداخل. لم يعد الأمل المؤجل مؤجلاً ولم يعد بوسع البيت أن يمنح جدرانه وتقاطيعه لصديقي كي تعرش عليها ذاكرته التي حولها البرميل إلى ذاكرة حزينة، وجردها من أليفها الحجري الذي كان يمكن أن يمنحها ذاته يوماً كي ترضى وتضخ في الماضي السعيد المفقود شيئاً من روحٍ حاضرة فتحييه قليلاً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -المقامر- على أضواء سورية
- الموت تحت التعذيب
- بيت في المخيم
- إرهاب ضد الإرهاب
- البلد العابر للسياسة
- النساء في الثورة السورية
- من الذي قلع عين الرئيس؟
- حزب السيارة الزرقاء
- عميد مغلق وباب مفتوح
- الطبيب المسكين وفخامة الجريح
- يا حيوان ليش ما قلت انك -منهم-؟
- تموت وتاكل غيرها
- موت الرواية
- أرض الألغام
- عزلة المنكوبين
- الاغتصاب
- العلويون والثورة السورية
- سلعة العداء للامبريالية في سوق العالم الثالث
- صادق جلال العظم، تراجيديا مفكر
- حسين العودات، النهضة العربية المفترضة والهمّ المزدوج


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - براميل على الذاكرة