أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - فيلم كفر ناحوم














المزيد.....

فيلم كفر ناحوم


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 6142 - 2019 / 2 / 11 - 08:06
المحور: الادب والفن
    


لعلّ الإبتسامة العريضة التي ارتسمت على شفتي ( زين الرفاعي) في آخر لقطة من الفيلم ، لم تقلل من الدموع التي كانت تسحّ من عيون الجمهور الكندي ، وهو يتفاعل مع فيلم ( كفر ناحوم) ، الذي يُعرض لأول مرة على قاعة ( باي تاون ثييتر ) في مدينة أوتاوة عاصمة كندا.
والفلم من أخراج اللبنانية الشابة (نادين لبكي ) وتأليف جهاد حجيلي ، والذي استطاع أنْ ينقلنا إلى جحيم اللحظة التاريخية التي تقبع في زوايا المدن العربية .
لحظة الطفولة المعذبة ، التي حملت على أكتافها الفتيّة ظلما إنسانيا ، من جيلٍ فقَدَ بوصلة إنسانيته ، وبقي غارقا في لجّة العجز والفوضى ، والذي عبّر عنه بطل الفيلم الرئيسي (زين) في معرض دعوته في المحكمة . حينما قدم شكوى ضد أهله لأنهم أنجبوه :
" أشتكي عليهم لأنّهم خلّفوني"
ومن هذه اللحظة المتشنجة ، تنقلنا المخرجة إلى البدايات ، حيث البشر المكدسون في علب الصفيح، والعمارات الحجرية المتآكلة ، والأسواق الرثة وعمليات الاستغلال البشري ، بكل أشكاله وألوانه ، والشذوذ بأنواعه .
باعة الأفيون ومدمنو الحشيش والشباب المهمشون. والهجرة غير الشرعية ،وما يرافقها من عمليات استغلال جنسي وابتزاز. والعبودية وتجارة البشر ، وفوضى السوق ،وقلق العيش الذي يشبه الموت. واستغلال الطفولة ، وإنهاكها بالأعمال الشاقة ، أو المتاجرة بها على شكل صفقات زواج للقاصرات.
إنه الحي الذي تحيطه الفوضى ، والذي رمزت له (بكفر ناحوم) كناية عن الجحيم .
كانت عين الكاميرة مفتوحة بأبعادها ، فقد التقطت مشاهد الأحياء البائسة في بيروت ، حيث أحزمة الفقر والحرمان من زوايا مختلفة. وجعلت المُشاهد يعيشُ قاع الحياة مجسَّما بأبعاد مختلفة ، من خلال تناثر زوايا التصوير ،والانتقالات السريعة للكاميرامصحوبةً بصخب الموسيقى ، الذي كان يعبّر عن فوضى المكان والزمان.
التقطت المخرجة( نادين لبكي) أبطال فيلمها من قاع الحياة ، وحاولت أن تستفيد من سحر عفويتهم ، وسلوكهم اليومي ، كبقايا من حُطام لبشرٍ ، وجدوا أنفسهم فجأة بين براثن الفاقة واليأس.
الطفل زين من عائلة سورية لاجئة ، ليس لديها أي مصدر للعيش ، ولكنّها تَعيلُ ( دزينة) من الاطفال. ومازال الأبوٓان منهمكين في وحل المعاشرة الشرعية ، والتي تنجب مزيدا من أطفال ، يفتقرون إلى أبسط متطلبات الحياة ، فتلجأ هذه العائلة إلى البحث عن زوج لإبنتهم القاصر ، التي لا تتعدى الحادية عشرة من العمر ،وحينما يرسلونها إلى الزوج ، يثور زين ويحاول أن يمنع جريمة الزواج ،ولكنه لم يستطع ذلك ، إزاء العنف الذي مورس ضده من قبل أبوين ، لا يدركان فداحة ما هم عليه. لذا يقرر زين أن يغادر أهله ، ويختار التشرد.
وحينما يدخل خلسة إلى مدينة ألعاب ، يلتقي صدفة بلاجئة أثيوبية تسمى (رحال )والتي أنجبت طفلا غير شرعي. وكانت تشتغل من عملها لتوفر أجور الكفالة من أحد التجار الذي يحاول ابتزازها. لذلك تستضيف زين وتجعله وصيّاً على طفلها الرضيع ( يونس). وحينما تم القبض عليها من قبل الشرطة اللبنانية. بقي زين يرعى يونس ويحاول إطعامه. ويتحمل معاناة هائلة في كفالته وتغذيته. وحينما يبحث عن الكفيل للاستفسار عن (رحال) يحاول صاحب المحل إقناعه بالتخلي عن يونس لقاء مبلغ من المال ووعد بتهريبه الى السويد.
يعود زين إلى أهله للبحث عن اوراق تفيده في الهرب ، ولكنه يجد خبرا مُفزعا ينتظره وهو موت شقيقته الطفلة سحر ، ضحيةً لزواج لا يناسب عمرها. فيختطف سكّينا من داره ليطعن الشخص الذي تزوجها وكان سببا في موتها. ويقبض على زين لإيداعه السجن والحكم عليه لعدة سنوات. ويستطيع أن يتسلل للإتصال التلفوني بقناة تلفزيونية. ويطلب منها أن ترفع قضيته إلى القضاء ، والشكوى على أهله لأنهم أنجبوه ، وقذفوا به إلى جحيم الحياة.
ورغم أن المخرجة كانت تنأى عن الواقعية في كثير من المواقف ، ولاسيّما الإمكانات الكبيرة التي اكسبتها إلى الطفل زين ، من حيث دقة وعيه ، وقدرته على إجتراح أفعال ، تُشبه المعجزات. ولكنها أرادت من ذلك أن تبني كيانا رمزيا لجيل معذب من الاطفال ، الذين وجدوا أنفسهم ضحايا لأخطاء جيلٍ أنجبهم ، وقذفهم في وحل حياة جحيمية الملامح. لذلك فقد كانت المبالغة في بناء الشخوص والأحداث مقبولة ومقنعة.
كما أدان الفيلم الحرب ، دون أن يتطرق إليها مباشرةً ، وذلك لنتائجها التي سببت بنزوح الالاف من اللاجئين الذين هربوا من دمار بلدهم ، ليلوذوا ببلدان غير قادرة على إيوائهم ، ومنها لبنان. كما طرح الفيلم التعسف الذي يلقاه الافارقة ، الذين يهربون من جحيم الفقر والفاقة ، ومنهم السيدة الاثيوبية (رحال) والتي كانت تمثّل مايُشبه وضعها الحقيقي ، حيث تم القبض عليها -فعلا- أثناء تصوير الفيلم ، كما ذكرت المخرجة ناديا لبكي في أحدى مقابلاتها.
لقد جاء فيلم كفر ناحوم كمنعطف كبير في السينما اللبنانية ووصولها إلى العالمية. ورغم أن إخراج الفيلم لم يتم في ستوديوهات خاصة للتصوير والتمثيل. وإنّما اختار مسرح الحياة الحقيقي ، حيث السجون الحقيقية المكتظّة بسجناء فعليين. كما اختار الشوارع المزدحمة والأزقة الضيّقة والأبنية المتهالكة ، ليقدم لنا لوحة سينمائية رائعة.مستفيدا من مواد الحياة الفعلية ، لذلك فقد طفح بلوحات فنية ، لا يمكن أن تتوفر في صناعة الأفلام القائمة على بناء المشهد وحياكته ، كي يُترجم الواقع .
لذلك فقد تكلل فيلمها بالصدق الفني ، واستطاع أنْ يطلق استغاثة مفادُها :
هل الأوراق الرسمية هي التي تمنح الإنسان إنسانيته ؟
كما ترجم الفيلم الصيحات المبحوحة واليائسة للطفولة ، ووضعها تحت أنظار العالم.
فيلم (كفر ناحوم )جديرٌ بالأوسكار ، وجدير بالدموع التي تقافزت ، وهي تتابع( زين ) الطفل اللاجيء وهو يسحب صديق بؤسه( يونس) في قدر طبخ على زلّاقة ، ليبحثَ له عما يسدّ رمقه.




#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- همس الدمى وضجيج الحرب
- جريمة طوبقال والحاضنة لها
- قراءة في رواية الفراشة ( بابيون)
- المنشار
- جائزة نوبل للسلام
- الإعلام
- العراق.. دولة المنظمة السرية
- راموس ومحمد صلاح
- هيفاء الأمين
- مابين متحف ابو ظبي ومتحف بغداد
- أغاني ناراياما
- الاستفتاء. بين الحق والقطيعة
- مليكة مزان .. والذبح العرقي
- الخيمة
- قمة النهي عن المنكر
- أحكام الجهاد في الاسلام
- الحرب البرمائية
- مطار الناصرية الدولي
- العبادي.. ومظاهرات جامعة الكوت
- Pinacchio والوزير صولاغ


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - فيلم كفر ناحوم