أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: القاف














المزيد.....

الجزء الثاني من الرواية: القاف


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5379 - 2016 / 12 / 22 - 15:28
المحور: الادب والفن
    


" دَعْ ابنك وشأنه؛ فإنّ هذه حياته لا حياتك! "
كذلك خاطبت " للّا بديعة " زوجها، معقّبةً على رفضه إقتران " سيمو " بفتاة سيئة السمعة. كلاهما، الأب والابن، نظرَ بدهشة إلى مصدر الصوت الحازم. تلك، لعلها كانت من المرات النادرة، التي رفعت فيها زوجة " السيّد الفيلالي " صوتها معترضةً على أمرٍ بتّ فيه.. بله يخصّ أحد أولاده من زوجته الأولى. ولأنه كان رجلاً مسكوناً بالهواجس والظنون، لم يكن بالغريب أن يجيبها في شيءٍ من الشدّة: " لو أنه ابنك، أكنتِ رضيت له هكذا فتاة؟ "
" بلى..! ويعلمُ الله أنه وأخوته بمقام من أنجبه رحمي "، ردّت على زوجها وهيَ تنظر في عينيه. في مرآة عينيها أيضاً، كان على الرجل المتجهّم الوجه أن يرى صورةً معكوسة للماضي؛ صورة، لطالما تمنى لو أنها تختفي أبداً. عليه كان أن يتذكّر، كيف عيّرته امرأته الأولى بالأصل المجهول للفتاة " بديعة " آنَ معرفتها بنيّته الإقتران بها: " وفوق ذلك، فإنها كانت تخدم ببيوت الأكابر لكي تمدّ بالمال الأسرةَ اليهودية المُحسنة! ".
" رقية " شقيقة السيّد، وكانت تكبره بنحو العامين، سبقَ لها في حياتها أن كانت تمتهن التجارة الحرة بالذهب. استهلت عملها في مسقط رأسها، ورزازات، لما كانت " بديعة " ما تفتأ طفلة تعيش عند تلك الأسرة اليهودية في حيّ الملّاح، المراكشيّ. آنذاك، كان يهود ورزازات قد بدأوا في تغريبتهم، ميممين شطرهم نحوَ أرض الميعاد. ولأنهم كانوا بحاجة للمال، راحوا يعرضون ممتلكاتهم ومقتنياتهم للبيع بثمن بخس. إنتقال " رقية " إلى مدينة مراكش، جرى بعيد استقرار شقيقها ثمة كمعلّم معمار. كانت قد كسبت الخبرة من تعاملها مع ذَهَب أولئك اليهود، المتأهبين للذهاب إلى وطنهم الجديد. ويقال، من ناحية أخرى، أنها كانت تشبه شقيقها في شكله وخلقه. على ذلك، بقيت بدون زواج حتى هرمت في مدينتها الأولى، ورزازات، التي كانت قد عادت إليها لتقضي فضلة أيامها بين من تبقى من أهلها.
" مَن هيَ تلك الفتاة، المليحة والنابهة؟ "، هذا السؤال كان فاتحة تعرّف " رقية " على من ستصبح امرأة شقيقها الأصغر. إذاك، كانت " بديعة " تخدم في منزل أحد السراة المسلمين بحيّ القصبة، المجاور. وإنها زوجة هذا الأخير، من تعهّدت جواب تاجرة الذهب: " هيَ فتاة مسلمة يتيمة، كانت تعيش أولاً مع شقيقة وحيدة عند أسرة يهودية محسنة في الملّاح. كان زوجي يوماً بزيارة لزوج شقيقتها، لما أبدى إنبهاره بطريقة تحضير الدجاج المحمّر. عندئذٍ، أعلمه صديقه المضيف بأمر الفتاة ومهارتها في الطهي وتدبير شؤون المنزل ". على نفس المنوال، أنتقلت " بديعة " من يد إلى أخرى حتى وجدت رجلاً وضعها تحت سقفٍ يؤويها ـ كزوجة وربّة بيت، ثم لاحقاً كأم.
لحين سفر " السيّد الفيلالي " إلى باريس، مُعاراً من لَدُن الشركة الفرنسية، كان يتنقّل بأسرته من مدينة لأخرى. لم تكن " بديعة " تشكو من شظف العيش، بل من الغيرة على رجلها كونه زير نساء. على أنها ما كانت لتجرؤ على مواجهته بهذا الأمر، وذلك خشيةً من أن يؤدي تهوّره إلى تقوّض بنيان الأسرة. من ناحيته، كان السيّد بدَوره شديد الغيرة على امرأته بالنظر لحُسنها والفارق الكبير بالسنّ بينهما. في إحدى المرات، كاد أن يرمي عليها اليمينَ حينَ لمحها قادمة من جهة المدينة في سيارة أجرة وكانت جالسة بالقرب من السائق. في الأثناء، كان هوَ مسترخياً على الكرسي في الباحة الخارجية للمقهى الأقرب إلى منزله الأول، المراكشيّ. فلم ينقضِ الأمرَ في رويّة، إلا بعدما جاءت " بديعة " بالمصحف الشريف لتقسم عليه معولةً: " كانت ثمة امرأة تفصلني عن السائق، ثم نزلت خلال الطريق. فأيّ ذنبٍ أكون قد جنيته؟ ".
ذلك المنزل، وكان يقوم في المدخل المؤدي إلى الملّاح من جهة باب أغمات ( آل من بعد إلى ملكية خولة )، شهدَ أيضاً حادثاً غريباً. كانت " بديعة " ذات مرة في زيارة لزوجة مخدومها السابق في حيّ القصبة، فاشتكت أمامها من الملالة والضجر: " أشعر بحياتي فارغة من أيّ معنى، أقضي الساعات الطوال بين الجدران نهبة للوساوس ". عند ذلك، أقترحت عليها المرأة المضيفة البدءَ بتعلّم الخياطة لما فيها من إشغال للوقت ومنفعة مادية. بضعة أشهر على الأثر، وكانت " بديعة " تملك ماكنة خياطة صينيّة الصنعة، حصلت عليها هديةً من تلك السيدة. " نعيمة "، الشقيقة الأصغر والوحيدة، كانت هيَ من تتعهّد تسويق الجلابات النسائية والفراجات الرجالية، التي كانت تحبكها " بديعة " باتقان وحرفيّة. ذلك كله، كان يجري خفيةً عن عينيّ الزوج الصارم. إلى أن كان يوماً، أعترضَ فيه " السيّدُ الفيلالي " شقيقة امرأته عند مدخل المنزل وكانت محمّلة بمواد أولية للخياطة. كان ذلك من حُسن فأل الزوجة، حيث أجابته لما سألها مرتاباً عن شأنها وتلك المواد: " لديّ آلة خياطة أتسلى بها بين حين وآخر، وكذلك أمنح أختي بعضاً من شغلي "
" عليكِ أن تختاري بيني وبين ماكنة الخياطة هذه..! "، زأرَ السيّد بصوته المخيف وقد بدت على سحنته آيةُ سوء الظن. أسقِطَ في يد المرأة الملولة، ولم تجد بداً من الإذعان لإرادة الرجل المُتسلّط. نقلت " بديعة " ماكنتها الأثيرة إلى حجرة المطبخ، لتكون قدام عينيها طوال ساعات عملها هناك. ذات ظهيرة، وكان الوقت شتاءً عاصفاً، تناهى من سقف الحجرة أزيزاً متصلاً. فلما قدم رجلها من خارج المنزل، فإنها بادرته قائلةً بنبرة وجلة: " أحسَبُ أنّ سقف المطبخ سينهار سريعاً، وما كان لك أن تبني فوقه حجرة المستودع ". ضحك السيّد بصوتٍ عال، قبل أن يجيبها مُطَمْئناً: " لا يعدو الأمرُ على كونه فأراً، شاءَ أن يمازحك بخشخشة مريبة! ". ليلاً، وفيما كان الزوجان راقدان بحجرتهما الكائنة في الدور الأرضيّ، صدرَ دويّ رهيبٌ متماهٍ مع صدى الرعد. هبّا كلاهما من فراشهما، وأتجها تلقائياً إلى الناحية المقصودة. لما أراد السيّد فتحَ باب المطبخ، فإنه استعصى عليه. فخلعه إذاك بركلة قوية. السقف، كان منهاراً جزئياً، ساحقاً تحتَ ثقله ماكنة الخياطة.











#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
- الفردوسُ الخلفيّ: النون
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: القاف