أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - الجينات الأنانية والكتابة














المزيد.....

الجينات الأنانية والكتابة


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5950 - 2018 / 8 / 1 - 15:12
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



فى طفولتى كنت أخفى مفكرتي، بعيدا عن عين أبى وأمي، والعيون الأخري. أن أكتب ، معناه أن أكون منفصلة عن الكون والبشر، والحياة والموت، وما بعد الموت. الكتابة توجد، حيث لا أكون ابنة، أو زوجة، أو أما، أو مواطنة. كأنما أنا ذرة حرة، تتحرك بعيدا عن روابط الدم والهوية، والدين، والوطن والجنسية والطبقة والعرق وغيرها. الكتابة معناها أن أعيش مكتفية بذاتي.

لم تكن الكتابة عندى مهنة، مثل الطب. وانما كانت هى الوجود أو العدم. لقد وُجد البشر على الأرض منذ ملايين السنين دون أن يدركوا علة وجودهم. يبلغ الانسان سن الرشد، عندما يكتسب هذا الوعي. لم تقدم الفلسفة إجابات شاملة، ولم تشبع نهم الأطفال للمعرفة. فقد أصبحت المعرفة أول خطيئة ارتكبها الانسان. لاشك أن معرفتنا بالعالم وبأنفسنا ستزيد على الدوام, ونعرف أكثر عن تكوين عقولنا، وأجسامنا، والجينات الموروثة.

فى كتابه الجين الأناني، يصف ريتشارد داوكينز، الحرب اللانهائية التى يخوضها الانسان منذ كان جنينا فى بطن الأم. وهى حرب حتمية ليس من أجل البقاء فقط ولكن من أجل التطور والتقدم والإبداع.

البقاء ليس للأصلح فى نظر داوكينز ولكن للأكثر انانية، وقدرة على كسب الوجود ان الجينات الأنانية، مبرمجة للحفاظ على الذات.انكار الذات، هو طريقة أخرى للحفاظ على الذات. قد تبدو متناقضة فى حالة الأمومة، قمة التضحية من أجل الحفاظ على الجنين. وفى حالة الكتابة الابداعية أيضا حيث التمرد والتضحية بالذات، من أجل تحطيم التقاليد والأنانية الموروثة بيولوجيا، والمفروضة سياسيا. من هنا ينشأ الصراع فى حياة الكاتب. ويصبح الصراع أكثر شراسة فى حالة المرأة الكاتبة.

فالمجتمع بقيمه الطبقية الأبوية يدخل عاملا أساسيا فى الحرب ضد المرأة الكاتبة، بصفتها الجنس الأدني، المحكومة بالسُلطة الاجتماعية والثقافية والموروثات الدينية.

تحتاج المرأة الى شجاعة خارقة، وقوة هائلة للافلات من سجن الزواج والأمومة المثالية ومفاهيم الأخلاق والطاعة. يصبح على الكاتبة أن تختار إما الكتابة الصادقة المعبرة عن ذاتها المستقلة، أو أن تصبح مواطنة مقبولة من المجتمع ولها أسرة وزوج وأولاد وبنات وأحفاد وحفيدات.

منذ طفولتى كنت أخشى أن تقع مفكرتى الخاصة فى يد أبى أو أحد أفراد الأسرة، تجنبا لغضبهم واستنكارهم. وبعد أن كبرت أصبحت أخشى أن أنشر كتاباتى على الملأ، فأصبح وراء الشمس.

فى الأيام الماضية من شهر يوليو لزمت الفراش بعد اجراء عملية جراحية فى عينى منعتنى من رؤية الحروف أو القراءة والكتابة. أصبحت كأنما أعود جنينا فى بطن أمى يصارع الظلمة ليخرج الى الوجود وضوء الشمس. بدأت أستعيد ملامح أمى التى علمتنى الحروف. رأيت فى عينيها الحزن لأول مرة وهذا الثوب الوردى الذى ترتديه، وشعرها المنسدل فوق كتفيها، كأنما لم تكن أمي، بل صورة معلقة على الجدار فى بيتنا القديم. كانت تبتسم فى الصورة لم تعرف أن الموت يتربص بها، وابنتها الطفلة الى جوارها، ترتدى فستانها الأبي، فى قدميها صندل ويحوط خصرها حزام جلدى عريض، وفى عينيها دموع. كان حلم أمي، أن تكون كاتبة، أو شاعرة. كانت تكتب قصائدها وتخفيها فى صندوق خشبى تحت السرير، وقد ماتت أمى منذ ستين عاما، ولم يبق منها إلا هذا الصندوق.

تضحى الأمهات بالكتابة والابداع من أجل الأمومة. وربما تكون هذه التضحية، هى هدف الجينات الأنانية باعتبار أن الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات، هم الامتداد الوحيد للأمومة البيولوجية.

أما الأمومة الأرقى فهى شيء آخر لا تحمله الجينات. بل هى ما تكتسبه خلايا العقل، من أفكار جديدة تسمى الميمات تكاد تشبه الجينات. لكنها ليست بيولوجية وانما ثقافية وفكرية وفنية، يتطور بها الكائن البشرى من رجل أو امرأة الى انسان أو انسانة تتجاوز روابط الدم وأنانية الجينات.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن مأوى بالليل أم نسيم البحر؟
- قانون مدنى واحد لجميع المصريين
- قوة الفكر فى المستقبل القريب
- البحث عن فيلم سينمائى جيد
- تحرير النساء وقضية الاشتراكية
- من أجل ما نفعل؟ أو من أجل ما نكون؟
- إبداع المرأة وسجن اللاوعى
- ما يفوق العمر والأنوثة والرجولة
- السنوات المسروقة من العمر
- المكبوت تحت الضلوع يخرج للشارع
- ما لا ُيكتب لا يوجد أبدا
- المعارضون للصهيونية بالبرلمان الإسرائيلى
- بعد ازدراء الأديان .. ماذا نشهد من ظواهر؟
- أى أنواع الموت يختار؟
- حتى يا جوافة؟
- هزائم متكررة لم تكسر القوقعة
- القارئات والقراء والإرهاب
- كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟
- الخوف من طرح الأسئلة المحرمة!
- تعريف جديد للأدب والكتابة


المزيد.....




- هل إمتاع الذات هيؤثر على صحتك؟
- بالتزامن مع اليوم الدولي .. جلسة معرفية عن التعاونيات
- فرانشيسكا البانيزي.. المرأة الشجاعة التي تستحق جائزة نوبل
- في العراق.. كابوس الحضانة يفتك بصحة النساء النفسية والجنسية ...
- بيان تضامني مع سنية الدهماني واستهداف الناشطات في تونس
- مادلين.. صيادة من غزة تتحول إلى رمز لصمود المرأة الفلسطينية ...
- لأنني لم أجد أمًّا تحضن وجعي.. قررتُ أن أكونها
- رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة للجزيرة نت: اللجنة الأولمبية تح ...
- هنا الآن لينك التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر ...
- رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة للجزيرة نت: اللجنة الأولمبية تح ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - الجينات الأنانية والكتابة